قلت لأحد كبار المحامين.. هل لى أن أقسم مثلما أقسم رئيس الجمهورية القسم القانونى ؟.. أم أن هذا القسم هو فقط لمن يتولى منصبًا رسميًا فى الدولة مثل الوزراء وأعضاء المجالس النيابية وغيرهم ممن يتولون المناصب الكبرى والعليا فى البلاد ؟ ً.. وكان مجمل ما قاله المحامى الكبير إن القسم القانونية ليست فقط لرئيس الجمهورية والوزراء وأعضاء المجالس النيابية وإنما هناك قسم قانونية لكل المهن فى الدولة تقريبًا مثل المحامين بعد التخرج وقبل ممارسة المهنة فهى شرط اساسى وكذلك الأطباء وضباط الجيش والشرطة وخريجى المعاهد العسكرية وغيرها من المهن التى اشترط القانون أن يكون القسم بداية لممارسة مهام المنصب.. وأردف صديقى المحامى قائلاً فى هذه المهن: وأولها وأعلاها منصب رئيس الجمهورية. القسم فيها ملزم قانونياً ودستورياً والحنث به يعرض صاحبه إلى عقوبة قد تصل إلى حد الفصل والعزل من المنصب أو الحرمان من ممارسة المهنة.وقد داعبنى صديقى المحامى قائلاً إن الصحفى لابد أن يقسم على ميثاق الشرف قبل ممارسة المهنة، فهل أقسمت القسم القانونى قبل أن تمارس مهنة الصحافة ؟! قلت إن ذلك كان منذ ربع قرن تقريبًا ولا أتذكر إن كنت قد أقسمت أو لا ولكننى وقعت على وثيقة كانت مذيلة بعبارات مشابهة لتلك التى تتردد فى القسم القانونية لأى مهنة يتعرض فيها صاحبها لخدمة الناس.. وعمومًا فإننى ملتزم بنص القسم وسوف أقسم مرة أخرى أمام كل القراء فى هذه المقالة « أقسم بالله العظيم أن ادافع عن النظام الجمهورى وأن أحترم الدستور والقانون وأن أحافظ على الوطن وسلامة أراضيه وأن أرعى مصالح الشعب رعاية كاملة».. بالطبع هذا القسم أنا ملتزم به ليس فقط خلال ممارستى لمهنة الصحافة وإنما التزم به فى كل شئون حياتى داخل وخارج الجمهورية إلى أن ألقى ربا كريما. هذه المقدمة وجهتنى إلى سؤال خطير اتصور أن الإجابة عليه مرعبة ومخيفة ومفزعة: ماذا لو لم احترم الدستور والقانون؟! وبمجرد أن شرعت التفكير فى الإجابة عن هذا السؤال، كدت أن أسقط مغشيًا علىّ.. وعندما استعدت بعضًا من صوابى الذى كاد أن يطير من عقلى وبعد أن هدأت قليلاً.. تصورت كيف أن تكون هناك دولة لا يحترم فيها الدستور والقانون؟! الحقيقة أنه تضاربت فى رأسى خيالات ممزوجة بمشاهد الرعب، كتلك التى نراها فى أفلام « هوليوود » خاصة عندما تتناول قصصًا من الصراعات السياسية فى بعض دول أفريقيا وآسيا.. من انتشار شرائع الغاب تحت عقيدة من يملك القوة يسيطر ومن يسيطر يفعل ما يريد!.. يا الله.. هذا هو الدمار والانهيار عندما لا نحتكم إلى دستور أو قانون.. حتى إن وجد الدستور والقانون فعدم احترام الأحكام التى تصدر استنادًا لموادهما يكون ذلك أقسى وأفظع من عدم وجودهما اصلاً لأن العربدة والبلطجة والاستخفاف السياسى فى عدم وجود دستور أو قانون لها ما يبررها الى أن تصل القوى المتصارعة الى إيجاد حل وبالطبع هذا الحل لا يكون إلا بالدستور والقانون واحترام