مع تزايد حدة مشكلة المخدرات، خاصة بعد الانتشار المفزع للمخدرات البيضاء الهيروين والكوكايين في أعقاب الحرب العالمية الأولي، وضح أن البلاد في حاجة ماسة إلي إنشاء جهاز متخصص يشرف علي تنفيذ القانون رقم 21 لسنة 1928 الذي شدد العقوبة علي جرائم جلب المخدرات والاتجار فيها وتعاطيها. اقترح وزير الداخلية في 25 فبراير 1929 إنشاء جهاز لمحاربة الأفراد الذين يقومون بالاتجار في المخدرات. وفي 20 مارس 1929 صدر قرارمجلس الوزراء بإنشاء مكتب المخابرات العام للمواد المخدرة كأول جهاز مركزي متخصص في مكافحة المخدرات في العالم وكان يتبع «حكمدارية بوليس مدينة القاهرة»، ومقره 6 ميدان العتبة، وفي 25 يناير 1990 تم افتتاح مبني الإدارة العامة لمكافحة المخدرات في موقعه الحالي 6 شارع شفيق بالعباسية. ومنذ بدء المكتب عمله اتجه نشاطه صوب الخارج للكشف عن أوكار المخدرات المتدفقة علي البلاد ولكي يحكم مكتب مكافحة المخدرات الرقابة علي الموانئ التي تتسرب منها السموم البيضاء إلي مصر افتتح المكتب فرعاً له في ميناء الإسكندرية عام 1930، وفرعاً ثانياً في ميناء بورسعيد في العام نفسه في حين تم افتتاح فرع السويس في عام 1934. ولم يلبث هذا المكتب في سنين عمره الأولي أن استجمع الأدلة ضد المصادر الأوروبية للمواد المخدرة والكشف عنها في اجتماعات اللجنة الاستشارية لتجارة الأفيون والمواد الضارة الأخري بعصبة الأمم والتي كانت تعقد سنوياً في جنيف ويشترك فيها مدير المكتب، الأمر الذي كان له أبلغ الأثر في قيام الدول الأوروبية بتشديد الرقابة وإحكام الخناق علي مراكز صنع المخدرات تنقص إلي حد كبير استيراد المواد البيضاء منها. أما في عام 1946 فتم تمصير جهاز المكافحة وحمل اسم مكتب المخابرات العام للمواد المخدرة بعد أن اعتزل جميع الموظفين الأجانب الخدمة. وعام 1947 أصدر وزير الداخلية قرارًا بإنشاء إدارة تتبع إدارة عموم الأمن العام تسمي إدارة مكافحة المخدرات من أجل النهوض بأعباء مكافحة المخدرات بدلاً من مكتب المخابرات العام للمواد المخدرة وأصبحت الفروع التي كانت تابعة للمكتب تابعة لإدارة مكافحة المخدرات وقد زاد عدد فروع الإدارة إلي تسعة بالقاهرةوالإسكندرية والإسماعيلية والوجه البحري بطنطا والزقازيق وبورسعيد والقنطرة والسويس والوجه القبلي بأسيوط. وبتاريخ 18 أكتوبر 1951 صدر القانون رقم 1947 والخاص بتعديل أحكام القانون رقم 21 لسنة 1928 الصادر في شأن وضع نظام للاتجار بالمخدرات واستعمالها، وذلك بإضافة مادة جديدة هي المادة 47 مكرر لتعطي صفة الضبطية القضائية لمدير ووكيل وضباط إدارة مكافحة المخدرات. أما عام 1951 فهو حافل بالنشاط علي المستوي المحلي والإقليمي في تاريخ الإدارة، خاصة بعد أن وصل عدد مكاتب الإدارة إلي اثني عشر مكتباً في أبوقير والإسكندريةوالقاهرة ودمياط والإسماعيلية والقنطرة والسويس وأسيوط والزقازيق وطنطا والمنصورة وبورسعيد. ونظراً لخطورة انتشار المخدرات وتأثيرها