رئيس ضمان جودة التعليم: الجامعات التكنولوجية ركيزة جديدة فى تنمية المجتمع    إتاحة الاستعلام عن نتيجة امتحان المتقدمين لوظيفة عامل بالأوقاف لعام 2023    قطع المياه عن نجع حمادي.. وشركة المياه توجه رسالة هامة للمواطنين    الحكومة: نرصد ردود فعل المواطنين على رفع سعر الخبز.. ولامسنا تفهما من البعض    «حماس» تصدر بيانًا رسميًا ترد به على خطاب بايدن.. «ننظر بإيجابية»    محامي الشحات: هذه هي الخطوة المقبلة.. ولا صحة لإيقاف اللاعب عن المشاركة مع الأهلي    رونالدو يدخل في نوبة بكاء عقب خسارة كأس الملك| فيديو    أحمد فتوح: تمنيت فوز الاهلي بدوري أبطال أفريقيا من للثأر في السوبر الأفريقي"    هل يصمد نجم برشلونة أمام عروض الدوري السعودي ؟    حسام عبدالمجيد: فرجانى ساسى سبب اسم "ماتيب" وفيريرا الأب الروحى لى    هل الحكم على الشحات في قضية الشيبي ينهي مسيرته الكروية؟.. ناقد رياضي يوضح    محامي الشحات: الاستئناف على الحكم الأسبوع المقبل.. وما يحدث في المستقبل سنفعله أولًا    مصارعة - كيشو غاضبا: لم أحصل على مستحقات الأولمبياد الماضي.. من يرضى بذلك؟    اليوم.. بدء التقديم لرياض الأطفال والصف الأول الابتدائي على مستوى الجمهورية    32 لجنة بكفر الشيخ تستقبل 9 آلاف و948 طالبا وطالبة بالشهادة الثانوية الأزهرية    استمرار الموجة الحارة.. تعرف على درجة الحرارة المتوقعة اليوم السبت    اعرف ترتيب المواد.. جدول امتحانات الشهادة الثانوية الأزهرية    صحة قنا تحذر من تناول سمكة الأرنب السامة    أحمد عبد الوهاب وأحمد غزي يفوزان بجائزة أفضل ممثل مساعد وصاعد عن الحشاشين من إنرجي    دانا حلبي تكشف عن حقيقة زواجها من محمد رجب    الرئيس الأمريكي: إسرائيل تريد ضمان عدم قدرة حماس على تنفيذ أى هجوم آخر    "هالة" تطلب خلع زوجها المدرس: "الكراسة كشفت خيانته مع الجاره"    حدث بالفن| طلاق نيللي كريم وهشام عاشور وبكاء محمود الليثي وحقيقة انفصال وفاء الكيلاني    أبرزهم «إياد نصار وهدى الإتربي».. نجوم الفن يتوافدون على حفل كأس إنرجي للدراما    مراسل القاهرة الإخبارية من خان يونس: الشارع الفلسطينى يراهن على موقف الفصائل    عباس أبو الحسن يرد على رفضه سداد فواتير المستشفى لعلاج مصابة بحادث سيارته    "صحة الإسماعيلية" تختتم دورة تدريبية للتعريف بعلم اقتصاديات الدواء    ثواب عشر ذي الحجة.. صيام وزكاة وأعمال صالحة وأجر من الله    أسعار شرائح الكهرباء 2024.. وموعد وقف العمل بخطة تخفيف الأحمال في مصر    العثور على جثة سائق ببورسعيد    الأمين العام لحلف الناتو: بوتين يهدد فقط    سر تفقد وزير الرى ومحافظ السويس كوبرى السنوسي بعد إزالته    نقيب الإعلاميين: الإعلام المصري شكل فكر ووجدان إمتد تأثيره للبلاد العربية والإفريقية    كيف رفع سفاح التجمع تأثير "الآيس" في أجساد ضحاياه؟    "حجية السنة النبوية" ندوة تثقيفية بنادى النيابة الإدارية    ضبط متهمين اثنين بالتنقيب عن الآثار في سوهاج    «الصحة»: المبادرات الرئاسية قدمت خدماتها ل39 مليون سيدة وفتاة ضمن «100 مليون صحة»    وكيل الصحة بمطروح يتفقد ختام المعسكر الثقافى الرياضى لتلاميذ المدارس    وصايا مهمة من خطيب المسجد النبوي للحجاج والمعتمرين: لا تتبركوا بجدار أو باب ولا منبر ولا محراب    الكنيسة تحتفل بعيد دخول العائلة المقدسة أرض مصر    للحصول على معاش المتوفي.. المفتي: عدم توثيق الأرملة لزواجها الجديد أكل للأموال بالباطل    القاهرة الإخبارية: قوات الاحتلال تقتحم عددا من المدن في الضفة الغربية    «القاهرة الإخبارية»: أصابع الاتهام تشير إلى عرقلة نتنياهو صفقة تبادل المحتجزين    «ديك أو بط أو أرانب».. أحد علماء الأزهر: الأضحية من بهمية الأنعام ولا يمكن أن تكون طيور    الداخلية توجه قافلة مساعدات إنسانية وطبية للأكثر احتياجًا بسوهاج    ارتفاع الطلب على السفر الجوي بنسبة 11% في أبريل    «صحة الشرقية»: رفع درجة الاستعداد القصوى لاستقبال عيد الأضحى    وزير الصحة يستقبل السفير الكوبي لتعزيز سبل التعاون بين البلدين في المجال الصحي    مفتي الجمهورية ينعى والدة وزيرة الثقافة    الأونروا: منع تنفيذ برامج الوكالة الإغاثية يعنى الحكم بالإعدام على الفلسطينيين    الماء والبطاطا.. أبرز الأطعمة التي تساعد على صحة وتقوية النظر    «الهجرة» تعلن توفير صكوك الأضاحي للجاليات المصرية في الخارج    رئيس الوزراء الهنغاري: أوروبا دخلت مرحلة التحضير للحرب مع روسيا    «حق الله في المال» موضوع خطبة الجمعة اليوم    بمناسبة عيد الأضحى.. رئيس جامعة المنوفية يعلن صرف مكافأة 1500 جنيه للعاملين    السيسي من الصين: حريصون على توطين الصناعات والتكنولوجيا وتوفير فرص عمل جديدة    الحوثيون: مقتل 14 في ضربات أمريكية بريطانية على اليمن    أسعار الفراخ اليوم 31 مايو "تاريخية".. وارتفاع قياسي للبانيه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. إبراهيم البحراوى يكشف بالوثائق . . .المخطط الإسرائيلى لتهميش مصر
نشر في أكتوبر يوم 04 - 12 - 2011

بينما العالم العربى فى غفلة من أمره، حيث يسعى البعض للحصول على الحرية والبعض يسعى للحصول على الحد الأدنى للعيش، والبعض الآخر يسعى للحصول على أقصى قدر من الملذات والشهوات وكيفية تبذير ما منحه الله له من نعم، وبعضه يبحث عن قوى دولية يتعلق فى أذيالها بينما يحدث كل ذلك وأكثر منه، تحشد إسرائيل علماءها وعلماء اليهود فى شتى بقاع الأرض، وتحشد الأموال والإمكانات لأمور لا تخطر على بالنا نحن.. إنها تسعى ليس للبقاء فقط على وجه الأرض، ولكن لتهميش الدول المحيطة بها وأولها مصر ولتكون من أهم عشر دول على مستوى العالم.. هذه الصدمة ألقاها فى وجوهنا بالوثائق الدكتور إبراهيم البحراوى الكاتب والمفكر وأستاذ الأدب العبرى المعاصر بجامعة عين شمس.. والذى كان معه هذا الحوار.....* أنا ضد ترجمة الأعمال الإسرائيلية ونشرها فى مصر * إسرائيل تخطط لأن تكون من أهم عشر دول فى عام 2028! *73 من رجال الأعمال والبنوك والعلماء فى إسرائيل وأمريكا وأوروبا وضعوا الاستراتيجية الإسرائيلية!
