للعام الثالث على التوالى يتم تسريب بعض امتحانات الثانوية العامة باستخدام الأساليب الإلكترونية ومواقع التوصل الاجتماعى - عينى عينك - فى الوقت الذى تقف فيه وزارة التربية والتعليم عاجزة ومكتوفة الأيدى فى مواجهة هذه الظاهرة والتى تتزايد عامًا بعد الآخر برغم الاحتياطات والتدابير التى تتخذها الوزارة!! «أكتوبر» استطلعت آراء خبراء التربية فى كيفية مواجهة هذه الظاهرة؟ ومن المسئول عنها؟ وما إذا كنا فى حاجة لنظام جديد للامتحانات للقضاء على هذه الظاهرة؟ وجاءت ردودهم كما فى سياق التحقيق التالى. بداية قال د. سمير أبو على العميد الأسبق لكلية التربية بالإسكندرية إن تسريب الامتحانات يبدأ مباشرة عقب فتح مظاريف أسئلة الامتحان سواء عن طريق أحد المراقبين أو الطلبة الذين يقومون بتصوير ورقة الامتحان ثم ينشرونها بشبكة التواصل الاجتماعى من هنا يتم التسريب. واقترح أبو على ثلاثة حلول لمواجهة هذه الظاهرة.. الأول التنبيه بشدة على عدم تأخر الطلاب عن دخول لجنة الامتحان.. وأن تكون فترة السماح بالتأخير لاتزيد على 5 أو 10 دقائق على الأكثر وإذا تجاوزها الطالب لايسمح له بالدخول.. والاقتراح الثانى الاستعانة بالتكنولوجيا الحديثة التى تمنع الإرسال والاستقبال «عن النت» والهواتف المحمولة ويمكن استخدام هذه التكنولوجيا فى كل الأماكن التى بها لجان امتحانات فقط.. أما الاقتراح الثالث أن يتم قطع «الإنترنت» نهائيا إذا لم يحقق الاقتراحان السابقان جدوى بدءًا من بداية فتح مظاريف أسئلة الامتحان ولمدة ربع الساعة من بدء الامتحان وهى الفترة المسموح بها للطالب بالتأخر عن دخول لجان الامتحانات. وأضاف: أنه لايمكن منع هذه الظاهرة نهائيًا لأنها متوقفة على الضمير والأخلاق للعامل البشرى سواء المراقبين أو الطلاب. تغليظ العقوبات ومن جانبه رأى د. حسن شحاتة أستاذ المناهج وطرق التدريس بتربية عين شمس أن التقليل من هذه الظاهرة يتطلب تشديد العقوبات بفصل الطالب الذى يضبط وهو يقوم بتسريب الامتحانات نهائيًا وحرمانه من دخول امتحانات الثانوية العامة مدى الحياة وأيضًا فصل الطالب الذى يضبط وهو يقوم بالغش فى الامتحانات لمدة عامين. وكذلك الفصل النهائى للمدرس الذى يضبط وهو يساعد أو يشارك فى تسريب الامتحانات.. وهذا يحتاج إلى سن قوانين يستند إليها المشرع. طالب د. شحاتة أيضًَا بضرورة إحالة أولياء الأمور الذين يساعدون أبناءهم على تسريب الامتحانات بإحالتهم للنيابة العامة باعتبارهم مشاركين فى الجريمة وأن يقاضى ولى الأمر بالسجن لمدة عامين لأن ولى الأمر الذى يحرض ابنه على الغش أو سرقة الامتحان كأنه شارك وساعد على أن يسرق.. فالمطلوب هو سرعة إصدار تشريع جديد للحافظ على حقوق الامتحانات وحقوق الطلبة فى العدالة والتكافؤ الاجتماعى. ويقترح د. شحاتة بأن تكون لجان الامتحانات فى أماكن عامة وليس فى مدارس بأماكن نائية ومترامية الأطراف يسهل فيها الغش الجماعى وترهيب المراقبين. مطالبًا بإدخال تعديلات فى نظام الامتحانات وبأن يكون هناك ما يسمى «بدليل الطالب» الذى يحتوى على أنماط الأسئلة وإجاباتها النموذجية والتى توضع بمعرفة وزارة التربية والتعليم.. على أن يتم وضع امتحانات الثانوية من خلال هذا الدليل، مشيرًا إلى أن هذا الإجراء يقلل من رهبة الامتحان ويخفف من التوتر، وبالتالى لايجعل الطالب يفكر فى سرقة الامتحانات كما يجب أيضًا مواجهة امتحان الفرصة الواحدة الثانوية العامة بإتاحة وجود ملحق أو