حالة من الجدل مازالت تحاصر كارثة التدافع فى منى والتى أسفرت عن سقوط العشرات من الضحايا ما بين متوف ومصاب من بعثة الحج المصرية هذا العام.. وبينما صرح مسئول سابق بوزارة الصحة المصرية بأن السبب الأرجح للكارثة هو إطلاق غاز «الخردل» السام، نفت وزارة الصحة السعودية ذلك وأكدت أن الكشف على الجثث أثبت أن وفاتهم بسبب الاختناق نتيجة شدة التدافع.. «أكتوبر» تفتح هذا الملف الشائك.أكد الدكتور عبد الحميد فوزى المستشار السابق لوزير الصحة والسكان وجود دلائل على استخدام «غاز سام» فى حادث التدافع بمشعر منى الذى وقع أول أيام عيد الأضحى المبارك وتسبب فى وفاة وإصابة المئات من الحجاج، مؤكدا أنه توصل إلى هذه النتيجة من خلال ملاحظاته التى سجلها بعد مشاهدته للعديد من الجثث التى سقطت فى الحادث إضافة إلى تواصله مع عدد من المصابين. وأوضح أنه فقد ابن شقيقه أثناء أداء المناسك وبعد رحلة بحث مع عدد من الأصدقاء من السادسة صباحًا إلى الثامنة مساء عثر عليه بعد مروره على مستشفيات المشاعر المقدسة فى منى وعرفات ومكة لافتًا إلى أنه صادف فى هذه المستشفيات نحو 50 حالة فقدان ذاكرة بين المصابين فى حادث التدافع واكتشف أن أغلب المصابين وصلوا إلى المستشفيات فى حالة إغماء واستفاقوا منها خلال فترة تتراوح بين ساعتين إلى ثمانى ساعات وهم مصابون بحالات فقدان للذاكرة ما دفع المستشفيات إلى تسجيل هذه الحالات تحت بند «مجهول»، لعدم قدرتها على التوصل إلى بياناتهم الصحيحة. وأضاف فوزى أن أرجح التفسيرات لسبب الحادث هو تعرض الحجاج فى منى لغاز سام «قاتل» تسبب فى وفاة كل من كان قريبا من مصدر انبعاث الغاز بينما أصيب المتواجدون فى الأماكن الأبعد بتسمم فى خلايا المخ أحدث نوعا من فقدان الذكرة والهلوسة وأصاب البعض بعدم القدرة على التحكم فى تصرفاتهم وليست بهم أى خدوش أو رضوض أو أى إصابات وأيضا هناك العشرات من الموتى الذين شاهدهم فى الثلاجات لا توجد على أجسادهم أى إصابات ظاهرة يمكن أن نحكم بها على سبب الوفاة مؤكدا أن الفيصل فى إثبات ترجيحاته هو تدخل الطب الشرعى بأن يقوم أحد الأطباء الشرعيين بفحص رئة أحد المتوفين وتحليل المواد التى ترسبت فيها للتأكد من وجود غاز سام من عدمه. وأضاف أنه حاليا يطالع بعض الأبحاث العلمية التى أنتجتها جامعات عالمية حول طبيعة الغازات السامة وخصائصها وتأثيراتها على الإنسان لمقارنتها بحالات الوفيات والمصابين مؤكدا أنه سينشر كل جديدٍ يتوصل إليه عمليّا فى هذا الشأن. وأشار إلى أنه يحج منذ قرابة 25 عاما فى أوقات كان الزحام والتدافع فيها على أشده فى ظل غياب الكثير من التسهيلات التى باتت موجودة حاليا بالمشاعر المقدسة مؤكدا أن أصعب حالات التدافع والزحام التى شاهدها طوال حياته فى الحرم لم تسفر عن هذا الكم الهائل من الضحايا ما يؤكد وجود مؤثر خارجى كان السبب فى وفاة وإصابة كل هذه الأعداد وقد شاركه هذا الشك العديد من كبار الأطباء فى المستشفيات. من جانبها أكدت وزارة الصحة السعودية عدم صحة ما تم تداوله بأن مصابى تدافع منى أصيبوا بالغيبوبة إثر استنشاق غاز سام، وقال فيصل الزهرانى المتحدث باسم الوزارة إن هذه الشائعات المتداولة ما هى إلا افتراضيات غير علمية ولو فرضنا انفجار قنبلة وانبعاثها وسط الحشود المتدافعة فى مشعر منى فلماذا لم يصب رجال الأمن والمقربون من الموقع بالتسمم!! مبينا أن أكثر الحالات التى نقلت عبر الهلال الأحمر والإسعاف كان تشخيصها اختناقات وضيق فى التنفس وكسور متفرقة من أثر التدافع وحالات إجهاد حرارى بسبب ارتفاع درجات الحرارة وشدة الشمس. مضيفا أن وزارة الصحة السعودية تمتلك أجهزة حديثة لعلاج حالات ضربات الشمس التى ربما تتسبب فى الوفاة وتعمل على تبريد الجسم والعلاج السريع للمريض. غاز الخردل وأوضح الدكتور سمير الملا أستاذ جراحة المخ والاعصاب جامعة عين شمس أن غاز «الخردل» والذى يؤدى إلى فقدان الذاكرة هو مركب كيميائى ينتمى لصنف من المركبات العضوية التى تدعى الثيولات، وهو سائل يصدر بخارًا خطرًا، ويسبب حروقًا وتقرحا فى الجلد المعرض ويؤذى غاز الخردل الجهاز التنفسى عند تنشقه ويسبب التقيؤ والإسهال عند ابتلاعه ويلحق أضرارًا بالأعين والأغشية المخاطية والرئتين والجلد والأعضاء التى يتولد فيها الدم. وقال إن أخطر التأثيرات الطويلة الأجل بسبب كون غاز الخردل مسببا للسرطان والتغييرات الوراثية، ولا يوجد حاليا أى علاج له انه ويستخدم فى الحروب و ممنوع دوليا موضحا أن الغاز يؤدى إلى الوفاة عند ضخه بكميات كبيرة ويؤدى لفقدان الذاكرة عند التعرض لكميات قليلة منه ويستبعد الملا تعرض الحجاج فى منى لهذا الغاز لأن انفجاره فى مكان يؤدى إلى وفاة وإصابة جميع الموجودين فى هذا المكان وأكد أستاذ جراحة المخ والأعصاب أن التدافع والزحام والحالة العصبية التى تعرض لها الحجاج هى التى تؤدى إلى فقدان الذاكرة المؤقت والذى أصاب عددا كبيرا منهم. من جانبها قالت الحاجة سيدة «فلاحة» من دمياط : كنت فى الحج هذا العام بعد ما نزلنا من المزدلفة كان ماشى ورانا جماعة كبيرة من الأفارقة السود وفجأة قابلنا جماعة بيقولوا عليهم من الإيرانيين وكانوا بيزقوا فينا جامد حتى إنى شتمت فيهم وضيعوا على حجتى «الله يسامحنى ويسامحهم بقى» ومرة واحدة بلتفت ورايا لقيت ناس بتضرب فى بعض وأغمى عليا ما فوقتش إلا وأنا فى المستشفى. وقال حسين محمد أحد أهالى ضحايا حادث تدافع مشعر منى إنه فقد زوجته خلال التدافع بسبب موجة غير طبيعية من الزحام الشديد بعد رمى الجمرات ما أدى إلى وفاة العديد من الحجاج وأضاف أن وزارة السياحة المصرية لم تستخرج البطاقات الممغنطة للحجاج المصريين للتعرف عليهم فى حدوث حالات التزاحم مشيرا إلى أن هذا الخطأ أدى إلى وجود الكثير من العقبات فى العثور على المفقودين موضحا أن بعثة الحج المصرية لم تتحرك سوى بعد مرور 8 أيام على فقدان الحجاج. وأشار إلى أن مطار جدة كان يأخذ عينات من الحجاج عند خروجهم من الأراضى المقدسة ولكن ترك العديد من الحجاج يمرون ولم تخذ منهم عينات فى هذا العام بسبب