ضياء رشوان: الرئيس السيسي يضع عينيه على المستقبل    نشرة «المصري اليوم» الصباحية.. مفاجأة في نص أقوال الفنانة هلا السعيد بواقعة «سائق أوبر».. وأسعار الذهب الإثنين 10 يونيو 2024    تراجع أسعار النفط لثاني جلسة على التوالي في تعاملات اليوم    اليمين المتطرف يحقق مكاسب في الانتخابات الأوروبية، وفون دير لاين قد تحظى بولاية ثانية    واشنطن تدعو مجلس الأمن للتصويت على مقترح الهدنة في غزة    نائب في الدوما الروسية: إمدادات الأسلحة الغربية لأوكرانيا تدفع العالم إلى أحضان الجنون النووي    ترامب يطالب بايدن بالخضوع لاختبارات القدرات العقلية والكشف عن المخدرات    الفلسطيني أمير العملة يتوج بذهبية بطولة العالم بلعبة "المواي تاي"    51 ألفا و668 طالبا يؤدون امتحانات الثانوية العامة في الشرقية اليوم    نشرة ال«توك شو» من «المصري اليوم»: رئيس «اتصالات النواب» يزف بشرى سارة عن مكالمات التسويق العقاري.. وعمرو أديب عن مدرس الجيولوجيا: «حصل على مليون و200 ألف في ليلة المراجعة»    "سياحة الشيوخ" توصي بضرورة تفعيل المنتج السياحي "العمرة بلس"    تصفيات مؤهلة لكأس العالم.. جدول مواعيد مباريات اليوم والقنوات الناقلة    يحيى الفخرانى يطالب بقانون لضبط استخدام الذكاء الاصطناعى فى عمل الفنانين    حزمة إجراءات.. التعليم تكشف الاستعدادات لتأمين امتحانات الثانوية العامة    واشنطن تدعو مجلس الأمن للتصويت على مشروع قرار يدعم مقترح الهدنة فى غزة    تركي آل الشيخ يعلن مفاجأة عن فيلم ولاد رزق ويوجه رسالة لعمرو أديب    الزمالك: شيكابالا أسطورة لنا وهو الأكثر تحقيقًا للبطولات    الكشف على 1346 مواطنا خلال قافلة طبية مجانية بقرية قراقص بالبحيرة    "ده ولا شيكابالا".. عمرو أديب يعلق على فيديو مراجعة الجيولوجيا: "فين وزارة التعليم"    دعوة للإفراج عن الصحفيين ومشاركي مظاهرات تأييد فلسطين قبل عيد الأضحى    ميدو: مباراة بوركينا فاسو نقطة تحول في مسيرة حسام حسن مع المنتخب    المنوفية في 10 سنوات.. 30 مليار جنيه استثمارات خلال 2014/2023    خالد البلشي: تحسين الوضع المهني للصحفيين ضرورة.. ونحتاج تدخل الدولة لزيادة الأجور    الحكم على طعون شيري هانم وابنتها على حبسهما 5 سنوات.. اليوم    «لا تنخدعوا».. الأرصاد تحذر من حالة الطقس اليوم في مصر (موجة حارة شديدة قادمة)    «كنت مرعوبة».. الفنانة هلا السعيد عن واقعة «سائق أوبر»: «خوفت يتعدي عليا» (خاص)    أمر ملكى سعودي باستضافة 1000 حاج من ذوى شهداء ومصابى غزة    يمينية خالصة.. قراءة في استقالة "جانتس" من حكومة الحرب الإسرائيلية    لميس الحديدي: عمرو أديب كان بيطفش العرسان مني وبيقنعني أرفضهم قبل زواجنا    ضمن فعاليات "سيني جونة في O West".. محمد حفظي يتحدث عن الإنتاج السينمائي المشترك    ضياء رشوان ل قصواء الخلالي: لولا دور الإعلام في تغطية القضية الفلسطينية لسُحقنا    هؤلاء غير مستحب لهم صوم يوم عرفة.. الإفتاء توضح    عند الإحرام والطواف والسعي.. 