بدون مقدمات.. جماعة الإخوان المسلمين لم تكن لهم مصلحة فى إنهاء أحداث العباسية، وأعلنوا أنهم يريدون الحق فأخطأوه، ولكنهم أرادوا الباطل فأصابوه.. هكذا كان موقف الإخوان المسلمين وهو موقف بنى أساسًا على المصلحة أى – الجماعة فوق كل اعتبار – ومثلما قال مرشدهم السابق «لا مصر ولا أبو مصر». فهم هكذا الآن وسيظلون الى أن يشاء الله.. «ورب ضارة نافعة» فإذا كانت أحداث العباسية الدامية قد جرحت قلوب المصريين جميعًا، إلا أنها أوضحت بجلاء أن بعض قوى الإسلام السياسى كانت لها أهداف خبيثة وراء تلك الأحداث. وإذا كنا نريد المنطق فى الكلام والمصداقية فى التحليل، فإن الإخوان والسلفيين وبالطبع أولاد حازم أبو اسماعيل المرشح المستبعد من سباق الرئاسة أرادوا تكرار ما حدث فى شارع محمد محمود بنفس السيناريو الهابط مع إضافة بعض الاقتباسات من فيلم أحداث ماسبيرو والاستعانة بممثلين جدد وكومبارس من حركة 6 أبريل، والتى تحالفت مع الإخوان والسلفيين فى حشد مجاميعهم.. ربما فى محاولة اخيرة لنسف أو على الأقل تعطيل قطار الاستقرار السياسى والذى أوشك على الوصول إلى المحطة النهائية بانتخابات رئاسة الجمهورية واختيار أعضاء اللجنة التأسيسية لوضع الدستور. لقد أدرك هؤلاء أنه لم يبق أمامهم وقت سوى أسابيع قليلة وتنعدم لديهم فرصة تبرير الاقدام على ارتكاب احداث دامية لا يقبلها العقل والمنطق وإنما قد يقبلها بعض المغرر بهم من فصائل الاسلام السياسى وحركة 6 أبريل. وإذا اعتبرنا أن السبب الأول هو ذريعة سحب الثقة من حكومة الجنزورى أصبحت ورقة محروقة وبالتالى لا يمكن الاستفادة منها فى خلق أزمة سياسية.. خاصة بعد أن تم تغيير اسم الحكومة «حكومة تسيير أعمال» تستمر حتى انتهاء انتخابات الرئاسة وطبقًا للقانون أو الدستور لا يمكن سحب الثقة منها فى البرلمان. أما السبب الثانى وراء احداث الجريمة السياسية فى العباسية فهو محاولة الضغط بكل الوسائل من أجل الوصول إلى ما يسمى «مجلس للرئاسة»! أى أن المجلس العسكرى الحاكم يتخلى عن مصر ويتركها فى يد مجلس مكون من ثلاثة اشخاص أو ربما خمسة لإدارة البلاد وبالطبع سيكون للإخوان والسلفيين اليد العليا فى تكوين هذا المجلس ولا مانع من أن تمثل حركة 6 أبريل بعضو خامل فى هذا المجلس المزعوم. يا الله .. هكذا تحترق مصر وتخرب الدنيا من أجل تحقيق اهداف خبيثة لقوى سياسية استحواذية موتورة أصيبت – أى تلك القوى – بمرض الغباء السياسى فى الفترة الأخيرة بعد أن تجلى وظهر أنها تريد أن تثأر لنفسها بالانتقام من البلد كله. أما المضحك والمبكى فى هذا الأمر، هو ما الذى جمع الشامى مع المغربى؟! أقصد هنا جماعة 6 ابريل مع قوى التأسلم السياسى الحقيقة هى أن الذى أسس لتحالف الضدين اللدودين «هو الخراب».. نعم الخراب وهدم مقومات الدولة والنيل من هيبتها وبسرعة.. قبل أن يترسخ الاستقرار بالوصول الى نهاية الطريق.. فلم