إن ما يحدث الآن على الساحة السياسية فى مصر قد تخطى مرحلة التجاوز والأخطاء ويقترب بنا من مرحلة الكارثة لا قدر الله .. فكلما تقدمنا خطوة نحو تحقيق أهداف الثورة وجدنا من يريد ليس فقط تعطيل المسار الديمقراطى وإنما العودة بنا ألف خطوة إلى الوراء.. وحتى أكون أكثر وضوحًا فإننى ومعظم مواطنى المحروسة نتساءل: ما معنى أن يستخدم ميدان التحرير كفزاعة ضغط غير مقبولة من قبل تيارات سياسية بعينها لا هم لها إلا انتقاد أحكام القضاء ونتائج الانتخابات؟!.. ليس فقط بالتطاول والسفه وإنما بالتشكيك والتخوين وصولاً إلى التهديد بنسف المشروع الديمقراطى من أساسه.. فعندما يعلن البعض عن رغبته فى إلغاء ما تم فى انتخابات الرئاسة فى المرحلة الأولى وتشكيل ما يسمى بمجلس رئاسى مؤقت، بل وصل السفه إلى أن البعض يريد إلغاء ما تم إنجازه خلال الفترة التى تلت ثورة 25 يناير وحتى الآن، وقد أعلن هؤلاء أن يوم النطق بالحكم فى قضية المخلوع ووزير داخليته وأبنائه، يعتبر هو اليوم ال 19 للثورة وكأنهم يريدون إسقاط أكثر من عام ونصف العام من النضال والشد والجذب بين القوى السياسية المختلفة والتى وصلنا بها إلى استفتاء على تعديلات دستورية ثم انتخابات برلمانية حرة ونزيهة.. وها نحن نقترب من نهاية الطريق فى اتجاه المرحلة الثانية من انتخابات الرئاسة، لنبدأ بعدها ترسيخ الاستقرار نحو بناء الدولة التى مزقتها اختلافات الرأى الممزوجة بالعنف غير المبرر وتضارب المصالح السياسية بين القوى المتصارعة على الاستحواذ بالحكم المطلق لمصر دون شريك. إن ما يحدث الآن لا توصيف له إلا العبث والاستهتار بمقدرات أمة عظيمة أراد لها القدر أن تضحى بكل غال ونفيس حتى تعيش.. ألا يكفينا ما قدمناه من شهداء ومصابين.. ألا يكفينا ما تكبدناه من خسائر مادية وانهيارات فى مؤسساتنا الاستثمارية!! ألا يكفينا ما عاناه المواطن المصرى من إرهاق بدنى ونفسى ومادى طوال الفترة التى أعقبت الثورة!! ألا يكفينا ما حدث وما زال يحدث من انفلات أمنى وأخلاقى!! ??? إن تمادى بعض القوى السياسية الانفعالية المستهترة وتحالفها مع القوى الاستحواذية السلطوية ينذر بكارثة حقيقية قد تقوض البناء الديمقراطى من أساسه، فهؤلاء رغم اعترافهم بنزاهة الانتخابات البرلمانية، لأنهم حققوا ما كانوا يهدفون إليه وأكثر، نجدهم الآن يشككون فى نتائج الانتخابات الرئاسية لأنهم لم يحققوا ما كانوا يأملون فيه فى الجولة الأولى وأصبحوا يتشككون فى قدرتهم على الوصول إلى كرسى الرئاسة بعد أن كشفت الأقدار تجاوزاتهم وأخطاءهم وكوارثهم وأصبح الشعب على بينة وإدراك كامل بما يخططون له من السعى وبكل الطرق المشروعة وغير المشروعة.. ليس هذا فحسب وإنما حشد وتكثيف كل ما لديهم من مكر وخداع وتضليل، ظنًا منهم أن ذلك قد يصل بهم إلى الاستئثار بحكم مصر بلا شريك .. نعم بلا شريك ، سواء فى البرلمان أو اللجنة الدستورية لصياغة الدستور انتهاءً بمقعد الرئاسة ، لتصبح مصر فريسة سهلة مكبلة الأطراف يفعلون بها ما يريدون ، نحو تحقيق أهدافهم الهدامة والاستحواذ على مقدرات الشعب بكل طوائفه وانتماءاته وأن تكون لهم الكلمة الأولى والأخيرة فى مصير البلاد والعباد. ??? أيها السادة إن الوقائع والأحداث التى تجرى الآن على الساحة السياسية فى مصر تؤكد أن تلك القوى لا تريد إلا السلطة المطلقة، وكأن التاريخ يعيد نفسه مع تلك الجماعة والتى تحولت الى سرطان سياسى لا سبيل الى الخلاص منه إلا بالبتر أو الاستئصال ولعل الشعب يدرك أن تغلغل هذا السرطان السياسى قد تعدى كل الحدود التى يمكن معها العيش بأمان فهؤلاء لا يرون إلا أنفسهم ولا يسيرون إلا فى طريق واحد لا يشاركهم فيه أى قوى سياسية أخرى، وهم يتبعون فى ذلك فكرة واحدة لا تتطور ابدًا منذ ظهورها على يد مؤسسها فى نهاية عشرينيات القرن الماضى وحتى الآن.. أيها