كثيرون كتبوا عن شخصية أدولف هتلر، الوحش النازى، مهندس الحرب العالمية الثانية، لكن الصحفى والأديب الألمانى «تيمور فرميس» يتناول شخصيته ويقدمها فى قالب كوميدى، وفى الرواية التى عنوانها «لقد عاد» صاغها بأسلوب يحاكى كتاب هتلر «كفاحى». وفى الرواية لا يضحك القارئ على مواقف هتلر الفكاهية بل يضحك أيضا معه، ولا يظهر فى الرواية فقط كوحش مجنون، بل إنسان منطقى وأحيانا محبوب، ولطيف. باختصار إنسان.. لذلك فرواية تيمور التى ترجمت إلى 37 لغة عالمية لن تترجم إلى اللغة العبرية لأن جميع دور النشر ترتعب من طرح تلك الرؤية لشخصية هتلر للقارئ الإسرائيلى. من الجملة الأولى فى الرواية والأحداث والحوارات تجرى من عقل البطل هتلر، وعلى لسانه. وأول مشهد للأحداث فى الساحة الكبيرة ببرلين عام 2011. فى يوم إبريلى دافئ الأجواء، شخص مستلقى على الأرض مشوش الذهن، يحدق فى السماء الزرقاء الصافية وقطع الغيوم الصغيرة المتناثرة بها ويستغرب من خلوها من الطائرات الحربية ولا يتذكر ما فعله فى الليلة السابقة. ولا شىء مما حوله يمكن أن يفسر له كيف جاء إلى هذا اللامكان. آخر شىء يتذكره جلوسه على الأريكة الوتيرة وبجواره «إيفا بروان». ينهض من استلقائه، وينظر لنفسه مليا، ويرى أنه يشبه هتلر، ويرتدى ملابس هتلر، وسرعان ما يكتشف أنه يتحدث أيضا مثل هتلر بما فى ذلك مخزون ذخيرة الأفكار النمطية لهتلر. وعندما تمكن من السير وبدأ يتجول فى شوارع المدينة اصطدم بمجموعة من الشباب الذين يرتدون قمصانًا عليها صورة شخص لا يعرفه، إنها صورة نجم كرة القدم البرازيلى «مارادونا» وفى طريق سيره يرى أعدادًا كبيرة من الأتراك فى المدينة، فقال لنفسه ربما أخيرا، أخيرا، تكرم الأتراك بالانضمام إلى دول المحور. لكنه استغرب من أن المارة لا يظهرون له الاحترام والتقدير المعروف برفع اليد لأعلى وتحية «الفوهرر» وفى محاولة منه لمعرفة ما يدور حوله يتوجه إلى كشك لبيع الصحف، يبحث فيه عن مصدر موثوق للأخبار مثل «دير شتير» أو «باو باخت» لسانى حال الحزب النازى، ولم يجد ما يبحث عنه، لكنه لاحظ التاريخ المكتوب على الجزء العلوى من صحيفة أخرى، 30/5/2011. وصاحب الكشك مقتنع تماما بأن الشخص الذى يقف أمامه ممثل بارع لن يغير ملابس التمثيل. ويبادر بفتح حوار معه، وخلال الحديث يعرب له عن إعجابه بمهاراته الفنية فى تقمص شخصية هتلر، واندهاشه أنه رغم ذلك بدون وظيفة. وفى مرحلة من الحديث يرق قلب صاحب الكشك عندما يعرف أن الشخص الواقف أمامه ليس لديه مأوى يلجأ إليه. وأن كل أصدقائه ومعارفه اختفوا من الوجود وخاصة «بورمان» - صديقه المخلص مارتن بورمان رئيس الأركان والمساعد الأول لهتلر، وسكرتيره ومن أقوى القادة فى ألمانيا النازية خلال الحرب العالمية الثانية، ويعرض عليه أن ينام فى دكان الجرائد لفترة من الوقف حتى يتدبر أمره. وفى مجرى الحديث يقدم له صاحب الكشك اثنين من زبائنه ويعرفه بهم، وبأنهما يعملان فى مجال الإنتاج التليفزيونى وبدورهما يتحمسان للواقف أمامهما من حديثه الشديد الجدية عن غزو النازى لبولندا. واقتناعا منهما بأنها مسرحية كوميدية معدة سلفا يقررا تدبير جناح فى فندق فاخر لإقامته، بالإضافة إلى سكرتيرة، وعرض وظيفة مذيع تليفزيونى. واستكمالا للمسرحية تلتزم السكرتيرة بأداء التحية للفوهرر عند دخوله إلى الاستوديو أمام الكاميرات. وهنا تبدأ أحداث الرواية تدور حول تعامل هتلر مع وسائل التكنولوجيا الحديثة بعد أن أصبح نجما تليفزيونيا شهيرا أصبح الأعلى مشاهدة أيضا على موقع اليوتيوب. ويتفاعل هتلر مع اختراعات العصر الحديث التى غاب عنها لأكثر من خمسة وسبعين