كأن ثورة لم تقم أو شعب لم ينتفض.. هذا لسان حال المصريين الذين أسقطوا نظام مبارك الذى كان يرتفع فيه علية القوم فى الفساد، ثم نظام مرسى وجماعته الفاشية الذين أرادوا «أخونة مصر».. فلم تتمكن ثورتان فجرهما المصريون فى 25 يناير 2011 و30 يونيو 2013 من إنهاء عدد من المشاكل المزمنة مثل أسطوانات البوتاجاز التى تكرر بصورة سنوية، خصوصًا مع بدء فصل الشتاء.. المواطنون مصدمون من تفاقم الأزمة ووصول الأسطوانة فى السوق السوداء إلى 40 جنيها فى وقت أعلنت فيه وزارة التموين عن توصيلها «ديليفرى» للمنازل عن طريق الاتصال بالخط الساخن وبسعر لا يتعدى خمسة جنيهات للأسطوانة.. «أكتوبر» تقتحم أوكار المستودعات حيث يعشش الفساد وتلتقى مع المواطنين والمسئولين وكل أطراف الأزمة. فى البداية التقينا بعدد من المتضررين من الأزمة فيقول ياسر الشرقاوى: نعانى للحصول على أنبوبة البوتاجاز من المستودعات، حيث يتم تهريبها إلى تجار السوق السوداء لذلك نذهب إلى المستودع فى الصباح الباكر على الرغم من وجود كميات كبيرة داخل المستودع فإن المسئولين عن المستودعات يعطون أصحاب الحصص والسريحة كل الكميات ثم يغلقون المستودع، معللين الإغلاق بأن الكمية نفدت تاركين الأعداد الكبيرة من المواطنين يقفون فى الطوابير منذ الساعات الأولى من اليوم وسط مشاجرات وتدافع وزحام وسباب يصل إلى حد التشابك بالأيدى، وفى النهاية يرجع أغلب المواطنين دون الحصول على الأنبوبة، ثم يشتريها من السريحة بأضعاف ثمنها. ويضيف أيمن النجار - مدرس - اتصلنا بالخط الساخن المخصص بالأسطوانات الدليفرى ولم يرد علينا أحد إذ إنه تارة يكون الرقم خارج الخدمة ويبدو أن الحكومة ووزارتى البترول والتموين جميعاً خارج الخدمة لأن التصريحات التى سمعناها مسبقاً عن توفير أسطوانات البوتاجاز عن طريق الخط الساخن الدليفرى جعلتنا نتفاءل كثيراً بأنه حان الوقت لتتولى المسئولية حكومة تعمل لصالح المواطن البسيط ولكن سرعان مايتبخر الحلم والأمل لنصاب جميعاً بالإحباط وسط سخط المواطنين الغلابة الذين يعانون للحصول على أسطوانة البوتاجاز المدعمة أو الدليفرى التى تذهب لتجار السوق السوداء بأسعار عالية. أما أحمد عبد الحافظ الموظف بالتربية والتعليم فيقول: نطالب المسئولين بالكف عن التصريحات الوردية التى يطلقونها أمام شاشات التليفزيونات فى المساء ثم نصدم بالواقع فى الصباح لذلك يجب أن تكون هناك عدة خطوات تتخذ وتفعل بسرعة شديدة لكى تنتهى هذه الأزمة التى تطل علينا فى كل عام وفى نفس التوقيت، خاصة مع قدوم الشتاء دون أن يتمكن أى مسئول من وضع حلول لها وكأن هذه الأزمة تحدث فجأة. كل يوم أسوأ تقول سامية أحمد: تعبت من المجىء كل يوم إلى المستودع لشراء أسطوانة الغاز فأنا متواجدة هنا يوميا منذ الثامنة صباحا وحتى الخامسة عصرا ولم أحصل على اللأسطوانة وكل يوم أسوأ من غيره، وصاحب المستودع يعطى وعودا تتكرر بكرة ولم يأت بكره حتى الآن فأنا أتردد على المستودع منذ ثلاثة أيام، كما تنشب بسبب الأزمة مشاجرات وقطع طرق ومظاهرات، وارتفع سعر الأسطوانة إلى 50 جنيها فى السوق السوداء. وأضاف وفيق أحمد: الأزمة عادت مجدداً وبدأت تتفاقم من جديد فقد حصلت على إجازة من عملى لكى أشترى أسطوانة الغاز بعد أن كانت الأسطوانات توزع بالسيارات على المنازل بأسعار رمزية ما بين 5 إلى 8 جنيهات، الآن من داخل المستودع تصل إلى 40 جنيها ولا نجدها، وأنا هنا منذ الساعة العاشرة صباحًا ولم أستطع أن أحصل على الأسطوانة والبيت لا يوجد به غاز منذ يومين، فكيف نستطيع العيش بهذه الطريقة؟ فأنا أطالب المسئولين بسرعة حل الأزمة، لأن ما يحدث «حرام» ويجب ومراعاة الموظف الذى أصبح معدوم الدخل. وأكد عبد الله السيد: أن ما يحدث الآن بسبب عدم قيام مفتشى التموين بعملهم والمرور على المستودعات مما جعل صاحب المستودع ببيع الاسطوانات فى السوق السوداء ويترك المواطنين يبحثون عنها ولا يجدونها إلا بصعوبة، وتساءل أين مشروع وضع أسطوانة الغاز على البطاقة التموينية والذى لم ينفذ حتى الآن؟، فما يحدث الآن مهزلة وإهانة للمواطن الذى فجر ثورة 30 يونيو، فهل يستطيع منزل الاستغناء عن الغاز لمدة يوم؟ ويشير عبد الرحمن عبد الفتاح - عضو جمعية مستثمرى مدينة بدر - إلى أن الأزمة يفتعلها أصحاب المستودعات التى من المفترض أن تكون خاضعة للإشراف والرقابة التموينية، حيث يلجأون إلى تعطيش السوق بإخفاء الحصة كاملة لطرحها بعد ذلك فى السوق السوداء من خلال تجار التجزئة، بالإضافة لقيام أصحاب المستودع بطرحها فى السوق بأنفسهم لبيعها فى أوقات الإجازات الرسمية أو بعد انتهاء مواعيد العمل الرسمية حتى لا يتعرضوا لمضايقات الجهات الرقابية و التنفيذية، وأوضح أيضا أن سعر الأنبوبة يصل لأكثر من 20 جنيها فى حين أن سعرها الرسمى داخل المستودع 5 جنيهات فقط. وقال محمد سيد - صاحب محل للمأكولات - اقتربت من غلق المحل بسبب الأزمة فكل يوم أتعب من محاولة الحصول على الأسطوانة فأصبحت أعمل يوما وأغلق يوما آخر، فهل من العدل أن يغلق محل أكل عيش «كل يوم والثانى» وأنا متزوج وفاتح بيت من هذا المحل فهو دخل الأسرة الأساسى فما العمل؟ وعلى الرغم من الازدحام الشديد والطوابير الطويلة أمام مخزن بوتاجازكو بمنطقة السواح فإن هانى محمد مدير مخزن بوتاجازكو بالسواح ينفى الأزمة قائلًا: الشركة بتورد حصة المخزن فى موعدها ولا توجد أزمه وكل شىء على ما يرام والموجود الآن ما هو إلا ضغط بسيط بسبب دخول فصل الشتاء وزيادة استخدام الغاز، ورغم ذلك فالشركة منتظمة وتورد الحصة للمخزن مع الحصة الزائده المخصصة للمخزن فى فصل الشتاء. ويقول الحاج محمد الجيوشى - صاحب مستودع - إن المشكلة ليست من صاحب المستودع، وإنما من شركة البترول التى تؤخر تعبئة الأسطوانات، فالسيارة تظل هناك من الساعة الواحدة ظهرا وحتى السادسة مساء وأحيانا «تبات هناك» ومن المحتمل ألا تأخذ حصتها ويفقد الحصة صاحب المستودع كما أنهم يمنحون المستودع كل يومين عمل يوم إجازة فأنا أطالب بإلغاء الإجازة للمستودع وإعطائه الحصة حتى نتخطى الأزمة كما أن من المفترض أن تزيد حصة الأسطوانات فى فصل الشتاء كما أطالب بوضع ضوابط لحماية صاحب المستودع. وأضاف مفتش تموين رفض ذكر اسمه: نتواجد يوميا مع سيارات الأسطوانات ونمضى على حضورها ونوزعها على الأهالى من خلال كروت تعطى لهم حتى تنفد الكمية وإن سبب الأزمة وجود عجز فى حصة المحافظة من الغاز الصب المخصصة لتعبئة الأسطوانات بنسبة كبيرة ومن ثم تأثيرها على التوزيع العام للمستهلك. وأكد مفتش تموين بالقليوبية رفض ذكر اسمه أن حصة كل مستودع توزع على المستهلك ولكن بعضهم يقوم بأخذها وبيعها فى السوق السوداء، فكيف يتم مراقبتهم فى منزلهم أو معرفتهم كما أننا نتعرض للاعتداء وتصل للضرب غير المشاجرات التى تحدث بين المواطنين مما يجعلنا نفقد السيطرة