بعد أن أسقط الشعب المصرى نظامين خلال عامين ونصف فقط، يثور جدل واسع حول مصير أنصار نظام مبارك أو من أطلق عليهم «الفلول» عقب ثورة 25 يناير، وبقايا نظام الإخوان الذين مازالو يخوضون معركتهم الأخيرة فى الشارع.. وطرحت تساؤلات تقبل الشعب لمشاركة الفصيلين فى العملية السياسية الجديدة التى تخوضها البلاد خلال الشهور المقبلة. «أكتوبر» طرحت القضية على عدد من الخبراء السياسيين والذين أكدوا أنه على الرغم مما يجرى على الأرض من أحداث منذ 30 يونيو، إلا أن المد الثورى الجديد أكد منذ البداية على عدم إقصاء أى فصيل مصرى من الحياة السياسية وأن للجميع حق المشاركة فى بناء الوطن خلال المرحلة الحرجة التى يمر بها الآن بينما أيد البعض تحفظه على عودة رموز النظامين للحياة السياسية مرة أخرى وهنا التفاصيل. فىالبداية يؤكد عبد الله حسن عضو الهيئة البرلمانية لجزب الحرية وعضو اللجنة التشريعية والدستورية بمجلس الشورى المنحل أن الأحداث التى تمر بها مصر تفرض على الجميع النظر إلى المصلحة العليا للوطن دون استغلال هذه الأحداث لتحقيق مصالح فردية أو مصالح تخص فصيل معين ولذلك علينا أن نقف عند بعض المصطلحات التى انتشرت فى الشارع السياسى المصرى مشيرًا إلى أن الحديث عن الفلول أو محاولة عزل تيار معين على اعتبار فساد بعض عناصره أو على اعتبار أنه النظام السابق فهذا أمر غاية فى الخطورة فكل تيار له أنصاره فى الشارع وإذا تم تمثيل تلك الجهود فى الحياة السياسية سواء فى الحكومة أو فى البرلمان سوف يتم التعبير عن هذه الجموع بصورة إيجابية أما فى حالة إقصاء هذا الفصيل أو ذاك فهذا معناه انتقال السياسة إلى الشارع وهو الأمر الذى نراه فى العنف والصدام الذى يحدث فى ميادين وشوارع مصر ويجب أن يجد كل فصيل من يمثله ويعبر عن رأيه. وذلك لتجنب العنف والصدام ولفظ «الفلول» الذى انتشر منذ ثورة 25 يناير كان المقصود منه إقصاء فصيل بصورة كاملة وهذا أسلوب خاطئ لأنه يقصى الجميع بدون النظر إلى أشخاص فاسدين أو أضروا بمصلحة الوطن لذلك فإن عددًا كبير من الشرفاء يتم إقصاؤهم وعدد غير قليل من أصحاب الخبرة لذلك فإن الحديث على كل أبناء الوطن كأشخاص متساوين ولا فرق بينهم سوى فى العمل والاجتهاد ومن أخطأ يتم عقابه ولا يمكن عقاب شخص لمجرد انتمائه لفصيل أو حزب سياسى ويجب أن يتم إشراك كافة التيارات وكل من ينتمى للحزب الوطنى المنحل أو لجماعة الإخوان المسلمين ولا يمكن فصلهم عن الحياة السياسية فى مصر. ويرى عبد الله حسن أنه يجب محاسبة كل شخص على أفعاله هو ويجب إشراك الفلول وفلول الفلول فى الحياة السياسية طالما الشخص لم يخطئ مشيرًا إلى أن تجارب مثل أوغندا أو جنوب أفريقيا واضحه فلم يحدث انتقام من الفئة المظلومة سواء السود فى جنوب أفريقيا أو القبائل المطحونة فى أوغندا عندما وصل كل منهم للحكم فى بلادهم فلم يحدث انتقام من البيض بعد أن تولى السود الحكم فى جنوب أفريقيا ولكن استوعب الجميع أن البلاد تحتوى كل التيارات ويجب أن تكون هناك مساحة من التسامح. الثائر الحق ويقول الشيخ أحمد على عثمان من علماء الأزهر الشريف: لم أقتنع بكلمة الفلول منذ أطلقها ثوار 25 يناير ولكن تفهمت جيدًا مقولة الشيخ محمد متولى الشعراوى عن «الثائر الحق» والذى أكد فيها أن الثائر الحق هو الذى يثور ليهدم الفساد ثم يهدأ ليبنى الأمجاد واستكمالًا لمقولته رحمه الله أن الثائر الحق يرفع الظلم عن المظلوم ويؤسس مبادئ العدل وأشار إلى أنه لا ينتقم من الفئة الحاكمة أو ذات الشأن ويدلل الفئة الأخرى لأنه بذلك