يعد لدى هؤلاء وقت للمزايدة والتشكيك والتخوين والالتفاف على الحقائق، ومن أجل ذلك فلتشتعل الحرائق وتفجر الأزمات ويضرب الاستقرار والعمل على اشاعة الفتن والتشجيع على الانفلات الأمنى وإرباك اقتصاديات الشارع. فهذه هى الفرصة الأخيرة لتحالف القوى الظلامية الاستحواذية بعد أن أغلقت لعبة الدومينو السياسى أمام هؤلاء، وكأنهم أرادوا أن نلعب من جديد! يا سادة مصر ليست لعبة وشعبها ليس شخوصًا وهمية لمسرحيتكم الهزلية.. وأقول لجماعات الابتزاز السياسى: أن مصر كبيرة جدًا بشعبها وجيشها ومؤسساتها السياسية العريقة، وما أنتم سوى «دمى» لا تصلح حتى أن يلعب بها أطفال مصر. وأكبر دليل على ضحالة فكر هؤلاء وتفاهتهم وغرورهم، خاصة مما يسمون أنفسهم أولاد حازم أبو اسماعيل ويطلقون عبارات على طريقة حركة طالبان فى أفغانستان ويستخدمون مفردات تنظيم القاعدة مثل جمعة الزحف والجهاد وحازمون ومنطلقون.. ثم يزيلون ذلك بطرح عبارات أخرى مثل سنحاكمهم ونقتلهم ونعدمهم؟!.. والحقيقة أننا لا نعرف مَنْ سيحاكمون؟ ومَنْ سيقتلون؟ ومَنْ سيعدمون الى آخر ما كان يهتف به هؤلاء من فاقدى الأهلية والسكارى فى محيط ميدان العباسية.. أقول السكارى والمساطيل وأؤكد على ذلك فمعظم من قبض عليهم من المجرمين فى تلك الأحداث كانوا إما تحت تأثير عقارات الترامادول وأبو صليبة والاسبراكس أو كانوا سكارى من تأثير شرب الخمور الرديئة من بعض أنواع كانت توزع مخفية فى زجاجات المياه الغازية الخضراء والمعتمة والتى وجدت ملقاة وبأعداد كبيرة بين مخلفاتهم الكريهة بعد أن تم دحرهم وإبعادهم من محيط ميدان العباسية. *** إنه بعد دحر اعتصام الخراب والدمار بالعباسية والذى كان معدًا له سلفًا من القوى التى ذكرتها وبعد أن تكشفت الحقائق أمام الشعب وبعد أن جفت منابع الفتنة وخمدت نيران الحقد الأعمى، لم يبق أمام تلك القوى المخربة إلا محاولات تجميل وجهها القبيح بإبداء الأسف والندم ومحاولة تبرير الاحداث الاجرامية الدامية بإطلاق بعض العبارات المضللة والمضحكة فى نفس الوقت مثل ما قاله بعض قيادات الإسلام السياسى أن ما حدث هو مجرد حماس زائد من جانب بعض الثوار. يا الله.. هكذا وبكل بساطة الحرق والقتل والتخريب والاعتداء على قوات الجيش وإطلاق النار من مئذنة مسجد النور بالعباسية وما نتج عنه من استشهاد جندى الصاعقة وإصابة بعض ضباط وجنود الشرطة العسكرية.. كل هذا الاجرام المتعمد مجرد حماس زائد من بعض الثوار.. أى ثوار تقصدون أيها الأغبياء؟! إن ما حدث فى العباسية جريمة مكتملة الأركان ومؤامرة كبرى فى حق مصر وشعبها جريمة أرادوا بها النيل من جيش مصر العظيم – إن اطلاق النار على الجيش لا توصيف له إلا الخيانة العظمى - وسيقابل بكل حسم وقوة من الشعب قبل الجيش. إن جيش مصر الشجاع بهيبته وقوته هو فخر لنا جميعًا ومحاولة الاقتراب منه بسوء أو الاعتداء على جنوده أو التهجم عليه