فى الحلقة السابقة من أسرار الحياة الأخرى للرئيس الراحل أنور السادات كشفنا عن بعض ملامح البساطة التى كان يتمتع بها الزعيم الراحل. وكيف كان يقيم مائدة للفقراء فى قريته «ميت أبو الكوم» فى شهر رمضان.. وما هو سر احتفاظ السادات بعدد كبير من الوسائد الخالية فى غرفة نومه.. كما كشفنا سر قيام السادات بتسجيل تلاوته للقرآن الكريم على شرائط كاسيت.. وكيف كان يعلم معانى القرآن للمستشار الألمانى هيلموت شميث وكيف كانت علاقته بالسينما وغيرها.. وفى الحلقة التالية نقدم سرا آخر من أسرار حياته الأخرى وهو حكاية «الخلوة» التى كان قد تعود عليها آخر عشرة أيام فى رمضان وكان يقضيها فى استراحة أقامها فى منطقة «وادى الراحة» أمام دير سانت كاترين.. وكيف أن هذه الخلوة كانت سببا فى اهتمامه بأن يعطى لبدو سيناء بعض حقوقهم المسلوبة منهم.. كما تقدم السطور التالية أسرار اً أخرى عن علاقته ب «القذافى» و«جعفر نميرى» وحكاية «المنطقة الحرة» التى أراد أن يهديها ل «نميرى» فى المعمورة ولماذا وُصف السادات ب «الحرباية» وغيرها من الأسرار.كان الرئيس السودانى جعفر نميرى دائم التردد على الإسكندرية خلال شهر رمضان من كل عام وكان يتعلل بزيارة الرئيس السادات. ولكن حقيقة الأمر أنه كان يأتى هربا من حرارة الجو فى السودان وإن كان فعلا يلتقى بالسادات خلال هذه الزيارة أو هذا الحضور. وكان السادات يعتبر نميرى والسودان شيئا واحدا أو نوعا من التحالف القوى الذى يساند مصر، وكان بعض الخبثاء يرددون آنذاك أن مصر تعتبر السودان محافظة من محافظاتها ولقد حاول السادات أن يمنح جعفر نميرى قطعة أرض كمنطقة حرة لايدفع عليها ضرائب ولا يُحصل بشأنها جمارك وذلك فى المعمورة فى الإسكندرية كنوع من الدعم للاقتصاد السودانىوحتى لا يرهق جعفر نميرى عندما يرغب فى الحضور إلى مصر. وكان السادات يرى أن التقدم هو حلم وآمال أى قائد وكان يشغله الصراع الدائر مابين القديم والتقليدى وبين الحداثة أو بمعنى آخر الصراع بين القيم الشرقية والتحديات الغربية. وكان معترفا بوجود التعصب فى كل مكان وفى مصر أيضا وكانت وجهة نظره أن التعصب هذا إنما هو مجرد عائق للشعوب عن تقدمها من منطلق وجهة النظر المتطرفة والتى تقول إن التقدم إنما سيلحق الضرر بالإسلام. كما أن اعتقاده بأن ما يدعيه المتطرفون فى مصر لن يلقى التأييد الكافى من الشعب وبناء عليه لم يكن يفكر حينئذ فى مؤاخذة المتطرفين فى مصر مأخذ الجد. وكانت وجهة نظره فى شعب مصر أنه مختلف تماما عن بقية شعوب المنطقة أو منطقة الشرق الأوسط وأن أبناء الشعب المصرى متفوقون عن الشعوب المحيطة فى المنطقة. وهذا كله لم يمنع أن ثمة خلافا كان بين السادات وجماعة الإخوان المسلمين حتى بدون كامب ديفيد حيث كانت المشاكل بينه وبينهم قبل ذلك. الأصدقاء والإخوة الأعداء كانت المملكة العربية السعودية تؤيد أنور السادات جدا وتؤيد اتجاهاته واستراتيجيته المؤدية للسلام فى الشرق الأوسط وذلك بشكل غير رسمى. وكان ذلك يعتبر نوعًا من التأييد القوى والدعم للسادات لأنه كان فعلا فى احتياج للنجاح باستمرار سواء على الصعيد السياسى أو الاقتصادى. وكان على العكس من الذى كان يفعله الملك حسين حاكم الأردن على سبيل المثال حيث لم يكن لديه نوع من التأييد الشعبى الكامل الذى كان يدعم حكم أنور السادات.. وحقيقة فإن أى حاكم دونما أن يمد شعبه بالغذاء والكساء فلا يمكن أن يلقى تأييد هذا الشعب. وكان السادات