لا يرى مبادئ العدل وإنما يزيد من الروح الانتقامية ولكن يجب عليه أن يساوى بين كل الأطراف وألا يكون هناك فضل من أحد على غيره والمجتهد فقط هو من يجد استحسان المجتمع ،ويشير عثمان إلى أن هذا المعنى يؤكد على رفض كلمة الفلول من الأساس وما المانع أن يشترك أنصار النظامين السابقين سواء جماعة الإخوان المسلمين أو أعضاء الحزب الوطنى المنحل أن يشترك الجميع فى بناء هذا الوطن هكذا يجب أن نستغل طاقات شباب هذا الوطن ونستفيد من قدراتنا الإيجابية. ويطالب الشيخ أحمد على عثمان الجميع أن يجد بداخله مساحة من التسامح وتقبل الأخر والعمل كفريق واحد دون النظر للمصالح الخاصة والعمل فقط لصالح الوطن وتجنب العنف والصدام الذى يستفيد منه أى طرف من الأطراف. دور فلول الوطنى ويقول محمد زارع رئيس المنظمة العربية للإصلاح الجنائى إن السنة التى قضاها الإخوان المسلمين فى الحكم وحدت كل الأطراف المتخاصمة وكل مؤسسات الدولة فالمعارك التى خاضوها ضد الجميع سواء المنتمون للإسلام السياسى مثل حزب النور أو غير المنتمين للإسلام السياسى جعلت المواطنين أكثر تسامحًا مع الفلول أو المنتمين للحزب الوطنى والرموز القديمة. وأضاف أنه طالما الشخص لم يرتكب جريمة فهو مواطن مصرى يستطيع ممارسة العمل السياسى سواء كان ينتمى للحزب الوطنى المنحل أو ينتمى لجماعة الإخوان المسلمين وليس معنى أنه غير موجود فى الحكم أن يتم إقصاؤه بالعكس فالبلد يتسع للجميع. ويؤكد أن الفلول أو أعضاء الحزب الوطنى المنحل ربما يكونون أكثر فصيل سياسى جاهز لخوض الانتخابات وهم الأكثر تنظيمًا وأنه سيكون لهم دور ولكن ليس كدورهم قبل ثورة 25 يناير بمعنى أنه لن يكون لهم منافس لا بل سيكون هناك منافسة حقيقية. إرباك المشهد السياسى ويقول د. طارق فهمى أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة إن القضية ليست عودة الفلول فمن المتوقع أن تتم معالجة بين كافة القوى السياسية وعدم إقصاء إى تيار سياسى من المشهد وبالتالى ستعود كل القوى قبل ثورة 25 يناير ربما تحت مظلة أسماء أحزاب أخرى وبعضهم شارك خلال الفترة الماضية لكن السؤال الذى يطرح نفسه هلى من الممكن أن يعود الحزب الوطنى تحت نفس المسمى بمعنى إذا رُفعت دعوى قضائية لاسترداد الحزب الوطنى ومقراته هل سيعود أم لا؟ وأضاف أن هذا سيربك المشهد السياسى الذى هو فى الأصل مرتبك لأن هناك اختلاطًا فى كثير من الأمور ولديك أكثر من تيار من الإخوان المسلمين يعتبرون فلول رقم (2) والحزب الوطنى فلول رقم (1) أنا لا أؤيد عودة أى تيار سياسى أجرم فى حق الشعب المصرى بصورة أو بأخرى خصوصًا أن أغلبية الأشخاص التى ستعود ليس لها ما تقدمه فى الواقع فقد اختبروا فى مواقع كثيرة ولم يعد عندهم ما يقدموه للوطن. من جانبه يشير السفير إيهاب وهبه مساعد وزير الخارجية الأسبق إلى ضرورة القيام بمصالحة وطنية بين جميع أطياف المجتمع سواء أعضاء الحزب الوطنى المنحل أو غيره ولا يستبعد تيار أو حزب من العملية السياسية بحيث يشارك الكل ويتلاحم بهدف تحقيق مصلحة الوطن وبالتالى لا يجب أن يتم استبعاد أى فريق أو حزب أو طائفة من العملية السياسية. الإخوان مع الوطنى وأوضح د.