*استجوبت أسرى إسرائيليين فى حرب 1967 !....* الجيش المصرى من أشرف الجيوش فى معاملة الخصم ! * بقيت سبع سنوات فى الحزب الوطنى خوفًا من بطشهم...*لنبدأ من التخصص وهو الأدب العبرى المعاصر، لقد وجدنا هناك عدة تعريفات منها، أستاذ اللغة العبرية، أستاذ اللغات الشرقية، أستاذ الدراسات العبرية.. نريد أن نعرف التعريف الدقيق لهذا التخصص. ** أنا أستاذ أدب عبرى معاصر، يرتبط بهذا مباشرة نوع النشاط العلمى الذى أؤديه، هناك بعض الصحفيين ووسائل الإعلام تطلق علىّ أستاذ الدراسات العبرية الحديثة، على أساس أننى أفتح آفاقا أوسع فى دراسة المجتمع الإسرائيلى لا تقف فقط عند حدود الأدب، إنما تنتهى إلى السياسة، وتدخل فى الاجتماع والاقتصاد وشتى المناحى، وهذا التوسع حدث رغم أنفنا. * ماذا تعنى بأنه حدث رغم أنفنا؟ ** لأن الطبيعى أن يكون لدينا أستاذ اقتصاد متخصص فى الاقتصاد الإسرائيلى، لأن إسرائيل هى العدو الرئيسى، فعلى الأقل لابد أن يكون لدينا أستاذ متخصص فى الاقتصاد من كلية الاقتصاد بمفردات ومناهج علم الاقتصاد، وأن يكون لدينا أستاذ فى العلوم السياسية متخصص فقط فى إسرائيل، وأستاذ متخصص فى التنمية البشرية فى إسرائيل، وآخر متخصص فى التكنولوجيا والصناعات العسكرية فى إسرائيل، وهكذا، ولكن نحن للأسف ليس لدينا هذا، عندنا أقسام اللغة العبرية وآدابها يتخرج فيها أساتذة، وكل أستاذ حسب اهتماماته الثقافية والأكاديمية، هناك أستاذ يحصر نفسه فى تخصصه الضيق فى اللغة العبرية أو فروعها، وهناك أساتذة يحصرون أنفسهم فى الأدب، وآخرون يحصرون أنفسهم فى الديانة، وهناك أساتذة مثل جيلى فرض علينا أن نوسع هذه الدراسات نتيجة لما عانيناه فى حرب 1967. * وهل كان هذا توجهًا للدولة المصرية بعد نكسة يونيو 1967؟ ** الأقسام العلمية فى الجامعات مدارس، فيمكن أن نقول إن هناك مدرسة علمية نشأت فى الجامعات المصرية قررت – نتيجة الهزيمة- أن تركز جهودها العلمية (المقررات تطورت، رسائل الماجستير والدكتوراة تطورت) كلها اتجهت إلى دراسة إسرائيل المعاصرة بنقاط ضعفها وقوتها، فلا نستطيع أن نعمل فقط على الأدب، رغم أن الأدب كان إحدى الوسائل الرئيسية جدا فى الدراسة.