يتصور أنه كلما كان ينادى بالسلام نجح فى مناوراته الدبلوماسية والسياسية فى الخارج وكان ذلك بالتالى عاملا مشجعا للاستثمارات الأجنبية فى مصر. وكان ذلك يؤكد أيضا احتياجه الشديد لدعم أشقائه المحيطين به من الدول العربية وكان لابد أن يتخلى عن اعتقاده بوجوب أن يأتواهم إليه ولكن كان لابد أن يذهب هو إليهم. أيضا كان السادات لا يحبذ ان يطلب هو المعونة أو العون من أحد. ولكن كان يرى أن الواجب أن يسعى الآخرون لعرض معوناتهم عليه وكانت لديه المقدرة على فعل ذلك حتى مع الامريكان. وكانت الدولة الوحيدة التى تعكر صفو السادات هى جارته ليبيا وكان دائما ما يتحسب الطبيعة المغامرة للعقيد معمر القذافى وكان ذلك شيئا يزعجه جدا وكان السادات يحاول دائما اتخاذ مواقف ايجابية بالنسبة للعقيد القذافى وذلك حتى لا يحدث شىء يؤثر فى الموقف الهش فى الشرق الأوسط آنذاك. وقبيل سفر أنور السادات فى إحدى رحلاته إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية كان يصور أو يحاول أن يظهر أن الاتحاد السوفيتى هو الذى يدعم الرئيس الليبى معمر القذافى وفى ذات الوقت فإن العالم كله كان يرى أن ليبيا هى التى تدعم الارهاب الدولى. وبالتالى فإن السادات الذى كان يحاول أن يظهر بأنه «حمامة» السلام بين الشرق والغرب قد استطاع أن يضرب عصفورين بحجر واحد مثلما يقال.. وأما العصفوران فهما استمراره فى الحصول على المساعدات المالية والعسكرية من الولاياتالمتحدةالأمريكية وفى ذات الوقت أن يظل كما أراد لنفسه أمام شعبه ووطنه أنه حمامة السلام بحق. لقد كان أشد ما يؤلم السادات هو ذلك الهجوم الذى كان يلقاه من بعض العرب خلال محاولاته لأجل السلام ولأجل استرداد سيناء. وبعد أن استرد السادات حوالى 80% من مساحة سيناء.. كثيرا ما كان يردد أن العرب يحاولون عزله.. أو جعله معزولا عنهم.. وكان يسأل حينئذ من الذى عُزل. العرب أم السادات؟! وكان يرى أن زيارته للقدس هى التى أعادت سيناء إلى مصر وبالتالى المصادر الطبيعية الموجودة فى أرض سيناء وداخلها ولم يكن يرضيه ما يقال عنه من إنه كان يسعى لعقد سلام منفرد مع إسرائيل لأنه كان يسعى لأن يكون السلام شاملا كل المنطقة. وأنه كان سوف يعطى دفعة أو سوف يتبنى معركة سلام من أجل الفلسطينيين بعد استرداد كامل سيناء.. هكذا كان يردد ويؤكد لكل أصدقائه فى مصر وخارجها ولكنه كان يرى أنه لابد أن تكون هناك مبادرة من الفلسطينيين أنفسهم حيث كان يتبنى السادات فكرة الحكم الذاتى لهم على أساس أن بقية الدول العربية لن تقدم على عمل شىء ما لم تكن مصر فى المقدمة وأنه بدون مصر كزعيمة عربية فالانقسامات تسود بعض أو معظم الدول العربية. وكان أكثر ما يلاحظ على السادات عندما تكون هناك مناقشات خاصة بالشرق الأوسط ومشكلته أن لديه إيمانًا قويًا جدًا جدًا بقوة ومركز مصر وأن مصر هى أهم معالم أو أهم ملامح المنطقة. رهبة السادات لقد بنى أنور السادات بعد استرداد سيناء استراحة بسيطة أمام دير سانت كاترين - القديس سانت كاترين كان يمثل الأرثوذكسية - الإغريقية - وكان السادات عندما يذهب إلى هناك يعيش جوا من السلام والاستقرار والرهبنة الروحية حيث كان يجلس فى استراحته هذه أمام جبل سيناء حيث تلقى سيدنا موسى إحدى الوصايا العشر فى هذه المنطقة. وكان السسادات كثيرًا ما يؤكد أن «أم» العرب جميعا كانت مصرية وأن المصريين من نسل سيدنا إبراهيم تماما مثل اليهود وابو اليهود هو «إسرائيل» وهو