تحتفل محافظة البحيرة فى التاسع عشر من الشهر الجارى بالعيد القومى لها، هذا اليوم هو ذكرى خروج الإنجليز عام 1807 بعد حملة فريزر الفاشلة على مصر، و هزيمتهم الساحقة فى رشيد والتى ترتب عليها فشل حملتهم وخروجهم من مصر. وعن هذا التاريخ يقول المؤرخ إبراهيم العنانى عضو اتحاد المؤرخين العرب إن أمين أغا حاكم الإسكندرية تواطأ مع الإنجليز فدبر لهم خطة النزول إلى البر، بعد أن قصفت نيران المدافع أبراج الإسكندرية ودكت أسوارها. وقد سلمت الإسكندرية يوم 22 مارس 1807، دون أن تنطلق قذيفة واحدة من مدافعها وأرسل «فريزر» قائد الحملة فى طلب المماليك ، فهاله أن علم بنبأ وفاة حليف الإنجليز «محمد بك الألفى» قبل وصول الحملة بأربعين يوماً، كما علم بالانشقاق الذى دب فى صفوف المماليك حتى صاروا فريقين، فريق بالصعيد مضى إليهم «محمد على» لمطاردتهم أو للصلح معهم تحت التهديد ، وفريق بالبحيرة طال بهم انتظار حملة الإنجليز على مصر حتى إذا مات زعيمهم ظلوا فى أماكنهم يترقبون الأحداث الجارية عن قرب، ورأى «فريزر» الزحف إلى رشيد حيث تستمد الإسكندرية مؤنتها من دمنهور والرحمانية ورشيد. وقد كانت رشيد أهم الثغور المصرية على الإطلاق، وحاكمها رجل شجاع هو «على بك السلانكلى» تحت يده حامية من الجنود للدفاع عن المدينة، وكان بها السيد حسن كريت «نقيب الأشراف»، والقنصل الإنجليزى «بتروشى» الذى كان يقيم مؤقتاً بقرية بالقرب من رشيد. وبعث «بتروشى»إلى «فريزر» يؤكد له أن أهل رشيد – وعلى رأسهم نقيب الأشراف الشيخ حسن كريت- يستعدون للترحيب بالإنجليز لتخليصهم مما هم فيه من مظالم، وكانت هذه خديعة من حاكم رشيد ونقيب الأشراف. أمام هذه المغريات دبر «فريزر» قائد الحملة خطة الاستيلاء على رشيد، فهى بمثابة عنق الزجاجة للطريق بين الإسكندريةوالقاهرة والطريق النيلى وهو أكثر أماناً من الطريق الصحراوى ، وجهز «فريزر» حملة من 1600 جندى تحركت من الإسكندرية يوم 29 مارس. أضاف العنانى: سارت الحملة بطريق البر حتى وصلت (أبو قير) حيث أعدت لها سفن مسلحة لنقل الجنود إلى بوغاز بحيرة إدكو وعند البوغاز أقام الجنود قاعدة ارتكاز إلى رشيد وواصل الجنود السير سبعين كيلو متراً سيراً على الأقدام بين كثبان الرمال، وفى ظلال النخيل، وبالقوارب الصغيرة عبر بوغاز إدكو حتى غروب الشمس يوم 30 مارس وهم آمنون وخلدوا للراحة على مرتفعات منطقة «أبو مندور» التى تطل على رشيد من الجهة الجنوبية فألقوا أسلحتهم وآووا إلى الخيام التى نصبوها للراحة حتى الصباح ..ثم وضع الإنجليز خطة الهجوم فى اليوم التالى وتقضى باحتلال رشيد على ثلاث فرق : فرقة تقتحم المدينة من جهة البساتين الممتدة على الضفة اليسرى للنيل أخرى تقتحمها من باب المدينة الرئيسى أى تشقها من وسطها وفرقة ثالثة تقتحمها من باب الإسكندرية. وفى الساعة السابعة من صباح الأربعاء يوم 31 مارس كانت العمليات العسكرية معدة تماماً، وتحركت الفرق كلها دون أن تكون ثمة قوات احتياطية تحمى المؤخرة ولم يجد الإنجليز أمامهم عدواً يواجهونه ولكن سرعان ما علا من فوق مئذنة جامع زغلول صوت الأذان (الله أكبر) وإذا بحماة المدينة فى المنازل خلف الأسوار يطلقون النيران والزيت المغلى على الإنجليز الذين كانوا يملؤون البلد وصارت الشبابيك الصغيرة تقذف نيرانها عليهم وكانت أسطح المنازل خطوطاً لدفاع محكم، وتحت ستار من هذه النيران التى لا يمكن أن تنالها المدافع، منى الإنجليز بخسائر فادحة لا سيما فى الضباط، وسقط الجنود الإنجليز قتلى وجرحى وتجرد أكثرهم من السلاح الذى كان يحمله راضياً بالأسر ولاذوا بالفرار على غير هدى، وكان عدد القتلى من الإنجليز فى المعركة 185 والجرحى 382 وقيل 500 ما