لم يعد يمر يوم الآن دون أن نقرأ أو نسمع خبراً عن القبض على عناصر جديدة من الإخوان المسلمين، وقد شهدت الأشهر القليلة الماضية عمليات واسعة – فى هذا الاتجاه - لم تفرق بين القواعد والقيادات . ويفسر البعض الحملة المستعرة الآن ضد الجماعة بأنها خطوة تستهدف تمهيد الأرض للحكومة قبل الانتخابات البرلمانية التى سوف يشهدها العام المقبل، ويعقبها انتخابات الرئاسة فى 2011 . فالإخوان فى نظر هؤلاء – كما هى أيضاً فى نظر الحكومة – أكثر الفئات الخارجة على نظام الحكم خطورة، وأكثرها قدرة على منافسته وسحب البساط من أسفل قدميه. وفى تقديرى أن الإخوان ليسوا عنصراً ممتازاً أو متميزاً بين المصريين حتى ينظروا إلى أنفسهم أو ينظر إليهم كل من الحكومة وقوى المعارضة على أنهم الفرقة الوحيدة القادرة على إحداث التغيير فى هذا المجتمع، فهم يحملون فى حقيبتهم كل الأمراض التى يعانى منها المصريون، بما تشمله من أعراض، من أبرزها: الطنطنة بالكلام والبعد عن العمل، ومحاولة تحقيق أعلى المكاسب بأقل التكاليف، والعجز عن التطور، وقبل هذا وذاك عدم الرغبة فى التغيير، والاستمتاع بتعذيب الآخرين لهم، والإمعان فى الشكوى بعد ذلك. فقد تأسست الجماعة على يد الشهيد حسن البنا عام 1928، ومنذ هذا العام وحتى اليوم (ما يقرب من 81 سنة) لم تغير من الأمر شيئاً، لا لشىء إلا لأنهم اعتنقوا – على مدار رحلتهم السياسية - مبدأ محاولة التغيير من خلال الآخرين، وليس بأيديهم. فقد جربوا التحالف مع الإنجليز، ومع الملك قبل قيام الثورة، ثم تحالفوا مع الضباط الأحرار وشاركوهم فى صناعة الثورة، وتحالفوا مع الرئيس السادات فى بداية حكمه . وفى كل الأحوال كانت القوى التى يتحالف معها الإخوان تنقلب عليهم، كذا فعل الإنجليز والملك وعبد الناصر والسادات، فقد نظرت هذه الأطراف جميعها إلى الجماعة كأداة يمكن استخدامها فى ظروف معينة ولفترات زمنية محددة، وبعد أن تستنفد أغراضها لابد من أن تلقى من النافذة. ومن اللافت أن الإخوان تعاملوا مع هذه الأطراف جميعها بنفس المنطق «منطق الأداة»، إذ حاولوا أن يحققوا من خلالها أهدافهم – أو بعضاً من أهدافهم - السياسية، لكنهم لم يدركوا أنهم يتعاملون مع قوى مسيطرة على الحكم، ليست على استعداد بحال من الأحوال أن تتنازل عن سلطتها للجماعة، لذلك فقد كان صراع الإخوان مع كل الأنظمة الحاكمة التى عاصروها عبر ما يزيد على ثمانية عقود هو صراع ما بين طرفين، يحاول كل طرف منهما أن يستخدم الآخر أداة له، وكان يفوز باستمرار فى هذا السباق الطرف الأقوى (السلطة القائمة)، ولأن الإخوان أصلاء فى الانتماء إلى «طينة» هذا الشعب، فإنهم لم يتعلموا من أخطائهم، شأنهم فى ذلك شأن أى مواطن بسيط دأب على تكرار نفس الخطأ عشرات المرات. ويبدو أن شعار «لسنا طلاب حكم» هو الشعار الحقيقى الوحيد الذى يرفعه الإخوان المسلمون، رغم أن الحكومة لا تصدقه . فالإخوان بالفعل لا يريدون حكم هذا البلد، وإنما يريدون فقط أن يكونوا أوصياء على الحكم . وقد كان ذلك دأبهم قبل الثورة، وكان كذلك شأنهم بعد قيام الثورة، الأمر الذى رفضه كل الحكام «المتسلطنين» على «كراسيهم». فبدأوا يدخلون فى صراع حاد معهم، كان الضحية الأولى فيه هو الإخوان الذين لم ترحمهم كل الحكومات التى جاءت بعد الثورة بلا استثناء. ولو أن الإخوان نظروا فى شعارهم الذى تأسست عليه دعوتهم لتغير الكثير من أمورهم. ذلك الشعار الذى يقول: «الله غايتنا» وهو سبحانه غاية كل مؤمن، و«القرآن دستورنا» رغم أنه ليس دستور حياتهم وحدهم بل هو دستور أى مسلم يعيش فى دولة يهودية أو مسيحية أو بوذية، فالقرآن دستور كل مسلم آمن بالله، أما قولهم «الرسول زعيمنا» فلست أفهم أن يتم وصف النبى صلى الله عليه وسلم بصفة سياسية ارتبطت بالحكام والقادة، وقد كان صلى الله عليه وسلم نبياً حمل إلى البشر رسالة الإسلام الخالدة، أما «الجهاد سبيلنا» فلست أدرى على أى شخص فى بر مصر المحروسة ينطبق مفهوم الجهاد الذى يعنى بذل غاية الجهد فى سبيل تحقيق التفوق والامتياز للإسلام والمسلمين؟.. وفى نهاية الشعار تأتى عبارة «والموت فى سبيل الله أسمى أمانينا» وإننى أتساءل كيف يطمع فى الحياة من يرى الموت أمنيته الأولى فيها. لو أن أحداً من مفكرى الإخوان اجتهد فى تأمل هذا الشعار وحاول تغييره فإننى يمكن أن أصدق – مع من يصدقون – أن هذه الجماعة تشكل خطراً على نظام الحكم فى مصر. فكثير من الأمور سوف تختلف لو أن الشعار أصبح «مقاومة الظلم غايتنا» (والله تعالى حرم الظلم على نفسه وجعله محرماً بين الناس)، و«تغيير الدستور دستورنا» (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)، و«الحاكم الديمقراطى زعيمنا» (وأمرهم شورى بينهم)، و«إصلاح الفاسد سبيلنا» (إن الله لا يصلح عمل المفسدين)، و«الموت فى سبيل الحياة أسمى أمانينا» (ومن أحياها فقد أحيا الناس جميعا). ربما لو حدث ذلك لرحمنا «الإخوان» ورحموا أنفسهم من عمليات القبض العشوائى التى تمارسها الحكومة «المذعورة» ضدهم، تلك الحكومة التى يمكن أن تتصدى بشراسة لمجموعة من «الفئران» إذا شعرت أنهم يهددون سلطتها، فما بالنا إذا كانوا «إخوان»!