السلبي علي المواطنين فقد تم الاتفاق علي التنسيق مع مصلحة الأمن العام، فقد صدر قرار من وزير الداخلية في عام 1960 بإعادة تنظيم مصلحة الأمن العام، وقد شمل هذا التنظيم أن تضم المكاتب المختلفة التي تعمل في ميدان مكافحة الجريمة ومن بينها مكاتب المخدرات شُعب البحث الجنائي في مديريات الأمن.. واحتفظ القرار الوزاري للإدارة باختصاص التخطيط والرقابة والتوصية وتنسيق الجهود لهذه المكاتب وتقييمها والتفتيش عليها فنياً، أما التبعية الإدارية فبعد أن كانت للإدارة أصبحت لمديريات الأمن. أما أول تشريع مكتوب لمكافحة المخدرات في العصر الحديث فهو الأمر الصادر من قائد الحملة الفرنسية في أكتوبر 1800، والخاص بتجريم تعاطي المخدرات وسقط هذا الأمر عام 1801 برحيل الحملة الفرنسية حتي صدر الأمر العالي في 1879 بحظر استيراد الحشيش ومنع زراعته بعد أن كان يتم تقديمه وبيعه للزبائن في المحال التجارية، وصدرت أول عقوبة لمن يقوم بالاتجار وهي الغرامة التي تصل إلي خمسين جنيهاً، عن كل فدان أو جزء من فدان يتم زراعته بالحشيش وقد تزداد العقوبة إلي 150 جنيهاً في حالة عودة التاجر مرة أخري، فضلاً عن إعدام المزروعات ومصادرة الحشيش وكل ما يستخدم في نقل المخدرات أو إخفائها. أما الأفيون فلم تشهد البلاد تشريعاً بحظره إلا في عام 1918، حيث تقرر حظر زراعته نظراً لحاجة البلاد للأراضي التي تزرع بالأفيون لتخصيصها لزراعة الحبوب بسبب الحاجة إليها أثناء الحرب العالمية الأولي، وينص هذا التشريع علي أن يرفع الحظر بمجرد زوال الحاجة إليه وفي 16 أكتوبر 1920 صدر قرار وزير الزراعة بإباحة زراعة الأفيون من جديد لتصديره، ومع عقد اتفاقية جنيف الدولية الخاصة بالمخدرات في 1925 صدر قانون لمكافحة المخدرات ونص هذا القانون علي عقوبة الحبس من شهر إلي ثلاث سنوات وغرامة من 10 جنيهات إلي 300 جنيه أو بإحدي هاتين العقوبتين لجرائم جلب المواد المخدرة أو تصديرها بدون ترخيص من الجهة الإدارية المختصة أو بيع الصيادلة لمواد مخدرة أو التنازل عنها من غير تذكرة طبية أو بكميات تزيد علي ما ورد بالتذكرة وقد اعتبر إحراز الأفيون جنحة طبقاً لأحكام هذا المرسوم ولكن زراعته لم تكن مجرمة. وفي عام 1928 صدر القانون رقم 21 لتنظيم الاتجار بالمخدرات واستعمالها لينص في المادة 35 علي عقوبة الحبس مع الشغل من سنة إلي 5 سنوات وغرامة تبدأ من 200 جنيه حتي ألف جنيه علي كل من صدر أو جلب مواد مخدرة بدون ترخيص من الجهة الإدارية المختصة، وقد أجاز هذا القانون للمحكمة بدلاً من أن تحكم بعقوبة الحبس أن تحكم بإرسال المدمن إلي إصلاحية خاصة لمدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تزيد علي سنة. واتبع القانون في ذلك أحدث النظم القانونية المعاصرة، والتي تعتبر المدمن مجرماً من نوع خاص في حاجة إلي معاملة متميزة وعلاج كي يعود إلي المجتمع شخصاً صالحاً قادراً علي العطاء والبذل. وصدر في عام 1976 قرار جمهوري بإنشاء