8 سنن في الحج يوضحها علي جمعة    أدعية مأثورة لحجاج بيت الله من السفر إلى الوقوف بعرفة    دعاء رابع ليالي العشر من ذي الحجة.. «اللهم اهدني فيمن هديت»    البابا تواضروس يصلي عشية عيد القديس الأنبا أبرآم بديره بالفيوم    وصفة سحرية للتخلص من الدهون المتراكمة بفروة الرأس    عددهم 10 ملايين، تركيا تفرض حجرًا صحيًا على مناطق بالجنوب بسبب الكلاب    النسبة التقديرية للإقبال في انتخابات الاتحاد الأوروبي تقترب من 51%    برقم الجلوس.. نتيجة الدبلومات الفنية 2024 في القاهرة والمحافظات (رابط متاح للاستعلام)    تحرير 36 محضرا وضبط 272.5 كيلو أغذية منتهية الصلاحية بمدينة دهب    عمر جابر يكشف كواليس حديثه مع لاعبي الزمالك قبل نهائي الكونفدرالية    بمساحة 3908 فدان.. محافظ جنوب سيناء يعتمد المخطط التفصيلي للمنطقة الصناعية بأبو زنيمة    المستشار محمود فوزي: أداء القاهرة الإخبارية مهني والصوت المصري حاضر دائما    حلو الكلام.. إنَّني أرقص دائمًا    مقتل مزارع على يد ابن عمه بالفيوم بسبب الخلاف على بناء سور    رئيس منظمة مكافحة المنشطات: رمضان صبحى ما زال يخضع للتحقيق حتى الآن    عمر جابر: سنفعل كل ما بوسعنا للتتويج بالدوري    اتحاد الكرة يكشف تطورات أزمة مستحقات فيتوريا    تعرف على فضل مكة المكرمة وسبب تسميتها ب«أم القرى»    "صحة الشيوخ" توصي بوضع ضوابط وظيفية محددة لخريجي كليات العلوم الصحية    نقيب الصحفيين: نحتاج زيادة البدل من 20 إلى 25% والقيمة ليست كبيرة    القطاع الديني بالشركة المتحدة يوضح المميزات الجديدة لتطبيق "مصر قرآن كريم"    عوض تاج الدين: الجينوم المصرى مشروع عملاق يدعمه الرئيس السيسى بشكل كبير    مصر في 24 ساعة| لميس الحديدي: أصيبت بالسرطان منذ 10 سنوات.. وأحمد موسى يكشف ملامح الحكومة الجديدة    لميس الحديدي تكشف تفاصيل تهديدها بالقتل في عهد الإخوان    شعبة الدواجن: حرارة الجو السبب في ارتفاع أسعارها الأيام الماضية    محافظ المنوفية يفتتح أعمال تطوير النصب التذكاري بالباحور    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سر طه حسين (1-3)
نشر في أكتوبر يوم 22 - 12 - 2013

لا أعرف لماذا كان تركيز الذين كتبوا عن دور طه حسين ومكانته وتأثيره فى الثقافة وفى العقل العربى وأغفلوا جانبا مهما من جوانب شخصيته وسرا من أسرار نجاحه فى الوصول إلى المكانة التى وصل إليها، وأقصد بذلك قصة حبه الكبير للفتاة الفرنسية طالبة السوربون المثقفة الخجولة التى صارت زوجته ورفيقة كفاحه التى تحملت معه أيام النجاح وأيام الفشل، ولحظات السعادة ولحظات الشقاء، ولم تفارقه حتى آخر لحظة من عمره وكان آخر ما فعله وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة أن أمسك يدها وقبّلها حبا وعرفانا بالجميل. هذه السيدة - سوزان طه حسين - لم تكن تفكر يوما فى أن تترك فرنسا لتعيش فى مصر مع الشاب الضرير الطموح الذى جاء ليدرس فى السوربون للحصول على الدكتوراه، ولكن القدر كان ينسج خيوطه ليربط بينهما، فكان لقاؤه الثانى بها فى يوم 12 مايو عام 1915 وكان قد تحدث معها قبل ذلك فى الجامعة عندما التقى بها فى الجامعة عن حاجته إلى من يقرأ له ويساعده على إعداد المادة العلمية للدكتوراه، وتطوعت بأن تقوم بهذه المهمة، وزارته مع والدتها فى غرفته المتواضعة التى يعيش فيها، وبدأت فى مساعدته وتقرأ له بعض الفصول من كتاب فرنسى، وتساعده على تعلم اللغة اللاتينية المقررة عليه، ولكن بسبب ظروف الحرب العالمية الأولى وانقطاع صلته بالجامعة وبالتالى انقطاع الراتب الذى كانت ترسله له الجامعة كل شهر اضطر للعودة إلى مصر.
