أثار قرار د. عادل البلتاجى وزير الزراعة برفع الدعم الحكومى عن محصول القطن خلال الموسم القادم ردود فعل واسعة، حيث أكد بعض خبراء الزراعة أنه جاء فى وقت غير مناسب، بينما ألقى آخرون بالمسئولية على عاتق الحكومة مطالبين بوضع آليات جديدة للنهوض بهذا المحصول لاستعادة ريادته بين دول العالم. كان المهندس ابراهيم محلب رئيس الوزراء قد وعد الفلاحين بتحسين أوضاع المحاصيل الزراعية وعلى رأسها القطن، بالإضافة إلى رفع الغرامات والمديونيات التى تكبدها الفلاح خلال السنوات الماضية، وللوقوف على حقيقة ما يدور داخل منظومة القطن المصرى وردود أفعال الخبراء حول القرار، يقول يحيى الزنانيرى رئيس جمعية منتجى الملابس الجاهزة، إن القرار كما يقول اللبنانيون «طق حنك» لأنه من الأساس لا يوجد دعم على محصول القطن، فما الغرض من إثارة هذا التصريح فى مثل هذا التوقيت سوى إثارة غضب الفلاح. الإقبال على المستورد وشدد على أن محصول القطن يحتاج إلى استراتيجية جديدة تُبنى على الجدوى الاقتصادية، فمنذ أكثر من خمسين عامًا كان الطلب على القطن طويل التيلة بينما الأسواق العالمية الآن تحتاج القصير والمتوسط التيلة، فالظروف العالمية تغيرت ومع ذلك ننتج القطن طويل التيلة بكميات كبيرة، كما أصبحت أمريكا تنتج قطن البومة وهو قريب من القطن المصرى ولكنه أرخص سعرًا، كما أن أسعار القطن قصير التيلة مرتفعة بسبب استخدامنا لطريقة الجنى اليدوى، فتكاليفنا فى إنتاج القطن أعلى من مثيلها فى جنوب شرق آسيا، كما أن به عيوبا، فالغزال المصرى الآن ليس من مصلحته أن يعمل بالقطن المحلى فى ظل وجود عيوب به وارتفاع التكلفة، لذلك يلجأ للقطن المستورد الاقل سعرًا وتمثل نسبته 80%. ويرى الزنانيرى أن الوزير كان يقصد من التصريح أننا لا نتحمل العيوب الفنية للقطن المصرى فى ظل وجود منافسين عالميين، ومن المتوقع ألا يزرع الفلاح محصول القطن خلال الموسم القادم. وأوضح أنه إذا كانت الدولة لديها إرادة سياسية لإنقاذ صناعة النسيج وعودتها مرة أخرى إلى التنافس العالمى بعدما تراجعت مرتبة مصر العالمية فى تلك الصناعة لتحتل الهند والسودان والولايات المتحدة مرتبة متقدمة عنها فعليها دعم الفلاح وتشجيعه على زراعة القطن لسد حاجة السوق المحلى وتلبية احتياجات مصانع الحلج والنسيج. ويقول محمد برغش أمين عام اتحاد الفلاحين والمزارعين العرب، البقاء لله فى الزراعة والقطن والفلاح المصرى وفى الضرر الذى أصاب المحاصيل الاستراتيجية والأمن القومى المصرى، والبقية فى جملة المحاصيل الزراعية، وهذا القرار يُقيل الحكومة بأكملها وليس الوزير فقط. واستنكر محمد المرشدى رئيس غرفة الصناعات النسيجية باتحاد الصناعات، التوقيت الذى صرح فيه وزير الزراعة بهذا التصريح، حيث اعتبره غير مناسب، كما أحدث قلقًا بين الفلاحين والقطاع الصناعى، ومن الأولى النهوض بأحوال الفلاح المصرى بدلاً من وضع عقبات أمامه، فهو من أكثر فئات المجتمع تهميشاً وعلى الدولة أن تقف بجانبه، وكان لا بد أن يعلن الوزير رؤيته فى السياسة التى يعتمد عليها تجاه زراعة القطن لكى ننهض بالزراعة المصرية مثلما كانت سابقاً، مشيرًا إلى أنه لا يوجد دعم على القطن لكى يُرفع وأتساءل هل الدولة تريد الاستمرار والتوسع فى زراعة القطن؟ وهل ستتوسع فى زراعة الأقطان طويلة التيلة أم ستخفض إنتاجها وفقًا لاحتياجاتها الفعلية سواء فى التصدير أو للاستخدام المحلى؟ وهل تريد الدولة الإحجام عن زراعة القطن نهائيًا أم تخفيض المساحة المزروعة بما يتناسب مع الكميات المطلوبة سواء فى التصدير أو للاستخدام المحلى، كل هذه التساؤلات كان على الوزير توضيحها بدلاً من إثارة القلق فى الشارع المصرى. وأوضح المرشدى أن القرار لن يؤثر على صناعة الغزل والنسيج ولكن لا بد من التوسع فى زراعة القطن قصير ومتوسط التيلة، وذلك وفقا لاحتياجات السوق العالمية. مخالفة الدستور من جهته أكد د. نادر نور الدين الأستاذ بكلية الزراعة جامعة القاهرة والخبير الزراعى، أن هذا التصريح مخالف للقانون الذى يحتوى على مادة 29 من الدستور التى تنص على حتمية استلام الدولة للمحاصيل الإستراتيجية من الفلاح وبأسعار مربحة، كما تتعاقد مع المصانع على الكميات المطلوبة ثم تترجمها إلى مساحات لزراعات القطن مثلما يحدث فى البنجر وقصب السكر، وليس الفلاح هو المسئول عن ذلك. مطالبًا الدولة أن تقف مع الفلاح كما تقف مع البنوك والمصانع فى الأزمات المالية العالمية، لأنه الأفقر والأولى بالرعاية. وقال مجدى عبد الفتاح مدير البيت العربى للدراسات الاقتصادية، إن قرار وزير الزراعة برفع الدعم على السلع الاستراتيجية مثل القطن يعد بمثابة تراجع للاقتصاد المصرى الذى كان يعتمد على هذه الصناعة فى العهود السابقة وكانت تقوم عليها قلاع الصناعة المصرية التى يعمل بها أكبر منظومة عمالية وتشمل فى كياناتها ما يزيد على 5 آلاف مصنع للغزل والنسيج، بالإضافة الى شركات قطاع الأعمال. وأرجع انهيار محصول القطن وتراجع صناعة النسيج الى عمليات الغزو الخارجى التى اخترقت السوق المصرى وجعلت «الذهب الأبيض» تتراجع كفاءته نتيجة لرخص أسعار البذور المستوردة من الخارج وعدم وضع آليات وضوابط لعمليات الإغراق التى اجتاحت السوق المصرى، مشيرًا إلى التقارير الحكومية التى تؤكد أن قبل فترة التسعينيات كانت الحكومة المصرية تقوم بزراعة ما يقرب من 900 ألف فدان بمختلف المحافظات بينما بعد اختراق عمليات الخصخصة وتحرير أسعار السوق، وصل حجم زراعة القطن إلى 300 ألف فدان أى ما يعادل الثلث وهو ما يعد كارثة حقيقة، يجب على حكومة محلب أن تنقذ ما يمكن إنقاذه حتى تعود الصناعة المصرية لما كانت عليه فى الماضى. إنقاذ أم تدمير ورأى عبد الفتاح إبراهيم رئيس النقابة العامة لعمال الغزل والنسيج، أن هذا القرار يؤكد عدم معرفة الوزير بالعقبات التى يمر بها قطاع الغزل والنسيج، حيث سيؤدى لتشريد الآلاف من العاملين بها، مطالبًا الحكومة إنقاذ صناعة النسيج بدلا من تدميرها، موضحًا أن رفع الدولة يدها عن الدعم سيساهم فى إحجام الفلاح عن زراعة القطن والتوجه لمحاصيل أخرى، ولكن على الحكومة دعم الفلاح وتشجيعه على زراعة القطن، وإستنباط أصناف جديدة تتناسب مع احتياجات السوق. كانت وزارة الزراعة أوضحت فى بيان لها، أنه لا يوجد هناك دعم للقطن يُصرف للمزارعين، وأن دور الدولة هو حماية الفلاح من خلال عدم تركه لاستغلال التجار وذلك بتحديد القيمة العادلة لسعر توريد القطن، حتى لا يتكرر ما حدث العام الماضى، حيث انخفضت الأسعار لأدنى حد مما دفع الرئيس عبد الفتاح السيسى للتدخل لحل الأزمة بتقديم دعم مباشر للفلاحين بواقع 1400 جنيه للفدان، و100 جنيه غير مباشر للمكافحة، نتيجة انخفاض أسعار القطن مع ارتفاع تكلفة إنتاجه، كما أن تكاليف محصول القطن مرتفعة تدخل فيها عمالة، وخدمات، مما يسبب إحجاماً فى تصريفه وتصديره، وأضاف البيان أن الوزارة ستعقد اجتماعات خلال الفترة المقبلة لتحديد الأماكن التى سيتم زراعة القطن طويل التيلة فيها.