أثارت أحكام البراءة التى حصل عليها الرئيس الأسبق مبارك وعدد من رموز نظامه فى قضايا قتل المتظاهرين وتصدير الغاز لإسرائيل والرشوة واستغلال النفوذ، أثارت العديد من التساؤلات حول مدى تأثير هذه الأحكام على حق الدولة فى استرداد الأموال المنهوبة التى تم تهريبها للخارج والمجمدة حاليا فى بنوك سويسرا ولندن وغيرهما. وعن إمكانية استرداد مصر للأموال التى نهبها نظام مبارك بعد هذه الأحكام.. والعراقيل التى تقف فى طريق استردادها من الخارج.. أجرت «أكتوبر» عدة لقاءات مع نخبة من رؤساء المحاكم والقضايا وأساتذة القانون.. وإليكم التفاصيل.. فى البداية يقول المستشار إسماعيل البسيونى رئيس نادى قضاة الإسكندرية السابق إن مصر من بين الدول التى وقعت على اتفاقية مكافحة غسيل الأموال، والتى حددت طريقة معرفة ما إذا كانت الأموال التى وصلت إليها هى أموال نظيفة نتيجة تجارة شريفة أم أموال قذرة نتيجة تجارة غير شريفة. ويضيف المستشار البسيونى أن كثيرا من الأشخاص لجأوا إلى جزر البهاما وبنك التقوى ودول أخرى تعمل فى استثمار الأموال المهربة والقذرة، أما دولة سويسرا فهى تقف فى المنتصف، حيث لا تتخذ كثيرا من الإجراءات التى تمنع استقدام هذه الأموال ومن أجل ذلك تعمل ببصمة الصوت وكان الدليل على ذلك أموال عبد الوهاب الحباك، والذى طلب من الجهات السويسرية تسليم أمواله للدولة المصرية ببصمة صوته وتم ذلك. ويضيف المستشار البسيونى أن مصر شكلت لجانًا وانتدبت محامين دوليين وأنفقت الدولة الكثير من الأموال منذ ثورة يناير 2011 ولم تصل إلى أى نتائج. ويؤكد أن المعاهدة التى أدخلتها مصر وأصدرت بها قانونًا تجعل هذه الدول التى أودعت بها الأموال المهربة القذرة نتيجة لكسب غير مشروع تقوم بتسليم الأموال التى لديها إلى الدولة المصرية. الضغط على المتهمين وأوضح المستشار البسيونى أنه يجب ممارسة ضغوط على هؤلاء المتهمين ومنعهم من مغادرة البلاد عن طريق جهاز الكسب غير المشروع، حتى يردوا هذه الأموال التى استولوا عليها وأودعوها فى البنوك السويسرية، ويجب أن يتم منعهم من السفر حتى لا يستمتعوا بهذه الأموال التى استولوا عليها بغير وجه حق ولابد أن يتم تفعيل قانون «من أين لك هذا»؟. وأضاف أن أحكام البراءة ليس لها تأثير على استرداد هذه الأموال بعد صدور المعاهدة الخاصة بالأممالمتحدة والتى أدخلتها مصر فى قوانينها والخاصة بمكافحة غسيل الأموال والتى تتطلب إثبات أن هذه الأموال غير مشروعة دون اشتراط صدور حكم بات نهائى من قضاء طبيعى ومن حق الدولة التى أخذت منها هذه الأموال أن تطالب باستردادها وإعادتها إليها خاصة إذا كانت هذه الدولة قد وقعت على هذه المعاهدة وسويسرا من أوائل الدول التى وقعت على هذه الاتفاقية الدولية التى أصدرتها الأممالمتحدة. ولكن على الدولة المصرية أن تثبت أن هذه الأموال جاءت بطريقة غير مشروعة ولو أثبتت ذلك دون اشتراط صدور حكم قضائى فمن حق الدولة المصرية استرداد هذه الأموال. مطلوب حكم نهائى أما المستشار عادل الشوربجى نائب رئيس محكمة النقض فيؤكد أن صدور الأحكام بالبراءة على المتهمين بقتل المتظاهرين لايؤثر إطلاقا على إعادة الأموال المهربة لأن أحكام البراءة لا علاقة لها بالأموال المهربة، فتهمة قتل المتظاهرين أو إصدار أوامر بقتل المتظاهرين لا علاقة لها بالأموال المهربة، وكذلك قضية استغلال النفوذ. وقال إن هذه القضية تحتاج إلى إثبات حصول المتهم على هذه الأموال بطريق غير مشروع وأن يثبت ذلك بصدد حكم نهائى جنائى بات غير قابل للطعن أو من محكمة النقض بعد صدور الحكم من محكمة الجنايات، وأن نتقدم بهذه الأحكام الباتة إلى الدولة التى هربت إليها هذه الأموال. لجنة لتقصى الحقائق ويتفق الدكتور الشحات إبراهيم منصور أستاذ القانون الجنائى وعميد كلية حقوق بنها على أن استرداد هذه الأموال المهربة يتطلب صدور حكم إدانة نهائى وبات ضد المتهمين ومن حق الدولة بعد ذلك أن تطالب باسترداد هذه الأموال المهربة. ويضيف الدكتور الشحات أن القاضى فى قضية قتل المتظاهرين برأ المتهمين لكنه ترك الباب مفتوحا أمام المدعين بالحق المدنى من أجل المطالبة بالتعويض عن الأضرار التى لحقت بهم أمام المحكمة. ولهذا فمن