وأنا حصلت على الدكتوراة فى دراسة الشخصية الإسرائيلية عبر الأدب العربى الحديث، وكان عنوان الرسالة ( أدب الحرب الإسرائيلى فى القصة القصيرة العبرية) فكما قلت سابقا كان أمامنا تحدٍ كبير، وليس لدينا ترف أن كل واحد يحبس نفسه فى عالمه الأكاديمى، لأننا كنا على استعداد أن نتطوع، وأن نذهب لميادين القتال، وهذا
ما فعلته، فبدأت أتصل بأساتذة علم الاجتماع، وعلم النفس، وأدرس هذه العلوم، بحيث أستطيع إنتاج شىء مختلف أثناء دراستى للأدب العبرى، واكتشفت أن هناك مدرسة أمريكية نشأت أثناء الحرب العالمية الثانية بعد ضرب اليابانيين ميناء بيرل هاربر والتى كانت مفاجأة للأجهزة الأمريكية، فالأجهزة الأمريكية كانت محتاجة لدراسة الشخصية اليابانية المقاتلة، وتدرس كيفية التماسك الاجتماعى فى اليابان، تريد أن تعرف عن المجتمع الذى تقاتله، فلم يجدوا نافذة لدراسة هذا المجتمع إلا الأدب، فاستدعوا مجموعة من أساتذة الأدب اليابانى فى الجامعات الأمريكية، وكان معهم أيضا مجموعة من أساتذة الاجتماع وعلم النفس الاجتماعى، وقالوا لأساتذة الأدب انقلوا النصوص الأدبية من اللغة اليابانية إلى الإنجليزية، وحللوها برؤيتكم للمجتمع، وقالوا لأساتذة علم النفس والاجتماع استخرجوا من هذه النصوص آليات العلاقات داخل الأسرة اليابانية. * لكن هناك البعض يقول إنه لا يوجد شيء يسمى بالأدب الإسرائيلى؟ ** هذا كان يصدق قبل قيام الدولة عام 1948، ومع قيام الدولة بدأوا فى محاولة اكتساب أنماط المجتمع الطبيعى، وبدأت عملية إنتاج أدبى متطورة ومستمرة حتى الآن، فمستحيل أن نقول هذا. * هناك أصوات تطالب بعدم ترجمة الأعمال الإسرائيلية؟ ** أنا أيضا ضد ترجمة الأعمال الإسرائيلية ونشرها على الجمهور
إلا بمقدمات يكتبها أستاذ متخصص ينبهك إلى مواقع الفتنة، مثلا يمكن أن نجد فى الأعمال الأدبية العبرية ترويجًا على ألسنة البطل لحق الملكية التاريخى الصهيونى لأرض فلسطين، فأنا لو ترجمت ما يرد على لسان الشخصية، والقارئ غير متخصص، فأنا أوقعه فى فخ تصديق هذه المقولة، والتى يترتب عليها أنه يمكن أن يتغير موقف القارئ من الصراع العربى الفلسطينى، لذا أقول إننى مع ترجمة الأدب ونشره بشرط رئيسى أن تكون هناك مقدمة ضافية للعمل بقلم أستاذ واع يقدم رؤية ينبه بها القارئ حتى لا يقع فى المفاهيم الصهيونية، لأنه بدون ذلك سيكون اختراقا فكريا. * وماذا عن الترجمات التى يقدمها البعض الآن فى مصر ؟ ** الترجمات الحالية كلها تجرى داخل أقسام العبرى لخدمة الرسائل الجامعية. * وماذا عن مذكرات السياسيين والسفراء الإسرائيليين فى مصر مثلا؟ ** نقل المعرفة مهم، لكن كما قلت بإجراءات ضرورية معروفة، حتى لا يحدث تأثير على القارئ العادى. * لقد نبهت إلى الاستراتيجية الاسرائيلية التى تعمل عليها إسرائيل حاليا.. حدثنا عنها بشكل تفصيلى؟ ** أولا عنوانها استراتيجية إسرائيل 2028، وهى استراتيجية تنموية شاملة نهايتها 2028، بدأت عام 2008 وتستمر 20 عاما، هم بدأوا التحضير لها منذ عام 2005، عندما انتهوا من تحضيرها وإعدادها فى 2008 قالوا سنعمل على 20 سنة تنمية، هدف الاستراتيجية محدد جدا يقول أنا أريد أن أضع إسرائيل فى مصاف الدول العشر إلى الخمس عشرة الأولى فى العالم من ناحية مستوى الدخل القومى، مستوى دخل الفرد، نريد أن يكون متوسط دخل الفرد عام 2028، 50 ألف دولار، مع العلم بأن متوسط دخل الفرد حاليا 23 ألف دولار.
يريدون أن يصبحوا فى مصاف الدول المتقدمة من حيث الإنتاج التكنولوجى، فتح الأسواق، تطوير الصناعة التقليدية، تطوير التعليم، جودة العنصر البشرى، الاستراتيجية عبارة عن بحث عميق فى مشكلات المجتمع الإسرائيلى، وفى معوقات قدرة هذا المجتمع على الانطلاق ومنافسة الدول العشر الأولى، بعدما درسوا كل المشكلات وضعوا الرؤى كيف يمكن أن نطور هذا بحيث تصل إلى مستوى التميز. * وهل هذه الاستراتيجية حكومية؟ ** الاستراتيجية ليست حكومية، ولكنها نتاج لعقول المجتمع المدنى الإسرائيلى، بمعنى أن هناك بعض الأشخاص تجمعوا وقرروا أنهم غير راضين عن وضع المجتمع، وقرروا تطوير المجتمع. * هل تقصد أن هذه فكرة للمجتمع المدنى؟ ** تماما، هم أفراد من المجتمع المدنى من يهود أمريكا، ويهود أوروبا، ويهود إسرائيل، مستوياتهم عالية جدا، وهم رجال أعمال، ورجال بنوك ورجال اقتصاد، عددهم 73 شخصًا، الفكرة بدأت أن هؤلاء الأشخاص كانوا يتناولون تطوير العلاقات بين إسرائيل وأمريكا، وفتح مجالات للعلاقات التكنولوجية والبحث العلمى، ثم اكتشفوا أن المجتمع الإسرائيلى فى حاجة إلى ما هو أكثر من ذلك، لأنه أصبحت لديه مشاكل كثيرة لن تمكنه من أن تكون له قدرة تنافسية دولية. * ولكن هذه التركيبة التى تتحدث عنها لا تريد أن تصل بالمجتمع الإسرائيلى لنقطة ما، واضح أن هناك شيئًا أكبر من هذا؟ ** بالنسبة لى الأمور كلها واضحة، هؤلاء الأشخاص يريدون تنمية المجتمع، يجعلون إسرائيل متفوقة على جيرانها، وهو ما يقولونه بنصوص صريحة، فأهدافهم المباشرة جعل إسرائيل واحدة من الدول الخمس عشرة الكبرى على مستوى العالم، لجعل إسرائيل دائما متميزة ومتفوقة (بهذه المصطلحات) على جيرانها، هم يريدون أن يضمنوا لها تفوقا دائما فى كل المعايير.. الاقتصاد، السلاح، التكنولوجيا.. هنا التحالف الإسرائيلى الأمريكى المعهود مترجم فى قوى مجتمع مدنى، مجموعات علماء ورجال أعمال من المجموعتين بيفكروا كيف يستخدمون علمهم وخبراتهم فى أن يطوروا هذا المجتمع قدر ما يستطيعون، فوضعت هذه الاستراتيجية وبنيت بناء دقيقا، وبعد أن أنهوها فى عام 2008 ورفعت إلى مجلس الوزراء، الذى تبناها على الفور، ومن ثم تحولت إلى خطة حكومية معتمدة مهتم بها الحكم الإسرائيلى، من هنا نرى أن المجتمع المدنى الإسرائيلى استطاع أن يبنى خطة تنمية شاملة، ثم يلزم الحكومة بها. * إذن فهذا يوضح عيبًا آخر لدينا فهم مجتمع مدنى قوى يدرك مصالح بلده، بينما فى مصر المجتمع المدنى ضعيف. ** أنا أريد أن أوضح هذه المقارنة، فعلى سبيل المثال دراسة إسرائيل فى حد ذاتها لم تعد تعنينى، أنا سئمت لأننا درسنا إسرائيل بما فيه الكفاية، ولم نجابهها كما ينبغى، المعركة الوحيدة الظافرة كانت حرب أكتوبر، ثم رأينا النتائج فيما بعد، حيث تآكل الموقف العربى، وبدلا من أن يعبر انتصار أكتوبر عن نفسه فى اتفاقيات شاملة تتحرر بها كل الأرض المحتلة فإن الذى حدث هو أن الأرض مازالت محتلة منذ عام 1967! * أين الخطأ فى رأيك؟ ** الخطأ فى السياسات العربية، فى الإدارة، وسأتناول هنا المجتمع المصرى تحديدا، لأنه مجتمع المواجهة الرئيسى، كما أنه عندما تنجح مصر ينجح العرب، ومصر رأس الأمة. * ماذا كان المطلوب بعد حرب أكتوبر؟ ** كان مطلوبا ألا تنفرد مصر بالصلح، لأن المجتمع الدولى فى ذلك الوقت كان مستعدا لمقايضة كبرى، فإذا تأملنا ما الذى كانت تريده أمريكا، سنجد أنهم بعد 1973 كانوا يريدون خروج الاتحاد السوفيتى من المنطقة، وهذا هدف ضخم جدا، حتى يخرج الاتحاد السوفيتى الذى كان موجودًا فى مصر، سوريا، اليمن، ليبيا.. إلى آخره، الثمن كان لابد أن يكون صفقة سلام شامل. * وإذا كانت بقية الدول العربية رفضت السلام؟ ** أنا لا أريد تحميل المسئولية، أنا أتحدث عن تصور، لو أننا نضع استراتيجية كنت سأفعل هذا، رغم ما فيها من مشاكل ومزايدات، لكن عندما نعيد النظر بعد كل هذه السنوات، لو حسبناها سنقول مصر استفادت أنها أعادت أرضها، لكن كان يمكن أن تستفيد أكثر بأن تعيد كل الأرض العربية المحتلة، وتضغط على أمريكا، ولابد أن نعرف أن الإسرائيليين فى نهاية الأمر مجرد كيان صغير مستندة استنادا رئيسيا على أمريكا، إذن يجب أن نعرف أننا كنا نفاوض أمريكا، وبعد حرب أكتوبر 1973 بقينا 4 سنوات فى حالة جمود.. لماذا حدث التحول؟ لأن السادات بعبقرية سياسية- ولكن كان يجب أن تكتمل- فهم أنه سيأخذ الأرض العربية المحتلة مقابل إخراج السوفيت، يعنى إسرائيل ستخرج من الأرض العربية مقابل خروج السوفيت من الأرض العربية.. هذا من وجهة نظرى لب الصفقة. * ألا تتفق مع الرأى القائل بأن الاتحاد السوفيتى خرج من مصر قبل حرب أكتوبر بطرد الخبراء الروس؟ ** ولكن كان من الممكن رجوعه، أما الخروج السياسى الذى تنقطع فيه التأثيرات السوفيتية فى مصر، بدءا من الثقافة والكتب، ومرورا بالفكر، حتى الخبراء السياسيين والعسكريين، هذا ما حققه السادات أنه طرد السوفيت كفكرة ووجود. * البعض يرى أن هذا بُعد نظر من السادات أنه توقع انهيار الاتحاد السوفيتى قبل حدوثه بعقود؟ ** طبعا، وأنا أيدت ما فعله السادات، وأنا طوال الوقت فى علاقتى بالنظام المصرى أطالب بما هو أكثر، وأنا كنت أكتب هذا: أنه كان من الممكن أن نأخذ ثمنا أكبر من طرد السوفيت، ليس سيناء فقط، لو كنا ضغطنا على الأمريكان، ولم نستعجل، وعندما نرى مذكرات إسماعيل فهمى سنجد أن عناصر الدبلوماسية الخارجية التى كانت بجانب السادات كانت تحاول أن تحول دون اندفاعه، ولو كان استفاد منهم، لكانت ستحدث نتائج أكبر، لأن الأمريكان كانوا يريدون إخراج السوفيت، وكانوا يعرفون أنهم لن يخرجوا من المنطقة إلا عندما يخرجون من مصر. * عودة إلى استراتيجية 2028 كنت قد قلت إن الأمريكان مشاركون فيها؟ ** إسرائيل من قبل ومن بعد ستظل معتمدة حتى فى تطوير هذه الاستراتيجية، وفى تطوير اقتصادها على الدعم الأمريكى، ومثلا منطقة التجارة الحرة بين إسرائيل وأمريكا أعطت إسرائيل مزايا ضخمة جدا. * من وجهة نظرك، ما الذى يجعل أمريكا تظل على دعمها لإسرائيل رغم أن هناك بعض البلدان العربية أكثر مساندة لأمريكا من إسرائيل ؟