الإدارة العامة لمكافحة المخدرات وأصبحت جهازًا مستقلاً قائماً بذاته، وقد وضع في بنائه التنظيمي أن يكون قادراً علي تحقيق هدف الإدارة في مكافحة جرائم تهريب المخدرات والاتجار فيها وتداولها وإنتاجها، كما روعي فيه أن تكون الإدارة مصبًا لجميع المعلومات المتعلقة بالمكافحة والتخطيط لمواجهة المشكلة علي مختلف الجهات، وأصبحت الإدارة تشمل إدارات توعية مركزية إلي جانب فروعها بالأقاليم، ولذا أمكن العودة إلي نظام المركزية في مكافحة المخدرات بجوار النظام اللامركزي الذي تمثله وحدات وأقسام المكافحة في مديريات الأمن ومصلحة أمن الموانئ والتي تشرف عليها الإدارة فنياً، هذا كما تم نقل تبعية أقسام ووحدات مكافحة المخدرات بالموانئ والمطارات والمنافذ البرية إلي الإدارة العامة لمكافحة المخدرات فنياً وإداريًا لإحكام الرقابة علي تهريب المخدرات إلي البلاد. وفي عام 1977 عقد مؤتمر للعاملين في مجال المكافحة والمهتمين بالمشكلة وذلك لمناقشة مشكلة المخدرات وتغطية جميع جوانبها، هذا ولم تتوقف عملية التطوير والتحديث لمواكبة التطورات واحتياجات المكافحة وذلك عبر العديد من التعديلات اللاحقة علي البناء التنظيمي للإدارة العامة لمكافحة المخدرات لتلبية الاحتياجات المختلفة والواقع العلمي واليومي للمكافحة علي جميع المستويات المحلية والإقليمية والدولية، وقد تم ذلك وفقاً للعديد من القرارات الوزارية التي بلغت عشرة قرارات منذ ذلك الحين وحتي نهاية عام 2003 استهدفت جميعاً إجراء تعديلات تنظيمية وإنشاء عدد من الكيانات الإدارية المتخصصة والفروع الجغرافية التي تطلبتها احتياجات العمل المتجددة. وقد أولت الإدارة العامة لمكافحة المخدرات اهتماماً خاصاً للتدريب باعتباره استثمارًا للعنصر البشري العامل في مجال المكافحة لتحقيق أعلي النتائج الإيجابية في المكافحة وإيماناً من الإدارة أن قضية المخدرات متشعبة وممتدة عبر العديد من الدول، فلم يقتصر اهتمامها علي العاملين بها، بل امتد ليشمل جميع العاملين بالمكافحة سواء داخل القطاعات الشرطية بوزارة الداخلية أو جميع القطاعات الأخري بالوزارات المعنية بمواجهة مشكلة المخدرات، كما امتدت جهود الإدارة لتشمل تدريب العاملين في مجال المكافحة في جميع الدول العربية والأفريقية والكومنولث وتتعاون الإدارة مع أجهزة المكافحة العالمية والمنظمات الدولية لتنفيذ العديد من البرامج التدريبية المتقدمة للعاملين في مجال المكافحة بمعظم تلك الدول. وتعتبر الإدارة العامة لمكافحة المخدرات إحدي أجهزة قطاع الأمن العام الاجتماعي بوزارة الداخلية واختصاصاتها تتضمن مكافحة وضبط زراعات النباتات المخدرة وجلب أو تصدير أو إنتاج أو حيازة أو إحراز أو الاتجار في المواد المخدرة أو تعاطيها في غير الأحوال المصرح بها قانوناً، ووضع الخطط واتخاذ الإجراءات الكفيلة بتحقيق أهدافها محلياً ودولياً وتنفيذ عمليات المكافحة ذات الصبغة الدولية بالاشتراك مع أجهزة المكافحة الدولية.