عاد طه حسين إلى باريس فى العام التالى وعادت سوزان لمساعدته والقراءة له، ولاحظت أنه جاء مع شقيقه ولكن هذا الشقيق كان يهمله ويتركه يعانى وحده فعرضت عليه أن يسكن فى بيت أسرتها فى غرفة خالية، وهى تعيش مع أمها وشقيقتها، لكنه تردد طويلا ثم انتقل للعيش فى البيت بعد أن عجز عن تدبير شئون حياته وهو وحيد وشقيقه مشغول بنفسه بمفاتن باريس. كان شديد الخجل فى حياته اليومية ولم يقبل أن يتناول الطعام معهم، ورتب نظامه للدراسة بحيث تأتى سيدة لتقرأ له، وسيدة أخرى لتصحبه إلى السوربون وتعود معه، وبدأت سوزان شيئا فشيئا تصحبه إلى الجامعة - وتوفر له أجر إحدى السيدتين لكى يتبقى له ما يساعده على العيش، ثم بدأت تقرأ له وتتحدث معه طويلا لتساعده على إجادة الحديث باللغة الفرنسية وكان يحقق فى ذلك تقدما عظيما.
***
مع الأيام والألفة جاء يوم قال لها: اغفرى لى، لابد أن أقول لك ذلك، فأنا أحبك! وصرخت. أذهلتها المفاجأة، وقالت له بفظاظة: ولكنى لا أحبك! فقال لها: إننى أعرف ذلك جيدا، وأعرف جيدا أنه مستحيل! وبعد ذلك ذهبت سوزان إلى أهلها لتقول لهم: أريد الزواج من هذا الشاب وهى تعرف ماذا سيقولون.. كيف؟ من أجنبى؟ وفوق ذلك كله مسلم؟ لاشك أنك جننت! لكن عمها ساعدها، وكان عمها قسيسا، جلس مع طه حسين ساعتين ثم عاد ليقول لها: بوسعك أن تنفذى ما عزمت عليه، لا تخافى فى صحبة هذا الرجل. وهكذا أعلنا خطوبتهما بعد انتهاء إجراءات حصوله على موافقة الجامعة فى مصر وفقا للقانون، وبعد أن أخبر أهله.
***
بعد الخطوبة ظلت تعمل معه.. تقرأ له الكتب اللازمة للرسالة.. وتذهب معه إلى المكتبات.. وكان عليه أن يدخل امتحان الدبلوم فى الأدب الكلاسيكى وهو لم يدرس من اللغة اللاتينية إلا القليل ولم يدرس من النصوص الفرنسية والتاريخ والجغرافيا ما يؤهله للامتحان، وبحماس شديد ظلت تقرأ له ذلك كله وتعد بنفسها خرائط بارزة ليتعرف على مواقع البلاد ولم تكن هذه الخرائط الخاصة بالمكفوفين معروفة فى ذلك الوقت، وطلبت من الجامعة أن ترافقه فى الامتحان لتكتب له ما يمليه عليها، ووافقت الجامعة، ونجح فى الامتحان، وكان عليهما الإعداد لرسالة الدكتوراه، ورغم أنه كفيف البصر وقليل الاستعداد فى الثقافة الفرنسية إلا أنه استطاع فى أقل من أربع سنوات أن يحصل على إجازة فى اللغات الكلاسيكية ودبلومة فى الدراسات العليا وأن يقطع شوطا كبيرا فى إعداد رسالة الدكتوراه عن الفلسفة الاجتماعية عند ابن خلدون.
