منذ قامت ثورة يوليو52 صار هذا اليوم هو العيد الوطنى لمصر، ولذلك فإن ثورة يناير هى تصحيح وامتداد لثورة يوليو، فالأولى قام بها الجيش لصالح مصر والثانية قام بها الشعب بحماية الجيش ومباركته، حتى لو كان هدف الجيش من المساندة للثورة هو مجرد وقف مشروع توريث الحكم، فهذا فى حد ذاته هدف وطنى يستحق هذا الدور، علماً بأنه كان من المستحيل أن يستمر نظام مبارك إذا تم حذف مشروع التوريث منه، فكلاهما :النظام والتوريث لا ينفصلان. من ناحية أخرى، تحل الذكرى الثانية لثورة يناير وقد حققت مصر الكثير من أهداف الثورة فى مقدمتها انتخاب الرئيس وإقرار الدستور، وهو ما كانت تطالب به الثورة منذ يومها الأول لرحيل مبارك، فى هذه الذكرى تحققت أشياء وضاعت أشياء، وبقيت أشياء أخرى. أما ما تحقق فهو شعور الشعب بالحرية، ولكن الحرية بحاجة إلى تمكين، فلا حرية لعاطل، ولا حرية لجائع، ولا حرية لمريض، ولا حرية لمقهور، ولذلك فلابد أن تصبح الحرية قيمة وحقاً يتمتع به المواطن، فيصبح الحق فى الحياة والبيئة والوطن النظيف والمشرب الصالح والمأكل المريح والعمل الكريم والعلاج الفعال اللائق والمسكن الصحى وتكافؤ الفرص فى الحياة نصب أعين الحكومة والمواطن، ولابد أن تتاح للحكومة الفرصة للوفاء وللشعب الفرصة للتقييم والحكم، كما تتاح للمعارضة الحق فى مساندة كل ما يعود بالنفع على المواطن، لأن المعارضة مسئولية وليست وظيفة، فلا يصح أن تنطلق المعارضة من الحقد بسبب الهزيمة فى الانتخابات، أو الانتقام بسبب كراهية فريق أو عدائه سياسياً أو دينياً. لقد تهيأت مصر للسير فى طريق الديمقراطية، وهذا معناه أن المشاركة السياسية والمجتمعية أصبحت حقاً وواجباً، فلا يجوز التخلف عن ممارستها تحت أى ظرف لأنها حق أهدر طويلاً فى العهود السابقة يوم أن فرضت النظم وصايتها على الشعب وقررت مصيره وحرمته حتى من الحق في الأنين مما يعانيه. والمشاركة السياسية أوسع مما وقر فى الممارسات المصرية، فهى تعنى أن مصر كلها ملك لأبنائها ويجب عليهم أن يصلحوا ما فسد منها، وذلك بعد أن أصبح فساد كثير منهم نهشاً فى عظام مصر وأصبح سكوت الآخرين عنه تواطؤا على هذا الفساد ومؤامرة على الوطن. مصر تتهيأ للممارسة الديمقراطية السليمة فلا يحق لأحد أن يشوه البدايات والسوابق الجديدة، فلا يستقيم حكم ديمقراطي بلا معارضة، لكن مطلوب من المعارضة ألا تكسب أرضاً عن طريق تشويه الحكم والادعاء عليه بما ليس فيه مطلوب من المعارضة أن تدع الحكم يتصرف وفق برنامجه وأن تعينه مادام للصالح العام وأن ترده إذا انحرف وأن تتنافس معه ولا تصارعه ليحكم الشعب بالمعلومات الصحيحة والشفافية أيهما أحق بثقته فى صناديق الانتخاب تلك بداية بالغة الأهمية والخطر لأنها تتعلق ببناء سلوك ديمقراطى وثقافة ديمقراطية قويمة للمدى البعيد، ويتفاضل الجميع بقدر تحليه بهذه القيم. ولا