من نسل المسلمين اسماعيل والإثنان أبناء سيدنا إبراهيم ولكن من امهات مختلفة.. أم إسرائيل كانت سارة وهاجر كانت هى أم المسلمين وهى مصرية واليهود والمسلمون أشقاء ولكنهم يتحدثون بلغتين مختلفتين.. لكن كان من المفروض عليهم أن يبحث كل منهم عن الآخر. وكان السادات يرى أن إحساسه بجلال منطقة وادى الراحة هذه كان لا تمكن مقاومته سواء إحساسه بهذا الجلال او بالراحة والطمأنينة.. ولكن أيضا إحساسه بأنه مقدم على مرحلة نضال وكفاح عنيفة جدا فإنه كان خلال الأيام العشرة الأخيرة من شهر رمضان يأتى إلى هذا المكان ويعيش فى «خلوة» مع نفسه ليتعبد ويتضرع إلى الله سبحانه وتعالى..! وكان السادات يفضل الصلاة فى شرفة هذه الاستراحة البسيطة عن الصلاة فى المسجد الكبير والقريب من الاستراحة وكان مهتما بأن تكون حديقة الاستراحة مزروعة ببعض الخضراوات البسيطة وكان يسعده جدا أن يرى بعض شيوخ القبائل عندما يطوفون بجمالهم حول الاستراحة لعلهم يرون السادات فى الشرفة فيلوحون له بالتحية من بعيد وهؤلاء الشيوخ هم الذين كانوا يستقبلونه عند وصوله بالطائرة إلى هذا المكان. وقد أعطى السادات الشيوخ من البدو الكثير من الاهتمام والرعاية على اعتبار أنه أثناء الاحتلال الإسرائيلى لسيناء لم يكن الإسرائليون يقيمون وزنا لهؤلاء.. وكذلك أيام الاحتلال الإنجليزى كانوا معزولين عن القاهرة تقريبا.. لذلك أصدر السادات قراراته بشأن حرية تنقل هؤلاء البدووالشيوخ خارج سيناء كما يشاءون وأن يكون هناك ممر أسفل قناة السويس يربط مصر بسيناء كنوع من التواصل والتقارب بينهم وبين أهل القاهرة. وكثيراً ما كان السادات يدعو هؤلاء الشيوخ وزعماء القبائل فى سيناء لتناول طعام الإفطار معه وعلى نفس مائدته داخل استراحته هذه ولم يكن يفوته فى نفس الدعوة أن يكون من بين الحاضرين كبير أساقفة دير سانت كاترين وكان يونانىً الأصل.. ولم يكن يشارك الجالسين مع السادات فى أى حوارات سياسية أو غيرها أو دنيوية بشكل عام؛ الشىء الوحيد الذى كان يشاركهم فيه هو تناول الطعام بل إنه لم يكن يطلب من السادات أى طلب على الإطلاق. وكان السادات يفكر فى إقامة مبنى كبير على أرض هذا الوادى المقدس على أن يضم هذا المبنى مسجداً وكاتدرائية بل إنه كان قد حدد على سطح الجبل هناك مكان المسجد والكنيسة وقد أعلن عن رغبته وقتها فى أنه إذا توفاه الله فسوف يدفن فى هذا المكان أو أنه كان قد ترك وصية بهذا المعنى . وبقدر ما كان السادات لا يشغله عندما يذهب إلى هذا المكان سوى ممارسة الروحانيات والتأمل والعبادة بقدر ما كان معلقاً آمالاً ليس لها حدود بشأن ما بداخل أرض سيناء من بترول وفحم ومناجم أخرى. وكان لديه عدد هائل من المشروعات خاصة بهذه المنطقة وعلى اعتبار أنها سوف تكون فاتحة خير لمصر.. على أن ينتقل الشباب من أبناء الدلتا لزراعة وتعمير سيناء والعيش فيها.. كما أنه كان قد شرع فى بناء قرية على أرض سيناء وكان قد اختار اسمها على اسم القرية التى ولد بها « ميت أبو الكوم.. سيناء وكان قد حدد لها أنها سوف تستوعب ثلاثة آلاف خبير ومشاريعهم فيها الرى والزراعة. وعندما حضر وزير الزراعة الاسرائيلى لزيارة سيناء بعد ما بدأ أنور السادات مشاريعه بها قال « إنه لن يستطيع أن يصدق عينيه لما شاهده فى سيناء. قصمة. ظهر خلال عودة الرئيس السادات من رحلة الولاياتالمتحدة توقف خلال العودة فى سالزبورج حيث كان من المقرر أن يقضى بعض الوقت هناك من أجل أن يستريح