أصبح الطلب المتزايد على الماء فى دول حوض النيل مشكلة تؤرق أغلب دول حوض النيل نتيجة الزيادة السكانية وارتفاع مستوى المعيشة والنمو فى الأنشطة الصناعية المستهلكة للمياه مما يستوجب سرعة إيجاد طرق وحلول دائمة وقائمة على طلبات واحتياجات دول الحوض قبل حلول 2050 الذى يحمل خطراً داهما خاصة مع الثبات فى كمية المياه مجالا للتنافس والصراع وأدى ذلك إلى تفجر ولكنه لم يصل إلى تصادم مما يعنى أن هناك أملاً فى التفاهم والتعاون للتوصل إلى حلول. وهذا ما أكدته دراسة للدكتور محمد أسامة محمد خبير الموارد المائية، مشيراً إلى أن برنامج الأممالمتحدة الذى عرف خط الاستقرار المائى هو الخط الدال على حصول الفرد على ألف متر مكعب من الماء فى السنة مع قبول نقصان هذا الرقم فى البلاد شبه القاحلة التى تعانى من الضغط المائى إلى 500 متر مكعب للفرد فى السنة وتقع مصر مع غالبية الدول العربية بين هذين الحدين وهى بذلك تسير بشكل سريع نحو المعاناة من ظروف الضغط المائى وبذلك فإن دراسة نهر النيل ومعرفة هيدرولوجية وإمكانيات الماء بالنهر هى الهدف للوصول إلى حالة استقرار مائى، مشيراً إلى أن الدول الحادية عشرة فى الحوض تتباين فى مدى الاحتياج للماء السطحى واعتمادها على الأمطار. وتبين طرف الزراعة الموجودة فى دول الحوض حالياً شدة الاحتياج للاستخدام للأساليب التكنولوجية المتقدمة والكثيفة فالزراعة تستهلك حوالى 88% من الماء المسحوب بالقارة الأفريقية. فى حين أن متوسط النسبة العالمية لا تتجاوز 69% وفى نفس الوقت فإن الماء المستخدم فى الصناعة الأفريقية لا يتجاوز 5%، بينما تصل النسبة عالمياً الى 23% مما يكشف مدى تخلف الأنشطة الصناعية الأفريقية وضعف الاقتصاد. ويوضح د . محمد أسامة أن التباين فى سحب الماء يتميز فى أفريقيا بمداه الواسع فهو يتركز فى جنوب الصحراء ووسط وغرب القارة فيما تعانى كينيا والصومال ومصر وليبيا وتونس والجزائر من حالة الضغوط المائية ويتوقع انخفاض الفرد من الماء بها خلال السنوات القليلة القادمة بشكل ملحوظ وفى السودان يتوقع مضاعفة الطلب على الماء نتيجة النمو السريع للأنشطة الصناعية والحضارية بها. أما الطلب السودانى على الماء للأغراض المنزلية والذى كان 1110 أمتار مكعبة عام 2000 أصبح 1965 مليون متر مكعب عام 2010 وحوالى 3545 مليون متر مكعب عام 2030 والأغراض الصناعية بعد أن كانت تستهلك 278 مليون متر مكعب عام 2000 ستصبح 1527 مليون متر مكعب عام 2030 وذلك يوضح أن الاحتياج السودانى والطلب المتزايد عليه ناتج عن الزيادة السكانية وارتفاع مستوى المعيشة. حلول دائمة لافتًا إلى أن نمو الأنشطة والصناعات المستهلكة للمياه يستوجب سرعة إيجاد طرق وحلول دائمة وقائمة على طلبات واحتياجات دول حوض النيل جميعاً دون إغفال أى دولة فيها وتمثل الزيادة السكانية فى دول الحوض المكون الرئيسى لزيادة الطلب على الماء والضغط والتنافس عليه، فمثلاً عدد سكان السودان عام 2007 حوالى 39.5 مليون فى حين سيبلغ عام 2025 حوالى 54.5 مليون وعام 2050 حوالى 75.5 مليون أى الضعف فى حين أن الموارد المائية المتاحة للسودان والتى تبلغ حالياً حوالى 100 مليارمتر مكعب فى السنة لن تزيد خلال تلك الفترة إلا بحوالى 10% فقط عام 2050 وقيمتها 109 مليارات متر مكعب أى أن السكان الذين تضاعفوا تقريباً لم يحصلوا على زيادة مائية لا تزيد على 10% فذلك الثبات فى كمية الماء يخلق مجالا للتنافس والصراع حوله إلا أنه يصلح أيضاً لخلق تفاهم وتعاون للتوصل الى حلول مائية على مستوى دول الحوض نفسها بالاستعانة بالهيئات والمنظمات الدولية أحياناً وذلك لأن المسحوب من الماء للحوض من الممكن مضاعفة كمياتها دون الإخلال بطبيعة النهر وطموحات الدول. كما أن استخدام التكنولوجيا الحديثة يضمن حسن استخدام ذلك الماء وزيادة الحصاد منه، المشترك فالتلوث يقف عند حدود الصحة ودرجات النقاء. بل إنه يؤثر بشكل واضح على كميات الماء المتاح والسحب منه. وأضاف د . محمد أسامة أن السحب من الماء المتاح غير متوافر بشكل قوى بالسودان نتيجة لنقص اللأعمال وضعف الإدارة المائية ولظروف بيئية تتمثل فى سدود نباتية ومستنقعات كبيرة وواسعة فلو