إن وزارة الداخلية مسئولة عن ضبط الشارع من الناحية الأمنية لكنها غير مسئولة عن تدنى السلوكيات وانهيار الأخلاقيات والتى أصبحت ظاهرة غير متوقعة، خاصة بعد ثورة 25 يناير والتى كنا نتصور أنها جاءت لتنتصر للأخلاق وتقوم السلوك قبل أن تطيح بنظام حكم فاسد ظالم.. ولأسباب غير معروفة حتى الآن انحرفت سلوكيات الشارع المصرى لتشكل واحدة من أعقد السلبيات بل أخطرها على الاطلاق.. لتظهر على السطح ثلاث آفات خطيرة هى بمثابة مثلث الرعب والمسئول الأول عن الانفلات الأمنى وهى البلطجة والسلاح والمخدرات.. وحتى نكون واقعيين فإن هذه الآفات الثلاث لم تكن موجودة بهذه الحدة قبل ثورة 25 يناير وإحقاقًا للحق فإن وزارة الداخلية قد ضربت فى مقتل أكثر من مرة وعانت الكثير وتحمل رجالها العديد من الإحباطات من خلال اتهامات وصل بعضها إلى حد السفه ، منذ أحداث شارع محمد محمود المؤلمة وحتى واقعة مقتل الشاب فى السويس على يد جماعة سلفية متشددة، وقد تراوحت تلك الاتهامات بداية من التقصير وانتهاء بالتخاذل المتعمد ليصل الأمر بالبعض الى اتهام وزارة الداخلية بأنها وراء الانفلات الأمنى فى الشارع المصرى.. وتدنى السلوكيات والانحطاط الأخلاقى إن هذه الاتهامات مردود عليها ولا تحتاج الى توضيح لأن جهاز الشرطة فى أى مكان فى العالم لا يصنع الأخلاق ولا يقوم السلوكيات لكنه يضبطها بمعايير القانون.. لقد قصدت من هذه المقدمة ألا احمل وزارة الداخلية أكثر مما تحتمل خاصة فيما سوف أذكره من وقائع وأحداث خطيرة قد تم بالفعل توجيه اتهامات لجهاز الشرطة بالمسئولية عنها طبقًا للموروث الأمنى فى مصر والذى ينظر الى جهاز الشرطة على أنه المسئول عن كل شئ فى الشارع بداية من المرور والتموين والجوازات والأحوال المدنية والموانئ والمطارات والمسطحات المائية كل ذلك إضافة الى الاتصالات والانترنت وتنظيم جلسات الصلح بين العائلات المتناحرة بل وصل الأمر الى اتهام جهاز الشرطة من قبل بعض الجمعيات الأهلية بالوقوف وراء الخلافات الزوجية !! خاصة فيما يتعلق بتنفيذ احكام النفقة وإعادة الزوجة الى بيت الطاعة... الخ ودعونا نتأمل قليلاً هل باستطاعة جهاز الشرطة منفردًا أن يحل كل المشكلات التى تعترض القطاعات التى ذكرتها ؟ ! مع الوضع فى الاعتبار أن الشرطة جهاز أمنى تنفيذى ينفذ احكام القضاء وتحكمه قوانين صارمة فى حالات الضبط والتلبس وغيرها من متطلبات منع الجريمة ورفع القدرات الأمنية والتأكيد على هيبة الدولة وفى هذا الصدد قال احد الخبراء الأمنيين وهو لواء شرطة سابق يشغل الآن منصب محافظ لإحدى أكبر محافظات الوجه القبلى وأكثرها سخونة.. قال إن ضابط الشرطة معنى بثلاث جرائم اساسية فى المجتمع هى – ضرب – سرق – قتل.. إلا أن التطور الذى حدث خلال نصف القرن الماضى جعل جهاز الشرطة يتحمل جزءاً كبيراً من الأعباء فى الجهاز الإدارى فى الدولة إضافة الى المهمة الأساسية وهى حماية الأمن والاستقرار وفرض هيبة القانون.. وأضاف الخبير الأمنى أنه يجب وضع خطة لإعادة هيكلة جهاز الشرطة على اساس أمنى بالدرجة الأولى بحيث لا ينشغل الأمن بالأمور الإدارية فى بعض القطاعات والوزارات والهيئات مثل ما يحدث الآن وأن يتم تدريجيًا إعفاء جهاز الشرطة من بعض المهام التى يقوم بها لصالح هذه الوزارات والهيئات على اختلاف تخصصاتها. ??? ونعود بالكلام عن الهم الأكبر وهو ضبط الشارع المصرى ومواجهة الظواهر التى تهدد أمن المجتمع بكافة طبقاته وأطيافه حيث إن الانفلات السلوكى والأخلاقى لم يعد مقصوراً على مجتمعات بعينها أو طبقة معينة مثلما ما كان يحدث فى الماضى أن تكون هناك جرائم مرتبطة جغرافيًا بأماكن دون أخرى.. مثل ارتباط جرائم الثأر بمحافظات الوجه القبلى وارتباط جرائم جلب المخدرات ببعض المحافظات الساحلية والحدودية والصحراوية وجرائم النشل والنصب ببعض المدن التجارية وجرائم السطو المسلح على بعض الطرق بين المحافظات التجارية وهكذا.. إلا أن الجريمة الآن لم يعد لها تصنيف جغرافى حسب نوع الجريمة فقد اصبحت تلك الجرائم ترتكب فى أى مكان دون التقييد بطبقة اجتماعية معينة أو مكان سواء فى الريف أو الحضر فقد سمعنا وشهدنا جرائم سطو مسلح فى قلب القاهرة وفى وضح النهار وجرائم خطف فى مدن كبرى وفى قرى نائية واتجار بمخدرات وبلطجة فى ارقى الأحياء سواء فى العاصمة أو المدن الكبرى مثل الاسكندرية وطنطا والمنصورة والسويس.. إذن فما الذى حدث؟؟ الحقيقة أن تطور الجريمة فى أى مجتمع تحكمه عدة عوامل منها الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ودون الخوض فى تفاصيل هذه العوامل نستطيع أن نؤكد على أن الأزمات المختلفة التى مر بها المجتمع المصرى خلال العشرين عامًا الماضية كان لها اثر كبير فى تطور الجريمة على النحو الذى ظهرت به فى أعقاب الانفلات الأمنى بعد تعطل قدرة جهاز الشرطة فى الأيام الأولى للثورة والذى وصل الى ذروته عندما انهارت السيطرة الأمنية على بعض السجون وهروب الآلاف من عناصر الاجرام الخطيرة الأمر الذى ساعد على تفشى جرائم العنف من السطو المسلح والخطف وقطع الطرق ومهاجمة البنوك ومحلات الصرافة وبعض المتاجر الكبرى.. والحقيقة التى لا يجب اغفالها هى أن تلك الجرائم لم تكن وليدة الأيام التى أعقبت الثورة ولكن الفوضى والانفلات الأمنى هو الذى ساعد على ظهورها لأن هذا النوع من الجرائم الخطيرة لا يظهر فجأة وإنما هى حصيلة تراكمات لعناصر اجرامية كانت موجودة بالفعل وتنتظر فرصة لتنفيذ جرائمها وهذا الطرح يقودنا الى أن قوة جهاز الشرطة وكفاءته النوعية هى أكبر عوامل ردع الجريمة بكافة أنواعها. ??? إن الأولويات التى حددها السيد رئيس الجمهورية خلال حملته الانتخابية فى ثلاث كلمات هى المرور والخبز والقمامة والتى قصد بها خلق جو من الانفراج فى أهم ثلاث مشكلات يعانى منها المواطن المصرى فى الشارع وهى الفوضى المرورية ورداءة رغيف الخبز وانتشار اكوام القمامة وقد حدد الرئيس مدة زمنية لا تتجاوز ال 100 يوم من بداية توليه المسئولية للقضاء على المشكلات الثلاث ودون الخوض فى تفاصيل آليات تنفيذ خطة ال 100 يوم إلا أن هناك ما هو أهم ويشكل الهاجس الأكبر لدى كل المصريين وهى الحالة الأمنية المتردية فى الشارع المصرى والتى تتطلب دعم جهاز الشرطة بصورة مباشرة وسريعة ليتمكن من تنفيذ الخطط الأمنية التى تم وضعها بعد تولى اللواء محمد ابراهيم مسئولية الأمن فى مصر فقد علمت أن هناك خطة سريعة قابلة للتنفيذ الفورى لإعادة الأمن والاستقرار للشارع المصرى وأن هذه الخطة الأمنية رغم تعقيداتها وتشابكها فإن جهاز الشرطة بخبراته المتراكمة قادر على انجاز الأهداف التى وضعت من اجلها خاصة بعد النجاح الملموس والضربات الأمنية التى حققها جهاز الشرطة فى ضبط العديد من عصابات تهريب السلاح والمخدرات والقبض على معظم العناصر الإجرامية التى هربت من السجون وإعادتهم مرة أخرى لقضاء ما عليهم من احكام قضائية. إن دعم جهاز الشرطة لا يقتصر فقط على الحكومة إنما يجب على كل الشرفاء من أبناء هذا الوطن أن يساعدوا رجال الشرطة بتقديم المعلومات الأمنية والإبلاغ عن العناصر الاجرامية الهاربة أما الأهم والمطلوب الآن هو كسر الحاجز النفسى بين الشرطة والمواطن ويجب أن نعمل على حل عقد الخوف التى صنعها بعض المغرضين للإيقاع بين الشرطة والشعب.. إن ثورة 25 يناير قامت للإطاحة بنظام الحكم الظالم وحزبه البائد المأفون ولم تكن الثورة ضد الشرطة كما كان يحلو لبعض الفضائيات وهى تعرض لقطات مصورة لهجوم بعض العناصر على اقسام الشرطة وإشعال النيران فيها. أيها السادة إن الثورة اندلعت من ميادين التحرير فى محافظات مصر وكان لها هدف واحد وهو إسقاط نظام مبارك وطاغوت الحزب الفاسد ولم يكن أبدًا ضمن اهداف الثورة إسقاط جهاز الشرطة أو تدميره على غرار ما كان يروج له بعض المغرضين والموتورين.. إن جهاز الشرطة فى مصر مؤسسة وطنية أمنية عريقة قدم الكثير من البطولات والتضحيات و يجب ألا يؤخذ بجريرة النظام الفاسد بل يجب علينا أن نعيد له قوته وهيبته من اجل أن يسود الأمن والنظام الذى افتقدناه كثيرًا فى الشارع المصرى.