قبل أن ينتهى عام 2010، بدأ فى بعض الصالات المصرية عرض الفيلم الفرنسى اللبنانى المصرى المشترك «وهلّأ لوين» للمخرجة اللبنانية «نادين لبكى»، وهو الفيلم الذى عُرض فى قسم «نظرة ما» فى مهرجان كان لعام 2010، كما أنه الفيلم الروائى الطويل الثانى «لنادين» بعد فيلمها «سكر بنات» الذى عُرض أيضاً تجارياً فى الصالات المصرية بعد عرضه فى مهرجان كان. «وهلّأ لوين» كلمة بالعامية اللبنانية تعنى «والآن إلى أين نحن ذاهبون؟»، بمعيار المعنى الانسانى النبيل الذى يطرحه الفيلم فإننا أمام عمل يدافع من خلال وجهة نظر نسوية عن فكرة رفض الحرب والدفاع عن السلام، أما من حيث المستوى الفنى فنحن أمام فكرة ذهبية لامعة فى مقابل سيناريو متواضع ومشتت وحائر بين أشياء مختلفة، يتأرحج بين الكوميديا وبعض المشاهد الميلودرامية العاصفة، فيه مشاهد جميلة وقوية وأخرى شديدة السذاجة، يطرح فكرته أحياناً بذكاء وفى المشهد التالى يُقدمّ مايشبه الخُطب الأنشائية. يُفترض أن إطار فيلمنا هو الفانتازيا حيث يتخيل السيناريو الذى كتبته «نادين لبكى» و«رودنى الحداد» و«جهاد حجيلى» أننا فى قرية لبنانية معزولة تماماً فى قلب الجبل تحاول أن تعيش فى سلام من عواصف قادمة لحرب أهلية طائفية بين المسلمين والمسيحيين، ويلعب الدور الأول فى ذلك نساء القرية بقيادة «آمال» (نادين لبكى أيضاً) التى تمتلك مقهى، وتتوالى حيل نساء القرية بصرف أنظار الرجال عن الفتنة الطائفية من خلال طرق متتالية مثل تدمير طبق الارسال التليفزيونى الذى يشاهده سكان القرية فى تليفزيون وحيد، ومثل إحراق الجريدة التى تحمل خبر المعركة الطائفية، ثم تلجأ النساء فى النهاية إلى استقدام راقصات أوكرانيات لإلهاء الرجال والوصول إلى السلاح الذى يحتفظون به فى اماكن مدفونة، وتكون نقطة التحول بمقتل الشاب «نسيم» المسيحى بطلقة طائشة من خارج القرية، فتقوم أمه «تقلا» بإخفاء الخبر عن القرية حتى لايشتبك المسلم والمسيحى، وعندما تعرف «آمال» وبقية السيدات فيقررن القيام بآخر المحاولات لاثناء الرجال عن الحرب والفتنة حيث تتحول المرأة المسيحية إلى مسلمة، وتتحول المرأة المسلمة إلى مسيحية فى خطوة رمزية تؤكد أن المرأة ستقوم بكل الوسائل الممكنة لكى تمنع تكرار الحرب الأهلية اللبنانية التى استمرت 15 عاماً وحصدت آلاف الأرواح، وعندما يستجيب الرجال أخيراً ويتفقون على دفن الشاب «نسيم» يكتشفون أن النساء قد خلطن أيضاً مقابر المسلمين والمسيحيين فيتساءلون جميعاً: «هلّأ لوين؟» أو «والآن إلى أين سنذهب؟». مشكلة سينما «نادين لبكى» الطويلة ليست فى الصورة، ولا?فى جهدها فى إدارة ممثلين غير محترفين، مشكلتها الكبرى أيضاً ليست فى الأفكار وإنما فى كتابة هذه الأفكار كسيناريوهات متماسكة. وفيلم «وهّلأ لوين» يمكن اعتباره تنويعة على فكرة أريستوفان فى مسرحية «لينرستراتا» التى تحمل اسم امرأة تفكر فى إجبار الرجال اليونانيين على توقيع معاهدة سلام من خلال رفض ممارسة النساء الحب معهم، ولكن فيلمنا اللبنانى لا?يضبط إيقاعه ولا أسلوبه، ويمتلىء بالثغرات رغم براعة الفكرة، ولا يدررس شخصياته أو يعمقها، كما أنك لن تعرف مثلاً لماذا استجاب الرجال أخيراً، ولا لماذا لم يتم اللجوء مبكراً لفكرة سرقة السلاح؟! فيلم نبيل الرسالة والمعنى، فكرته ذهبية، ولكنه متواضع السيناريو مع شديد الأسف.