تمتلك مصر 15 ميناء تجاريا و54 ميناء متخصصا على البحرين الأبيض والأحمر، وهذه الموانئ كنوز ومناجم ذهب لو تم إزالة الغبار عنها واستثمارها بالأسلوب الأفضل، فهناك دول مثل سنغافورة وصلت إلى الترتيب السابع فى العالم فى الموانئ البحرية رغم أنها لا تملك المقومات المصرية وبات يطلق عليها حاليًا «سنغافورة هبة الميناء» كما كان يطلق على مصر «هبة النيل». وتحقق الموانئ المصرية عائدًا صافيًا يصل إلى مليار جنيه سنويًا بينما يمكن أن تحقق أكثر من 20 مليار جنيه خصوصًا مع تزايد حجم التجارة والملاحة العالمية. وهناك معوقات تعرقل مسيرة النقل البحرى فى مصر من أبرزها الروتين واتباع أساليب وسياسات خاطئة فى تشكيل وإدارة الموانئ المصرية وفتح باب الاستثمارات فى النقل البحرى دون ضوابط ومعايير توازن بين المصالح العامة للشركات الوطنية والشركات الخاصة مما يؤدى لخسارة عائد قومى هائل فى مشروعات ميناء شرق بورسعيد والسخنة كما أنه يجب أن يكون لمصر أسطول بحرى حيث كان يشتهر المصريون فى فنون البحر منذ عهد الفراعنة وصولًا إلى محمد على ولابد من تدخل الدولة فى إنشاء أسطول بحرى عن طريق طرح سندات وقروض طويلة الأجل كما حدث مع أسطول مصر للطيران، لقد أعلن المهندس هانى ضاحى وزير النقل عن طرح مشروعات جديدة بالموانئ المصرية وإعادة تقييم المشروعات القائمة لتعديلها وتصحيحها. والنقل البحرى يمكن أن يحقق طفرة اقتصادية هائلة لو تم استثماره جيدًا مع دراسات جدوى متخصصة.. وهذا ما نتناوله فى الأسطر التالية. يشير د. إسماعيل عبد الغفار رئيس الاكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحرى إلى أن هناك عراقيل وراء عدم وجود أسطول بحرى مصرى كما أن العمالة البحرية تدريبها متوسط ولا يرقى إلى التقنيات الحديثة فى الإطلاع على وسائل الاتصالات المتطورة وكذلك التدريب البحرى والهندسى يحتاج إلى المزيد من الجودة والحلول تأتى من تحديث القيادات وتغيير فكر الإدارة الجامد المغلق وهذا يؤدى إلى جذب الاستثمارات فى مجالات وأنشطة النقل البحرى ولابد من الشراكة والتعاون الاقتصادى والفنى والبحرى مع دول جنوب البحر المتوسط. فضلًا عن التكامل مع الموانئ العربية وتفعيل دور الموانئ المتخصصة لكى لا تطغى على بعضها كما يتعين الاهتمام بالعنصر البشرى وتأهيله وتدريبه جيدًا حتى يكون مطلوبًا للعمل على السفن العربية والأجنبية، ويمكن للعمالة البحرية المدربة جيدًا أن تكون مصدرًا هامًا للدخل القومى كما هو الحال فى الفلبين التى تعتمد فى دخلها القومى على تشغيل عمالها وشبابها فى دول الخليج. ويطرح اللواء عادل ياسين رئيس قطاع النقل البحرى ورئيس ميناء الإسكندرية عدة مشروعات مهمة مثل الرصيف.. أو الميناء الأوسط أمام المستثمرين العرب والمصريين والأجانب باستثمارات خمسة مليارات جنيه كما يتم معالجة بيئية جادة للصب غير النظيف فى ميناء الدخيلة للأسمنت والفحم فى رصيف حلف 90 عن طريق سيور مغطاة تنتهى لمخازن مغطاة وتتم معالجة التلوث بفلاتر حديثة حرصًا على البيئة بتكلفة نحو مليارى جنيه. ويشير د. محمد على عميد كلية النقل الدولى واللوجيستيات بالأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحرى إلى ضرورة خصخصة الموانئ من ناحية التشغيل والإدارة ولكن فى إطار التبعية الكاملة للدولة لأن الموانئ مسألة أمن قومى، مشددًا على أن بيع أصول الموانئ غير وارد لأنها ثروة قومية وأغلى من بيعها. تجارب الصين وتركيا وأضاف: ولا توجد دولة فى العالم باعت موانيها باستثناء بريطانيا وكانت تجربة فاشلة لأنها باعت أرض الميناء وهى أغلى جزء فيها كما أنها لم توازن بين الجوانب العامة والخاصة وتجارب الصين وكوريا وسنغافورة فى إدارة وتشغيل موانيها التى حققت معدلات نمو هائلة وقفزات سريعة جعلت سنغافورة تحتل المركز السابع بين أكبر الدول البحرية فى العالم وتم تقديم إعفاءات ضريبية لملاك السفن لمدة 10 سنوات بشرط اتخاذ سنغافورة قاعدة لشركاتها وأسفرت هذه المزايا التنافسية عن جذب 36 شركة ملاحية لشغل 500 سفينة فضلًا عن الترويج لميناء سنغافورة كمركز لوجيستى متكامل ينفذ خدمة من الباب للباب ويسوق الخبرات الاستثمارية عالميًا فى مجال تكنولوجيا نظم المعلومات وإدارة لوجيستيات الميناء وتبنى استراتيجية التحالف من أجل المنافسة وإقامة علاقات تعاون مع موانئ فى الصين والهند وأفريقيا وبذلك تم عمل وبناء شبكة بين الميناء المحورى والموانئ الرافدية وبذلك استحوذ ميناء سنغافورة على 13 ميناء فى 10 دول مختلفة فى العالم. وأصبح يطلق على سنغافورة «هبة الميناء» على غرار تعبير «مصر هبة النيل». الشريك المخالف يرى الربان عاطف مرونى رئيس الشركة القابضة للنقل البحرى سابقًا أن هيئات الموانئ المصرية تضع العراقيل أمام شركات النقل البحرى الحكومية رغم أنها شريك فى رأس مال معظمها سواء كانت حاويات أو شحن وتفريغ أو مخازن ومستودعات وبدلًا من أن تثمن هذه الشركات وتدعمها وتساندها تأتى بشركات منافسة تؤثر سلبيًا على معدلات إنتاجها وقد تؤدى إلى افلاسها وتشريد عمالتها، وذلك كما حدث مع شركات التوكيلات الملاحية والشحن والتفريغ التى تتسول مرتبات العاملين بها من المحفظة المالية للشركة القابضة. وفى الطريق إلى التخريب والخسارة شركات الحاويات والمستودعات كأن هناك إصرارا عمديا على إلحاق الخسارة لهذه الشركات رغم أن شركات الحاويات الحكومية تدر لخزانة الدولة نحو مليارى جنيه سنويًا منها مليار جنيه أرباح صافية حيث وافقت هيئة ميناء الإسكندرية على إنشاء شركة «هيتشى» الصينية للحاويات لتخسر شركات الحاويات الوطنية، كما وافقت هيئة ميناء دمياط على إنشاء شركة «ديبكو» الكويتية ومنحتها رصيفًا لتعميقه إلى 17 مترًا لاستقبال سفن الحاويات العملاقة بينما تضع العراقيل أمام شركة الحاويات الحكومية لإلحاق الخسارة بها وتشريد عمالتها وغلق أبوابها. متسائلًا، هل توجد دولة فى العالم تفضل مستثمرا أجنبيا على حساب خسارة شركة وطنية؟ ولمصلحة من يحدث هذا العبث؟ وأضاف مرونى: يضع قطاع النقل البحرى شعارات ومسميات براقة مثل «فليتنافس المتنافسون» فى اطار شفافية وحيدة تامة. ولكن هذه الشعارات ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب لأن الشركات الملاحية العالمية قدرتها على المنافسة أكبر بكثير من الشركات الوطنية وبالتالى فإن المنافسة لن تكون عادلة بالمرة ولابد من وضع مزايا تنافسية للشركات البحرية الحكومية حتى تستمر وتنمو وتطور أداءها مع فتح مجالات استثمارات فى مجالات أخرى لا تعمل فيها الشركات الوطنية وعلينا أن نعى الدرس جيدًا وأن نحمى شركات الحاويات من الخراب المحقق والمصير الأسود الذى آلت إليه شركات التوكيلات الملاحية والشحن والتفريغ. اتحاد بنوك ويقترح د. أحمد العقاد رئيس غرفة ملاحة الإسكندرية إنشاء اتحاد بنوك لتنمية قطاع النقل البحرى على غرار صندوق دعم وتنمية مصر، حيث إن العائد الاقتصادى والاستثمارى للسفن يستغرق وقتا طويلا ولكنه استراتيجى وقومى وأمنى أيضًا لأن أى دولة بلا أسطول بحرى تتعرض للاحتكار العالمى وفرض رسوم أجنبية عليها، كما أن القطاع الخاص لا يستطيع أن يغامر بشراء سفن جديدة لأن معدل العائد بطىء خصوصًا أن الحد الأدنى لشراء سفينة جديدة حمولة 10 آلاف طن لا يقل عن 30 مليون دولار، مشيرًا إلى أن أسطول الطيران المصرى كان فى حالة سيئة ولكن استطاع الفريق أحمد شفيق وزير الطيران الأسبق أن ينهض به ويصل به إلى مستوى العالمية بعد أن حصل على قروض طويلة الأجل وإصدار سندات من الدولة بضمان ذلك والحل الوحيد تكرار نفس التجربة الناجحة فى شراء الدولة لسفن جديدة حتى تستعيد مصر أسطولها البحرى الذى كان مفخرة للعالم. وكشف عن أنه اختلط الحابل بالنابل فى مجالات أنشطة وخدمات النقل البحرى وصار من يمتلك 250 ألف جنيه صاحب شركة بحرية وذلك بسبب سياسة وزارة النقل الخاطئة والعشوائية فى تشجيع القطاع الخاص دون وضع ضوابط أو معايير للجودة أو الخبرة أو الكيفية، وقد سارع القطاع الخاص فى شل حركة القطاع العام فى التوكيلات الملاحية والشحن والتفريغ التى أفلست حاليًا بدليل أن 85% من عائدات شركة الشحن والتفريغ تنفق على مرتبات العاملين فيها، ولا يوجد نفقات للتشغيل والصيانة والإحلال والتجديد وكذلك الحال فى التوكيلات الملاحية التى كانت تربح 400 مليون جنيه سنويًا فى تسعينيات القرن الماضى ومولت مشروع مترو الأنفاق من عائداتها ولابد من فتح الجسور والحوار بين هيئات الموانئ وشركات النقل البحرى الوطنية حيث لا يوجد تفاهم كلى على التنمية الاقتصادية المستدامة والشاملة، كما أن تشجيع الاستثمار فى النقل البحرى لا يكون على الغارب دون قيود على النشاط والخبرة فى تنمية هذا النشاط الخاص على حساب المصلحة العامة، ولابد من توفير حصة للشركات الحكومية أو منحها مزايا تنافسية لتغطية نفقاتها حيث لا يعقل أن تنمو الشركات الخاصة على حساب الشركات الوطنية خصوصًا بعد إعلان المشير عبد الفتاح السيسى أنه لا مساس بالشركات الوطنية القائمة أو حلها أو تصفيتها وضرورة بقاء الحال على ما هو عليه. مناجم ذهب ويشير اللواء هشام السرساوى رئيس قطاع النقل البحرى السابق إلى أن الموانئ المصرية عبارة عن كنوز ومناجم ذهبية لم يتم كشفها بعد لأنها صناعة رائجة وغير ملوثة للبيئة ولكن العراقيل والروتين الحكومى والعقليات الجامدة تعوق إزالة التراب عن هذه الكنوز ولابد من التحرر الإدارى والقدرة على اتخاذ القرارات السليمة بناء