كرمة ابن هانئ» مكان تفوح تفاصيله الدقيقة بنسمات الشعر والثقافة والأدب والسياسة أيضًا. «الكرمة» حيث كان يعيش أحمد شوقى ماتزال حتى الآن شاهدًا حيًا مع الزمن على حياة أمير الشعراء والطفل المعجزة الذى أصبح حديث المجتمع المصرى بعد 7 سنوات فى ضيافة الأمير بكرمته، موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب. أكتوبر زارت «كرمة أمير الشعراء» وحاولت عبر تلك الكلمات نقل نسمات الماضى لتنعش بها ذاكرة الحاضر ووجدانه.. ولد شوقى عام 1868 لأب من أصل تركى وأم من أصول يونانية ربته جدته التى كانت وصيفة فى قصر الخديو إسماعيل فتربى بين الأمراء ونعم برغد العيش منذ صغره وتعلم الكتابة والقرآن، وكان طالبًا نابغًا يعكف على حفظ دواوين الشعر لأكبر شعراء التاريخ العربى حتى تخرج فى الحقوق عام 1885 بقسم الترجمة فعمل مترجما فى البلاط الملكى، لذلك كان يكن الكثير من الانتماء ويشعر بالفضل للبلاط الملكى وأسرة محمد على وخاصة الخديو توفيق الذى أرسله لفرنسا للدراسة بالسوربون حتى عاد مشبعا بالثقافة الغربية. بنيت الكرمة لتكون المنزل الخاص بأمير الشعراء أحمد شوقى وأسرته وهى فيلا صغيرة كانت بمدينة المطرية اختارها شوقى ليكون قريبا من القصر الملكى بالقبة حيث كان وقتذاك شاعر البلاط الذى يتعلق بشعره الخديو عباس حلمى كثيرا وذلك حتى عام 1914حيث نفى بعدها إلى بلاد الاندلس على أثر انضمامه لصفوف الشعب بعد أن كان ابن البلاط الملكى ويذكر له التاريخ هجاءه لعرابى حتى انضم للزعيم الراحل سعد زغلول ليطالب بتحرر البلاد من الاستعمار الإنجليزى ثم عاد من منفاه عام 1920 لينتقل لكرمته الجديدة بضاحية الجيزة على ضفاف النيل ظل ساكنه حتى وافته المنية عام 1932. ويرجع اسم الكرمة للكروم وهو فاكهة العنب التى كان يبجلها العرب كما نسب الكرمة لابن هانئ وهوالشاعر العباسى أبو نواس الذى أعجب به شوقى ورأى أنه لم يأخد حظه من الدراسة والتقدير . وتحكى الكرمة عن الحقبة المزدهرة التى ترجع منها وعاداتها التى ولت حيث تتكون من طابقين وطابق أرضى سفلى(بدروم) قسمت ليكون الطابق الأول لاستقبال الضيوف وإقامة الحفلات واستضافة الزائرين فتكونت من ساحة كبيرة أو صالة زينت حوائطها بالآية القرآنية الكريمة لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُتَّقُونَ والتى اعتز بها شوقى لأنها تجمع أواصل الإيمان ومكنوناته الحقيقية التى لا تنحصر فى الشعائر الدينية والعبادات وتتزين الصالة حاليا بتمثال لشوقى ومرآة كبيرة جاء بها شوقى من فرنسا بالاضافة لصندوق صغير بالحائط كان مكانًا للتليفون الارضى له باب صغير من الحديد حيث كان ممنوعا على الناس والخدم الرد على التليفون فى ذلك الوقت ، وكذلك عدة غرف كانت صالونات استقبال زائرى شوقى وضيوفه حوت العديد من الأثاث الأثرى من الصالونات القديمة وقطع الأثاث التى كان يهوى شوقى جمعها كهواية والتى شهدت سهراته الأدبية والثقافيه كما شاهدت رموز الأدب والفكر والسياسة والعلم فى ذلك الزمن. عش البلبل كما يضم الدور الأول غرفة الضيافة التى سميت (عش البلبل) تيمنا بالموسيقار الكبير محمد عبد الوهاب الذى عاش فيها 7 سنوات من أوج شبابه حتى وفاة أمير الشعراء الذى تبنى الطفل عبد الوهاب بعد أن لفت إلى موهبته الفريدة وصوته الجميل ففضل أن يشمله بالرعاية والتعليم حيث يحكى أن شوقى استمع لعبد الوهاب الطفل المعجزة كما كان ملقبا لأول مرة بإحدى الحفلات وكان صغيرا يغنى للشيخ سلامة حجازى هاربا من أهله بباب الشعرية وهنا طالب شوقى حكمدار القاهرة آنذاك بأن يمنع هذا الطفل من الغناء لأن موهبته ستقتل طفولته وهنا أضرم الطفل عبد الوهاب الكراهية لشوقى حتى قال إنه لم يكره أحدا مثلما كره شوقى لقوله ذلك ثم تشاء الأقدار أن يحضر شوقى حفلا بمنتزه