بين قتيل وجريح ، ووقع فى الأسر نحو 40. أما رءوس القتلى فقد وصلت الدفعة الأولى منها إلى القاهرة يوم 5 أبريل وعددها 90 عرضت فى ميدان الأزبكية على رءوس النبابيت وسط مظاهر الأفراح. وأوضح العنانى أنه فى صباح 31 مارس عندما دخل الإنجليز رشيد وخاضوا المعركة مع أهلها لمدة ساعتين فقط، و انهزموا فيها كان ذلك على غير ما كان يتوقع (فريزر)، مشيراً إلى أنه عندما علم على بك السلانكلى بسير الإنجليز نحو رشيد استعد لقتالهم بما لديه من الجنود القليلين وأمر أهلها بالسكون والثبات والاختفاء حتى إذا أعطى إليهم الإشارة فانصاعوا لأمره ودخل الإنجليز بلا مقاومة فظنوا أن المدينة قد خلت من سكانها وأخذوا أماكنهم للاستراحة من عناء السفر وانقض عليهم أهل رشيد وفرقوهم وجعلوهم يمعنون فراراً كما أن السلانكلى «محافظ رشيد» جمع المجاهدين ورتب لهم الخطة وأبعد المراكب عن مرسى رشيد على النيل إلى الضفة اليمنى، فحقق أول بشائر النصر، وقد ظن التجار الأوروبيون فى رشيد أن تلك الأخيرة سقطت فى أيدى الإنجليز فأسرعوا إليهم يطلبون منهم ما يضمن حمايتهم وادعى الإنجليز احتلال معظم المدينة وادعوا أن الشيخ حسن كريت قد أبلغهم أنه يطلب حرس شرف لنفسه على الرغم من كل هذه المحاولات فإن التاريخ قد كتب فى ألمع صفحاته النصر لرشيد على الإنجليز فى يوم 31 مارس سنة 1807. ولا يغفل التاريخ دور المرأة فى رشيد التى ساهمت بدور كبير فى المقاومة الشعبية حيث كانت تلقى بالزيت المغلى والمياه المغلية من المشربيات على رؤوس الإنجليز كما أنها استخدمت الحجارة وكل ما يصل إلى يدها فى المقاومة الشعبية بل إن إحدى السيدات فى رشيد قادت المقاومة بالنسبة للنساء وقامت بتوزيع ( أيادى الهون) على بعض الفتيات اللائى قمن بدق رءوس الإنجليز بعد إخراج يد الهون من طى الملاءة اللف. وبهذا النصر دخلت رشيد الباسلة التاريخ العريض منذ بدأت ثمرات انتصارها تصل إلى القاهرة من 5 أبريل وما بعده وأخذ السيد حسن كريت « نقيب الأشراف» فى رشيد يشحن كل يوم عددا من رءوس القتلى إلى بولاق يطاف بها فى أحياء القاهرة كل نهار وترشق على النبابيت وسط بركة الأزبكية إلى جانب سابقاتها .. وأصبح من عادة أهل القاهرة كل صباح أن ينتظروا الدفعة الجديدة من هذه الرءوس والأسرى بين الهتافات وهى تشق طريقها إلى باب الفتوح ومعها كتابات الاستنجاد يبعث بها حسن كريت إلى السيد نقيب الأشراف بالقاهرة «عمر مكرم» طالباً الرجال والعتاد استعداداً للطوارئ بعد النصر الذى أحرزه أهل رشيد. وأعد أهل رشيد صناديق وضعوا فيها آذان القتلى مملحة وأرسلوها هدايا إلى (الباب العالى) بالدولة العثمانية مصحوبة بالمقالات التى تتحدث عن هذا النصر. يقول المؤرخ إبراهيم العنانى إن انتصار رشيد كان له نصيب كبير فى مذكرات الجبرتى على نحو ما ورد من تفاصيل لهذه المعركة وما تناولته المؤلفات لهذا الانتصار الذى اشترك فيه الرجال والنساء ينقضون على جنود الإنجليز بكل ما تصل إليه أيديهم – وتحقق هذا النضال الأسطورى بالإيمان وبأقل العدة والعتاد وأصبح اسم رشيد فى عام 1807 فى المؤلفات التاريخية والعسكرية. كما أن هذه الهزيمة المنكرة التى لحقت بالغزاة جعلتهم يفكرون 75 عاماً قبل أن يقوموا بالغزو فى عام 1882 ، وكان لهذا النصر –صداه القوى فى جميع أرجاء مصر والامبراطورية العثمانية كلها وعلى أثره زال الخطر الإنجليزى الذى كان يهدد القاهرة ،وقد تم جلاء الإنجليز عن مصر فى سبتمبر عام 1807 وكان هذا الخروج هو نتيجة لهزيمتهم فى معركة رشيد والتى كانت السبب الرئيسى فى جلائهم عن مصر ،لذلك اختارت محافظة البحيرة هذا التاريخ كعيد قومى لها، وظلت معركة رشيد مصدر وحى لكبار الأدباء والعسكريين .