السادة.. إن الجماعة الاستحواذية السلطوية التى تسيطر على البرلمان وتعطل تشكيل الجمعية التأسيسية لصياغة الدستور، ليس لديهم مشروع سياسى بالمفهوم الديمقراطى المتعارف عليه، وإنما لديهم مشروع جهنمى بائس للحكم والسلطة المطلقة وبلا شريك، وإن كان لديهم نية لمشاركة فصيل سياسى يرضون عنه، فإن هذه المشاركة لا تخرج أو تتعدى حدود التبعية والطاعة لمشروعهم السياسى الهدام، مع تجاهل تام لكل الأطياف السياسية الأخرى.. هذا ليس هجومًا أو تجنياً لا سمح الله على تلك الجماعة المارقة وإنما هى حقائق أكدتها الحقبات الزمنية المتتالية منذ نشأة هذا الكيان السرطانى.. إضافة إلى حصيلة دراسات وأبحاث ورسائل ماجستير ودكتوراه أعدت فى مصر والعالم كله.. جميعها وصلت الى نتيجة واحدة أن الجماعة تسعى وبكل الطرق إلى الوصول للحكم والسلطة وبلا شريك أو منافس، وأنهم فى سبيل ذلك لا تعنيهم تعهدات أو مواثيق قطعوها على أنفسهم.. وهم فى سبيل تحقيق أهدافهم على استعداد للتحالف حتى مع الشيطان. هذا ليس كلامى أو الرأى عندى وإنما هو حصيلة ما توصل إليه المتخصصون فى العلوم السياسية والاجتماعية وخبراء طبيعة وماهية جماعات الإسلام السياسى.. ولعل كتاب الباحث الأمريكى «ريتشارد ميتشيل» والذى حصل على درجة الدكتوراه عن بحثه المفصل المتكامل عن تلك الجماعة والذى نشر فى أواخر الخمسينيات من القرن الماضى.. حيث وجدنا أن هذا البحث القيم لا يختلف كثيرًا عن تلك الأبحاث التى أجريت على طبيعة وأهداف الجماعة بعد خمسين عامًا على نشر كتاب «ميتشيل» حيث اتفق جميع الباحثين طوال السبعين عامًا الماضية على أن هذه الجماعة لا تريد إلا السلطة المطلقة فى اتجاه تحقيق الفكرة التى أتى بها مؤسسها عام 1928 ميلادية، وفى سبيل ذلك تبيح وتستبيح أن يمارس أعضاء الجماعة العمل السرى وربما العمل الجهادى من وجهة نظرهم ، ولا مانع عندهم من تكوين جماعات إرهابية وتنفيذ عمليات اغتيال سياسية حسب ما يراه قيادات هذه الجماعة.. محكومين بالظروف التى تقتضيها صراعاتهم مع أنظمة الحكم المتعاقبة على مصر.. أما المعلن من أهداف الجماعة المارقة فهو التوارى دائمًا خلف ما يسمى «الدعوة الإسلامية السلمية». إن الأفعال والأحداث والأزمات التى تثيرها تلك الجماعة من آن إلى آخر ما هى إلا حصيلة خبراتهم الطويلة التى تدربوا عليها خلال صراعهم الأبدى مع الحكام والقوى السياسية والوطنية فى مصر منذ عصر الملك فؤاد وحتى الآن، مرورًا بصراعهم الدموى مع الأحزاب السياسية فى عهد الملك فاروق أما صدامهم المدوى فكان مع ثورة يوليو 1952 التى قام بها الجيش وحاولوا السيطرة عليها بنفس «السيناريو» الذى يحدث الآن، ولكن ثوار يوليو من ضباط الجيش الأحرار بقيادة جمال عبد الناصر أدركوا مدى الخطر الذى يحيط بحركتهم الوطنية التى تحولت بعد عام 1954 الى ثورة شعبية بعد تأييد عامة مواطنى مصر لها فأدركوا مدى الخطر الذى يحيط بثورتهم الوطنية، فكان ما كان من اعتقالات ومحاكمات وإعدامات لقيادات ورموز هذه الجماعة الخطيرة. ولعل اليوم أشبه بالبارحة مع اختلاف توزيع الأدوار لأساطين وعرّابى الجماعة وتباين الاتجاهات نحو استهداف التجمعات الشعبية التى يخصونها بالتغرير والخداع نحو تحقيق أهدافهم فى الاستحواذ والسيطرة السياسية. وأننا لا ننكر أن هؤلاء قد استطاعوا وببراعة ركوب حصان «ثورة 25 يناير» الجامح نحو التحرر والتغيير إلى الأصلح.. وللأسف استطاعت الجماعة بعد سيطرتها على البرلمان فى أن يطوعوا ويروضوا حصان الثورة لخدمة أغراضهم وأهدافهم الهدامة.. ولم لا.. فقد كانوا هم الفصيل السياسى الوحيد تقريبًا الذى يتمتع بخبرات سياسية متراكمة فى اقتناص الفرص وركوب الأمواج السياسية واختطاف الثورات. فهل ينجح هؤلاء فى اختطاف ثورة 25 يناير 2011 بعد أن فشلوا فى اختطاف ثورة يوليو 1952؟!.