لم تجد حكومة د. الببلاوى بديلا لإخراج الاقتصاد من حالة التباطؤ التى يمر بها الآن غير البدء الفورى فى تنفيذ حزمة مركبة من برامج التنشيط، لكى تكون بمثابة محفزات للأداء الاقتصادى الذى يعانى ترديا ملحوظا منذ قيام ثورة 25 يناير 2011، التى أفرزت معطيات اجتماعية تمثلت فى مطالب فئوية غير مسبوقة فضلا عن تهاوى مؤشرات الأداء بسبب غياب الأمن عن الشارع. وبدوره أصدر المستشار عدلى منصور، رئيس الجمهورية المؤقت، قرارا جمهوريا، الخميس الماضى، بالقانون رقم 105 لسنة 2013، بفتح اعتماد إضافى فى الموازنة العامة للدولة للسنة المالية 2013/ 2014، لتنفيذ حزمة من البرامج الاستثمارية، التى تستهدف تحسين الأحوال المعيشية للمواطنين وتحقيق العدالة الاجتماعية.. والسؤال: هل يشع المواطن فى معاناة الحياة بهذه المنشطات؟ الإجابة: فى سطور التحقيق التالى. قر ار جمهورى ونص القرار فى مادته الأولى، على موافقته على قيام البنك المركزى المصرى بشراء رصيد حساب المبالغ الواردة من بعض الدول العربية، والذى يبلغ حوالى 8.78 مليار دولارا فى نهاية أغسطس 2013، على أن تتم إضافة المعادل بالجنيه ومقداره نحو 60.758 مليار جنيه لحساب وزارة المالية. وحدد القرار الأغراض المقرر استخدام هذه الأرصدة كالتالى: 29.738 مليار جنيه تستخدم فى فتح اعتماد إضافى للموازنة العامة للدولة للسنة المالية 2013/2014، لتنفيذ حزمة من البرامج الاستثمارية والاجتماعية تستهدف تنشيط الاقتصاد المصرى، وتحسين مستوى المعيشة وتحقيق العدالة الاجتماعية، على أن يضاف الباقى إلى بند رصيد الحسابات المؤقتة ذات الأرصدة لوزارة المالية بالبنك المركزى بما يساهم فى خفض عجز الموازنة العامة للدولة. ووفقا ل «المادة الثانية»، يضاف المبلغ 29.738 مليار جنيه إلى أبواب الموازنة العامة بواقع 2.64 مليارا باب الأجور وتعويضات العاملين، و765 مليون جنيه لباب شراء السلع والخدمات، ونحو 6.2 مليارا لباب الدعم والمنح والمزايا الاجتماعية، و15.8 مليارا لباب شراء الأصول غير المالية «الاستثمارات»، و4.3 مليارا لباب حيازة الأصول المالية المحلية والأجنبية. آثار تضخمية هكذا جاءت مشروعات حزم التنشيط الاقتصادى، وفقا للدكتور أحمد جلال، وزير المالية، لتكون دفعة قوية للأداء الاقتصادى تمكنه من الخروج من دوامة التردى التى يعيش فيها منذ شهور عديدة، وأنه بالفعل سيتم البدء فى تنفيذ كل مشروعات الحزمة المالية الأولى فور انتهاء إجراءات طرح المناقصات والمزايدات، وأنه بمجرد البدء فى التنفيذ، يلمس المجتمع النتائج المتمثلة فى تحرك الوضع الاقتصادى وتحسنه بصورة تدريجية. هذا الانفاق، المقدر له أن يدور حول 22 مليار جنيه، لن يكون له آثار تضخمية كبيرة على حركة الأسعار، لأن الاقتصاد يعمل حاليا بأقل من طاقته الفعلية بكثير، مما يواجه الحكومة عبر محاور عدة، أهمها، العمل على خفض عجز الموازنة العامة وتزايد المديونية، حيث تستهدف خفض عجز الموازنة من 14% فى 2012/ 2013 إلى نحو 10% هذا العام، فضلا عن العمل على تحسين القدرة الشرائية للمواطنين، وهو ما تستهدفه قرارات رفع حد الإعفاء الشخصى من الضرائب والزيادات المنتظرة فى الأجور. وتضم حزمة تنشيط الاقتصاد، مشروعات تغطى كافة المحافظات تحقيقا للعدالة الاجتماعية ولضمان تحسن وتعافى اقتصادى عام، وذلك من خلال تنفيذ برامج لتحسين الخدمات العامة، بحيث تضمنت الحزمة رصد نحو 2.5 مليار جنيه لمشروعات تطوير الطرق والكبارى والجسور، بجانب نحو 1.6 مليارا لرصف الطرق بالمحافظات، وتم رصد 557 مليون جنيه لدعم جهاز التعمير، وذلك للانتهاء من 15 طريق تابعين للجهاز إلى جانب 523 مليون جنيه للبرنامج القومى لاستصلاح الأراضى. حزمة التنشيط وتخصص، كما اعلن د. جلال، حزمة التنشيط نحو 2.2 مليار جنيه للبرنامج القومى لمياه الشرب والصرف الصحي، و882 مليون جنيه لبرنامج تحسين البيئة ومعالجة المخلفات الصلبة، و456 مليون جنيه لبرنامج تدعيم شبكات الكهرباء والانارة، و50 مليون جنيه لبرنامج التنمية المتكاملة لسيناء، و590 مليون جنيه لتمويل برنامج الاعفاء من المصروفات المدرسية والمدن الجامعية. وتوجه حزمة التنشيط نحو 1.5 مليار جنيه لتعزيز مخصصات برنامج توصيل الغاز الطبيعى لنحو 800 ألف وحدة سكنية خلال العام، 2.7 مليارا لبرنامج تطوير مزلقانات السكك الحديدية، و273 مليون جنيه للمرحلة الثانية من الخط الثالث للمترو، و655 مليون جنيه لتمويل شراء 600 أتوبيس لهيئة النقل العام. الاستخدام الأمثل لحزمة المساعدات العربية، هذا ما وعد به د. جلال، مشددا على أهمية رؤية الحكومة فى استخدامها لإصلاح الوضع الاقتصادى وضمان الاستدامة المالية، كونها تستخدم جزءا من هذه المساعدات لتقليل الدين العام وعبئه على الموازنة العامة إلى جانب تعزيز الاحتياطى النقدى من العملات الأجنبية بالجزء الأكبر منها، وأن الوضع الاقتصادى الحالى لا يتوافق مع فرض ضرائب جديدة. ولا يمنع تباطؤ الاقتصاد أن الحكومة تعمل الآن على إعداد اقتراح بضرائب تصاعدية يمكن تطبيقه فى المستقبل، خاصة أن الدراسات الاقتصادية تذهب إلى أن الضرائب ليست العامل الأهم فى جذب الاستثمارات، وأن معظم الاستثمارات الأجنبية الوافدة إلى مصر قادمة بالأساس من دول ترتبط مع مصر باتفاقيات لمنع الازدواج الضريبى، وبالتالى إذا لم يدفع فى مصر سيدفع فى دولته. الأولوية للتشغيل وتهدف هذه الخطة الحكومية، وفقا ل«د. أشرف العربي، وزير التخطيط»، إلى تحفيز الاقتصاد القومى، مع إعطاء الأولوية للبرامج كثيفة التشغيل وذات البعد الاجتماعى، سعيا وراء تحقيق معدل نمو اقتصادى يصل إلى 3.5% مقارنة بنحو 2% فى الأعوام التالية لثورة 25 يناير، حتى يحدث هذا النمو تحسنا حقيقيا فى مستوى معيشة المواطن ومستوى الخدمات العامة. وتتمحور خطة الحكومة حول تنفيذ برنامج قومى لتطوير مزلقانات السكك الحديدية، والانتهاء من رصف طرق ورفع كفاءة الجسور والكبارى، وتدعيم شبكة النقل العام بالقاهرة، ودعم البرنامج القومى للإسكان الاجتماعى، وكذلك البرنامج القومى لاستصلاح الأراضى، وبرامج خاصة بتطوير شبكات المياه والصرف الصحى والغاز الطبيعى. وتضع حزمة التحفيز الاقتصادى فى اعتبارها القيام بتنفيذ خطة متكاملة للانتهاء من تطوير المناطق العشوائية، ووضع تصور شامل ومستدام لعلاج مشكلات الزراعة ودعم الفلاح المصرى بما يمكنه من رفع الإنتاجية، وهذا كله حتى يشعر المواطن بتحسن ملموس فى الأداء العام للحكومة. وبالفعل، كما قال د. العربي، بدأت ثمار أداء الحكومة الحالية فى النضوج، بحيث أصبح الوضع الاقتصادى فى مصر «ممتاز»، وإن المؤشرات الأولية للربع الأول من العام الحالى (يوليو سبتمبر 2013) تشير إلى بدء تعافى