على دراسات جدوى فنية واقتصادية جادة وفعالة. ويشير اللواء حسن فلاح رئيس هيئة موانئ البحر الأحمر إلى حدوث طفرة فى مستوى خدمة الركاب والبضائع من خلال إعادة التخطيط الشامل للموانئ للوصول إلى المستوى الدولى للبنية الأساسية والخدمات التى توفرها الموانئ المتطورة لخدمة نحو 2.5 مليون راكب سنويًا والمتوقع أن يصل عددهم إلى خمسة ملايين راكب خلال 20 عامًا، كما تخدم الهيئة السياحة العربية للسيارات بنظام (التربتك) أو ما يطلق عليه الإفراج الجمركى المؤقت لسيارات السياح. كما يتم خدمة تجارة البرادات والشاحنات لزيادة تجارة الترانزيت وتصل تكلفة مشروعات التطوير للبنية التحتية والخدمات اللوجستية إلى 835 مليون جنيه. وأوضح أنه تم إنشاء محطة ركاب لصالات السفر والوصول وساحة انتظار للشاحنات وتطوير شبكة الطرق ومبان جديدة للخدمات وإنشاء رصيف بحرى جديد بطول 200 متر وبلغت مساحة التطوير الإجمالية نحو 500 ألف متر. كما تم إنشاء طريق شريانى امتداده 2 مليون ورصيف خدمات للقاطرات فى ميناء الأدبية مع رفع كفاءة وصيانة الأرصفة الحالية ومشروعات استثمارية جديدة منها صومعة للغلال ومحطة صب سائل ورصيف حاويات، ويبلغ إجمالى مساحة الميناء بعد التطوير نحو نصف مليون متر مربع. كما تم تطوير ميناء الغردقة وإنشاء محطة ركاب سياحية على مساحة 8 آلاف متر وإنشاء رصيف بحرى جديد بطول 230 مترا وعمق 10 أمتار لخدمة 700 ألف راكب سنويًا حتى عام 2030. مطلوب استثمارات جديدة وفى ميناء دمياط يتم استكمال إنشاء رصيف البضائع العامة بطول 340 مترا وعمق 12 مترا بين رصيفى 8 و9 وكذلك إنشاء رصيف خدمات بحرية بطول 90 مترا وعمق 7 أمتار لإنزال الوحدات البحرية فى رصيف الصوامع واستكمال وتوريد عدة قاطرات بحرية ولنش قاطرة قوة شد 25 طنًا وحفار متعدد الأغراض مع رفع كفاءة المحطات الفرعية وربط أحمال الجهد المنخفض على شبكة الاسكادا وإنشاء مخزن لقطع الغيار البحرية على مساحة 5 آلاف متر ومخزن للمهمات على مساحة نحو فدان، مضيفًا، يسعى العاملون بحاويات دمياط إلى تعميق رصيف بطول 17 مترا لاستقبال سفن الحاويات العملاقة أسوة بما تقوم به شركة الحاويات الاستثمارية لكى لا يتوقف العمل بها خصوصًا بعد انخفاض حجم تداول الحاويات من مليون و300 ألف حاوية إلى 700 ألف حاوية حاليًا. وقال إن مشروعات التطوير فى الموانئ المصرية لن تنجح وحدها دون تغيير الأساليب ونظم الإدارة والتشغيل واتباع أحدث التقنيات الفنية والإدارة الإلكترونية وفتح مجالات الاستثمارات فى النقل البحرى مع مراعاة المصلحة العامة للشركات الوطنية وعدم تفضيل المصلحة الخاصة على المصلحة العامة وإعادة إنشاء سفن مصرية تحمل العلم المصرى من جديد وتدخل الدولة عن طريق بنوكها لتمويل هذا المشروع الاستراتيجى القومى لأن عائدها بطىء وطويل الأجل ولن يغامر فيها القطاع الخاص، مؤكدًا أن دولا عديدة فى العالم مثل الصينوسنغافورة وكوريا تحقق موانيها عوائد اقتصادية تغطى معظم دخلها القومى دون آثار جانبية على البيئة لأن صناعة النقل البحرى نظيفة وتحقق عوائد اقتصادية هائلة وليس لها أضرار بيئية مثل الصناعات الأخرى.