فى أحد الأيام، وصف رئيس الوزراء البريطانى «ديفيد كاميرون» أعضاء حزب استقلال المملكة المتحدة - بزعامة نايجل فراج– بأنهم مجموعة من المهووسين العنصريين الذين يتحدثون فى كل مكان بالثرثرة والضجيج والشغب السياسى لجذب الانتباه، لكن ما لم يتوقعه كاميرون أن يصبح هذا الحزب اليمينى المتطرف لاعبا أساسيا فى المعادلة السياسية البريطانية فى غضون سنوات قليلة. وقد استطاع هذا الحزب المناهض لأوروبا أن يحقق قفزة تاريخية فى الانتخابات المحلية التى أُعلنت نتائجها مؤخرا، وحصل على 147 مقعدا مقابل ثمانية مقاعد فقط فى الانتخابات السابقة، هذه النتائج تسببت فى زلزال ضرب الحياة السياسية البريطانية، ودفعت كاميرون الذى استخف بالحزب سابقا إلى التراجع عن هذه الأوصاف والتصريحات بعد ظهور نتائج الانتخابات المحلية، وقال إنه لابد من احترام إرادة الرأى العام، وعدم إطلاق اتهامات ضد حزب سياسى يعمل على الساحة. وفى هذا السياق ذكرت صحيفة «ديلى تليجراف» البريطانية أن هناك تزايدًا مضطردًا فى قوة حزب استقلال المملكة المتحدة، والذى يشتهر بمواقفه المتشددة تجاه القضايا المتعلقة بأوروبا والهجرة، وأشارت الصحيفة إلى أن الحزب أصبح قادرا على الفوز بنحو عشرة مقاعد فى مجلس العموم خلال الانتخابات التشريعية التى ستجرى فى 2015، ونقلت الصحيفة عن مسئولين فى الحزب قولهم إنه قادر على الاضطلاع بدور محورى فى تشكيل حكومة ائتلاف فى حال إجراء انتخابات تشريعية مبكرة. وعلى الرغم من تأكيد قيادات الحزب إمكانية مشاركتهم فى حكومة ائتلاف، إلا أن أمين صندوق الحزب الملياردير «ستيوارت ويلر» قال إنه لا يرى أى احتمال فى تحالف حزبه مع حزب المحافظين تحت رئاسة كاميرون، وأضاف أن الحزب يفضل عمدة لندن «بوريس جونسون» على رأس الحزب لينضم معه فى حكومة ائتلافية قادمة، وعلى الرغم من أن حزب الاستقلال ينتمى لأقصى اليمين، و لا يملك سياسات متكاملة لإدارة البلاد، إلا أنه يجنى ثمار الأزمة الاقتصادية لصالح أفكاره المتشددة، والتى تدعو لانسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبى، وغلق أبواب الهجرة أمام النازحين من الشرق والغرب، ووقف المساعدات الخارجية التى تنفقها بريطانيا على دول أفريقية وآسيوية. ورغم قيام الحكومة البريطانية بطرح عدة مشروعات قوانين أمام البرلمان لتطويق طوابير الهجرة المتزايدة، إلا أن حزب الاستقلال يطالب بسياسة حازمة ومانعة لطوفان الهجرة الذى يتدفق على بريطانيا، ويغير شكل المدن فيها، فى ظل زيادة أعداد المهاجرين وخصوصا من دول أوروبا الشرقية، حيث استقبلت بريطانيا أكثر من مليون بولندى، بالإضافة إلى الآلاف من روسيا وبلغاريا ودول البلقان، ويخشى البريطانيون من تدفق موجة هجرة جديدة من بلغاريا ورومانيا طبقا لقواعد ومبادىء الاتحاد الأوروبى بعد انضمام الدولتين إلى الاتحاد، وأصبح من حق مواطنيها التوجه إلى بريطانيا وطلب العمل والإقامة، والحصول على ضمانات اجتماعية سخية مع سكن وعلاج ودواء، وقد لعب حزب الاستقلال على رغبة البريطانيين فى منع الهجرة للحصول على أصواتهم فى الانتخابات. ويحاول حزبا المحافظين والليبراليين التعامل مع الظروف الجديدة، فالحزب الليبرالى الذى خسر عدة مقاعد لصالح حزب الاستقلال أقر رئيسه نيك كليج بصعوبات نتيجة مشاركته فى حكومة تخفض الإنفاق العام لمواجهة أزمة الديون المتراكمة، أما كاميرون فيحاول التصدى لصعود حزب الاستقلال عن طريق الإسراع بتنظيم الاستفتاء على الخروج من الاتحاد الأوروبى بداية من 2014، ولكن تواجهه معارضة قوية من حكومته التى ترفض تمرير تشريعات بشأن إجراء الاستفتاء قبل عام 2015، وقال وزير الدفاع البريطانى « فيليب هاموند»: لن نستطيع تمرير أى قانون حول ذلك فى برلمان كهذا، حزب العمال لا يريد أن يكون للبريطانيين رأى فيه، والحزب الليبرالى لن يدعم قانونا بشأن الدخول أو الخروج من أوروبا، ومع ذلك فإن حزب المحافظين ينظر فى عرض مشروع قانون حول إجراء الاستفتاء حول عضوية بريطانيا فى الاتحاد الأوروبى قبل عام 2015.