حق الدولة أن تطالب باسترداد الأموال المهربة إذا ما ثبت لديها أن الأموال هربت للخارج بعد أن تشكل لجنة لتقصى الحقائق تفيد بأن هناك أموالا مهربة ومن خلال هذه اللجنة تشكل لجنة قضائية تقوم بالتحقيق فى قضية الأموال المهربة لتشمل أموال رموز نظامى مبارك والإخوان وعليها أن تطالب باسترداد هذه الأموال وأن تقوم بمصادرة الأموال المتحفظ عليها من قبل الحكومة. ولدينا جهات رقابية كثيرة مثل الكسب غير المشروع والرقابة الإدارية والجهاز المركزى للمحاسبات وغيرها من الجهات الرقابية ولدينا علاقات مع الدول الأخرى وفى إطار التعاون المشترك نستطيع أن نستعيد هذه الأموال المهربة. الذمة المالية لمبارك ويصحح المستشار محسن هيكل رئيس محكمة استئناف الإسكندرية معلومة قضائية مهمة تتعلق بالحكم على مبارك، فالحكم الصادر بالبراءة فى حق الرئيس الأسبق انصب على اتهامه فى القضية الشهيرة المسماة بتصدير الغاز لإسرائيل وهذه القضية لا تتعلق بذمته المالية ولا تمس مركزه المالى، وبالتالى فإن الحكم الصادر بالبراءة لا يبرئ ذمته المالية من باقى الاتهامات التى تمس هذه الذمة، كما أنه فى قضية الرشوة لم تصدر المحكمة حكما ببراءته منها، وإنما قضت بانقضاء الدعوى الجنائية بالتقادم، وهذا الحكم لا ينسحب بأثره على براءة ذمته المالية من التعدى على الوظيفة العامة والنيل منها، فإنه لم يتعرض من قريب أو بعيد إلى ثبوت الاتهام فى حقه من عدمه، فالحكم بالانقضاء يعنى أن الفترة الزمنية التى بين ارتكاب الفعل واتخاذ إجراءات التحقيق بصدده قد تجاوزت المدة المقررة قانونا، لذلك وأنه عملا بالمادة 15 من قانون الإجراءات الجنائية فإنه تنقضى الدعوى الجنائية بمرور عشر سنوات من تاريخ ارتكاب الفعل المجرم مالم يكن هناك إجراء قاطع للتقادم طوال تلك الفترة ومفاد ذلك أن المحكمة لم تتعرض لثبوت الاتهام فى حقه من عدمه، وبالتالى فإن ذلك الحكم لا يبرئ ذمته المالية، كما أن الحكم الصادر فى قضية قتل المتظاهرين لم يصدر ببراءته، وإنما بعدم جواز نظر الدعوى حال كون النيابة العامة أصدرت أمرا ضمنيا بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية قبله عن هذا الاتهام وبتحصين ذلك الأمر صار باتا وحاز حجية الأمر المقضى فيه ومن ثم لا يجوز نظر هذا الاتهام مرة أخرى احتراما للحجية والتى تتعلق بالنظام العام. ويضيف المستشار هيكل أن المحكمة فى هذا الاتهام لم تتعرض لثبوته فى حق الرئيس الأسبق من عدمه، ومما تقدم يتضح أن الرئيس الأسبق حصل على حكم ببراءته فى اتهام واحد من ثلاثة، كما أنه يقضى عقوبة جنائية فى القضية المسماة بالقصور الرئاسية وهى قضية تمس أيضا ذمته المالية واستغلال للنفوذ وأن هناك اتهامات أخرى تفحص بمعرفة جهاز الكسب غير المشروع، إضافة إلى ذلك أن الحكم الصادر بالبراءة محل طعن من جانب النيابة العامة بالنقض وإلى أن يصدر حكم من محكمة النقض فى ذلك يعتبر حكما غير بات. ويوضح المستشار هيكل أن دلالة ما سبق أنه لا توجد أحكام باتة تبرئ ساحة مبارك حتى تؤثر على المالية المتواجدة بالخارج وهذا ما أكده المستشار رئيس لجنة استرداد الأموال المهربة من أن هذه الأحكام لا تؤثر على الأرصدة المالية لمبارك ورموز نظامه السابق. الطرق الدبلوماسية ويشير المستشار صدقى خلوصى رئيس هيئة قضايا الدولة الأسبق إلى أن الرئيس الأسبق ورموز نظامه لم يكونوا مقدمين فى قضايا فساد مالى وليس لها علاقة بقضايا الأموال المهربة. ويضف أن قضية تهريب الأموال تتطلب حكمًا قضائيًا نهائيًا وباتا ليس من محكمة استثنائية أو عسكرية، ولكن من القضاء الطبيعى، وليس هناك تهم فى قضايا استيلاء على مال عام وقضية الرشوة (الفيلات) قد سقطت بالتقادم وسيتم تعديل هذا النص القانونى. ويضيف أن جهود الدولة والحكومة من أجل استرداد الأموال المهربة جهود إيجابية وهى عبارة عن اجتهادات قانونية ومحاولات جادة خاصة مع دولة سويسرا التى تتجمع فيها أموال العالم كله وبها خزانة العالم الاقتصادية. ويؤكد أن أحكام البراءة ليس لها علاقة بحقنا فى استرداد الأموال المهربة بالطرق السياسية والدبلوماسية والقانونية والقضائية إذا استطعنا إثبات أن كل متهم قام بتهريب هذه الأموال إلى الخارج.