فى ظل تضارب الإحصاءات حول تجارة وتعاطى المخدرات كان لابد من الرجوع إلى وزارة الداخلية بهدف التوصل إلى إحصاءات دقيقة والوقوف على واقع هذه الظاهرة حيث التقينا اللواء طارق إسماعيل رئيس الإدارة العامة لمكافحة المخدرات بوزارة الداخلية والذى أكد أنه بحسب إحصائية لعام 2009 تم ضبط 45158 متهما فى عدد 42642 قضية أغلبها قضايا مخدرات وإتجار فى السلاح.كما تم إحباط محاولة تهريب 10758 كيلوجراما من مادة الحشيش و61732 كيلوجراما من نبات البانجو و232 فدانا من نبات «الخشخاش» الذى يتم تصنيع بعض أصناف المواد المخدرة منه. إلا أن إدارة المكافحة قامت بجهود كبيرة خلال عام 2012 لضبط كافة أنواع المواد المخدرة والأقراص المؤثرة فى الحالة النفسية المدرجة بجداول المخدرات. وتمكن ضباط الإدارة من ضبط عدد 30 ألفاً وعدد 424 قضية ضمت 33 ألفا وعدد404 متهمين فى إجمالى مضبوطات، عدد 74 طناً و878 كجم من مخدر البانجو، و12 طناً و242.5 كجم من مخدر الحشيش و49 كجم من مخدر الأفيون و92 كجم من مخدر، و40 كجم من مخدر الكوكايين و429 مليوناً و871 كجم و903 أقراص مخدرة. وأيضا ضبط 562 صاروخًا مضادًا للطائرات أرض جو وعابر للمدن و264 رأس صواريخ مدمرة و4 مدافع مضادة للطائرات وهاون خلال عام 2012، خلال مأمورياتهم للمناطق الجبلية لضبط المواد المخدرة. إلى جانب ضبط منصة وجهاز لإطلاق الصواريخ وطبة للصواريخ المضادة للطائرات وقاذف صاروخى مضاد للمركبات والأفراد. وأضاف مدير الإدارة العامة لمكافحة المخدرات أن الإدارة قامت خلال العام الماضى بتطوير استراتيجيتها فى المكافحة الفاعلة خاصةً مع تزايد الإنتاج العالمى فى العديد من الدول وارتباط تجارة المخدرات بتجارة الأسلحة والذخائر غير المرخصة. وأشار اللواء طارق إسماعيل إلى أن جهود ضباط الإدارة لا يقتصر على محاربة التجار داخل مصر وإنما يتم تعقبهم على الحدود والتنسيق مع أجهزة المكافحة فى بعض الدول للقضاء على رؤوس الفساد خاصة وأن مصر كانت فى مقدمة الدول التى استشعرت خطورة مشكلة المخدرات، واهتمت بالتصدى لها منذ زمن بعيد، ومع تزايد حدة مشكلة المخدرات فى مصر، خاصة بعد الانتشار المفزع للمخدرات البيضاء (الهيروين والكوكايين) فى أعقاب الحرب العالمية الأولي، وضح أن البلاد فى حاجة ماسة إلى إنشاء جهاز متخصص يشرف على تنفيذ القانون رقم 21 لسنة 1928م الذى شدد العقوبة على جرائم جلب المخدرات والاتجار فيها وتعاطيها، ومن ثم فقد اقترح وزير الداخلية فى 25 فبراير سنة 1929 إنشاء جهاز لمحاربة الاتجار بالمواد المخدرة وفى 20 مارس 1929م صدر قرار مجلس الوزراء بإنشاء مكتب المخابرات العام للمواد المخدرة، كأول جهاز مركزى متخصص فى مكافحة المخدرات فى العالم، وكان يتبع «حكمدارية بوليس مدينة القاهرة» ومقره 6 ميدان العتبة القاهرة وفى 25 يناير 1990م قام رئيس الجمهورية بافتتاح مبنى الإدارة العامة لمكافحة المخدرات فى موقعه الحالى 6 شارع شفيق العباسية بالقاهرة. وأوضح أنه منذ أن بدأ عمل المكتب اتجه نشاطه صوب الخارج للكشف عن أوكار المواد المخدرة المتدفقة على البلاد ولكى يحكم المكتب الرقابة على الموانى التى تتسرب بها السموم البيضاء إلى مصر افتتح المكتب فرعا له فى ميناء الإسكندرية عام 1930م وفرعا ثانيا فى ميناء بور سعيد عام 1930م وفرعا ثالثا فى السويس فى مطلع عام 1934. وأشار إلى أنه بتاريخ 25 ديسمبر 1935م وافق مجلس الوزراء على إنشاء فرعين للمكتب أولهما فى طنطا ويختص بالوجه البحرى والثانى فى أسيوط ويختص بالوجه القبلي، وذلك للتعاون مع بوليس الأقاليم فى مكافحة المخدرات، ثم توالى إنشاء المكاتب بعد ذلك فأنشئ مكتب فى بور سعيد وآخر فى السويس وثالث فى الإسكندرية. وأضاف اللواء طارق إسماعيل أن المكتب فى سنين عمره الأولى استجمع أدلة ضد مصادر أوربية للمواد المخدرة غير المشروعة والكشف عنها فى اجتماعات اللجنة الاستشارية لتجارة الأفيون والمواد الضارة الأخرى بعصبة الأمم والتى كانت تعقد سنويا فى جنيف ويشترك فيها مدير المكتب، الأمر الذى كان له أبلغ الأثر فى قيام الدول الأوربية بتشديد الرقابة وإحكام الخناق على مراكز صنع المخدرات فنقص إلى حد كبير استيراد المواد البيضاء منها. ولفت إلى أنه