نجيب جبرائيل رئيس الاتحاد المصرى لحقوق الإنسان أنه لا إقصاء لأحد سواء للحزب الوطنى السابق أو الإخوان المسلمين ولا يمكن أن أقصى أحدًا طالما يلتزم بمفاهيم ومكتسبات ثورتى يناير ويونيو. وأكد جبرائيل على أن يكون هذا التيار لا ينتمى لأى تيار فاسد أو أنظمة سابقة ويجب أن يكون هناك نوع من المراجعات والمتغيرات. فالثورة الحقيقية ثورة 25 يناير ويونيو والديمقراطية الحقيقية بمفهومها الصحيح تعنى عدم الاقصاء لاحد وأهلا بالإخوان المسلمين وأعضاء الحزب الوطنى السابق فى الحياة السياسية. مؤكدًا أيضًا أنه على الحكومة المكلفة حاليًا ألا تقصى أحدًا وعليها أن تفسح المجال للجميع للمشاركة فى الحياة السياسية لأن مصر لكل المصريين. تطبيق القانون ويرى المحلل السياسى عاطف لبيب النجمى أنه لا يمكن إقصاء حزب تمامًا عن الساحة السياسية لكن يتم وضع قوانين تجعل العملية الانتخابية خاضعة لإرادة الفرد وليس لقبيلة أو عائلة إلا إذا كان يملك أموالًا لان هناك أنفاقًا ودعاية وجمعية عمومية ومجمعًا انتخابى يستطيع أى مواطن أن يرشح وبالتالى لا يجوز أن نجعل العملية الانتخابية قاصرة على جمعية عمومية فقط لا غير دون مجمع انتخابى يقوم بتطبيق القانون والالتزام به وألا يسمح بأى تجاوزات. أين الفلول ؟ ويقول المهندس ماجد الأمين، أمين عام حزب الجبهة الديموقراطى إنه لا يجوز إطلاق كلمة «فلول» لأنها لو أطلقت سوف تشمل الشعب بأكمله الذى حُكم من نظام مبارك، ويرى أن الكلمة أطلقها الإخوان المسلمين على كل من يحاول معارضتهم فى أى أمر، وأشار إلى أن كلمة «فلول» أطلقت على مصطفى النحاس من الإخوان فأطلقوا هذه الكلمة لمجرد إقصاء فصيل معين من الحياة السياسية وأضاف أن كل من كان فى نظام مبارك وأفسد فلابد أن يقصى من الحياة السياسية ومن أى مشاركة وطنية وهذا لا يمكن تطبيقه على كل من يعمل فى جهة حكومية. ويتفق الناشط السياسى كمال زاخر مع هذا الطرح مبينًا أن تعبير الفلول هو مصطلح أطلقه الإخوان فلابد من الحذر فى قوله ولكن من أضر بالوطن فى نظامى مبارك أو مُرسى لا مكان له فى الحياة السياسية حتى لا يعود مرة أخرى ويعترف بخطئه وأشار إلى أن كلمة الفلول هى تعبير يحتاج إلى تدقيق وإعادة نظر. استحالة العودة ويطرح سمير فياض أمين عام حزب التجمع، وجهة نظر أخرى مؤكدًا على استحالة عودة رموز النظام السابق للحياة السياسية سواء من نظام مبارك أو نظام الإخوان المسلمين كما أنه لا يجوز قول كلمة فلول لأن الموجودين الآن لا علاقة لهم بالنظام السابق وإنما هم كانوا يعملون فى المؤسسات الحكومية كأى مواطن. وأضاف فياض: على الرغم من صعوبة تأقلم هؤلاء المواطنين مع الحياة السياسية ولكن لا يمكن اقصاؤهم لأنهم فئة من الشعب والمجتمع. وأضاف: أن الفلول كانوا يشكلون خطرًا فى بداية ثورة 25 يناير وإنما الخطورة الآن متواجدة فى نظام الإخوان وبقايا التنظيم الدولى. الاقصاء والاختبار وأخيرًا.. يقول الدكتور محمد فراج أن فلول نظام مبارك والمستفيدين منه لم يخرجوا أصلا من الحياة السياسية، بغض النظر عن سقوط نظام مبارك و هناك فارق بين أن تزاح قوة سياسية أو فئة اجتماعية أو مجموعة مصالح حتى عن صدارة المشهد أو موقع القيادة وبين أن تختفى تمامًا فهذه الفئة لم تتبخر بالطبع وكان لها دورها فى تمرير أحمد شفيق إلى المرحلة التالية من الانتخابات الرئاسية وحصوله على أكثر من 48% من أصوات الناخبين. وطبيعى أن يتطلع أعضاء نظام مبارك الآن إلى العودة لمكان بارز فى الحياة السياسية خاصة وأنهم يملكون قدرًا هائلًا من مصادر القوى الاقتصادية كما أنهم يرتكزون إلى مواقع قوية بالأقاليم حيث يستندون إلى العصبيات العائلية والقبلية ومواقع النفوذ التقليدية لكن من الضرورى أن يفهم ممثلو الفلول حقيقة رئيسية تتمثل فى أن الشعب المصرى الذى أطاح بنظام مبارك ومن بعده نظام الإخوان إنما فعل ذلك رفضاً منه للفساد والاستبداد وكل مساوئ النظام.