أشعلت منطقة شبه جزيرة القرم صراعا دام لعقود.. وكانت هذه الحروب سبباً فى انهيار إمبراطوريات عظمى وظهور أخرى جديدة.. كما أنها كانت بداية لظهور صحافة الحروب فقد كانت بداية لاستخدام التصوير الفوتوجرافى فى توثيق الحروب، بالإضافة إلى أنها مهدت للحرب العالمية الأولى التى أسقطت الملايين من الضحايا وغيرت مناطق النفوذ فى العالم وألهمت الكاتب الروسى الشهير ليو تولستوى روايته الخالدة (الحرب والسلام). فحرب القرم الأولى (1854 - 1856) نشبت بهدف الاستيلاء على ممتلكات الإمبراطورية العثمانية بعد أن أصابها الوهن - والتى عرفت حينها باسم رجل أوروبا المريض - لاسيما بعد اتساع نفوذ روسيا القيصرية التى سعت لتحقيق حلمها فى الوصول لسواحل البحور الكبرى كالمحيط الهادى والخليج العربى والبحرين الأحمر والمتوسط على أنقاض ممتلكات الرجل العثمانى المريض وقد حاولت روسيا القيصرية ضم حلفاء آخرين ليساعدوها فى الإجهاز على المنافس العثمانى وذلك بإقناع كل من بريطانياوفرنسا بالاستيلاء على المستعمرات العثمانية فى أفريقيا إلا أن الدولتين رفضتا الاتفاق خشية تهديد النفوذ الروسى لمصالحهما التجارية والسياسية فى منطقة النزاع التى تقع فى طريقهما نحو مستعمراتهما فى الهند وأوروبا. وكانت بداية الحرب بحشد للجيش القيصرى على حدود منطقة القرم التى كانت إحدى المستعمرات العثمانية ثم إرسال أحد القادة الروس للتفاوض مع الباب العالى العثمانى للمطالبة بحق ثوار القرم والجبل الأسود فى الاستقلال عن الإمبراطورية العثمانية وبعد الرفض العثمانى للشروط القيصرية بدأ الجيش القيصرى بنشر قواته وضم ولايتى الدانوب، وهنا اختلف المؤرخون حول الأسباب الحقيقية لحرب القرم فمنها خلافات دينية بين فرنساوروسيا القيصرية حول حماية الأماكن المقدسة فى فلسطين أو تصارع المصالح السياسية والاقتصادية والاستراتيجية بين روسيا القيصرية فى جانب وكل من فرنسا وإنجلترا والنمسا فى الجانب الآخر. وأخيراً انتهت حرب القرم الأولى باتفاقية باريس عام 1856 وهزيمة روسيا القيصرية وسقوط أكثر من 300 ألف قتيل. ولم ينته الصراع حول منطقة القرم أبدا، فقد أرسل الزعيم النازى (أدولف هتلر) أفضل قواته عام 1941 لاحتلال منطقة القرم ليفتح الطريق أمامه للوصول لمنطقة القوقاز وثرواتها النفطية ونجحت الحملة الألمانية فى الاستيلاء على هذه المنطقة المهمة بعد سقوط آلاف الضحايا، وفى عام 1944 خرج الألمان من الجزيرة بعد هزيمتهم فى الحرب العالمية الثانية. ثم عادت القرم إلى دائرة الصراع مرة أخرى بعد اندلاع الاحتجاجات الأوكرانية التى حدثت أوائل الشهر الماضى ومطالبة شبه جزيرة القرم بالانفصال عن أوكرانيا والانضمام لروسيا الاتحادية وحلاً للخلاف الأخير طالبت روسيا الآن بإجراء استفتاء حول انضمام منطقة القرم لها أو ببقائها تابعة لأوكرانيا فقد تعلمت روسيا الدرس، خاصة أن الحرب لا تنهى خلافات قائمة ولكن المصالح هى التى تتصالح دائماً.