عاما، حيث كانت رقدته الأخيرة فى أبريل 1945. ويضع نغمة «فالكيريس» للموسيقار العالمى «ريتشارد فاجز» على هاتفه الذكى الجديد، كان أدولف هتلر يعشق موسيقاه ويكن له الاحترام والتقدير باعتباره رائدا فى معارضة الصهيونية. وتعامل مع الإنترنت وتحمس لاكتشاف إمكانات هذه الوسيلة الجديدة كقناة لنشر الدعاية، لكنه شعر بالغضب والإحباط الشديد لمعرفة أن عنوان بريده الإليكترونى المفضل «هتلر 98» قد تم قرصنته. ويصبح هتلر نجما لامعا ويستمر فى الصعود إلى أن يفكر فى الختام فى تشكيل حزب سياسى. رواية «لقد عاد» هى الأولى «لتيمور فرميس» التى نشرت فى ألمانيا فى سبتمبر الماضى. ومنذ ذلك الحين أصبحت ظاهرة أدبية بارزة حتى اليوم. فقد حققت مبيعات أكثر من 1.3 مليون نسخة، ما بين كتاب، ونسخة صوتية ورقمية بعد 16 أسبوعًا من صدورها، وقفزت إلى المراكز العشر الأوائل. وسيصبح «تيمور» مليونيرا قبل نهاية العام بعد إنتاج رواية سينمائية حيث سيقوم بإعداد سيناريو العمل بالاتفاق مع شركة الإنتاج الألمانية «ميتوس فيلم». وحقوق ترجمة الرواية تم بيعها إلى سبعة وثلاثين دار نشر فى كافة أرجاء العالم.. وسهوف تصدر النسخة الإنجليزية فى شهر أبريل القادم.. ورغم نجاح الرواية وتحقيقها أعلى المبيعات إلا أن الصحافة الألمانية لم تكن متحمسة لها بل وترددت فى تناول محتوياتها، وكان الحال كذلك فى إسرائيل عندما أحجمت كافة دور النشر عن الحصول على حقوق ترجمتها، والذريعة لذلك، كما نشرت صحيفة هآرتس أنها تسير فى الاتجاه المعاكس للمزاج الإسرائيلى الذى يرفض ويحارب أى شخص يحاول أن يتناول شخصية هتلر كإنسان بل وحش مجنون. ووجهت الصحيفة سؤالا للمؤلف عن الدافع الذى يجعل صحفى ألمانى عمره 46 سنة لم يبدى مطلقا اهتماما بالنازية أن يحاول الغوص فى رأس هتلر، ومن ثم تتبع أسلوب تفكيره وسلوكه. ويجيب فرميس: «القصة بدأت على سبيل الدعابة عندما سافرت مع زوجتى أندريا فى إجازة إلى قرية صغيرة فى تركيا، وذات ليلة ذهبت إلى مكتبة تبيع الكتب المستعملة، ورأيت كتابا يقال إنه الكتاب الثانى لهتلر، فإذا كان هتلر قد قام بتأليف كتاب آخر إضافة إلى كفاحى لكنت عرفت بأمره. واعتقدت أن ذلك ثرثرة وإذا كان هناك كتاب ثان فبإمكانى أيضا الثرثرة فى كتاب ثالث. ويضيف.. كتابة الرواية تدفقت بسهولة واستمرت عاما بعد أن عرفت من أين أبدأ وأين أريد أن أنهى هذه القصة، وكنت أرغب أن يكون بطل الرواية شخصية مشهورة ومن هنا كان الطريق قصيرا لإدماجه من جديد فى الحياة السياسية، وحصلت على الكثير من المعلومات من مشاهدة كافة خطابات هتلر ومن قراءة مؤلفه «كفاحى». وينفى فرميس عن نفسه تهمة معاداة اليهود التى وجهت له من مراسل الصحيفة بقوله: «لم يرد ذكر اليهود فى الرواية كلها إلا فى ثلاثة أو أربع جمل فقط، فى الفقرة التى اجتمع فيها الفوهرر مع الجنرالات فى نص القيادة، وكل منهم طرح عليه سؤالا فى موضوعات غير حربية عن قيادة السيارات، والملابس الجينز.. وأسئلة وأجوبة كوميدية، ووجهت له السؤال: من هو الكلب اليهودى من بين الكلاب؟ فأجاب هتلر: الكلب البافارى. ويشرح المؤلف الفكاهة الألمانية التى أوردها فى الكتاب بقوله: لا يوجد فى الواقع كلب يهودى، إنما أردت أن أضع جملة ساخرة تحاكى الطريقة التى يفكر بها هتلر. وتنهى الصحيفة التحقيق حول الرواية بأنهم فى إسرائيل فى انتظار ردود الفعل للترجمة الإنجليزية المتوقع صدورها فى أبريل القادم فى الولاياتالمتحدة وتقييم وسائل الإعلام لمحتواها، فإن لاقت استحسانا لديهم فربما يشجع ذلك دور النشر المحلية على إعادة التفكير فى ترجمتها إلى اللغة العبرية.