عليهم. وأضاف مفتش تموين رفض ذكر اسمه أن تلك الأحداث التى نراها فى كل عام فى نفس التوقيت من نقص الأسطوانات ومعاناة المواطنين فى ظل وجود سوق سوداء بسبب الانفلات الأمنى وتغير سلوكيات المواطنين وزيادة العنف وعدم الخوف من الحكومة أو الشرطة، فقبل 25 يناير كان وجود فرد أمن واحد من مباحث التموين فى كل مستودع كافيا أن يسير المنظومة فى شكل مقبول إلى حد كبير. أما الآن فكل مستودع يحتاج إلى عدد من أفراد الأمن والمباحث ليحل تلك الإشكالية ولم يكن بوسع مباحث التموين أن توفر كل هذا العدد من أفراد الأمن للتصدى للبلطجية السريحة وتجار السوق السوداء. ومن جانبه أعلن د. محمد أبو شادى وزير التموين والتجارة الداخلية أنه تم ضخ كميات كبيرة من أسطوانات البوتاجاز المنزلى والتجارى فى جميع مستودعات الجمهورية وصلت فى بعض المحافظات إلى أكثر من 110%، وذلك بالتنسيق مع وزارة البترول، مشيرًا إلى أنه يتم يومياً ضخ 66 ألف أسطوانة فى مستودعات القاهرة و65 ألف أسطوانة فى مستودعات الجيزة و69 ألف أسطوانة فى مستودعات القليوبية بزيادة قدرها10% على الحصة اليومية، وأضاف أبو شادى فى تصريحاته أن الخط الساخن يعمل بكامل طاقته ومن شأنه أن يوفر كميات كبيرة عن طريق الدليفرى. التوسع فى توصيل الغاز الطبيعى أما شريف إسماعيل وزير البترول والثروة المعدنية فقد أعلن أن وزرة البترول توفر الكميات اللازمة من أسطوانات البوتاجاز وعلى وزارة التموين أن تقوم بتوزيعها وأضاف: نحن نعمل على ضخ كميات إضافية من الأسطوانات لسد العجز، وأكد وزير البترول أيضاً أن الوزارة تعمل على التوسع فى توصيل الغاز للمنازل فى عدد من المحافظات للخروج من المأزق فى ظل وجود كميات كبيرة من الأسطوانات بإضافة ما يقرب من مليون عميل جديد فى 22 محافظة مما يزيد من كميات الغاز فى المنازل، وبالتالى توفير عدد كبير من أسطوانات الغاز التى سوف توفر كميات إضافية تنهى الأزمة تماماً. وفى هذا السياق يقول د. جمال القليوبى أستاذ البترول والطاقة بالجامعة الأمريكية إنه بالفعل تفاقمت أزمة البوتاجاز فى الكثير من المحافظات حيث شهدت المستودعات ازدحاماً شديداً واشتباكات بسبب التسابق للحصول على الأسطوانات التى تراوح سعرها فى السوق السوداء بين 30 و50 جنيها بدلاً من سعرها الرسمى 8 جنيهات، فى الوقت الذى تظاهر فيه عدد كبير من المواطنين فى عدة مناطق احتجاجاً على نقص أنبوبة البوتاجاز فى تلك المناطق. وأضاف د. القليوبى أن سبب أزمة البوتاجاز يرجع إلى أن إنتاج الدولة من البوتاجاز لايتعدى 30% من الاستهلاك المحلى والباقى استيراد خارجى، فى الوقت الذى تستطيع أن تنتج كميات أكبر من البوتاجاز فى مصر وهذا ما كان يحدث بالعمل فى إنتاج مجمع الغازات فى الصحراء الغربية الذى ينتج حوالى 280 ألف طن ومجمع بورسعيد الذى ينتج حوالى 330 ألف طن وفى يناير 2013 بدأت الوزارة فى إصدار قرارات برفع سعر أنبوبة البوتاجاز بحيث تصل تكلفتها من المصدر حتى تصل للمواطن 83 جنيهاً والدولة وضعت دعماً كاملاً وصل فى البداية 4 جنيهات، ثم 5 جنيهات ثم موخراً 15 جنيهاً، حيث بلغت قيمة الدعم للبوتاجاز إلى 12 مليار جنيه فى 2010 وبعد الثورة وصل الدعم إلى 20 مليار جنيه وهذه المنظومة بها الكثير ممن الخلل الذى يحتاج إلى حلول جذرية سريعة للوصول إلى بر الأمان وتستفيد الدولة من كل تلك المليارات التى تذهب فى الدعم الذى لا يصل إلى مستحقيه.