عندما يأتى قادة الخليج إلى واشنطن فلن تكون المسألة الأكثر أهمية التى تواجه الإدارة الأمريكية هى الدفاع عن الاتفاق النووى مع إيران أو إعادة تسويقه فى شكل جديد، إنما هى إعادة بناء الثقة، وإذا كانت الولاياتالمتحدة تعتبر دول الخليج حلفاء، فعليها أن تعاملها على أنها كذلك فعلًا لا قولًا.فيفترض أن تكون قمة كامب ديفيد الأمريكية_ الخليجية الأسبوع الحالى الوجه الآخر للمفاوضات الخاصة ببرنامج إيران النووى، فهى اعتراف أمريكى بأن اتفاق لوزان لن يكون وحده الأساسى لبناء نظام فى الشرق الأوسط يقتصر اسمه على الدول الكبرى وإيران، فقد فرضت «عاصفة الحزم» على الجميع أن يأخذوا القرار العربى فى الاعتبار ستطرح القمة سبل تفكيك خريطة الهيمنة الإيرانية وانتشارها فى العالم العربى، تمامًا كما تتقدم المفاوضات بين إيران والدول الست الكبرى نحو تفكيك البرنامج النووى لطهران. استعدادات واحتمالات أمريكا استعدت للقمة فقد اجتمع مسئولون من البيت الأبيض ووزارة الخارجية والدفاع لمناقشة كل شىء استعدادًا للقمة بداية من بعثات التدريب المشتركة للجيوش العربية والأمريكية وصولًا إلى زيادة مبيعات الأسلحة إلى جانب إبرام اتفاقية دفاع مفادها أن أمريكا ستدعم هؤلاء الحلفاء حال تعرضهم للهجوم من إيران. قال مسئولون فى الإدارة الأمريكية إن أوباما لم يستقر بعد بشأن ما سيقدمه، لكن هناك العديد من الخيارات المحتملة والتى يصعب تحقيق أغلبها. واستبعدوا احتمال التوصل إلى معاهدة أمنية مع السعودية ودول أخرى، لوجوب التصديق على مثل هذه الاتفاقيات من الكونجرس وربما تواجه معارضة من مؤيدى إسرائيل فى الكونجرس وبدلًا من معاهدة أمنية كاملة تبحث الإدارة الأمريكية تقديم معاهدة دفاع أكثر مرونة وأقل إلزامًا، وفى ظل هذه الاتفاقية المحتملة، سيضع المسئولون الأمريكيون كتابة صيغة بالموافقة على الدفاع عن الحلفاء العرب إذا ما تعرضوا لهجوم من قوى خارجية، ولكنهم لن يرسلوا تلك الصيغة إلى الكونجرس. تشاورية الرياض وكما استعدت أمريكا استعد قادة الخليج من خلال عهد قمة تشاورية بالرياض حضرها أيضًا الرئيس الفرنسى فرانسوا هولاند. ناقشت القمة برنامج إيران النووى، واتفاق لوزان، إضافة إلى مكافحة تنظيم «داعش» فى العراقوسوريا والمسألة اليمنية. وشدد الملك سلمان بن عبد العزيز على أن «منطقتنا تتعرض لأطماع خارجية، وقرار التدخل فى اليمن جاء لوقف التدهور، وعمليات عاصفة الحزم حققت أهدافها». وأعرب الرئيس الفرنسى عن تأييده لاستمرار الحظر على توريد أسلحة إلى إيران، قائلًا إن «حظر توريد أسلحة إلى إيران يجب أن يبقى قائمًا، نريد أن نحكم على إيران بالأفعال لا بالأقوال». وقد دعت القمة طهران إلى «اتخاذ القرارت الشجاعة والضرورية لطمأنة المجتمع الدولى بسلمية برنامجها النووى، والتأكيد على رغبتها فى بناء علاقات تقوم على الثقة مع دول المنطقة، بناء على مبادىء القانون الدولى والأمم المتحدة التى تقوم على حسن الجوار وتمنع التدخل فى الشئون الداخلية للدول، أو استخدام القوة أو التهديد بها». كما أكدت كلمة الملك سلمان على الظروف الصعبة والتحديات بالغة الدقة التى تمر بها المنطقة وأن ذلك يستوجب مضاعفة الجهود للحفاظ على مكتسبات الشعوب والدول، ومواجهة ما تتعرض له المنطقة العربية من أطماع خارجية ترتكز فى سعيها لتوسيع نفوذها وبسط هيمنتها على زعزعة أمن المنطقة واستقرارها، وزع الفتن الطائفية وتهيئة البيئة الخفية للتطرف والإرهاب. وعبر البيان الختامى عن تطلع زعماء الخليج للقاء الرئيس الأمريكى باراك أوباما فى 13_ 