فى عام 1946 تم تمصير جهاز المكافحة «مكتب المخابرات العامة للمواد المخدرة» بعد أن اعتزل جميع الموظفين الأجانب الخدمة فيه وعام 1947م أصدر وزير الداخلية قرارا بإنشاء إدارة تتبع إدارة عموم الأمن العام تسمى إدارة مكافحة المخدرات للنهوض بأعباء مكافحة المخدرات بدلا من مكتب المخابرات العام للمواد المخدرة الذى كان يتبع حكمدارية بوليس القاهرة وأصبحت الفروع التى كانت تابعة للمكتب تابعة لإدارة مكافحة المخدرات وقد زاد عدد فروع الإدارة إلى تسعة بالقاهرةوالإسكندرية والإسماعيلية والوجه البحرى «بطنطا» والزقازيق وبور سعيد والقنطرة والسويس والوجه القبلى بأسيوط. وأضاف أنه بتاريخ 18 أكتوبر سنة 1951 صدر القانون رقم 187 لسنة 1951 بتعديل أحكام القانون رقم 21 لسنة 1928 الصادر فى شأن وضع نظام للإتجار بالمخدرات واستعمالها وذلك بإضافة مادة جديدة هى المادة 47 مكرر لتعطى صفة الضبطية القضائية لمدير ووكيل وضباط إدارة مكافحة المخدرات. وقال إنه بناء على عرض الإدارة وموافقة الوزارة صدر عام 1976م قرار جمهورى بإنشاء الإدارة العامة لمكافحة المخدرات وأصبحت جهازاً مستقلاً قائما بذاته ، وقد روعى فى بنائه التنظيمى أن يكون قادرا على تحقيق هدف الإدارة فى مكافحة جرائم تهريب المخدرات والاتجار فيها وتداولها وإنتاجها، كما روعى فيه أن تكون الإدارة مصبا لكافة المعلومات المتعلقة بالمكافحة والتخطيط لمواجهة المشكلة على مختلف الجبهات وأصبحت تشمل إدارات نوعية مركزية إلى جانب فروعها بالأقاليم وبذا أمكن العودة إلى نظام المركزية فى مكافحة المخدرات بجوار النظام اللامركزى الذى تمثله وحدات وأقسام المكافحة فى مديريات الأمن ومصلحة أمن الموانى والتى تشرف عليها الإدارة فنيا، هذا كما تم نقل تبعية أقسام ووحدات مكافحة المخدرات بالموانئ والمطارات والمنافذ البرية إلى الإدارة العامة لمكافحة المخدرات فنيا وإداريا لإحكام الرقابة على تهريب المخدرات إلى البلاد. وفى عام 1977 عقد مؤتمر للعاملين فى مجال المكافحة والمهتمين بالمشكلة وذلك لمناقشة مشكلة المخدرات وتغطية جميع جوانبها، ولم تتوقف عجلة التطوير والتحديث لمواكبة التطورات واحتياجات المكافحة بإدخال العديد من التعديلات اللاحقة على البناء التنظيمى للإدارة العامة لمكافحة المخدرات لتلبية الاحتياجات المختلفة والواقع العملى واليومى للمكافحة على كافة المستويات المحلية والإقليمية والدولية وقد تم ذلك وفقا للعديد من القرارات الوزارية التى بلغت عشر قرارات منذ ذلك الحين وحتى نهاية عام 2003. بعد الثورة وإذا كان تاريخ المخدرات فى مصر طويلا، فإن مصر بعد ثورة 25 يناير أصبحت للأسف أرضا خصبة لاستقبال كميات كبيرة مما تدفع به «مافيا» تجارة المخدرات من دول مختلفة وذلك لعدة أسباب منها حالة الانفلات الأمنى التى لم يشهدها الشارع المصرى من قبل وعمليات التهريب التى تحاول إغراق البلاد بالمخدرات مستغلة حدود مصر التى أصبحت مخترقة بعد الثورة سواء كانت الحدود الغربية أو الشرقية أو الجنوبية أو الشمالية عن طريق البحر، كما تحاول عصابات التهريب سواء التى تقوم بتهريب المخدرات أو السلاح الدخول لمصر عن طريق الدروب الصحراوية، وعمل آخر ساعد على تفشى وانتشار ظاهرة المخدرات بعد الثورة وهو زيادة المساحات المزروعة بالمخدرات خاصة فى سيناء بعد الثورة نظرا للانفلات الأمنى وصعوبة الوصول إليها بسبب الظروف والطبيعة الجغرافية الوعرة والوديان والدروب والمدقات الصحراوية، ونظرا لأن الأراضى فى سيناء غير محيزة، وبالتالى من يزرع هناك يبحث عن أى أرض غير ذات ملكية. والقانون المصرى يقضى بمصادرة الأرض المزروعة بالمخدرات وفى هذه الحالة تكون الخسائر مادية فقط لأن الذى يزرعها غير مالك للأرض خاصة أن الدليل ضده ضعيف ما لم يثبت أنه يزرع فى مزرعته، وعامل ثالث وهو من أخطر العوامل التى ساعدت على انفجار المشكلة وهو هروب الآلاف من عتاة تجار المخدرات من السجون المصرية خلال عملية اقتحام السجون أثناء الثورة، وعددهم يقارب الثلاثة آلاف سجين وهم يعلمون أنهم سيتم إلقاء القبض عليهم إن آجلا أو عاجلا فيبدأون فى الانتشار الواسع السريع ليحققوا أكبر كمية أموال ليتركوها لزوجاتهم وأولادهم بعد القبض عليهم.