***
وتزوجا فى يوم 19 أغسطس عام 1917 ببساطة مطلقة وباريس تعيش فى أجواء الحرب، وفى يناير عام 1918 حصل على الدكتوراه وأشادت هيئة التحكيم بالرسالة وبمقدرته العلمية، وفى نفس العام رزق بابنته أمينة (التى صارت زوجة لوزير خارجية مصر محمد حسن الزيات) وفى أكتوبر عام 1919 عاد إلى مصر مع زوجته وابنته أمينة.
تقول سوزان فى كتابها الرائع «معك»: لقد أصبحت مصر بالنسبة لى - ولأكثر من سبب - وطنا ثانيا، أحبها كما أحب طه حسين.
وعاش طه حسين مع زوجته قصة حب تستحق أن تخلد مثل قصص الحب التاريخية.. روميو وجولييت.. قيس وليلى.. إلخ.
وأفضل ما قيل عن طه حسين وسوزان ما كتبه الأديب السورى بدر الدين عرودكى وعن العلاقة الفريدة من نوعها التى ربطت بين: مسلم ومسيحية.. مصرى وفرنسية.. عربى الثقافة والانتماء الحضارى وأوروبية فى ثقافتها وانتمائها.. علاقة استمرت أكثر من خمسين عاما نسجها حب عميق، واحترام لا يقل عنه عمقا، وطال هذا الاحترام حرية العقيدة؛ فقد كانت مسيحية وبقيت كذلك فى رفقة زوج مسلم، وكان ذلك أمرا شديد الندرة بل فريدا فى وقته وفى مجتمعه.
***
وكتبت سوزان تقول: أفكر بهذا التوافق الذى وحدنا دوما فى احترام كل منا لدين الآخر، لقد دهش البعض من ذلك فى حين فهم البعض الآخر إذ رأى أن بوسعى أن أردد صلاتى بينما هو يستمع إلى القرآن فى الغرفة المجاورة، وإنى أسمع القرآن فى أعماق نفسى، وهو غالبا يحدثنى عن القرآن ويردد بالبسملة، وكان يردد دائما: إننا لا نكذب على الله.
أما طه حسين فإنه يكتب لها فى إحدى رسائله - وهى فى زيارة لفرنسا - ليقول: إننى أرى بعينيك! وفى رسالة أخرى يقول: بدونك أشعر أنى أعمى حقا، وفى رسائله عبارات تدل على أن قلب الرجل لم يكن فيه إلا حب هذه السيدة فيكتب: رحلتِ فلحق بك ذكائى وكل قلبى، وكل نفسى،. يستحيل على القيام بشىء آخر غير التفكير فيك، ولا أستطيع أن أمنع نفسى من البكاء كلما دخلت الغرفة فأنا أجدك فى كل مكان دون أن أعثر عليك.. عندما رجعت إلى البيت ذهبت مباشرة إلى صورتك وقصصت عليها ما جرى فى يومى وبالتفصيل!.. وأنت بعيدة تغمرنى ظلمة بغيضة، ما أقسى أن يكون المرء وحيدا بعيدا عن حياته، إنى ضائع، نعم إنى ضائع.
هذا هو طه حسين.. المحارب الذى يتحدى الملك، ويصمد فى أوقات صعبة يعجز عن مواجهتها الرجال.. وفى قلب حب لا يعرف مقداره إلا هى.. حب يجعله فى فراقها يبكى.. ويشعر أنه ضائع.. ويعيش فى ظلام بغيض.. ويشعر فى هذا الوقت فقط أنه أعمى.. وفى رسائله ما هو أكثر!!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.