**أولا عنصر القرابة الثقافية والحضارية، هناك ما يسمى حاليا فى العالم الحضارة المسيحية اليهودية المشتركة، هذه حضارة واحدة، الكتاب المقدس مقسم إلى قسمين العهد القديم وهو ما يؤمن به اليهود، أما القسم الثانى فهو العهد الجديد، والمسيحيون يؤمنون بالعهدين القديم والجديد، فيتلقى المسيحى فى التعليم العهد القديم ورواياته وأقاصيصه والشخصيات الأبوية الكبيرة، فهو مرتبط وجدانيا ببنى إسرائيل لأنهم جزء رئيسى من ديانته، والسيد المسيح قال جئت لأتمم وليس لأنقض، أى أنه لا ينقض التوراة ولا العهد القديم، فكل ما ورد فى العهد القديم من أقاصيص عن دخول بنى إسرائيل لفلسطين، وخروج اليهود من أرض الفراعنة، كل هذه الأشياء يؤمن بها المسيحى ويأخذها كمسلمات، لذا فإن إحدى المشكلات أنه عندما تتحدثين إلى مسيحى فى الغرب وتقولين له إن اليهود ليسوا أصحاب الأرض، فأنت تضرب معتقده الدينى، لأنه يعتقد أن اليهود دخلوا كأمة موحدة إلى فلسطين ليحرروها من الوثنيين الذين كانوا فيها، العنصر الثانى هو العلاقة الإثنية، فعندما نرى من الذى عمل الصهيونية، وغزا فلسطين، وعمل المشروع الصهيونى سنة 1897؛ إنهم يهود أوروبا الذين يربط بينهم علاقة قربى سلالية، وهم يشبهون بعضهم البعض، العنصر الثالث علاقة المصالح الرئيسية، لماذا ساعد الغرب إسرائيل، لماذا ساعدوا الشباب اليهودى فى نهاية القرن 19 لينتقلوا من أوروبا إلى فلسطين؟ لأنهم بدأوا يفكرون فى أن زرع كيان موال لهم.. شىء ضرورى لمصالحهم. * لقد شاركت فى حرب 1967، وحرب 1973 فماذا كان دورك؟ ** كنت أستجوب الأسرى ! * وهل كان هناك أسرى فى 67 ؟ ** نعم لقد كانوا نوعين الطيارين والضفادع البشرية، ذهبت إلى السجن الحربى مرتين فى حياتى، مرة فى 1967 لما استجوبنا الأسرى، والأخرى فى 73. * هل تتذكر عددهم؟ ** نعم أتذكر، ولكن هذا أمر سرى ممنوع أن أذكر عددهم، لأنهم حتى الآن لايزالون (الإسرائيليون) يبحثون فى هذا الأمر، وهم كما قلت كانوا طيارين وضفادع بشرية، الطيارون وهم الذين تساقطوا أثناء الغارات على المطارات والجنود المصريون أسروهم، أما الضفادع البشرية فتم أسرهم فى رأس التين عند قلعة قايتباى، ألقت بهم غواصة إسرائيلية فى عرض البحر على بعد 6كيلو، وسبحوا هذه المسافة، وكانوا فى مهمة لتفجير ميناء الإسكندرية، والذى أمسك بهم شباب الدفاع المدنى. * وماذا عن ردود فعلهم عند استجوابهم؟ ** كانوا أنواعا مختلفة، على حسب السن ومسقط رأسهم تترتب درجة الصلابة فى الموقف، يعنى لو طيار عنده 35 سنة ومهاجر منذ 5 سنوات لإسرائيل سيختلف عن طيار عنده 22 سنة مولود فى إسرائيل.
وأريد أن أقول شيئا فى هذا الإطار إننا لم نكن نمارس معهم أى ضغوط، ولكن فقط الحوار، فالعسكرية المصرية من أشرف الجيوش فى العالم فى معاملة الخصم، ليس هناك ضرب أو أذى أو تعذيب أو ضغط. * ولكننا رأينا الصورة المعاكسة تماما من قبل الجيش الإسرائيلى فى التعامل مع الأسرى المصريين فى حرب 67. ** هذا هو فرق الأخلاق، أنا أتحدث كمدنى، ففى 1967 كنت معيدا بالجامعة، والتحقت بالمخابرات العسكرية تطوعا، وأنا أشهد بمعاملة الأسرى الإسرائيليين من الجيش المصرى، فالمعاملة العسكرية المصرية شريفة للغاية تتفق مع المواثيق الدولية بالكامل. * وبماذا تفسر قتلهم للأسرى المصريين ؟ ** السفالة، فما فعلوه لا يوصف
إلا بالسفالة! وفى الواقع أن السلوك الإسرائيلى تجاه الأسرى جزء من ثقافة العدوان الإسرائيلية، كيف تربى أطفالك فى المدارس، فى الأحزاب، فى المجموعات الدينية غير الرسمية، تربيهم على كراهية واحتقار العرب، وعلى اعتبار العربى إما حشرة قابلة أن تبيدها، وهو كلام يذكر فى الكتب، ويتردد على ألسنة العسكريين والحاخامات، وإما أن يعامل على أنه وحش مفترس، إذا لم يَقْتُل فسيُقْتَل، وبالتالى يزرعون عندهم مزيجًا من حالة الاحتقار للعربى والخوف الشديد منه، بما يؤدى لإفراز حالة عدوانية عندهم. * ماذا عن موقفك من معاهدة السلام؟ ** أنا كنت أطالب بالأكثر، لكن اعتبر نفسى خائنا كمقاتل لو قلت لا لعودة سيناء، كان يجب أن أقول نعم لعودة سيناء، رغم أنى كنت أتصور أننا يجب أن نأخذ فوقها الضفة وغزة. * هل دخلت فى مفاوضات مباشرة مع تيارات السلام فى إسرائيل؟ ** لا رفضت، أنا كنت أحرر صفحة فى الأخبار أيام موسى صبرى أثناء فترة المعاهدة، وكان اسمها (كيف تفكر إسرائيل؟) وفيها أعلنت موقفى صراحة.. نعم لعودة سيناء ولا تطبيع بدون دولة فلسطينية، هنا أنا لعبت دور المجتمع المدنى – والذى أطالبه دائما بأن ينشط، ومع ذلك أنا أشهد للسادات وموسى صبرى، لأن السادات كان بيقرأ الشغل، وموسى صبرى كان يقول لهم أعطونى حق التعبير رغم الخلاف معهم. * ماذا عن تعليقات السادات على ما ينشر؟ ** أنا قابلت السادات مرة واحدة عندما اجتمع مع مجموعة من المثقفين سنة 1980، ولكنى لم أتحدث معه مباشرة، أما بخصوص الصفحة فما وصلنى من موسى صبرى أن السادات سعيد بوجود أكاديميين مصريين قادرين على فهم إسرائيل من الداخل، فالصفحة كانت تقدم تشريحا للمجتمع الإسرائيلى من الداخل، وهذا كان لأول مرة فى الصحافة العربية، وبعد ذلك صحف كثيرة نقلته، وكان لدى مجموعة من الصحفيين متخصصين فى العبرى ويساعدونى.أعطانى موسى صبرى الإمكانات، وسمح لى أن أبدى رأيى بحرية. * وهل كان هذا الرأى يتعارض مع التوجهات العامة للدولة؟
**كان أشد تصلبا من الدولة ولكن فى نفس الاتجاه، وكما قلت سابقا كان من المستحيل أن أرفض عودة سيناء، وحتى اليوم فإن أى أحد رفض معاهدة السلام يأتى ويقول أنا آسف أنى رفضت، لأن هذا كان قصر نظر، لأن هذه موازين التفاوض فى النهاية، خلاص التفاوض لم يستطع أن يحقق غير ذلك، لكنه أعاد جزءا عزيزا من الأرض العربية المحتلة وهى سيناء، لكنى لن أبنى على هذا الاعتراف بالمعاهدة أية علاقات طبيعية مع إسرائيل، إلا إذا حققت ما أريده وهى الدولة الفلسطينية، هناك أصدقاء قبلوا ما حققته الدولة المصرية، وقالوا إن مصالح مصر كده، أنا كنت أرى أن مصلحة مصر أن تظل زعيمة، تظل قائدة للمنطقة وليس فقط استرداد سيناء. * هل أعدت تقييم موقفك؟ ** موقفى لا يحتاج لمراجعة، لأننى على عكس أصدقاء لى قبلوا ما حدث، وانطلقوا فى قطار التطبيع، وهناك أصدقاء رفضوا المعاهدة بما فيها، وما عليها، أنا موقفى فى الوسط، أنا قبلت المعاهدة، ورفضت التطبيع. * لكن هذه كانت بمثابة صفقة إما أن تأخذها وإما أن ترفضها ؟ ** هذا كان قصر نظر من المعسكرات المختلفة، كل المعسكرات كانت بتتخاصم، معسكر من قبلوا السلام وراحوا للتطبيع، ومعسكر من رفضوا المعاهدة والتطبيع اشتبكوا، لكن الاثنين لى بهما علاقة جيدة ويحترمان موقفى، لأنى أخذت من الموقفين، ورأيى أنه كان لابد أن يتم الجمع بين الموقفين. * هل جاءتك دعوات لزيارة إسرائيل؟ ** جاءتنى دعوات كثيرة من الخارجية الإسرائيلية، ولكنى لم أسافر مطلقا، كما أن منصور حسن عرض علىّ أن أكون أول مستشار إعلامى فى إسرائيل، وكان حينها وزير الدولة لشئون الرئاسة، قال لى: الريس عايزك هناك لأنك ستلعب دورًا مهمًا. * ولماذا رفضت؟ ** لأنى رفعت شعار
لا تطبيع دون دولة فلسطينية، فلو كنت قبلت الوظيفة بكل مزاياها - وأنا كنت محتاج هذه المزايا- كنت سأشعر أنى فى تناقض، ولقد نصحنى العديد من الأصدقاء بأن أذهب قائلين أنت أكثر واحد يمكن أن يدرسهم عن قرب، وتؤثر فيهم، وتعمل اختراقًا فكريًا، لأنك دارس اللغة والفكر والثقافة، ولكنى قلت إن هناك موقفًا سياسيًا أهم. * ولكن البعض قاموا بالتطبيع وسافروا فما رأيك الشخصى فى هذا الأمر؟ ** الدولة المصرية فى تقديرى كانت فى الكواليس تريد من الناس أن تطبّع لكنها أيضا فى نفس الوقت سعيدة لأنى كمواطن لا أقوم بالتطبيع، لأنها كدولة تستخدم الموقفين، اليسار فى إسرائيل كان يحاول أن يقنع الشعب بضرورة إقامة الدولة الفلسطينية ويقول لهم إنه حتى يقبلنا العرب ويفتح المثقف المصرى لنا بيته مطلوب أن نلبى الطموحات المصرية فى إقامة الدولة الفلسطينية، ولأن المصريين ملتزمون قوميا بالقضية الفلسطينية فالرؤية التى كان يقدمها اليسار انتخبونا لكى ننفذ سياسة تؤدى إلى السلام الشامل الذى يفتح (أبواب المصريين).
وأبواب المصريين تمثل عقدة لدى الشعب الإسرائيلى، لأننا نرى الطفل الاسرائيلى أول القصص التى يقرؤها فى نظامه التعليمى والدينى قصة وجود اليهود فى مصر وخروج اليهود من مصر من اول سيدنا يوسف حتى سيدنا موسى، فمصر بالنسبة لهم كيان مهم جدا ففكرة ان الاسرائيليين يأتون لمصر بعد معاهدة السلام، والمصريون يغلقون بيوتهم، صنع لهم عقدة ومشكلة نفسية، وأنا كنت دائما أقول خلوا اليسار الاسرائيلى يبلغ الرسالة دى للرأى العام أن التطبيع هو القبول الانسانى فأنا من خلال فهمى لعلم النفس حولت مصطلح التطبيع للقبول الإنسانى بمعنى أنى سأقبلك إنسانيا إذا أعطيت للفلسطينيين حقهم، وهذه الرسالة اشتغل عليها اليسار.
