فى دولة القانون يفترض أن يطبق القانون على الجميع، ليس فقط من الغفير إلى الوزير، ولكن على من هم أعلى من الوزير كذلك.. ولكن واقع الحال فى مصر يؤكد أنه لم ينفذ أى حكم قضائى صدر بحق وزير أو محافظ أو حتى مسئول كبير فى أية جهة حكومية. وجاء صدور عدد من الأحكام القضائية بالحبس والغرامة والعزل من الوظيفة ضد عدد من الوزراء والمحافظين والمسئولين خلال الأيام الماضية ليفتح بقوة ملف هذه الأحكام القضائية التى لا تنفذ بحق المسئولين فى مصر. «أكتوبر» التقت نخبة من القضاة وفقهاء القانون والمسئولين التنفيذيين.. وطرحت عليهم القضية من أجل الوصول إلى الحقيقة.. وهنا التفاصيل: وصدرت خلال الأسبوع الماضى أحكام بالحبس والعزل من الوظيفة بحق مسئولين ووزراء بل والغرامة أيضًا لبعض المسئولين الكبار. ففى القاهرة قضت محكمة جنح عابدين بحبس الدكتور أسامة كمال محافظ القاهرة لمدة سنة وكفالة ألف جنيه وعزله من وظيفته لامتناعه عن تنفيذ حكم قضائى لصالح أحد المواطنين وذكرت صحيفة الدعوى التى أقامها فاروق رفاعى موسى أن المحافظة استولت على قطعة أرض ولم تعط للورثة حقهم وأخطر محافظ القاهرة أكثر من مرة لكنه امتنع عن تنفيذ قرار النيابة الإدارية بصرف التعويض المالى للورثة حيث صدر ضده الحكم بالحبس والكفالة والعزل من الوظيفة وفى نفس الوقت، أصدرت محكمة استئناف القاهرة « الدائرة 120 طلبات رجال القضاء» برفض طلب المستشارطلعت عبد الله النائب العام برد هيئة المحكمة وقررت المحكمة تغريمة 12 ألف جنيه وحدت المحكمة جلسة 25 يونيو المقبل لاستكمال نظر الدعوى بتمكين النائب العام المعزول المستشار عبد المجيد محمود من الحصول على الصيغة التنفيذية لحكم بطلان عزله. وكانت محكمة جنح مدينة نصر قضت بحبس اللواء محمد ابراهيم وزير الداخلية عامين وعزله من وظيفته لامتناعه عن تنفيذ حكمين قضائيين لصالح معتقلين وتغريمه 101 جنيه لكل مدع وكفالة 2000 جنيه لوقف التنفيذ للحكمين وكان على احمد وعبد العليم محمد سليم أقاما دعويين أمام المحكمة ضد وزير الداخلية يتهمانه بالامتناع عن تنفيذ حكمين قضائيين لهما بالتعويض. من جانبها أكدت وزارة الداخلية عن طريق مسئول بالشئون القانونية أن الحكمين القضائيين الصادرين ضد وزير الداخلية لعدم تنفيذ حكمين قضائيين بتعويض مواطنين سبق اعتقالهما خلال الفترة من 1994 إلى 1996 وأن الحكمين المشار إليهما صدرا غيابيًا ضد السيد وزير الداخلية فى أولى درجات التقاضى وجار اتخاذ الإجراءات القضائية للطعن عليهما كما أكد المصدر أن جميع الأحكام الصادرة بتعويضات مالية عن قرارات اعتقال صادرة فى الفترات السابقة على ثورة 25 يناير2011 يتم تنفيذها فى إطار حرص الوزارة واحترامها الكامل لحكام القضاء حيث تم تنفيذ 4426 حكمًا فىالعام الحالى بلغت قيمة التعويضات المنصرفة فيها 84 مليونًا و 647 ألفًا وستمائة جنيه الأمر الذى استغرق البند المقررللتعويضات بميزانية الوزارة كما قامت الوزارة بالتنسيق مع وزارة المالية لتدبير قيمة المبالغ المطلوبة فى التعويضات والمحكوم بها حتى يتسنى تنفيذ جميع الأحكام المتراكمة لسنوات بعيدة ترجع إلى فترة الثمانينات وما بعدها. تطبيق القانون على الجميع وتعليقا على صدور هذه الأحكام يقول المستشار الدكتور محمد عطية نائب رئيس مجلس الدولة ووزير التنمية المحلية السابق إن هذه الأحكام غيابية ويتم الطعن فيها بالمعارضة وبمجرد الطعن فيها بالمعارضة يعتبر كأن لم يكن. ويضيف أننا نشعر أن هيبة الدولة ليست موجودة.. لأنه لو تم تطبيق مبدأ سيادة القانون على الجميع دون استثناء سوف تختفى هذه الأحكام فمن