تم استخدام الماء المتاح فى السودان فيكون نصيب المواطن السودانى 2500 متر مكعب فى السنة فى حين أنه فى الواقع الحالى فإن المواطن لا يأخذ إلا أقل من نصف تلك الكمية، ذلك أن السحب من الماء لا يتعدى 15% من الماء المتاح والكميات المتاحة، ورغم وجود ما يزيد على 235 مليون فدان قابلة للزراعة بماء المطر. كما أن السودان به حوالى 145 مليار متر مكعب يمكن سحبه كل سنة حيث إنه يسحب حالياً حوالى 18 مليار متر مكعب فقط أى أنه يزيد على 15%، مشيراً إلى أن السودان فى احتياج للتعاونى الإقليمى بوجود فكر تعاون جديد حول سحب الماء واستحداث وإدخال أساليب تكنولوجية لتجميع وحصاد الماء وهذه الأساليب والتكنولوجيا والخبرة التاريخية لا تتواجد فى أغلب دول الحوض عدا مصر التى تمتلك تاريخاً طويلاً ومعرفة عميقة بالنهر، حيث أقامت مشروعات مبكرة ورئيسية على النهر وتمتلك نظام الرى القوى داخل الحوض. توفير الاحتياجات المصرية وأكد د. محمد أسامة خبير الموارد المائية فى دراسته أن إدارة الرى المصرية قامت بالتعاون مع دول حوض النيل والاتفاق على إنشاء مشروعات داخل دول الحوض بهدف جنى فوائد مشتركة والوصول إلى توفير الاحتياجات المصرية من ماء نهر النيل وأشهر هذه المشروعات «سد أوين» فى أوغندا وهو يخزن حوالى 200 مليار متر مكعب سنوياً وهو بذلك خزان قرن. وفى السودان قامت إدارة الرى المصرى بإنشاء سد جبل الأولياء لتخزين 3 مليارات متر مكعب وهذا السد أهدته مصر للسودان بعد اتمام بناء السد العالى كما توجد مشروعات مصرية بكل من أوغندا وكينيا وتنزانيا لتطهر المجارى والبحيرات الاستوائية بهدف تقليل الفاقد من الماء ولا يمكن نسيان قناة جونجلى بالسودان التى بدأ المشروع بها عام 1977 بحفر 270 كيلو مترا تم توقف المشروع عام 1984 لظروف الحرب بالجنوب ويبلغ طول القناة 360 كيلو مترا وتوفر فى المرحلة الأولى منها 4.6 مليار متر مكعب سنوياً توزع مناصفة بين مصر والسودان ومن الممكن تنمية مجرى النيل الأبيض لزيادة قدرته وتبين الدراسات المصرية أنه من الممكن توفير حوالى 18 مليار متر مكعب سنوياً تقسم بين مصر والسودان عند تحسن مجرى هذا النهر وخاصة قناة جونجلى بالسودان التى تنقل مياه بحر الجبل إلى النهر والتى يتوقع بدء العمل بها بعد أن انتهت الحرب الأهلية بين الجنوب والشمال كما أن الإدارة المصرية لديها طموحات حول تنفيذ مشروعات أخرى بالتنسيق مع دول الحوض ومنها مشروع نيل فيكتوريا الذى يقوم على أساس تعميق نيل فيكتوريا الداخلى لبحيرة كيوجا مما يقلل من فاقد المياه الواصل إلى بحيرة البت وكذلك مشروع بحيرة كيوجا وهو عبارة عن إنشاء سد على البحيرة وتجفيف المستنقعات بها وكذلك تفكر الإدارة المصرية فى إنشاء سد على بحيرة البت والذى سيرفع منسوب الحيرة الى 35 مترا دون التأثير على مساحتها ودون التعرض لفواقد كبيرة وهذا السد سيخزن حوالى 50 مليار متر مكعب إلا أن أوغندا تطرح الاكتفاء بارتفاع 12 مترا يمكن زيادة الى 18.5 متر والاكتفاء بتخزين حوالى 12.5 مليار متر مكعب والتفاوض يدور حول الأفكار المصرية والأوغندية حول هذا السد، كما أن بحيرة تانا تصلح للتخزين القرنى بها والسد المقترح بناؤه يخزن حوالى 13.5 مليار متر مكعب يمكن زيادته إلى 5 مليارات متر مكعب وخصوصاً أن النيل الأزرق يستطيع أن يحمل ذلك الماء دون حدوث فاقد كبير وبذلك سيساعد هذا السد فى رى أراضى الجزيرة بالسودان، كما أن مصر سوف تستفيد بزيادة الإيراد المائى للنيل الأزرق عند التناقص بعد الفيضان وتتمتع مصر بإنشاءات مائية كبيرة مثل القناطر الخيرية وقناطر زفتى على فرع دمياط والتى تروى 800 ألف فدان بمحافظتى الغربية والدقهلية وقناطر أسيوط التى تروى أراضى الفيوم ومصر الوسطى حوالى مليون فدان وقناطر إسنا التى حسنت الرى وقناطر نجع حمادى ومجموعة قناطر محمد على وادفينا ومضيق توشكى وخزان أسوان الذى انتهت مهمته وأهميته بعد بناء السد العالى وتحويل مجرى النهر عام 1964 الى جانب ذلك يوجد فى مصر أكبر مشروع مائى فى أفريقيا وهو السد العالى الذى يخزن كميات هائلة من الماء تصل إلى 162 مليار متر مكعب عند منسوب 182 مترا وأكبر بحيرة عالمية فى العالم كله.