السلام وكامب ديفيد * كتبت منذ فترة مقالا تفرّق فيه بين معاهدة السلام وكامب ديفيد، لأن ما يتردد حاليا إعادة النظر فى كامب ديفيد، فما الفرق بينهما، وهل تجوز إعادة النظر فيهما؟ ** قانونيا لا يمكن تغيير كامب ديفيد، لأنها أبرمت سنة 1978 كوثائق تمهيدية لعملية السلام، وهما وثيقتان، الأولى تخص السلام الشامل، والثانية مبادئ السلام بين مصر وإسرائيل، وثيقة السلام الشامل هى التى على أساسها انعقد مؤتمر ميناهاوس الشهير، ووضعنا علمًا للفلسطينيين على أساس أنهم سيأتون، ولم يأتوا، هذه الوثيقة تآكلت مع الزمن، لأن الفلسطينيين رفضوها وعملوا بدلا منها أوسلو، فهى لم يعد لها وجود، وهى تتناول مبادئ عامة للسلام، وهذه انتهت، ولم تعد لها قوة فعلية، بل موجودة كقوة تاريخية، الوثيقة الثانية هى مبادئ عامة للسلام مع مصر، تأسيسا على هذه المبادئ العامة تفاوضوا ثانية على معاهدة السلام، لذا فمن المفترض أن نقول معاهدة السلام بدلا من كامب ديفيد، وهذا خطأ شائع فى الإعلام عندنا وعندهم، إذا تكلمنا الآن عما هو سارٍ، وما تم توقيعه يكون معاهدة السلام. * فى ضوء دراستك للمجتمع الإسرائيلى، هل ترى أنه متقبل لفكرة السلام مع كل الدول العربية بما فيها فلسطين؟ ** فكرة السلام يقبلها كل الناس بما فى ذلك نتنياهو، كل الخلاف على ثمن السلام، نتنياهو مستعد للسلام، ولكنه يقول إنه لا عودة لحدود 1967 ولكنى أريد السلام، وأرفض فك المستوطنات ولكنى أريد السلام. * هل يمكن أن يجبره شىء على أن يغير موقفه؟ ** إما القوة الراعية له، وهى الولايات المتحدة الأمريكية إذا استطاعت، وكما لاحظنا عندما بدأ أوباما يتناول هذا الموضوع، نتنياهو طوقه عن طريق اللوبى اليهودى، المشكلة أن السلام كمبدأ كل الناس تقبله، المهم ثمن السلام، اليسار كان مستعدًا ليقايض الأرض مقابل السلام، لكن اليمين شىء آخر، اليمين شعاره ( بين النهر والبحر- يقصد نهر الأردن والبحر المتوسط- لا مكان إلا لدولة واحدة) هذا شعار حزب الليكود، ورغم الضغوط الدولية فإن اليمين ينظر للفلسطينيين على أنهم سكان يعيشون على الأرض ويمكن أن يأخذوا حكمًا ذاتيًا. * هل المجتمع الإسرائيلى يقبل حاليا وجود قيادة من اليسار؟ ** لا، هناك معسكران فى إسرائيل، واحد يقول سأحقق السلام، وفى نفس الوقت سأحتفظ بالأرض العربية المحتلة، واليسار يقول: سأحقق السلام وسأعطى الأرض العربية المحتلة لأصحابها، كجمهور وشعب انظر إلى الاثنين، إذا اكتشفت أن معسكر اليمين استطاع تحقيق السلام، والاحتفاظ بالأرض المحتلة، واستطاع بالفعل أن يثبت قدرة على تنفيذه، وهذا يعنى سيطرة على الوضع الأمنى فى غزة، وتطويق أوباما، إذن ما الرسالة التى تصل للجمهور الإسرائيلى، ما الذى يحقق له مصالح أكثر؟ اليمين لأنه يحتفظ بالأرض ويحقق السلام، كما أن عامل العلاقات داخل المنطقة مع نظم عربية متعددة، نحن الآن يمكن أن نطلق على هذه المرحلة مرحلة المد اليمينى الذى يتجه إلى التطرف.
وأنا أريد أن أذكر أنه فى مثل هذه الأيام من 16 سنة تم اغتيال إسحاق رابين، وأنا أتذكر المؤتمرات التى كان يقيمها رابين من أجل السلام، والمؤتمرات التى كان يقيمها رابين من أجل دعم السلام، والمؤتمرات التى كان يقيمها نتنياهو عندما كان فى المعارضة لوقف عملية السلام، وكان يخطب فى الجماهير ويقول رابين خان الأمة، ويسلم أرض إسرائيل لأعدائها، وقبل أن يقتل رابين بأسبوع نتنياهو عمل خطبة قال فيها لم أعد أستطيع أن أوقف سياسات رابين فى التفريط فى أرضنا، أوقفوه أنتم، بعدها بأسبوع قُتل رابين.
من هنا لابد أن نتذكر أن المد اليمينى بدأ منذ عام 1995 حين قتلوا رابين، وحين بدأوا عملية السلام مع الفلسطينيين، استمروا فى سياسة الاستيطان والعمليات العسكرية المتتالية، ودخلوا بعدها فى حصار عرفات وتضييق السلطة. * هل ترى أنهم ضالعون بالفعل فى تصفية عرفات؟ ** هم حاصروه، كونه تسمم أو مات من الظروف، ليس لدى معلومات قطعية، ولكن هم السبب فى قتله، حاصروه لدرجة أنه حبس فى غرفة اضطروا لإغلاقها بلا ضوء أو هواء متجدد، ولكنهم فى النهاية عملوا تصفية لشريكهم الحقيقى فى السلام، وتصاعد المد فيما بعد، ساهم فى ذلك ضرب نيويورك وواشنطن فى 11 سبتمبر 2001، والتى أعطت اليمين الإسرائيلى أعظم فرصة للمد، وبدأوا عملية تشويه الإسلام، وتخويف الرأى العام من أى تنازلات، فما يحدث الآن حالة مد يمينى قوى، لدرجة أنهم شرّعوا مؤخرًا قانونًا جديدًا يقيدون به منظمات حقوق الإنسان، لأنهم طوال الوقت يدافعون عن حقوق الفلسطينيين الذين يضطهدون، ويعذبون ويقبض عليهم بأشكال غير قانونية ( فلسطينيو 48)، وهم لا يريدون هذا. * هل معنى ذلك أن الفلسطينيين ليس لديهم أوراق ضغط؟ ** بصراحة لا، فبدون تحولات كبرى ومساندة عربية فى الوضع الإقليمى لن يكون لديهم أوراق ضغط. * ذكرت أنك تطوعت مرتين فى الجيش عامى 1967، 1973.. حدثنا عن التجربة؟ ** نعم فى عام 1967 كنت معيدًا فى الجامعة، وتطوعت فى المخابرات العسكرية، أما فى 1973 فتطوعت فى القوات الجوية، وحلفت اليمين فى مبنى قيادة القوات الجوية، ولكن لم تكن لى علاقة مباشرة بمبارك، ولكنى حلفت اليمين أمامه باعتباره قائد القوات الجوية حينها، وانتهى الأمر.
