غالبا ما يحاول المقربون من الطغاة التنصل من علاقاتهم بهم بعد رحيلهم ولكن هذا الرجل ظل حتى آخر يوم فى عمره متباهيا بعمله إلى جانب أدولف هتلر .. إنه روشوس ميش الذى رحل فى الخامس من الشهر الحالى ليغيب برحيله الشاهد الأخير على الدقائق الأخيرة فى حياة الزعيم النازى والتى قضاها فى مخبئه تحت الأرض ببرلين قبل انتحاره عام 1945. وتوفى ميش الذى خدم مع هتلر لمدة خمس سنوات كحارس شخصى وعامل تليفون وحامل رسائل له، عن عمر يناهز 96 عاما فى منزله المتواضع جنوببرلين والذى كان يقطنه منذ 1938، وكان يعانى من مضاعفات أزمة قلبية أصيب بها مؤخرا. وكان روشوس ميش..آخر الباقين على قيد الحياة من حراس هتلر، وقد أثار جدلا واسعا بحديثه الدائم عن الجانب الإنسانى من شخصية هتلر، حيث تشير وكالة الصحافة الفرنسية إلى أن ميش سبق وأن شارك فى فيلم وثائقى إسرائيلى عن هتلر يحمل اسم «آخر الشهود» وأنه فى هذا الفيلم، وصف هتلر بالقول «كان رئيسا طيبا». ووفقا ل «بى بى سى»، كان ميش يصف هتلر بأنه «رجل طبيعى جدا، لم يكن متوحشا كما صور». وكان يتذكر بفخر الواجبات التى كان يؤديها أثناء الحرب «للزعيم» كما كان يشير إلى هتلر. وعندما سئل خلال لقاء مع صحيفة «ديلى اكسبريس» البريطانية عن أسعد أوقات حياته ، أخرج ميش صورا لهتلر ومساعديه المقربين خلال تواجده فى مقر إقامته الصيفى فى جبال الألب، قائلا إن أسعد أوقات حياته كانت فترات وجوده هناك حيث كان «الزعيم» يشعر بالراحة. وكتبت عنه صحيفة «صنداى اكسبريس» البريطانية بعد لقاء معه فى 2003 أنه من أقل مؤيدى هتلر شعورا بالندم والأسف لذلك، ونقلت عنه قوله: «لقد كان وقتا طيبا مع هتلر. لقد استمتعت به وشعرت بالفخر للعمل لديه». أما صحيفة «تورنتو ستار» الكندية فكتبت عنه فى عام 1995 أن عينيه مازالتا حتى الآن يظهر عليهما بريق خاص عند نطقه اسم هتلر. وتقول وكالة «اسوشييتيد برس» التى أجرت معه مقابلة صحفية قبل وفاته بفترة قصيرة إنه كان حريصا على تجنب الخوض فى القضايا المركزية التى تتعلق ب «الرايخ الثالث» مثل المسئولية والشعور بالذنب، إذ قال إنه كان جاهلا تماما بالمحرقة اليهودية وإن هتلر لم يثر موضوع «الحل النهائى» (وهى الخطة الخاصة بتخليص القارة الأوروبية من اليهود) بحضوره. كما قال ميش فى مقابلة كان قد خص بها «بى بى سى» فى 2009: «كنت على علم بمعسكر الاعتقال فى داخاو وبمعسكرات الاعتقال بشكل عام، ولكنى كنت جاهلا تماما بحجم هذه المعسكرات وانتشارها فلم تكن جزءا من أحاديثنا. ولكن يجب أن تتذكروا أن ما من حرب لم ترتكب فيها جرائم». وفى مقابلة أجرتها معه صحيفة «دير شبيجل» الألمانية فى عام 2004 وردا على سؤال حول ما إذا كان مقتنعا بأفكار النازية قال: «لم أكن أعلم شيئا على الإطلاق، كنت مجرد جندى مثل ملايين الجنود الآخرين، كنت يتيما وعرفت أنهم يريدون تجنيد شباب فقلت لم لا أعمل فى وظيفة حكومية». ولد ميش عام 1917، وتوفى والده قبل ساعات قليلة من ولادته، حيث أصيب أثناء مشاركته فى الحرب العالمية الأولى، ثم توفيت والدته فى 1920 فرباه جداه.. درس الرسم وعمل رساما قبل أن ينخرط فى قوات الحرس النازى الخاص (SS) عندما كان فى العشرين