يخالف أحكام القانون لابد من اتخاذ إجراءات شديدة على الفور تجاهه لاعادة هيبة الدولة وسيادة القانون بين المواطنين. وقال المستشار محمد عطية إن الأحكام الحائزة على قوة الأمر المقضى به يتعين على كل مسئول أن يقوم بتنفيذ هذه الأحكام وسيادة القانون تعنى تنفيذ هذه الأحكام ولا يتم الضرب بعرض الحائط على هذه الأحكام ولابد لكل مسئول أن ينفذ هذه الأحكام فكيف تكون دولة قانون.. دولة القانون تحترم القانون وتحترم احكام القضاء واجبة النفاذ. ويضيف أن الاحكام الغيابية بمجرد المعارضة تصبح كأن لم تكن ولا تهدد الاستقرار الوظيفى فى هذه الحالة. وفى أحيان كثيرة لا يعلم الوزير المختض بصدور الحكم ضده ولم يعرض عليه قبل ذلك والمفترض أن الشئون القانونية فى أية وزارة أو هيئة ترفع مذكرة للمسئول بوجود حكم أو أن الحكم واجب النفاذ ويؤشر عليه بوجوب تنفيذ الحكم. ومن هنا تصدر الأحكام الغيابية لعدم تنفيذ الأحكام ولأن الوزير مختصم فى هذا الحكم وغالبا لا يكون الوزير قد عرض عليه الأمر وهذا بسبب الروتين الحكومى الذى يكون عائقا فى طريق تنفيذ الأحكام. وسيلة للضغط على المسئول أما المستشار صدقى خلوصى رئيس هيئة قضايا الدولة السابق فيؤكد أن هذه الأحكام لا تهدد الاستقرار الوظيفى أو الوظيفة العامة فلم يحدث أن تم عزل موظف حكومى أو وزير من موقعه ولكن يتم إلغاؤها بعد المعارضة فيها وتنفيذ الأحكام ويضيف أن هذه الأحكام بالحبس والعزل وسيلة للضغط على المسئول لإجباره على تنفيذه ولم يحدث من قبل طوال التاريخ الوظيفى طبقا لنص المادة 123 عقوبات وفى دستور 1971 الفائت والدستور الحالى أن تم عزل وزير أو مسئول أو موظف حكومى نتيجة عدم تنفيذ حكم لكنها وسيلة فى يد المتقاضى صاحب الحق للضغط على المسئول لتنفيذ الأحكام القضائية. ويضيف أن هذا الاجراء ونص المادة 123 جعل كثيرا من المسئولين وخاصة الوزارء ينفذون الأحكام قبل أن تصدر أحكام بحبسهم وعزلهم من وظائفهم نتيجة عدم تنفيذ الأحكام. والحبس والعزل عقوبة وجوبية ولا يملك القاضى حق التقدير وليس له أن يمتنع عن تطبيق نص هذه المادة وهى الحبس والعزل للموظف أو المسئول. ويرى اللواء ممدوح كدوانى محافظ سوهاج الأسبق أن منصب المحافظ يتعرض كثيرا لقضايا الحبس والعزل من الوظيفة نظرا لصدور قرارات حكومية مثل فصل التوزيع عن إنتاج الخبز مثلا وأغلب أصحاب المخابز لجأوا إلى القضاء فى بعض المحافظات وطالبوا باسترداد المبالغ التى دفعوها للمحافظة من أجل توزيع الخبز وحكم لهم باسترداد المبالغ ولم يكن هناك بند فى الميزانية الخاصة بالمحافظة فانتظر المحافظون بنودًا أخرى فى الموازنة مما اضطر أصحاب المجابز لرفع قضايا بالحبس والعزل للمحافظين وتعرض المحافظون لصدور هذه الأحكام إلا أنه فى جلسات يتم الحكم فيها بالبراءة لأن المحافظ يكون قد نفذ الحكم بعد فترة بعد ورود أموال فى الميزانية الخاصة بالمحافظة وهو محكوم بميزانية موجودة تضعها وزارة التخطيط طبقا لبنودها المحددة. ويضيف أن قضايا التعويض هى أكثر القضايا التى يتعرض من أجلها المسئولون حاليا لصدور أحكام ضدهم بالحبس والعزل من الوظيفة مشيرا إلى أن قضايا التعويضات خاصة المرفوعة ضد وزارة الداخلية هى من أكثر القضايا التى يتم فيها صدور هذه الأحكام وهذه التعويضات لها بند فى الميزانية الخاصة بالوزارة من أجل تنفيذ الأحكام القضائية الخاصة بالتعويض ونظرا لكثرة أعداد القضايا يتم ترحيل عدد معين من قضايا التعويضات من أجل اعتماد الميزانية الجديدة ومن أجل ذلك تصدر الأحكام على المسئولين بوزارة الداخلية وتنتهى بمجرد تنفيذ الأحكام ويصدر حكم