الاقتصاد مقارنة بالوضع قبل آخر يونيو الماضي، إلا أن التحدى الأهم مازال يمكن فى تكثيف الجهود من أجل تحسين مناخ الاستثمار ومعالجة مشاكل المستثمرين وضخ مزيد من الاستثمارات الخاصة. نتائج غير ملموسة الأثار المتوقعة من تنفيذ هذه الحزمة من المشروعات على المناخ الاقتصادى العام، وفقا ل»د. فرج عبدالفتاح، أستاذ الاقتصاد بمعهد البحوث والدراسات الأفريقية بجامعة القاهرة»، سوف تكون غير ملموسة للمواطنين فى الشارع، كونها لم توجه إلى مشروع قومى ناجح قادر على إحداث تغير نوعى فى أداء الاقتصاد، وأن هذه المشروعات الخدمية فى معظمها سوف يترتب عليها توفير قدر ليس بالقليل من فرص العمل، مما قد يحدث نوعا من زيادة الطلب فى الأسواق وهذا بالضرورة سوف يكون له نتائج إيجابية على المدى القصير. لكن كان الأجدر بالحكومة ومازالت مطالبة بذلك، أن تقوم بضخ حزمة مالية كبيرة فى مشروع قومى قادر على توفير قدر كبير من فرص العمل للشباب العاطل، فضلا عن قدرته على استغلال مقدرات الدولة، وأنه لا مانع من أن تكون البداية من تنفيذ مشروع قومى ضخم فى منطقة سيناء، وما أكثر المقدرات التى تمتلكها هذه المنطقة، التى تغرى أصحاب المال على الاستثمار فى هذه المنطقة. ومشروعات تنمية سيناء ليست البديل الوحيد، وأنه هناك قائمة من المشروعات القومية الضخمة التى يمكن أن تتولى الحكومة ضخ المزيد من الاستثمارات بها لتكون قاطرة التنمية خلال السنوات القادمة، التى منها مشروع تنمية محور قناة السويس وكذلك مشروعات التعدين فى الصحراء الشرقية ومشروعات الاستصلاح الزراعى فى منطقة الواحات فى الصحراء الغربية وبالأخص واحة سيوة. فالخروج من الأزمة الحالية، فى رأى د. عبدالفتاح، لن يتحقق أبدا باقرار تمويلا لتنفيذ حزمة من المشروعات الخدمية بل المسألة أكبر من ذلك بكثير لأن الأزمة التى يعانيها الاقتصاد المصرى عميقة، وقد يكون الخروج السريع منها لن يتحقق إلا من خلال تغيير الفلسلفة المالية التى يدار بها الاقتصاد، فالأمر يحتاج إلى إعادة النظر فى منظومة الإنفاق الحكومي، والعمل على ايجاد مصادر إيرادية متجددة تمكن الدولة من القيام بدورها الذى يتمثل فى قيادة قاطرة التنمية فى المجتمع. تصور جاد والبداية، ترى د. منال متولى، وكيل كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، أنه لدفع معدلات النمو الاقتصادى تتطلب وجود تصور جاد لسياسة اقتصادية كلية يتم تطبيقها خلال الفترة المقبلة، على أن تستهدف هذه السياسة 5 أمور، أولها، تحقيق معدل نمو مرتفع بما يعنيه ذلك من زيادة الناتج المحلى الإجمالى، مما يحقق زيادة الإيرادات العامة للدولة، وثانيها، إعادة الثقة إلى كافة الفاعلين فى السوق، لكى يترتب على ذلك زيادة الاستثمارات الأجنبية والمحلية وما يترتب على ذلك من توفير المزيد من فرص العمل وزيادة معدلات التشغيل فى الاقتصاد. والأمر الثالث فى هذا التصور يتمثل فى السعى الجاد للوصول إلى صياغة سياسة اجتماعية متكاملة يستفيد منها المجتمع بكافة أطيافه، حتى يكون التفاعل الجاد الذى يرتب بدوره دفع عجلة الإنتاج بشكل عام، ورابعها، دفع عجلة الإنتاج فى الاقتصاد لتوفير المزيد من فرص العمل، وذلك بتقديم كافة صور المساندة للمنتجين بكافة القطاعات والسعى لخلق قنوات اتصال وتعاون بين الكبير والمتوسط والصغير من هذه المشروعات، وأخيرا، إعادة