شهر واحد لم يسمع أحد شيئًا عن مدينة اسمها «عين العرب» أو «كوبانى» فهى ليست موقعًا استراتيجيًا، ولم تتعهد الولاياتالمتحدة أو حلفاؤها من قبل بالدفاع عنها. وتعكس أحداث «كوبانى» تلك البلدة ذات الأغلبية الكردية المشاكل ونقاط الضعف التى تعترى الاستراتيجية الأمريكية ضد «داعش» على الأراضى السورية. فالأهمية الرمزية لفشل الضربات الجوية التى قادتها الولاياتالمتحدة فى منع اجتياح «داعش» لمدينة «كوبانى» قد تتمثل فى أنها نكسة مبكرة لاستراتيجية الرئيس أوباما تتجاوز بمراحل أهميتها فى ميدان القتال. وإذا استطاع «داعش» السيطرة الكاملة على المدينة، فإنه سيكون بمقدوره التفاخر بأنه تصدى للقوة الأمريكية، وحينها ستثور تساؤلات فى شأن تعهد أوباما بإبعاد القوات البرية الأمريكية عن القتال، وفى شأن تحالفه الدولى، وقد تضعف أصلًا الثقة فى التحالف فإذا حقق «داعش» نصرًا كاملًا فى «كوبانى» فسيتيح له ذلك مادة ثمينة للدعاية. ورغم أن الغارات الأمريكية قد دمرت بعض الأهداف الحساسة لتنظيم «داعش» فى بلدة «كوبانى» التى قاومت الحصار لنحو شهر كامل، فإن المساعدات الأمريكية للأكراد السوريين حتى الآن محدودة ولا تفى بالغرض، ولم يحدث تواصل بين قوات التحالف والقوات الكردية التى تحارب على الأرض من أجل تنسيق العمليات العسكرية لضرب الأهداف الحيوية للتنظيم. ولعله من المؤسف أن مقاتلى «داعش» يقتلون أكراد «كوبانى» بأسلحة أمريكية تتنوع بين الدبابات وناقلات الجنود والمدافع، وهى التى غنموها من القواعد العسكرية التابعة للجيش العراقى فى الموصل بعد أن استولوا عليها قبل بضعة أشهر. وكان تنظيم «داعش» قد جلب مقاتلين من الرقة وحلب وأرسل تعزيزات إلى «كوبانى» ووضع كل ثقله فى المعركة التى يخوضها منذ نحو شهر ويحاول خلالها السيطرة على المدينة، معتبرًا أنها معركة حاسمة بالنسبة إلى التنظيم إذ إن خسارته لها ستزعزع صورته أمام الجهاديين وإذا ما نجح فى السيطرة الكاملة على «كوبانى» فإنه بذلك يكون قد ضمن السيطرة على شريط طويل على الحدود السورية التركية. وحتى نهاية الأسبوع الماضى كان التنظيم يسيطر على مساحة ما يقارب 50% من المدينة، ومازال القتال محتدمًا بين مقاتلى الأكراد وإرهابيى التنظيم فى وسط «كوبانى» وقد حولت المقاومة الشرسة للأكراد مدينة كوبانى إلى رمز لمقاتلة التنظيم الإرهابى الذى يسيطر على مناطق واسعة فى سورياوالعراق. ورغم سقوط المربع الأمنى للأكراد فى شمال «كوبانى» فقد نجح المقاتلون الأكراد الأقل تسليحًا من عناصر «داعش» فى صد أكثر من هجوم وعلى أكثر من جبهة فى وقت تستمر فيه غارات التحالف على مواقع داعش. وقد دعت الأممالمتحدةتركيا إلى السماح بعبور المتطوعين نحو «كوبانى»، محذرة من أنه إذا سقطت المدينة نهائيًا فإن المدنيين الذين لا يزالون يتواجدون فيها سيتم قتلهم على الأرجح. وقد فر نحو 300 ألف شخص من المدينة، وصل أكثر من 200 ألف منهم إلى تركيا التى تمنع المتطوعين الأكراد من عبور الحدود نحو «كوبانى». وقد نفت واشنطن أن تكون قد طلبت تدخلًا عسكريًا تركيًا بإرسال قوات برية إلى سوريا. وقد وصل إلى تركيا نهاية الأسبوع الماضى مسئولون من القيادة الأمريكية الوسطى وآخرون من القيادة الأوروبية للقاء مسئولين أتراك لبحث أوجه المساهمة التركية فىهذا الشأن. وكانت تركيا قد وافقت على تدريب 4000 مقاتل سورى من المعارضة، وستتولى المخابرات التركية فحص ملفاتهم. وكانت أنقرة قد رفضت إقامة ممر آمن لنقل الأسلحة والمقاتلين المتطوعين من تركيا إلى «كوبانى» السورية، ووصفته بأنه «أمر غير واقعى». ودعت فى نفس الوقت إلى تعزيز القدرات العسكرية «للمعارضة المعتدلة» السورية بهدف جعلها «قوة ثالثة» بين نظام الأسد وإرهابيى «داعش». الموقف التركى بشأن «كوبانى» عرّض للخطر عملية السلام الهشة مع حزب العمال الكردستانى فى تركيا والتى بدأت فى مارس 2012، وهدد عضو كبير فى ميليشا الحزب تركيا بانتفاضة كردية جديدة إذا تمسكت بسياسة عدم التدخل التى تتبعها حاليًا. وتؤكد الحكومة الأمريكية أنه لن يحدث تغير فى استراتيجية أوباما التى تستبعد مشاركة قوات أمريكية فى معارك برية فى العراقوسوريا إذا سقطت «كوبانى»، غير أنه قد تبين أن القوة الجوية للتحالف وحدها مازالت عاجزة عن مساعدة الأكراد فى السيطرة على المدينة، وإلى الآن فإن عناصر «داعش» يخوضون حربًا بشروطهم التى يفرضونها على التحالف الدولى الذى يكتفى بالغارات الجوية.