الإسكندرية بعد عودته من المنفى ليستمع مرة أخرى لعبد الوهاب الذى صار فتى فيطلب مقابلة عبد الوهاب الذى رفض أولًا وبعد إصرار قال له أعلم إنك تكرهنى ولكنى خفت عليك مثل أولادى وأنت موهوب وتستحق أن أصفق لك وهنا قرر شوقى أن يضم عبد الوهاب كفرد من الأسرة بمقصورة الضيافة ل7 سنوات تعلم خلالها الموسيقى والشعر والأدب واللغات كما تشرب من الثقافة والعلم وفن الإتيكيت والطعام والملابس ومقابلة كبار الشخصيات فى المجالات المختلفة كما كان يصطحبه شوقى فى السفارة بأوروبا وخاصة باريس لمشاهدة المسارح الأوروبية ويطلع على الموسيقى الغربية التى تأثر بها كثيرا وأدخلها للموسيقى الشرقية وعاش عبد الوهاب بالكرمة حتى صارجديرا بنشر موهبته بين الطبقات الراقية وذاع صيته فى المجتمع المصرى آنذاك خاصة بعد قيام شوقى بتأليف أشعار عامية خصيصا لعبد الوهاب ، وتتكون مقصورة الضيافة من ساحة صغيرة بها طاقم صالون وغرفة نوم بها دولاب كبير وقطع أثاث قديمة وسرير اختار عبد الوهاب الاحتفاظ به فى منزله فيما بعد بالإضافة لحمام صغيروباب خروج خلفى كما تتزين حوائط «عش البلبل» بنسخ أصلية لبعض النوت الموسيقية لعبد الوهاب بخط يده ومجموعة من الصور للعملاقين معا شوقى وعبد الوهاب . مخصصات الأسرة وعودة لكرمة ابن هانئ فإن الطابق الثانى كان مخصصا للأسرة حيث غرف النوم والمعيشة بعيدا عن الدور الأول وصخبه حيث كانت غرفة نوم أحمد شوقى،التى زينت بورق حائط إيطالى صنع يدويا خصيصا وكانت تطل على الأهرامات من النافذة وهى الغرفة التى فارق شوقى حياته فيها مستلقيا على كرسيه المفضل أما غرفة زوجته فكانت على بعد 5 أمتار من غرفته حيث كان يفضل للزوجين إختلاف الغرف فى ذلك الوقت وتتكون غرفة خديجة شاهين زوجة شوقى التى كان يلقبها بالقطة التركية- من سرير كبير نحاسى كتب على جهته الرأسية «نوم العوافى» وبجواره دولابها الخاص وبعض الأثاث . مكتب الأمير أما مكتب شوقى فكان بجوار غرفة زوجته وكان مطلا مباشرة على النيل ولكن شوقى كان يفضل كتابة أشعاره فى غرفته حيث كان مكتبه مكانا للتأمل وتصفح أمواج النيل الهادئة ، كذلك يضم الطابق الثانى غرف أبنائه على وحسين وأمينة بالإضافة لمكتبة شوقى الخاصة التى تتوسط الطابق مقابلة للسلم المؤدى للطابق الأول، ويبقى الطابق السفلى أو(البدروم) الذى كان مخصصا للمطبخ وسكنا للخدم والعاملين بالمنزل والذى ظل آخرهم حيا حتى تم تحول المنزل إلى متحف وصرح ثقافى بقرار رئاسى عام1972 بعد أن قام أبناء شوقى»على وحسين»بعرض المنزل للبيع ثم انتشر خبر بيع بيت شوقى حتى أثار غضب الصحفى صالح جودت الذى التفت إلى مقالته بالأهرام فى الأمر الرئيس الراحل محمد أنور السادات الذى أمر فورا بمنع بيع منزل أحمد شوقى وافتتاحه كمتحف وتسديد ثمنه من مال الدولة لأبناء شوقى الذين رحبوا بذلك ليظل بيت أبيهم قائما تاركين فيه الأثاث الأصلى القديم والمخطوطات النادرة لأشعار شوقى كهدية للمتحف. ويستقبل منزل شوقى الان المئات من الزوار من مختلف بلاد العالم بالإضافة للأنشطة الثقافية التى مددت الإشعاع الثقافى للكرمة إلى الآن جاذبة إليها طالبى العلم من طلاب اللغة العربية بالجامعات والشعراء والأدباء المصريين والعرب والاجانب من خلال الندوات التى تناقش الشعر العربى والغربى أيضا ودراستها ومقارنتها وكذلك الاحتفالات التى تقام بالكرمة إحياءً لذكرى عظماء الشعر والأدب والفكر من كل عام غير الدراسات التى تجرى على كتابات شوقى وأشعاره التى ترك لها مسودات أصلية بمنزله لم ينشر أو يعرف الكثير منها حتى الآن، كما ينظم متحف شوقى احتفالات بذكراه وذكرى موسيقار الأجيال من كل عام وتحرص على إقامة الأنشطة الفنية من ورش فنية فى الرسم والنحت والزجاج والتمثيل والغناء وتعليم الموسيقى للأطفال والكبار.