النظر فى مكونات العقد الاجتماعي، الذى يقوم فى الأساس بين 3 أطراف، وهى القطاع العام والقطاع الخاص والمجتمع المدنى. وحدد د. متولى التحديات التى يعانيها الاقتصاد فى التراجع الحاد فى معدلات النمو، من 5.1% قبل الثورة إلى 1.9% فى عام الثورة و2.2% العام الماضي، وأن هذا التراجع جاء مدفوعا بتراجع معدلات الإدخار والاستثمار، فضلا عن تراجع صافى الاستثمارات الأجنبية من 13.2 مليار دولار فى 2008 إلى 2.1 مليار دولار 2011. ومن التحديات أيضا، تحدى العجز المزمن فى الموازنة، وزيادة معدلات الدين العام، ليصل فى نهاية أكتوبر الماضى إلى 1.5 تريليون جنيه، وانخفاض النقد الأجنبي، وتراجع أداء القطاع السياحي، وزيادة عجز ميزان المدفوعات إلى 11.3 مليار 2012، والخلل الواضح فى هيكل الإنفاق العام. وبالتالى لأن أزمة الاقتصاد، وفقا ل»د. متولي» تكمن فى أن كل مشاكله ناتجة عن خلل بنيوي، وبالتالى فإن علاجها يستوجب تصوراً جاداً لسياسة اقتصادية كلية تستهدف تحقيق معدل نمو مرتفع بما يعنيه ذلك من زيادة الناتج، مما يحقق زيادة الإيرادات العامة، وإعادة الثقة إلى كافة الفاعلين فى السوق، لكى يترتب على ذلك زيادة الاستثمارات، وما يترتب على ذلك من توفير المزيد من فرص العمل وزيادة معدلات التشغيل. جهود ملموسة فيما لا ينكر من جهته د. حمدى عبد العظيم، الرئيس الأسبق لأكاديمية السادات للعلوم الإدارية، أن حكومة د. الببلاوى تبذل كل ما لديها من جهد للخروج بالاقتصاد من أزمته الحالية، وأن نتائج هذه الجهود بدأ المواطن يشعر بها، والتى إقرار حد أدنى للأجور قدره 1200 جنيه تعهدت الحكومة بتنفيذه فى يناير 2014، وقرار إعفاء طلاب المدارس من المصروفات الدراسية، وقرار إعفاء طلاب الجامعات من مصروفات المدن الجامعية، وقرار زيادة المعاشات الاجتماعية، وأخيرا إقرار خطة التحفيز الاقتصادى. وتهدف هذه الخطة، وفقا للقرار الجمهورى، توفير تمويل قدره نحو 30 مليار جنيه، لتنفيذ حزمة من البرامج الاستثمارية والاجتماعية تستهدف تنشيط الاقتصاد المصرى، وتحسين مستوى المعيشة وتحقيق العدالة الاجتماعية، التى طالما حلم بها المواطن المصرى قبل ثورة 25 يناير وبعدها. ويطرح د. عبدالعظيم سؤال مهما مفاده: هل تكفى كل هذه الإجراءات لإخراج الاقتصاد من عثرته؟ ويستطرد: كل الإجراءات السابقة لن تنجح فى تحسين معدلات أداء الاقتصاد، لأن التحديات ضخمة، فالأسعار فى تزايد مستمر ومعدلات التضخم تدور حول 11%، يما تذهب الأرقام الرسمية إلى أنه هناك نحو 14% من قوة العمل معطلة، وأن الدين العام تعدى حاجز ال1.6 تريليون جنيه، كما وصل عجز الموازنة فى العام إلى نحو 240 مليار جنيه، فيما لا يتجاوز معدل النمو 2.2%. والتعامل مع هذه التحديات، فى رأى الرئيس الأسبق لأكاديمية السادات، يبدأ من إجراءات حكومية تستهدف تنشيط القطاعات الإنتاجية فى الدولة وعلى رأسها القطاع الزراعى والحيواني، لما يمكن أن يترتب على زيادة الإنتاج فى هذا القطاع تحديدا من تراجع حجم الاستيراد من الخارج، وبالتالى تقليل الاقتراض لتوفير السلع الاستراتيجية، ومن ثم تراجع عجز الموازنة والحفاظ على الاحتياطى النقدي، فضلا عن ضرورة التوسع فى الاعتماد على آلية الشراكة مع القطاع الخاص فى تنفيذ المشروعات، لما يرتبط بذلك من زيادة فرص التشغيل ورفع معدلات النمو.