14 من الشهر الحالى فى أمريكا، وأن تسهم المباحثات فى تعزيز العلاقات الوثيقة مع أمريكا فى ظل التطورات والأحداث الجارية، وبما يعزز أمن واستقرار المنطقة. استراتيجية فارسية عبر سنوات طويلة سارت إيران على مسارين متوازيين لتحقيق أهدافها التوسعية وإعادة إحياء امبراطوريتها الفارسية. المسار الأول كان مفاوضات الملف النووى وصولًا إلى اتفاق لوزان. والمسار الثانى كان محاولات التوسع الإقليمى ومحاولات فرض الهيمنة وبذلت إيران كل ما تستطيعه فى سبيل تحقيق أهدافها، فقد قدم الخبراء الإيرانيون كل ما لديهم من إمكانات فى سوريا للحفاظ على الأسد، وفى قوات الحشد الشعبى فى العراق، ومع الحوثيين فى اليمن، والدعم الكامل لحزب الله فى لبنان، حيث تدرك إيران أنها عن طريق الميليشيات تمكنها السيطرة على هذه الدول. وتخوض الميليشيات الحروب نيابة عن نظام طهران، حيث تصبح تلك الدول رهينة بيد الميليشيات وقادتها الذين يتلقون تعليماتهم من طهران. تلك هى الوسيلة الإيرانية لبسط النفوذ ومد أذرعها خارج حدودها، وغالبًا ما تكون الدولة غير موجودة أو فاشلة فى المناطق التى تنشط فيها الميليشيا المدعومة إيرانيًا كما فى اليمن ولبنان. وقد بدأت إيران مبكرًا فى صناعة ميليشياتها فحزب الله أحد أقوى نماذجها فى العالم العربى، دربته إيران ودعَّمته، وتستثمر إيران بشكل محترف فى غياب الدولة عبر افتعال مشكلة الأقليات، وهناك فراغ سياسى وايديولوجى فى العالم العربى، وهذان الفراغات من تملؤهما إيران بتنظيماتها المتطرفة. وعلى سبيل المثال فالعراق وحده يضم نحو 50 ميليشيا تابعة لإيران. والواقع أن هناك استنزافًا للاقتصاد الإيرانى لما تنفقه على تلك الميليشيات، وهو ما يفسر سعى إيران لرفع كل العقوبات الاقتصادية كشرط أساسى قبل توقيع اتفاق نووى نهائى، حتى يمكنها تعزيز قدرتها التمويلية لتلك الجماعات من ناحية ودعم الجيش والحرس الثورى من ناحية أخرى. إعادة الثقة السياسات التوسعية الإيرانية ليست خافية على أحد، وتجدر الإشارة إلى تصريح وزير الخارجية الأمريكى جون كيرى مؤخرًا عندما قال إن الولاياتالمتحدة تعلم وجود الدعم الإيرانى داخل اليمن وأن واشنطن لن تقف مكتوفة الأيدى أمام ما يهدد الاستقرار الإقليمى. ولا شك أن الإدارة الأمريكية تدرك مخاوف دول مجلس التعاون الخليجى بشأن الاتفاق النووى مع إيران، ويتعين على أوباما أن يقنع القادة الخليجيين أن الإتفاق مع إيران لا يعنى أن الولاياتالمتحدة غير قلقة أو غير معنية بأنشطة إيران المرتبطة بالإرهاب، وستسعى أمريكا لإيجاد استراتيجية مؤثرة بالتعاون مع دول الخليج لمواجهة سلوك إيران العدائى فى اليمن وسوريا ومحاولات الهيمنة فى العراقولبنان وذلك خلال قمة كامب ديفيد القادمة. وتعتقد الولاياتالمتحدة أنها تستطيع طمأنة دول الخليج بوعود تمس الأمن القومى للخليج، برفع مستوى التسليح، أو وضع بعض الدول تحت مظلة نووية أمريكية، وحمايتها من إيران، رغم أن السياسات الأمريكية أثبتت عدم جديتها وفقدت مصداقيتها لدى أغلب الدول العربية. والآن تعلم الدول العربية وبخاصة الخليجية أن عليها الاعتماد فى المقام الأول على قدراتها الأمنية والسياسية والاقتصادية حول القضايا المصيرية، مع الاستفادة من علاقاتها الدولية لدعم هذه الإمكانات. فالاعتماد المبالغ فيه على الغير يحمل فى طياته مخاطر عديدة، ويجعل أمننا ومصالحنا رهن مصالح دولية ومواءمات لا نستطيع السيطرة عليها. ولا أبالغ فى القول أن قمة كامب ديفيد هدفها الأول هو إعادة بناء الثقة بين الولاياتالمتحدة ودول الخليج.