ربما لم تعد أخبار الإضرابات والاحتجاجات المندلعة فى الدول الأوروبية تثير أى استغراب، نظرً لتكرار هذه الأحداث فى دول أوروبية مختلفة، ولكنها فى نفس الوقت أصبحت تثير تساؤلات عدة حول حقيقة الأزمات الاقتصادية فى تلك الدول، ومدى تأثر منطقة اليورو بها، وهل يمكن أن تؤدى فى النهاية لانهيار الاتحد الأوروبى. وشهدت ثلاث دول أوروبية هى اليونان وبلجيكاوإيطاليا إضرابات عديدة طوال الفترة الماضية، احتجاجا على إجراءات التقشف التى تنفذها الحكومات، وإذا بدأنا ببلجيكا، نجد أنها تشهد إضرابات مستمرة فى العديد من القطاعات، وقد توجت بإضراب وطنى شامل الاثنين الماضى استمر 24 ساعة، وتسبب فى شلل كامل فى القطاع العام، ووسائل النقل البرية والجوية، والمحاكم، والمدارس، والبريد، وكان لهذا الإضراب تأثير كبير على النشاط الاقتصادى للبلاد، وقد دعت النقابات العمالية لهذه الإضرابات، رفضا لبرنامج إصلاحات تنفذه الحكومة، يهدف إلى توفير 11 مليار يورو فى خلال خمس سنوات، ويتضمن رفع السن القانونى للتقاعد إلى 67 سنة مقابل 65 سنة، وتطالب النقابات أيضا بالتخلى عن مشروع « قفزة المؤشر» المقرر عام 2015، والذى سيترتب عليه عدم الربط الآلى بين زيادة الرواتب، وارتفاع تكلفة المعيشة. ومن بلجيكا إلى إيطاليا، التى شهدت تظاهر عشرات الآلاف ضمن إضراب عام دعت إليه نقابتان عماليتان احتجاجا على إصلاحات اقتصادية واجتماعية أقرتها الحكومة، وطبقا لما ذكرته وكالات الأنباء، فإن المظاهرات خرجت فى 45 مدينة، وحمل المشاركون فيها لافتات تندد بسياسات حكومة وسط اليسار بقيادة ماتيو رينزى فى المجالين الاقتصادى والاجتماعى، وتدنى معيشة العمال. ويأتى الإضراب بعد أسبوع من إقرار البرلمان – نهائيا - قانون العمل الجديد، الذى يقول منتقدوه إنه يتضمن إجراءات تتيح طرد العمال بسهولة أكبر، ويحد من حقوق الموظفين خلال السنوات الأولى من عقد العمل. أما اليونان، فلم تختلف فيها الأحداث كثيرا، حيث شهدت نهاية الشهر الماضى إضرابا عاما لمدة 24 ساعة احتجاجا على إجراءات التقشف، مما أدى لإغلاق المدارس والإدارات الحكومية، فضلا عن تعطل شديد لحركة المواصلات فى شتى أنحاء البلاد، وعلى الرغم من أن اليونان خرجت أخيرا من ركود اقتصادى استمر 6 سنوات، كما تسعى الحكومة حاليا للخروج من ديون تقدر بقيمة 300 مليار دولار، إلا أن اليونانيين يشعرون بالغضب من استمرار الحكومة فى سياسات التقشف، وارتفاع معدلات البطالة فى البلد. وقد اهتمت العديد من الصحف بمناقشة أبعاد تلك الأزمات، ومدى تأثيرها على الاتحاد الأوروبى بشكل عام، وفى هذا السياق نشر المحرر الاقتصادى لصحيفة « الجارديان» البريطانية « لارى إليوت» تحليلا للقضية، فذكر أن منطقة اليورو تقع على حافة أزمة اقتصادية، قد تؤدى فى أسوأ الظروف لانهيار الاتحاد الأوروبى، والسبب فى ذلك – كما يقول المراقبون - الركود العميق، وخطر الانكماش، والبطالة العالية، ورأى اليوت أن الأزمة الاقتصادية ستبدأ فى اليونان، وسيكون لها عواقب وخيمة على الاتحاد الأوروبى بأكمله، مضيفا أنه من الدول الأخرى الأكثر عرضة لخطر الأزمة الاقتصادية البرتغال، وإسبانيا، وإيطالياوبلجيكا. وأشار المحرر الاقتصادى للصحيفة البريطانية، أنه على الرغم من أن المؤشرات الاقتصادية الأخيرة فى اليونان جيدة، حيث بدأ الاقتصاد ينمو، والبطالة أخذت فى الانخفاض، والدين الخارجى بدأ يتناقص تدريجيا، إلا أن اليونانيين تعبوا جدا من التقشف المستمر، وشعروا بالضغط يثقل كاهلهم، وهذا الوضع لا يجعل فقط النظام السياسى غير مستقر فى اليونان، بل يمكن أيضا أن يخلق الظروف المناسبة لوصول الأحزاب اليسارية الراديكالية إلى السلطة، والتى تعتمد فى سياستها على الاستقلال الاقتصادى عن الاتحاد الأوروبى، وينطبق ذلك أيضا على بريطانيا، حيث المشككون فى أوروبا الموحدة، وخاصة حزب الاستقلال الذى يكتسب شعبية متزايدة، فإذا لم يتغير الوضع، فسوف يتم فقدان الثقة فى قطاع الأعمال والمستهلكين داخل الاتحاد الأوروبى.