التزاحم الشديد. وقال عبد الرازق قرنى ابن الحاجة زهرة حسن حسين المفقودة بحادث تدافع منى فى الحج إن والدته لم يتم العثور عليها بين الوفيات أو المصابين حتى الآن مؤكدا أن المسئولين رفضوا الإجابة عن استفساراتهم حتى الان وأن هناك تقصيرا فى متابعة الحالات. وأكد محمد السيد أحد أهالى الضحايا أن تحليل DNA بارقة أمل للوصول إلى المفقودين حيث يتم أخذ العينات بدقة متوقعين أن يكون هناك أخبار جديدة عن هؤلاء المفقودين، مطالبا المسئولين بالدولة بتحديد هوية المفقودين. عدد الوفيات من جانبه أعلن الدكتور أحمد عماد الدين راضى وزير الصحة والسكان أن إجمالى عدد الوفيات بين الحجاج المصريين فى حادث التدافع بمشعر «منى» بلغ 148 حالة وفاة، و96 مفقودا، و13 مصابا تحت العلاج بمستشفيات السعودية. وأشار إلى أن إجمالى حالات الوفاة بين الحجاج المصريين فى حادث رافعة الحرم بلغ 5 حالات و28 مصابا خرج منهم 21 مصابا من المستشفيات بعد تحسن حالتهم ويتبقى 7 آخرون تحت العلاج بالمستشفيات السعودية. وعن أعمال البعثة الطبية المصرية قال وزير الصحة والسكان إن إجمالى عدد المترددين على عيادات البعثة بمكة والمدينة وجدة بلغ 55 ألفا و451 حاجاً، كما بلغ عدد الحالات التى تم دخولها المستشفيات السعودية 204 حالات، خرج منهم 139 حالة ومازال 65 آخرون تحت العلاج، مشيرًا إلى أن عدد حالات الغسيل الكلوى 108 حالات. وأكد وزير الصحة أنه اطمأن بنفسه على الحالة الصحية للمصابين الذين استقرت حالتهم بشكل كبير لافتا إلى ان الخدمات الطبية المقدمة لهم بالمستشفيات السعودية تتم بأعلى معايير الجودة. وقال راضى إنه قام بزيارة السعودية للاطمئنان على صحة المصابين المصريين فى حادث « منى»، مضيفا أن وزير الصحة السعودى أمر فور وصوله بتشكيل فريق عمل لمرافقته أثناء مروره على المستشفيات التى يعالج بها المصابون المصريون للاطمئنان على حالتهم الصحية وتيسير إجراءات التعرف على المتوفين المصريين. فى السياق ذاته تسلم وزير الصحة والسكان من نظيره السعودى صور المتوفين والمصابين وبياناتهم، وذلك فى إطار إجراءات تسهيل التعرف على المصابين والمتوفين من قبل ذويهم ، بالإضافة إلى ذلك وافق وزير الصحة السعودى على أخذ عينات «DNA» من أقارب المفقودين المصريين لمقارنتها بالجثامين التى لم يتم التعرف عليها حتى الآن، وذلك لتسهيل التعرف عليها. وقال وزير الصحة إن البعثة الطبية المصرية تتكون من 365 مبعوثا من أطباء ومشرفين لرعاية مصابى حادث التدافع بمنى مضيفا أنه خصص 3 مستشفيات (مستشفى معهد ناصر، ودار السلام هرمل، والشيخ زايد آل نهيان) لاستقبال أهالى المفقودين فى موسم الحج لسحب عينات «DNA» منهم لمقارنتها بالجثامين التى لم يتم التعرف عليها حتى الآن، وذلك لتسهيل التعرف عليها. وتابع وزير الصحة أنه لن يهدأ حتى الاطمئنان على سلامة آخر حاج يغادر المملكة، مشيرا إلى أنه سيتم بذل جهود جبارة لإنهاء مشكلة التعرف على الجثث فى القريب العاجل لطمأنة المصريين على المفقودين.