من عمره . وخدم فى بولندا فى عام 1939 عندما غزاها هتلر وهو الغزو الذى أدى مباشرة إلى اندلاع الحرب العالمية الثانية، قبل أن ينتدب للعمل فى الطاقم الخاص بهتلر ويصبح أحد مرافقى وحراس هتلر الأساسيين الذين يتحركون معه فى كل تحركاته . وكان أول واجب يؤديه لهتلر هو إيصال رسالة منه إلى شقيقته فى فيينا. وقال ميش ل «بى بى سى» إنه وزملاؤه اعتادوا التواجد فى سيارة أخرى تصاحب سيارة هتلر خلال التنقل ولكن خلال فترات تواجد هتلر فى مقر إقامته فى المستشارية فى برلين فكان كل فرد من أفراد الحراسة يكلف بواجبات أخرى مثل استقبال الهواتف الواردة إلى الزعيم الألمانى. وعند تقدم الجيش الأحمر الروسى إلى برلين فى الأيام الأخيرة من الحرب العالمية الثانية، واختباء هتلر فى قبو المستشارية المحصن ، أصبح ميش شاهدا على الدراما التى وقعت فى 30 ابريل 1945. وعن هذا قال ميش فى مقابلة مع وكالة الصحافة الفرنسية عام 2005 إن هتلر ودع المقربين منه وهو واحد منهم ودخل إلى غرفته الخاصة حيث قتل زوجته بالسم قبل أن ينتحر بطلقة فى رأسه ولكن ميش كان يقوم بواجبه ويجيب على الهاتف عندما أطلق هتلر النار على نفسه ولذا فلم يسمع صوت الرصاص. وقال إنه عندما فتح باب حجرة هتلر الخاصة «رأيته جالسا ورأسه على مكتبه والدماء تسيل منه بينما كانت زوجته ايفا براون (التى تزوجها قبلها بأيام فقط) راقدة على أريكة ورأسها متجه نحوه. كانت ترتدى فستانا أزرق وحواشى بيضاء. لن أنسى ذلك المنظر أبدا». لكن ميش أكد: «لم نفاجأ بما رأيناه أمام أعيننا فقد كنا نتوقع أن يختار هتلر هذا المصير فرغم أن كل مساعدى هتلر أشاروا إليه بالهرب من برلين فإنه رفض الاقتراح وفضل البقاء فى العاصمة الألمانية حتى آخر نفس فى حياته». وذكر ميش أن هتلر قبل انتحاره أعطى تعليمات إلى سكرتيره وذراعه الأيمن مارتن بورمان بإحراق جثته حتى لا تلقى مصير حليفه بينيتو موسولينى الذى أعدم وبقيت جثته معروضة على الحشود فى ساحة عامة. كما شهد ميش قتل وزير الإعلام يوزف جوبلز وزوجته لأطفالهما الستة بالسم فى اليوم التالى قبل أن ينتحرا. وهرب ميش من القبو فى 2 مايو 1945 قبل أن تأسره القوات السوفيتية بعدها بوقت قصير. وقضى تسع سنوات فى الأسر فى معسكر سوفييتى قبل أن يتمكن من العودة إلى وطنه وأسرته فى ليلة رأس السنة عام 1953. وفى العام التالى أسس متجرا صغيرا لفن الرسم والتصوير. وقبل أربعة أعوام..نشر ميش سيرته الذاتية تحت عنوان «الشاهد الأخير» باللغة الألمانية وحققت مبيعات جيدة. وقد تسبب موقع ميش القريب من الشخصية الأكثر جدلا فى التاريخ الحديث فى ظهور شخصيته أكثر من مرة فى الأفلام التى تناولت الحرب العالمية الثانية، من بينها فيلم «السقوط» للمخرج أوليفر هيرشيفل عام 2004، بل وقاموا بالاستعانة به أثناء كتابة بعض هذه الأفلام آخرها استعانة الكاتب كرستيان ماكيويرى به أثناء فيلم «فالكيرى» الذى روى محاولة اغتيال تعرض لها هتلر من قبل بعض رجاله المقربين. كما كان ميش يتفاخر بكم الرسائل التى يتلقاها من كل أنحاء العالم وكلها من معجبين يرغبون فى الحصول على توقيعه أو الحصول على صوره مرتديا الزى النازى باعتباره آخر من عايش هتلر.