مع استمرار الأزمة فى أوكرانيا وتصاعد المواجهة بين موسكو والغرب بعد فرضه عقوبات على شخصيات مقربة من الرئيس الروسى فلاديمير بوتين والتهديد بتوسيعها لتطال قطاعات حيوية فى الاقتصاد الروسى وتؤدى إلى عزلتها عن المجتمع الدولى، يبقى التساؤل مطروحا حول مدى فاعلية هذه العقوبات وهل من الممكن أن تثنى الرئيس الروسى فلاديمير بوتين عن خططه بشأن أوكرانيا؟ وفى هذا السياق، شكك الكثير من الخبراء والمحللين والصحف العالمية فى فعالية هذه العقوبات فى حل الأزمة فى أوكرانيا متوقعين ان تزيد من تمسك الرئيس الروسى بموقفه. وقال تقرير تحليلى لصحيفة نيويورك تايمز إنه إذا كان الهدف من العقوبات هو إضعاف بوتين داخليا من خلال الضغط الاقتصادى على حلفائه الأثرياء الذين يعدون عنصرا حيويا لاستمرار قبضته على السلطة، فلا يوجد مؤشرات كثيرة تظهر إمكانية نجاحها فى ذلك، إلى حد كبير لأن الشخصيات الروسية المستهدفة هى من الأجيال الجديدة من القلة الحاكمة الذين يدينون بثرواتهم وولائهم لبوتين. كما أشارت نيويورك تايمز إلى قول فلاديمير ياكونين- رئيس شركة السكك الحديدة الروسية وهو من المستشارين المقربين لبوتين وواحد ممن استهدفتهم العقوبات- فى مقابلة صحفية إن الرئيس بوتين يصبح شخصية صعبة للغاية عندما يشعر بأنه يتعرض لضغوط لإرغامه على الإذعان لمطالب الآخرين وعندئذ لن يخضع للإدانة الدولية. ولفتت الصحيفة أيضا إلى أن عودة القرم إلى روسيا بعد ستين عاما من نقلها إلى أوكرانيا حظى بدعم شعبى وسياسى كاسح، وذلك بالرغم من التهديد الغربى بالعزلة الديبلوماسية والعقوبات. واشتشهدت الصحيفة بتغريدة على تويتر ل «ديميترى روجوزين» نائب رئيس الوزراء الروسى وأحد المستهدفين بالعقوبات، قال فيها إن كل هذه العقوبات لا تساوى حبة رمل من أرض القرم التى عادت إلى روسيا. أما الكاتب الصحفى طونى باربر فتحدث فى مقال له بصحيفة «الفاينانشيال تايمز» البريطانية عن وجود صورة كبيرة لنيقولا الأول الذى حكم الإمبراطورية الروسية من 1825-1855 معلقة بغرفة الانتظار بمكتب الرئاسة فى الكرملين، وقال الكاتب إن صانعى السياسة فى واشنطن وأوروبا سيحسنون صنعا إذا فكروا فى سبب اختيار بوتين للقيصر ليكون الشخصية التاريخية التى يراها الزائرون قبل دخولهم غرفة الرئيس، لأنهم بذلك سينجحون فى الإجابة على السؤال : «كيف نتعامل مع بوتين؟» ورأى باربر أن القصة وراء الصورة ليست أن نيقولا الأول كان قائدا عسكريا قاهرا ولكن لأن أوروبا ما بعد حكم نابليون كانت تنظر باحترام إلى روسيا تحت حكم نيقولا الأول باعتبارها قوة عسكرية ودبلوماسية كبيرة. ويضيف الكاتب أن بوتين، كما أوضح عند الإعلان عن ضم القرم لروسيا، يشعر باستياء شديد مما يعتبره تجاهل الغرب، منذ انهيار الاتحاد السوفيتى عام 1991، لمكانة روسيا ومصالحها كقوة قيادية. كما أن اختيار بوتين للصورة يعكس إيمانه بأن روسيا تحت حكم نيقولا الأول كانت تمثل نظاما سياسيا داخليا صلبا مبنيا على الوطنية وحكومة مركزية قوية، وهذا هو نوع الدولة الذى يسعى بوتين لبنائه منذ توليه الرئاسة للمرة الأولى عام 2000. ويعتقد باربر أن التعامل مع بوتين، فى ضوء تعامله مع أزمتى جورجيا 2008 وأوكرانيا 2014، ، يتطلب ادراك أنه مستعد لاستخدام القوة العسكرية فى الخارج، وكذلك الاعتراف بأن أى زعيم روسى آخر لم يكن ليتصرف بشكل مختلف، نظرا لأن بوتين يتصرف ارتكازا إلى عقيدة جيوسياسية تشكلت فى موسكو بعد انهيار الاتحاد السوفيتى مباشرة، وهى العقيدة التى تؤكد روسيا بموجبها مصالحها الخاصة فى أوكرانيا وغيرها من دول الاتحاد السوفيتى السابق. ويضيف الكاتب أنه من المستبعد أن يصل قادة الغرب لأى حل مع بوتين إلا إذا قدروا أن الأزمة، من وجهة نظر الزعيم الروسى، هى بشأن الدفاع عن مصالح روسيا الأساسية، وأنه مستعد لدفع ثمنا دبلوماسيا واقتصاديا غاليا جدا للحفاظ على هذه المصالح. ويؤكد باربر أن بوتين يرى هذه اللحظة كلحظة حياة أو موت بالنسبة لروسيا وأنه فى الوقت الحالى يعتقد أنه فى مهمة تاريخية من أجل روسيا.