وقد التقى بالمستشار كرايسكى والذى حذر السادات من أن حياته فى خطر كبير وأنهم لديهم معلومات بأن منظمة متطرفة سورية تحاول تعقبه وقد عقدت العزم على اغتيال السادات. وفى نفس الوقت أبلغ أنور السادات بأن القاهرة تشهد اضربات وقلاقل وأحداث شغب مما حدا به لأن يقطع رحلته ويعود فوراً إلى القاهرة أو بمعنى أدق إلى الأسكندرية.. حيث كان فى نيته قضاء بعض الأيام فى استراحته بالمعمورة.. ولكن الأحداث كانت قد تفاقمت وبلغت ذروتها مما جعله يضطر للعودة إلى القاهرة وأن يلزم منزله بالجيزة ليكون قريباً من مواقع الأحداث ومن كبار المسئولين. وبعد ذلك بأسابيع قليلة أمر أنور السادات بأعتقال حوالى ألف وخمسمائة شخص من كبار المثقفين والصحفيين والمفكرين وكبار رجال الدينين الإسلامى والمسيحى وبعض الوزراء السابقين وجميع معارضيه.. كما ألغى إصدار بعض صحف المعارضة حيث كان واضحاً خلال هذه الفترة أن أحزاب وصحف المعارضة كانت قد ارتفعت أصواتها أو أن أصواتها قد أصبحت عالية جداً وكذلك انتقاداتها للسادات وبشكل مثير جداً. وفى ذلك الوقت لاحظ كثيرون أن أنور السادات كان يحمل فى تعامله مع الآخرين شخصيتين أو وجهين فى وقت واحد أحدهما الرجل الهادئ وداعية السلام والثانى القائد الذى لابد أن يكبح جماح المعارضة أو أن يقمعها. بعد تلك الأحداث الشهيرة والمتلاحقة حيث كانت اجراءات السادات بشأنها ليس بها أية ديمقراطية أو أنها كانت بعيدة تماماً عن الديمقراطية وبعد أيام قليلة كان حدث اغتيال أنور السادات أثناء العرض العسكرى الذى كان مقاماُ بمناسبة الاحتفال بنصر أكتوبر 1973. حيث كان من المقرر أن ينتهى العرض العسكرى وبعد ذلك يستقل أنور السادات الطائرة متوجهاً إلى سيناء فى وادى الراحة ليؤدى صلاة عيد الأضحى هناك. وبعد أن تأكد أن أنور السادات قد لقى حتفه.. تساءل كثيرون : هل كانت هناك وسائل أخرى يمكن أن تجعل أنور السادات ينجو مما حدث له؟.. لقد أجمع أغلب المعارضين له على أن سياسته من أجل السلام ومبادرته التاريخية أو رحلته التاريخية إلى القدس كل ذلك هو ما أدى إلى الموقف الأخير أو النهاية المأساوية التى لقيها هذا القائد.. أو لعل ذلك كان من أهم العناصر التى عجّلت هذا الموقف أو تلك النهاية.. ومما يؤيد صحة ذلك كله ما أطلقه كبار الساسة مات من أجل مبادئه. ولقد كان السادات دائماً يكرر عبارة «فى السجن.. وفى ميدان القتال» يمكن للإنسان أن يصل إلى توافق مع نفسه حتى أنه كتب هذه العبارة فى كثير من قصصه. وتجربة السادات فى السجون وتجربته فى الحروب أظهرت أنه سياسى طيب جداً وبالفطرة وفى ذات الوقت فإنه ثعلب وداهية.. فقد كان يعلم أو يعرف متى الدقيقة أو اللحظة المناسبة التى يختارها ويحددها لكى يوجه ضربته أو يتخذ قراره وكان كذلك حريصًا جداً فى اختياره لأصدقائه واتخاذ قراره وإلالم يكن لهذا الفلاح البسيط أن يصل ليكون رئيس دولة وحيث كان حلم أمريكا هذه الدولة. وأيضاً فإننا لانستطيع أن نسمى السادات أنه كان الذئب فى القطيع لأنه كان لديه نوع من الصدق والتوافق مع نفسه؛ حيث كان ببساطة شديدة مثل «الحرباية» يستطيع أن يتوافق بسرعة مع الظروف المحيطة به وكان لديه أيضاً حساسية تجعله يستطيع أن يخترق الحشود سواء كان هناك أصدقاء أو ضيوف لأنه كان ذكياً جداً؛ ويجمع كثيرون ممن كانوا يلتقون به على مائدة طعام أو حفل أو حتى أثناء ممارسته لرياضة «المشى» أنه شخص مختلف تماماً».. عن السادات رئيس الدولة..