بالبراءة لهؤلاء المسئولين. احترام كرامة الإنسان أما المستشار دكتور عادل عبد الباقى أستاذ القانون ووزير شئون مجلس الوزراء والتنمية الإدارية الأسبق فيؤكد أن حكم القانون لابد أن يطبق على الموظف العام مهما كانت مسئوليته أو وظيفته، فاحترام الأحكام القضائية يجعلها واجبة التنفيذ وهى عنصر من العناصر الرئيسية لدولة القانون. ويقول إن من حق من رفع الدعوى أن يستفيد من الحكم الصادر لمصلحة وإذا تم تعطيل تنفيذ الأحكام يعتبر ذلك إخلالًا بحق من حقوق الإنسان وهو ضرورة الحصول على حقوقه واحترام كرامته الإنسانية وتنفيذ الحكم الذى حصل عليه وعدم تنفيذ الحكم يخل بالكرامة الإنسانية طبقًا للقانون الدولى وقواعد حقوق الإنسان. وأوضح أنه ليس هناك خطر على أى مسئول أو موظف أو وزير وليس هناك عيب فى ذلك فالحكم هو عنوان الحقيقة ويجب على الجميع تنفيذه واحترامه وصدور مثل هذه الأحكام بالحبس والعزل يؤدى إلى استقرار الأوضاع المجتمعية وإلا ستؤدى إلى الفوضى فالمطلوب احترام الأحكام القضائية وضرورة تنفيذها على الجميع وفى هذا فإن هذه الأحكام تؤدى إلى احترام كرامة الإنسان وتوافر أحد الأركان المهمة للدولة القانونية واستقرار الأوضاع. الحكم عنوان الحقيقة ويرى المستشار علاء شوقى رئيس محكمة جنايات الجيزة أن احترام الأحكام القضائية وتنفيذها هو المبدأ الأعلى وهو النظام العام الذى يعلو على أى شىء آخر، فالأساس الذى يجب أن يبنى عليه الحوار هو احترام حجية الأحكام التى لا تأتى إلا نتاج جهد وبحث ومرافعات ومذكرات، فعندما يصدر الحكم بعد كل هذا ويسمى عنوانًا للحقيقة مما يعنى أنه يجب أن تسود هذه الحقيقة فى المجتمع الذى صدرت فيه. ومعنى السيادة فى هذا الصدد التنفيذ لأن الحكم الذى يصدر ولا ينفذ يصبح حبرًا على ورق بل ولا يساوى المداد الذى دون به. وأوضح أن الوظيفة العامة لن تكون جديرة بالاحترام حال إهدار حجية الأحكام القضائية ويجب أن يحرص صاحب الوظيفة العامة على أداء الواجبات المنوطة بالوظيفة التى يشغلها فإن أهدر هذه الواجبات وأخل بها سقط حقه فى حماية الوظيفة وأصبحت الوظيفة بمنأى عن الحماية. ويضيف المستشار علاء شوقى أن أحكام العزل من الوظيفة لازالت أحكامًا نادرة وقليلة وفردية وبالتالى فإنها لا تهدد الوظيفة العامة باعتبارها لم تتحول بعد إلى ظاهرة يخشى معها ما يخشى على الوظيفة العامة فهى لازالت حالات فردية كما أن الحكم الذى يصدر فى حالة يعطى ردعًا وتهديدًا لباقى الموظفين العموميين سواء كانوا وزراء أو محافظين أو موظفين عموميين. قانون العقوبات والمادة 123 وأخيرًا..يؤكد المستشار إسماعيل البسيونى رئيس محكمة الاستئناف ورئيس مجلس إدارة نادى قضاة الإسكندرية الأسبق أن المادة 123 من قانون العقوبات تقضى بحبس المسئول بصفته عندما يمتنع عن تنفيذ حكم قضائى نهائى سواء حكم جنائى أو حكم مدنى من أجل ضمان الجدية فى تنفيذ الأحكام ولأن الحكم هو عنوان الحقيقة لذلك فوجب تنفيذه ويضيف أن هذه الأحكام واجبة النفاذ وهذا بعكس الحكم الذى صدر بغرامة النائب العام 12 ألف جنيه فالنائب العام استعمل قانون المرافعات المدنية والتجارية فى حالات رد القضاة فالقانون حدد حالات رد القاضى حينما يشك فى موقفه تجاهه ويدفع أمانة أو كفالة أمام نفس المحكمة التى توقف النظر فى الطلب وترسل الأوراق إلى رئيس محكمة الاستئناف والذى يحول طلب الرد إلى دائرة مدنية من دوائر محكمة الاستئناف والتى تكشف مدى جدية طلب الرد وإصدار حكم فيه وهو ما حدث فى طلب النائب العام فى طلب الرد فقد رفضت طلب الرد وصادرت الأمانة ووقعت غرامة قيمتها 12 ألف جنيه.