بأى صورة من الصور يعد جريمة كبرى وخيانة عظمى للوطن.. وأكرر أن كرامة وعزة جيش مصر ومحاولة النيل منها ليست مجرد خطوط حمراء بل هو سد نارى ملتهب سيحرق كل من يقترب منه. *** إن القوى الاستحواذية التى اعتقدت أن الشعب اختارها لتتسلط عليه قد ادركت بعد فوات الاوان أن مخططاتها انكشفت وبان المستور وظهرت العورات التى طفقوا يخسفون عليها بعبارات الإدانة والشجب والتى تظهر خبثهم اكثر ما تجمل توجهاتهم خاصة بعد أن فقدوا مصداقيتهم أمام الشعب وجاءت كل استطلاعات الرأى تؤكد أنهم - أى القوى الاستحواذية الجشعة – قد فقدوا شعبيتهم بصورة حادة حتى أن بعض قياداتهم أقروا بأنهم سيخسرون ب40% من القوة التصويتية فى حالة حل مجلس الشعب وإجراء انتخابات برلمانية جديدة.. وهذا هو الهاجس الأكبر الذى يقض مضجع الإخوان بالدرجة الأولى، أما الفصيل الأخر من مجمع الإسلام السياسى من السلفيين فقد أصبحوا فى مهب الريح تتخطفهم الأهواء بعد أن تشرذموا وتفتتوا حتى أن حزبهم السياسى بدأ يفقد أعضاءه عضوًا تلو الآخر وربما تأتى الأيام القليلة القادمة ويكون الحزب السلفى قد قسم نفسه وتفرق بين مختلف القوى السياسية. إن رتوش التجميل السياسى لن تغير شيئا من قبح الوجه !! كما أن تصريحات الود ودغدغة العواطف المغلفة بالوطنية الزائفة لن تغير شيئا من فساد السريرة فلم يبق أمام هؤلاء إلا محاولات الخروج من المأزق السياسى بأقل الخسائر.. فتنازلوا عن سحب الثقة من حكومة الجنزورى وتخلوا عن بعض تطلعاتهم فى الاستحواذ على اللجنة التأسيسية لصياغة الدستور ليس هذا فحسب بل إنهم ربما يوافقون على اعلان دستورى مكمل تحدد فيه سلطات رئيس الجمهورية القادم. *** إن جماعة الاخوان وحزبهم السياسى يدفعون الآن ثمنًا باهظًا لغرورهم السياسى وتسلطهم البرلمانى ومحاولاتهم المستميتة للسيطرة على مقدرات البلاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية .. وها هم أولاء الآن يحاولون تجميل مواقفهم والابتعاد مؤقتًا عن التصريحات الاستفزازية المغلفة بالصلف والكبر.. ربما محاولة منهم للالتقاط الانفاس المقطوعة.. فلا مانع عندهم من اعادة مناقشة قانون التظاهر بصيغة جديدة ترضى الجميع وليس بالصيغة الإخوانية التى كانت موجهة نحو أهداف بعينها.. أما قانون العزل السياسى فحدث ولا حرج فمشروع هذا القانون ملىء بالأغراض والأهداف الإخوانية التى لا تخلو من ارهاصات نحو الثأر السياسى من أشخاص بعينها.. وكذلك قانون العفو الشامل وما يشتمل عليه من «أخطاء وعوار قانونى ودستورى». وأقول إن كل ذلك لن يغير رأى الشعب فى تلك القوى التى احترفت التضليل وإخفاء الحقائق وانتهاج أسلوب الجشع السياسى والسيطرة والاستحواذ. وأحسن شاعرنا كامل الشناوى فى قصيدته العظيمة «وطنى» حين قال: وطنى وما وطنى سوى دينى فلا عجب أصول دونه وألاحى أزجى له الصلوات .. أحمل همه عنه ... وأضمد جرحه بجراحى