وجهها أصفر، بل شديد الإصفرار.. عظامه بارزة.. عيناها زائغتان.. قامتها محنية.. من الوهلة الأولى تظن أنها مومياء لسيدة عجوز.. ولكن بعد قليل تتأكد أنها ليست بمومياء، ولكنها شابة لم تبلغ بعد الثامنة والثلاثين من عمرها.. وهذا ما تؤكده شهادة ميلادها، بل قسيمة طلاقها.. ولكن هموم الدنيا قد طبعت بصماتها على جسدها.. إنها واحدة من آلاف.. بل أقول من ملايين البشر الذين طحنهم الفقر وهدهم المرض.. ذاقت مرارة الفقر منذ جاءت إلى دنياها.. إنها تنتمى لأسرة من إحدى قرى شمال الصعيد تعيش تحت خط الفقر.. الأب فلاح أجير فى أرض الغير.. والأم تربى أولادها وتجاهد كل يوم لمساعدة زوجها فى توفير لقمة العيش.. لم يحاولا بذل أى مجهود لتعليم الأبناء بالمدارس.. بل كان الشغل الشاغل لها ولزوجها أن يتعلم الأولاد مهنة تدر عليهم ما يسد رمقهم ولو كان بعض لقيمات صغيرة تسد جوعهم.. كان الفقر وقلة الرزق الصديق الوفى لهذه الأسرة.. خرجت «أمثال» الابنة المسكينة لتعمل فى الحقول مثل زميلاتها فى الفقر أو كانت تساعد أمها فى تربية الدواجن، كل ذلك من أجل توفير سبل العيش.. سنوات قليلة ومر عليها خراط البنات لتصبح فتاة مكتملة الأنوثة.. وما هى إلا شهور وتوافد العرسان عليها واختارت من مال إليه قلبها وكان يمت لها بصلة قرابة من بعيد.. مثلها لا يملك شيئا.. واشترت لها الأم سريرا ودولابا وحصيرة وبعض الملابس القليلة التى تستر بها نفسها.. كانت كل أمانيها أن تعيش حياة سعيدة مرت الشهور وبدأت تشعر بآلام فى جسدها.. فى نفس الوقت كانت أمها تدعو الله أن يرزق ابنتها العروس بالذرية الصالحة.. ظنت الأم فى بداية الأمر أن الابنة تشعر بالآلام بسبب الحمل.. ولكن الآلام تتزايد وتحول لون وجهها إلى الأزرق والشفاة إلى اللون الأصفر الباهت.. كما أصبحت غير قادرة على أن تقف على قدميها.. طلبت من زوجها أن يصطحبها إلى الطبيب.. ولكن «العين بصيرة واليد قصيرة».. وهنا قررت الأم بالرغم من فقر الأسرة وعدد أفرادها الذى يفوق السبعة أن توفر من قوت الأسرة لتذهب بابنتها إلى المستشفى.. أكد الطبيب أنها تعانى من الأنيميا، وذلك بسبب سوء التغذية وتجرعت المسكينة مرارة الألم مثلما تجرعت مرارة الفقر طوال عمرها.. طلب الطبيب منها أن تلتزم بالعلاج والغذاء المناسب.. ولكن الآلام تتفاقم وأصبحت غير قادرة على تحملها وطلب زوجها منها أن تنتقل للعيش فى منزل أسرتها لترعاها الأم.. ويوم بعد يوم بدأ فى رفع يده عنها ويتخلى عن مسئوليته تجاهها وتركها لأسرتها.. ومع الآلام الشديدة التى تنتابها وإصابتها بنوبات قئ وإغماء اضطرت الأم لعرضها على طبيب آخر الذى طلب إجراء بعض التحاليل وبعد ظهور النتيجة حول الابنة إلى المعهد القومى للأورام وجاءت الأم معها إلى القاهرة، فقد أظهرت التحاليل إصابة الابنة بسرطان بالدم وفشل فى النخاع العظمى.. وعندما علم الأب لم يحتمل الخبر وانتقل إلى الرفيق الأعلى وترك الزوجة والابنة فى يد الله.. وكانت الصدمة الكبرى عندما اختفى الزوج شهورا وعندما ظهر وصلت الابنة المريضة ورقة الطلاق، فلم يتحمل الزوج مرضها ورفض أن يقف بجوارها وتركها وهرب من مسئوليته تجاهها وبدأت الابنة المحطمة رحلة العلاج التى بدأت بزرع نخاع عظمى وانتهت بفشل عملية الزرع ثلاثة عشر عاما من العذاب والاستدانة بسبب حاجتها لنقل دم بصفة مستمرة وحاجتها إلى إجراء التحاليل وتلقى جلسات العلاج الكيماوى والإشعاعى وللأسف ارتجاع المرض وتأثيره على أعضاء الجسد.. فهل هناك من يقف بجوارهما ويساعدهما على المرض والحياة الصعبة؟ من يرغب فليتصل بصفحة مواقف إنسانية.