الفاتحة لهذا الباحث الجاد فقد تجول بنا بين الحركات الإسلامية أو التى تسمى كذلك فى أرجاء العالم.. ثم جاءت خاتمة كتابه الذى صدر عام 2008.. وقد ترك مؤلفه حسام تمام أثرا بالغا، وهو يسأل فى نهاية رحلته: مابعد الإسلام السياسى.. وكأنه يكشف الغيب ويقرأ كف الواقع السياسى..واكرر معه دعوته بأن يكون عمله خالصا لوجه الله واحسبه كذلك.. ويقول حسام إن الباحث الفرنسى «أوليفيه روا» أول من بشر وسأل وماذا بعد الإسلام السياسى..بل إنه فى عام 1992 أشار إلى فشل مايسمى بالإسلام السياسى وجاء زميله «جبيل كيبل» كى يؤكد انحسار التجربة الإسلاموية وقد قارنها بما جرى للشيوعية... وقال إن هذه الإيدلوجية تتفكك وأن تنظيمها فى طريقه للنهاية لأنها تعيش على منطق مختلف لكافة الحركات السياسية المعروفة والعريقة فهى مثلا تتأرجح بين المشروع الدعوى الذى تجعله العنوان الأبرز..ثم بعده العنوان السياسى.. إشكالية أن تسعى لامتلاك شئون الدنيا وزمامها بقوانين الآخرة وحساباتها.. تعنى محاولة اللف إلى اليمين وإلى اليسار فى نفس الوقت وبحركة واحدة ولم يكن الباحث مؤلف الكتاب ولاغيره يتوقع هذا الصعود الصاروخى لتيار الإسلام السياسى إلى صدارة المشهد وامتلاك السلطة على هذا النحو الذى جرى فى مصر وتكرر بنفس الصورة أو «فوتوكوبى» منها فى تونس.. ثم كان انهيار هذا التيار فى مصر بنفس السرعة بعد 30 يونية 2013.. والوقوف فى مواجهة الشعب والشرطة والجيش معا.. وكانت الجماهير من قبل تتعاطف بشكل أو بآخر مع «المحظورة»أو التى قيل أنها كذلك بفعل الحصار والمطاردة من السلطة الحاكمة.. اكتشف الناس.. أن السلطة كانت فى حد ذاتها وسيلة.. لأجل أن تقوى شوكة التنظيم ومشروعه الوهمى بخلافة إسلامية..كما تم التفاهم بذلك مع الأمريكان.. حتى إذا تحقق هذا الأمر بدأت مرحلة أخرى من اشعال نيران الفتنة بين مشروع الخلافة السنى الذى يجمع تركيا ومصر وحركة حماس.. وبرعاية السمسار القطرى.. ضد مشروع الجمهورية الإسلامية الإيرانية كرمز للإسلام الشيعى ونعيش مرة أخرى تجربة عثمان وعلى كما أسس لها وأشعلها اليهودى عبد الله بن سبأ رأس الفتنة الذى ينكر الصهاينة وجوده فى التاريخ من أصله حتى إذا وقعت المواجهة بين السنة والشيعة على مستوى الدول وعلى امتداد المنطقة.. بدأ الإسلام يأكل نفسه بنفسه .. والصهاينة والأمريكان يتابعون المعركة ويوجهونها بالرموت كنترول عبر سمسارهم المطيع الذى يتخذ من الدوحة موقعا له. تحرسه تلك القاعدة الأمريكية القابعة هناك.. تجربة سقوط تيار الإسلام السياسى فى مصر أدت إلى شرخ التيار كله على اختلاف أطيافه.. فقد عرف الناس أن عباءة الإخوان هى التى احتوت كل هؤلاء اوخرجوا منها الجماعة الإسلامية الجهاد/ حماس/التفكير و الهجرة/السلفية/.... منها من يتخذ العنف فعلا مباشرا ومنها من يتحدث بلسان السياسة المراوغه .. لكنه فى نفس الوقت يستخدم ذراعه. لاقتناص أهدافه بالقوة والجبر لأن ضروراته تبيح محظوراته.. وماقيل عن مرجعات وتحولات ماهى إلا مناورات فالغالبية سرعان مافقدت صوابها وسقطت عنها ورقة التوت الأخيرة بعد 30يونيه..