دور ثانى بعد شهور من ظهور النتيجة يمتحن فيه الطالب فى مادة أو مادتين ليرفع من مجموعه حتى لا يعيد السنة وهذا النظام معمول به بالجامعات، على أن يحصل الطالب على الدرجة الفعلية التى حصل عليها وليس الحد الأدنى وهذا سيخفف أيضا من رعب امتحان الفرصة الواحدة، كما يوفر من ميزانية الدولة على الإنفاق على الطلاب الراسبين. كما يقترح د. شحاتة بأن يخصص 80% من المجموع للامتحان و20% الباقية للميول نحو كلية معينة من خلال اختبار فى علم النفس برقم سرى مع ورقة الامتحان من خلاله يتم توجيه الطالب للقطاع الطبى أو القطاع الهندسى أو قطاع العلوم الإنسانية وبذلك نخفف من ضغط امتحان الثانوية العامة على الطلبة وأسرهم، وهذا بطبيعته يقلل من درجة التوتر والخوف والانزعاج من الامتحان والخوف على ضياع المستقبل. الترهيب والتخويف وفى نفس السياق يؤكد د. سيد صبحى أستاذ الصحة النفسية بتربية عين شمس أن تسريب الامتحانات يعد قضية أخلاقية بالدرجة الأولى، قائلا: نحن وضعنا الامتحان كمصدر من مصادر الترهيب والتخويف وعندما يدخل الخوف والرهبة إلى الإنسان فهو يميل دائما إلى أن يتحايل ويستخدام الحيل ليتمكن مما يخيفه وهذه هى مشكلة الامتحانات عندنا فى مصر.. فلابد أن نغير مما تعودنا عليه من مخاوف تجاه الامتحان وهذا يتطلب الوقوف عن دائرة الامتحانات الكلاسيكية.. فعندما نعمل امتحان لأى إنسان لا يهمنا كم التحصيل والتعلم ولكن ما يهمنا هو قياس درجة القدرات التى تم تنميتها لديه وسعى لتكوينها. مؤكدا أننا فى مصر نضع الامتحانات دائما لتعطينا درجات عن التحصيل الذى يعتمد على الصم والحفظ والذى يدفع الممتحن للغش ووضع «البراشيم» المعاونة ولكن إذا كان الطالب يدخل الامتحان وهو معتمد أنه سيجيب عنه من قدراته التى اكتسبها فى التحصيل القائم على الفهم فإنه سيكتسب الثقة فى نفسه ولكن المشكلة لدينا أن الامتحان يحتاج الكتابة لملء الصفحة!! مما جعل الامتحانات مادة للتسريب والغش والتعامل معها بهذا الشكل اللا أخلاقى الذى نشاهده هذه الأيام. ويضيف د. سيد صبحى أنه لابد من إعادة النظر فى نظام الامتحانات فى مصر.. ويضرب مثالاً أنه كأستاذ جامعى عندما يضع امتحانًا للطلبة لا يقول لهم أجب عن السؤال الآتى ولكن يقول لهم فى الورقة الامتحانية من فضلك قول لى رأيك فى القضية الآتية أو مارأيك فى هذه الموضوعات الآتية وقل لماذا وافقت أو لماذا اعترضت.. وهذا يجعل الطالب يشعر أننا نتناقش معا ولا نمتحنه أو أقول له فى الورقة الامتحانية أشكرك على صادق تعاونك معى وأرجو الإجابة عن الاسئلة التالية أو أضع له 4 أسئلة وأقول له تخير ما تراه يتناسب مع فكرك.. مؤكدا أن جميع الامتحانات فى مصر فاشلة ودرجات المتفوقين فاشلة هى الأخرى وغير معبرة عن الواقع والدليل أن الطلبة الأوائل فى الثانوية العامة يرسبون فى سنة أولى جامعة. مشددا على أنه لابد من إعادة النظر فى تكوين أسئلة الامتحانات ولابد أن تكون الأسئلة موجهة إلى فهم الطلاب وليس إلى درجة تحصيلهم متسائلا كيف يكون الطالب مبتكرًا وهو لا يعلم شيئا إلا ما حفظه. وأضاف إذا أردتم أن تنجحوا فى إعداد الامتحان أعطوا الطلاب فرصة لإبداء وجهة نظرهم فالمهم فى الامتحان هو كيف نستدعى فكر الطلاب وليس تحصيلهم والابتعاد عن وضع الأسئلة الكلاسيكية النمطية التى تقيس درجة التحصيل وليس درجة الفهم.. فالطلاب يلجأون إلى تسريب الامتحانات والاعتماد على الغش لأنهم يشعرون بأن الامتحانات عبارة عن «شربة زيت خروع»!! نظام الامتحانات ومن جانبه يتهم د.