يضير المعارضة أن يدعى الحكم أن سلوكه القويم نابع من الدين أو الفطرة أو الرغبة فى كسب رضا الشعب، أو هزيمة أقرانه ومنافسيه، المهم أن يتضامن الجميع على نهضة مصر ووضعها على الطريق الصحيح دون تزييف سياسى أو إعلامى،فقد كانت تجربة المعركة علي الدستور ملهاة صارخة كشفت الكثير وسقط في امتحانها العديد من الشخصيات التي صنعها الإعلام والفضاء. بقى على الإعلام أن يدرك خطورة هذا البناء الجديد وأن يرفع قيمة العلم والثقافة الصحيحة بغض النظر عما تؤدى الحقيقة إليه من نتائج. فقد لعب الإعلام دوراً خطيراً فى حرمان المواطن من المعلومات الصحيحة وحشد من المواد السياسيةوالمتحدثين ما رآه لتكريس وجهة نظر معينة وسمح للزيف أن يكون البضاعة الرائجة وقد وصل بنا الحال أننى تصورت لو أن كل ما يستثمر فى إعلامنا بكل صوره واستخدم لتزييف الوعى فى مصر قد تم أدخاره لما كنا بحاجة إلى القروض والضغوط والأزمات، ويسمح ذلك للشعب بالعودة إلى فطرته السليمة، فزال عنه هذا اللغط والطنين والتلوث السمعى والبصرى الذى أفسد ذوقه وكاد يجور على فطرته الباقية التى فطره الله عليها. لقد تأملت بعض القنوات والصحف وتابعتها بإمعان، فما وجدت فيها إلا تربصاً بهذا الوطن وتشويها للحقائق وشحنا للأكاذيب وإثارة للفتن والشائعات، وتصدير اليأس والسواد إلى الناس، وكأنها تريد لقيامة هذا الشعب أن تقوم. فى سياق هذه الحمى، تجاهلت هذه المصادر الإعلامية كل قيمة أخلاقية ومهنية، وتسابق عدد ممن يسمون أنفسهم كبار الإعلاميين نحو تحقيق هذه الخدمة حتى يظن بعض المراقبين أنهم يدافعون عن باطل لأسباب تخصهم. وحل هذه الإشكالية هو أننى أرجو لهذه المصادر إذا كانت تنكر ما أقول وأزعم أن تنظم مناظرة بين الفريق الذى ينتمون إليه، والفريق الآخر الذى يرى الحق حقاً ويدعو الله أن يرزقه اتباعه. إن ما ترتكبه هذه الفضائيات والصحف بأقلام كان يمكن الاستفادة منها فى أوجه الخير لهذا الوطن هو قول الزور، ولكنه أخطر من هذه الجريمة فى القانون، لأن قائل الزور ليوقع بشخص آخر، أو شاهد الزور المأجور يلقى نفس العقوبة المقررة للمجرم إذا ثبت أنه يقول زوراً، ولكن الإعلام قائل الزور، يجنى على الأمة كلها وينشر فيها ثقافة الاجتراء على الحق، ويشوه عقولهم ومداركهم ويعوقهم عن رؤية الحقيقة وهى نفس الجريمة التى استعان بها نظام مبارك ضد هذا الشعب الذى جرف عقله ووعيه وأخلاقه فصار قطاع منه دليل إدانة لهذه الجريمة النكراء. إن مفردات الديمقراطية لا تعدو أن تكون خمساً وهى الشرعية الدستورية والانتخابية، وتداول السلطة، واحترام إرادة الشعب والنزول عليها، ونشر ثقافة قبول الآخر والتنافس معه على الظفر بالحكم بحقه وليس اغتصابا سياسياً أو إعلاميا أو شعبياً، وعلى الشعب أن يدافع عن كلمته فى صناديق الانتخاب وألا يقبل أن يكون الشارع أداة للانقلاب على الصناديق.