رأينا الأسلحة والنيران والفرق الجهادية بل والانتحارية.. وكأن أفغانستان قد افتتحت فرعا جديدا فى مصر..أو بمعنى آخر انتقلت إلى سيناء لتحقيق مشروع الخلافة ورعايته... ورأينا الأقنعة تتساقط عن تلك الوجوه الإخوانية التاريخية الراسخة.. وكانت قد ابتعدت أو تباعدت ثم ارتدت إلى جذورها الإخوانية.. وبعد تساقط كبار قياداتها...وهى تسعى لتقديم نفسها كبدائل لها على طريقة الشخص الذى يستبدل جلبابه بالبدلة والكرافتة ناسيا أنا هو ذات الشخص لم يتغير ومهما حاول أن يدعى غير ذلك فإنه يضحك على نفسه قبل أن يضحك على غيره.. تماما مثل الذى يتعرى فى بيت من زجاج وهنا يلفت الباحث انظارنا إلى مرونة السلفية وقدرتها على التمدد والانكماش بين طبقات الناس من باب العقيدة.. أكثر من الإخوان..وهو مايمكن تشبيهه بالسيارة وحركتها الحرة.. والقطار وحركته المحددة ولو راجعنا على سبيل المثال مسيرة حزب النور منذ تأسيسه وإعلانه ثم أدواره المختلفة سندرك هذا بسهولة.. الإخوان يدركون أن السلطة هى مفتاح التغيير بعكس السلفية ترى أن السلطة وسيلة.. وكلاهما يتمرد على نماذج الغرب السياسية ولا يقبلها.. لكنه يغض الطرف عنها إذا ماحققت له أهدافه وقد رأينا أثناء اعتصام رابعة العدوية كيف كانوا من فوق المنصة يلعنون الغرب الكافر وحضارته الداعرة.. ثم فى نفس اللحظة يهللون ويكبرون لأن الأنباء قد وصلت إليهم بأيه البوارج الأمريكية قد اقتربت من السواحل المصرية وسيدخل الكفرة باذن الله لإعادة الشرعية التى يمثلها مرسى.. ومنهم من قال أن الملائكة شاركت فى الاعتصام وكثيراً ماظهرت بينهم وبلغت المسألة ذروتها عندما أكد المرشد بديع أن هدم الكعبة أهون على الله من عزل مرسى عن رئاسة مصر..هكذا بمنتهى البساطة تلاعب بالدين لحساب الدنيا. وهنا نقتبس قول أحد الإسلاميين فى الفكر السودانى حسن الترابى عندما وصفه بأنه من أفضل مفكرى الإسلام واسوأ السياسيين فهل لنا أن نطبق الوصف على قيادات الإخوان بصفة خاصة وعموم قيادات مايسمى بالتيار الإسلامى السياسى..؟... فاذا نظرنا إلى النجاح الذى تحقق فى التجربتين الماليزية والتركية دون غيرهما.. سنجد أنهما اعتمدا على القوة الاقتصادية كسند سياسى.. كانت المرجعية الإسلامية هناك فى الخلفية.. يأخذون عصارتها ونتائجها.. لكن مشكلة إخوان مصر أنهم أرادوا مبكرا أن يبيعوا الإسلام لشعب مسلم بطبعة متدين بالفطرة بما فى ذلك الأقباط.. ومن هنا فشلت تجارتهم لأنه من الغباء أن تبيع الماء فى حارة السقايين..وأن تبيع الوعظ فى حصن الأزهر الشريف.