أحمد إبراهيم أستاذ الإدارة التعليمية بكلية التربية بنها - نظام الامتحانات بأنه هو المسئول عن ظاهرة التسريب والغش فى الامتحانات.. وقال إنه رغم الاحتياطات التى اتخذتها وزارة التربية والتعليم للحفاظ على سرية الامتحان إلا أنه تم تسريبه، فقد أرسلت أسئلة الامتحانات بالطائرات ومع ذلك وبعد ربع ساعة كانت الأسئلة على «النت» فضلًا عن وجود البعض من أصحاب الذمم الرخيصة داخل دولاب الوزارة ممن ساعدوا فى تسريبه وأيضًا الإخوان الذين يريدون إفشال الامتحانات لزعزعة الاستقرار داخل البلاد، مطالبًا بعدة إجراءات لابد من اتباعها للتقليل من ظاهرة تسريب الامتحانات أولها تغيير شكل الامتحانات وشكل الورقة الامتحانية بحيث تعتمد على 4 أو 5 جزئيات للقياس منها التذكر والاستنتاج والتحليل والحفظ مطالبًا باستخدام الأسلوب الأمريكى فى الامتحانات وهو قائم على الاختيار من متعدد والربط بين الفقرات وتكملة الفقرات حيث تقوم الورقة الامتحانية هناك على جزء من الأسئلة المباشرة وآخر للتفكير والاستنتاج وآخر للتحليل وآخر لإبداء وجهة نظر الطالب وهذا غير موجود فى الورقة الامتحانية فى مصر، مشيرًا إلى أن الإجراء الثانى هو تدريب المعلمين على الأساليب الحديثة فى وضع الامتحانات ويشترط أن الذى يضع الامتحانات يكون من الممارسين للعملية التربوية، مؤكدًا أن الامتحانات هى انعكاس حقيقى لوضع ومستوى التعليم فى أى بلد. وعن الإجراء الثالث يقول د.أحمد إبراهيم إنه يجب تغليظ العقوبة على الغشاشين وكذلك على من يشارك فى تسريب الامتحانات أسوة بالولايات المتحدةالأمريكية، قائلًا إنه فى أمريكا لا يوجد مراقبون داخل لجان الامتحانات ولكن نظام الكاميرات هو الذى يراقب لجان الامتحانات هناك وإذا ضبط طالب يقوم بالغش فإنه يتم فصله نهائيًا بلا رجعة، مؤكدًا أنه لابد من زرع داخل الأولاد (الطلبة) الخوف من الغش والقيام بالأعمال المنافية والخوف من الفساد. من جهته يؤكد د.حامد طاهر نائب رئيس جامعة القاهرة الأسبق أننا منذ فترة طويلة أصبحنا نعطى الامتحانات أهمية أكبر من العملية التعليمية نفسها.. ولم نتساءل قبل مجىء الامتحان ماذا استوعب الطالب من المادة التعليمية؟ وهل قدمناها له بصورة جذابة؟ وهل فيها جديد أم أنها مجرد تكرار لمعلومات قديمة؟ وهل تساير الحركة العلمية الحديثة فى العالم؟ وهل دفعناهم لكيفية الحصول على المعلومة من مصادرها؟ وهل كلفناهم بعمل بحث صغير أو مبسط إلى جانب الكتاب المدرسى المقرر؟ وهل نحن راضون عن هذا الكتاب المقرر؟ ويضيف أنه بناء على هذه الأسئلة فإن المعلومات «الساكنة» فى الكتاب المقرر يمكن بسهولة التنبؤ بالأسئلة الخاصة بها.. وهذا ما يفعله محترفو الدورس الخصوصية وهذا ما يلجأ إليه الطلبة الذين يرتكبون جريمة الغش وسرقة الامتحان، مؤكدًا أنه من خلال هذا المناخ التعليمى يمكن بسهولة أن يلتقط مدرسو وعديم الضمير ما يمكن أن يراه من أسئلة سرية لكى يبيعها ويستفيد من عائدها مع العلم أن الذى يحصل عليها يقوم بنشرها بين أكبر عدد من الطلاب وبذلك تحدث ظاهرة تسرب الامتحانات، وهذه هى القصة المخزية التى نعيشها فى مصر ولا يوجد لها مثيل فى كل بلدان العالم. ويتساءل د.حامد إذا ماذا نفعل؟ مؤكدًا أن الأمر يتطلب الإجابة عن الأسئلة السابقة التى طرحها فى البداية والتى تصلح العملية التعليمية وتنتهى بإصلاح فوضى الامتحانات التى نعيشها الآن.