الأحكام التى تصدر استنادًا لموادهما. فما بالك عزيزى القارئ بدولة عريقة لها دساتير وقوانين تحكمها منذ آلاف السنين وحتى الآن.. دولة بها أقدم وأعظم حكومات عرفها التاريخ.. دولة شهدت أعرق الحضارات منذ بدء الخليقة.. دولة كانت ولا زالت منارة للعلم والثقافة والفنون.. دولة ترعرعت على أرضها أكبر وأعظم وأسمى الديانات السماوية.. دولة بها الأزهر والكنائس والمعابد. مصر محطة أنظار العالم عبر العصور وهى درة الشرق وتاج العلاء.. كنانة الله فى أرضه.. وشعبها الأبى الثائر على الظلم والطغيان.. الذى علم العالم كيف يثور ويطالب بحقه فى الحرية والعيش بكرامة وعلى مر تاريخه الطويل يصنع الثورة بعد الثورة والحضارة بعد الحضارة.. شعب لم ينحن أبدًا أمام أعتى حكومات الاستبداد والظلم.. وكان شعاره دائمًا الحرية والعيش بكرامة.. نشيده الخالد « بلادى.. بلادى.. لك حبى وفؤادى » .. شعب كان هدفه دائمًا.. يا دولة الظلم انمحى وبيدى. ??? هذه هى مصر التى صنع شعبها ثورة 25 يناير المجيدة، ليس فقط من أجل تغيير حكومة ظالمة لنأتى بحكومة أخرى قد تكون أكثر ظلمًا.. ثورة ليس فقط من أجل التخلص من حزب فاسد متحكم وظالم لنأتى بحزب أخر أكثر ظلمًا لجماعة سلطوية استحواذية لا هم لها إلا العبث بالدستور والقانون. إن الحنث بالقسم أو الكذب تحت علم الدولة هو جريمة كبرى لا يغفرها الله ولا الشعب.. وأكبر مثال على ذلك هو عندما تعرض الرئيس الأمريكى الأسبق ريتشارد نيكسون إلى ما أطلق عليه وقتها فضيحة «ووتر جيت» قدم هذا الرئيس استقالته ليس بأنه تجسس على منافسيه أثناء الحملة الانتخابية وإنما كان السبب الرئيسى أنه حنث بالقسم عندما نفى عن نفسه التهمة فكان ذلك جريمة كبرى استحق عليها الطرد من البيت الأبيض، بل وصل الأمر إلى محاكمته لولا أنه اعترف بذنبه واعتذر للشعب الأمريكى.. وكذلك الرئيس الأمريكى الأسبق بيل كلينتون والذى اعترف بعلاقته الغرامية بإحدى الفتيات التى كانت تعمل موظفة بالبيت الأبيض وقد قدم الرئيس كلينتون وقتها اعترافًا كاملاً بكل الوقائع عن علاقته بتلك الموظفة ورد على كل الأسئلة التى وجهت إليه من قبل المحققين، رغم أنها كانت أسئلة مخجلة لأى شخص تعرض لمثل هذا الموقف.. وكان ممكن للرئيس كلينتون أن يحجب ويمتنع عن الإجابة على بعض الأسئلة دون مساءلة قانونية لكنه قال قولته المشهورة « لن أكذب أبدًا تحت القسم «.. أى أنه أقسم أن يحترم علم الولاياتالمتحدة.. وكانت النتيجة أن ازداد تمسك الشعب الأمريكى به وانتخبه مرة أخرى رئيسًا للولايات المتحدة.. لماذا؟!.. لأنه رجل احترم الشعب الأمريكى واحترم القانون ولم يكذب تحت القسم.. ورغم أن الحزب الذى ينتمى اليه الرئيس الأمريكى به العديد من المستشارين الأكفاء واللذين حاولوا أن يلقنوه إجابات مدروسة بعناية على أسئلة المحققين حتى يخرج من المشكلة بدون فضيحة إلا أنه أى الرئيس الأسبق كلينتون لم يأخذ بتلك النصائح وفضل أن يعترف وبكل صدق وشفافية ولم يلتفت لأى نصيحة قدمت له من الحزب والتى وصلت إلى حد التهديد.. لماذا فعل الرئيس الأمريكى ذلك؟!.. ببساطة شديدة لأنه فى موقعه رئيسًا للولايات المتحدةالأمريكية ولأنه فى موقعه ينتمى بالدرجة الأولى للشعب الذى أتى به إلى البيت الأبيض ففضل الانحياز للشعب وليس للحزب.. وبهذا دخل الرجل التاريخ من أوسع أبوابه ولم تؤثر فيه وفى سمعته الفضيحة المروعة.. لماذا؟ لأنه لم يكذب تحت القسم ولم يخدع شعبه. ??? إن احترام الدستور والقانون، يعنى ببساطة احترام إرادة الشعب واحترام مؤسسات الدولة، كما أن الاستخفاف بالشعب وحقوقه وعدم تنفيذ احكام القانون يعنى انهيار الدولة حتى ولو كان الفاعل هو رئيس الجمهورية بكل ما يملكه من صلاحيات تنفيذية.. أو كما قيل عنها قرارات سيادية. أيها السادة ليس هناك قرارات سيادية فى دولة يحكمها الدستور والقانون لأن السيادة للشعب ممثلة فى مؤسساته ورئيسه المنتخب.. فإذا حاد الرئيس عن الحكم بسيادة الدستور والقانون أو تغولت سلطة على أخرى من السلطات الثلاث المؤسسة للدولة.. نصبح كالقطار الذى خرج عن القضبان. وأقولها وبكل صراحة: إن عدم تنفيذ احكام الدستورية العليا بحل مجلس الشعب وصدور قرار معارض للحكم من الرئيس يعد انقلابًا دستوريًا خطيراً يمكن أن يجر البلاد إلى صراعات سياسية محمومة تقودنا - لا قدر الله - إلى مالا يحمد عقباه وتفتح الطريق إلى تسلل العناصر العدائية والتى تتربص بمصر. وأقول: لو أن الأغلبية بمجلس الشعب المنحل ليست من حزبى الحرية والعدالة وحزب النور.. هل كنت يا سيادة الرئيس سوف تصدر قرارًا بعودة هذا المجلس المنحل؟!.. بالطبع لا أنتظر إجابة على هذا السؤال وإنما اردت فقد أن اشير إلى أن هذا القرار يعتبر صدمة سياسية كبيرة وتشوبه شبهات وأغراض ربما يكون ورائها تطلعات خبيثة لحزب الجماعة المحظوظة وهذا الأمر لو لم نتداركه بسرعة سوف يفتح الشقوق والسراديب المظلمة ليخرج منها الهوام من عقارب وثعابين وحيات السياسة من الطامعين والموتورين ومقتنصى الفرص. وأنا اتساءل بحقى كمواطن فى هذه البلد: من الذى أشار على الرئيس بهذا القرار الخطير؟.. وعندما اردت أن اعرف الإجابة كانت جميع الأقوال تتفق على أن الذى أشار على الرئيس بهذا الرئيس بهذا القرار لا بد أنهم من أعدائه الذين أرادوا أن يغرقوا البلاد فى مستنقع من الصراعات السياسية ويعرقلوا مسيرة الاصلاح التى وعد بها الرئيس خلال ال 100 يوم الأولى من ولايته.. سيدى الرئيس احترس من بطانة السوء فأنت رئيس لكل المصريين ونحن وراءك نؤازرك ونضحى من اجل مصالح الشعب وتطلعات الأمة فلا فضل لأحد عليك إلا الشعب الذى أتى بك رئيسًا وإذا كان عليك أى استحقاقات حزبية أو سياسية لأى جماعة كانت أو فصيل سياسى فهذا لا يكون أبدًا على حساب الشعب المصرى وحريته وكرامته.. سيادة الرئيس إن مصلحة الشعب المصرى دين فى رقبتك حتى ولو حكمت ليوم واحدًا.. اسأل الله أن يهيئ لك من أمرك رشدا.