كلمات الرئيس السيسى فى الكاتدرائية بالعباسية فى ليلة عيد الميلاد المجيد.. ليست مجرد كلمات رقيقة.. لكنها فجرت معانى عميقة.. أكدت فى مفاهيمها الصادقة أن مصر دولة ليست مجرد دولة أو رقم أو حضور على خريطة لكنها وطوال تاريخها تؤدى دورها الإنسانى.. مؤكدًا أنها رسالة للبشرية.. وما أعظمها رسالة.. وبدون شعور بتفخيم الذات التى يتهم بها المصريين.. نجد أن الطبيعة أقامت تحالفا للخير بين مكوناتها المادية والعقائدية.. فنجد على ضفاف النيل الخالد.. تحتضن مصر الأديان السماوية.. ففى القاهرة القديمة أو فى الإسكندرية نجد الكنيسة المرقسية ومقر البابوية اليونانية.. نجد أيضًا المعبد اليهودى فى القاهرة والآخر فى الإسكندرية الذى يضم الوصايا العشر.. ومعالم الأديان المنتشرة فى أنحاء مصر تضىء النيل الخالد.. بإشعاعها وتعلى كلمة الله على الأرض تدعو شعوب العالم وليس المصريين فقط لتلبية نداء الوحدة والهداية والخلق العظيم ونبذ العنف والإرهاب لذلك فإن الآية الكريمة تقول: «أدخلوها بسلام آمنين» هى الغمام الإلهى لرب الأمن بالسلام وعندها لا يكون دخول مصر للمسلمين فقط.. لكن الدعوة لكل إنسان.. ولكل صاحب عقيدة.. وبذلك يتأصل دورها فى أن تكون رمزًا للتعايش.. فهى ليست وعدا من حاكم أو مسئول سياسى أو أمنى ولكن ما أغلى الالتزام وما أعظم الوعد وعد السماء وأن الله لا يخلف وعده على أرض مصر.. تعانقت حتى المناسبات فيأتى المولد النبوى الشريف متزامنًا مع عيد الميلاد المجيد ليست بحكم الزمان ولكن بحكم المكان وهذه المناسبات المتتابعة تشع البهجة فى نفوس كل المصريين تترجم ثوابت هذه الشخصية. ولا ننسى منذ القدم «ممفيس» التى تقع على الجانب الغربى من النيل و«هليوبوليس» حيث كان أول مدينة على النيل وأطلق عليها العرب «عين الشمس» ومدينة «بابليون» أول بذرة لنهضة عمرانية وكانت حلقة الوصل بين القاهرة وأقاليم مصر.. واحتضن «حصن بابليون» كنائس مصر القديمة المسيحية مثل أبو سرحة والكنيسة المعلقة التى كان يتردد عليها جنود الحامية الرومانية الذين كانوا يحرصون الحصن.. والذى يطالع تلك الخريطة الإنسانية بمفهومها المعنوى نجد أن معانى خصبة تحث إلى أن يفكر جيوش الباحثين من مختلف التخصصات لكى يؤلفوا موسوعة تثرى وتحرك المياه الراكدة فى الفكر العلمى.. ولا أدرى لماذا لا يوجد معهد فى الجامعات المصرية.. يدرس أسرار هذا الفرع العلوم ويكشف الستار عن سر «التحام الأديان على أرض مصر».. يزيد من هؤلاء الباحثين أن يعلنوا من خلال اجتهاداتهم السر فى اختيار العرب لموقع الفسطاط والظروف السياسية والاجتماعية التى أحاطت بتأسيس هذا التجمع العمرانى.. لماذا لا يقوم هذا المعهد المقترح بدراسة التقاليد العربية فى فترة تأسيس المدينة الإسلامية الأولى.. ويعيد قراءة كل ما يتعلق بالنشاط الإنسانى وكذلك علينا أن ندرس من خلال الزيارة للسجن الذى سجن فيه سيدنا يوسف عليه السلام فى الفيوم الآن.. حيث تبدو مصر الفرعونية من خلفية الأحداث.. لماذا لا يقوم رجال الهندسة.. بإقامة دراسة حول حصن بابليون الذى حاصره عمرو بن العاص واستطاع أن يقوم بدراسة لإنشاء أول عمل هندسى تنموى داخل الصحراء الشرقية والغربية.. وكذلك إنشاء مقياس النيل قبل وصول الإسلام.. لماذا لا يكشف العلماء سر أن المعبد اليهودى بالقاهرة كان فى الأصل كنيسة قبطية.. وباعها لليهود البطريرك ميخائيل وهو البطريرك رقم 56فى القرن التاسع عشر.. وأقيم عليها المعبد الموجود حاليًا إننى أطالب بأن يقوم الخبراء بالتعمق فى فلسفة الأديان والدراسات المقارنة ما أقصده ليس نظامًا موازيًا للأزهر فهذا الرمز الغالى له دوره الذى جعل منه أكبر جامعة فى العالم.. ولو كره الكارهون.. لكن مصر عرفت مثل هذه المعاهد التخصصية التى كانت تدرس العلوم الإنسانية.. أن الموضوع يحتاج ترجمة ما قاله الرئيس السيسى من أفكار لدعم مسيرة الدراسة المتعمقة إلى فكر متميز.. ما قاله الرئيس تفسير وطنى برؤية قديمة جديدة يعبر نحو شعور المصريين بوطنهم وهو تفسير للعبارة الخالدة التى قالها الراحل الأنبا شنودة الثالث «مصر ليست وطنا نعيش فيه ولكنه وطن يعيش فينا».. ياليتنا نقوم بدور الداعية لصياغة نداء عالمى لكى يشارك المجتع الدولى فى روح البحث العلمى عن سر «التحام الأديان فى مصر».. وهذا لا يكون إلا بالمعانى العلمية المتجردة والمساواة ومكافحة الإرهاب بالعلم الصحيح والدراسة المتعمقة.. لتظل فى عقول الباحثين والدارسين ورافعى مشاعل الحضارة.. نجدد خلاياها.. فنكتشف أسرارا غامضة سواء كانت فى الورق أو الحجر.. لكنها ستضيف صفحات جديدة مضيئة حتى لا يصبح تاريخنا فى ذمة التاريخ!!