لجنة السياسات * تساءل الكثيرون كيف لمثقف مثل د.إبراهيم البحراوى، أن يكون عضوا فى لجنة السياسات بالحزب الوطنى؟ ** لقد دخلت لجنة السياسات عام 2004، ولم أكن قبلها عضوا فى الحزب
أو أى أحزاب، وأنا لى أصدقاء فى كل الأحزاب، وكانوا يدعوننى للانضمام للأحزاب ولكنى رفضت، أما ظروف انضمامى للجنة السياسات، فيمكن أن نقول إنها استدعاء مثل استدعائى فى القوات الجوية، حيث كان د. مصطفى الفقى يشكل لجنة مصر والعالم فى لجنة السياسات، وكلمنى وقال لى نحن نكوّن لجنة من الخبراء فى الشئون الخارجية ( فى علاقات مصر بالدول المختلفة) ونريدك معنا كى تكون مختصا بالجانب الإسرائيلى، فلم أجد أية مشكلة، ولم أشعر أنه انتماء حزبى، لأنه انتماء تخصصى، وبما أن الحزب الوطنى كان ملتحما فى ذلك الوقت مع مؤسسات الدولة، فلو أردنا أن نؤثر بفكرة فى المخابرات العامة أو فى الخارجية أو فى الإعلام أو الرئاسة
أو تلك المؤسسات الكبرى تكون اقدر من خلال هذا التنظيم، هذه كانت ظروف القبول، وأنا أتذكر أن أول مرة حضرت اجتماع فى اللجنة قلت إن بناء سياسة قوية لمصر لا يمكن أن يتم إلا إذا بنينا وضعا داخليا قويا، والوضع الداخلى القوى لكى يبنى لابد من مكافحة الاستبداد والفساد والفقر، وتكلمت فى هذا الموضوع، وكان فى ذلك الوقت بوش الابن قد نشر استراتيجية الأمن القومى الأمريكى فى 2002، وكان يقول آن الأوان لكى نتخلى عن حلفائنا الكلاسيكيين العرب (الأنظمة العربية) لأننا تحالفنا معها لمدة 60 عاما على حساب الشعور والديمقراطية، فلم نحصل لا على الاستقرار ولا على أمننا، لأنه من وجهة نظر بوش أن الضربة التى حدثت عام 2001 كانت نتاجًا لغضب شعبى على أمريكا، باعتبارها تساند الديكتاتوريات العربية، هذه كانت نظريته، فأنا قلت إذا كان الحليف الأكبر لمصر يقول إنه لابد من تعديل صيغة الحكم إلى الديمقراطية، فأنا أفضل أن نبادر فى خلق صيغة ديمقراطية فى البلد، نبادر بمكافحة الفساد والفقر، وكنت أكتب فى الصحف وأنتقد ما يقولونه عن أنهم حققوا 7% نسبة نمو، فأنا قلت إنهم حققوا نموا لأنفسهم (رجال الأعمال المرتبطون بالسلطة). * وهل تعرضت لانتقادات داخل الحزب بسبب ما تقوله؟ ** البعض كان يقول لى لماذا تقول هذا، ميصحش، ولم يكن هذا الكلام بشكل رسمى، لقد كانوا يصنفون الأعضاء إلى موالين فيحصلون على المناصب مثل رئاسة لجنة أو ما شابه، ولا أعرف ماذا كانت استراتيجيتهم، هل يستفيد من أنى موجود عنده ويكتب بهذا الشكل، فيقول إن هناك ديمقراطية داخلية فى الحزب، هل هم يقولون لا نريد فضائح من أذيته فيعمل مشكلة؟ لا اعرف. * وما أسباب استمرارك 7 سنوات؟
** بصراحة لم أكن مستعدا لأن أعرض نفسى لبطش ناس لا أضمن أخلاقهم، بعدما كبرنا فى السن كان من الحكمة – خاصة إننى كنت أقول ما أريده- لقد كنت أحضر اللجنة، وزملائى كانوا يسألوننى لماذا تقول هذا الكلام، وأنا أرى أنه مادمت أقول ما أريد فما المانع أن أظل أوصل أفكارى من داخل الحزب. * وهل كنت تلتقى بجمال مبارك؟ ** عندما يحضر بعض الجلسات، وكان يجلس فوق فى المنصة. * وهل حدث لقاء شخصى؟ ** اللقاء الشخصى كان يحدث وهو خارج، اللى يريد أن يكلمه فى شىء يمكن أن يكلمه، وأنا فى آخر لقاء بينى وبينه عندما كتبت سلسلة مقالات عن نهضة الجامعات، وضرورة النهوض بها كقاطرة لنهضة الأمم، والاستراتيجية الإسرائيلية 2028 حتى يعرف ماذا يعنى النهوض بالجامعات والتعليم والبحث العلمى، هو أساس قدرتك على المنافسة الدولية، وأنا كنت أركز على هذه القضية وأضغط بها، وعملت حشد رأى عامًا قويًا من الجامعات وأندية الجامعات، بلا رد فعل، وفى أحد الاجتماعات قالوا إن جمال سيحضر اجتماع اللجنة، فأخذت جميع المقالات، ووقفت معه فى نهاية الاجتماع، وقلت له أرجوك هذه القضية رئيسية فى نهضة الوطن، فبدون جامعات محترمة لا يوجد وطن محترم. * هل كنت تكلمه باعتباره الرئيس القادم؟ ** لا بل كنت أكلمه على أنه رجل مسئول عن لجنة السياسات ويستطيع توصيل صوتى للرئيس، فقال لى المفتاح فين؟ قلت له المفتاح فى الميزانيات، لازم نخصص من الناتج القومى نسبة أكبر بكثير مما نفعله حتى ننهض بالجامعات، فقال لى محدش يقدر يقولك لا، لكن المشكلة فى الفلوس، فقلت له على حسب معرفتى الفلوس عندك وعند الوالد.
وقبلها كنت تحدثت إلى د. هانى هلال أكثر من مرة، وقلت له وضع الجامعات سيىء، ووضع الأستاذ والمرافق التعليمية والمعامل و البحث العلمى كلها سيئة، فقال لى والله ما عندى ميزانية أنت تراهم فى حزب هات لى الفلوس، لهذا أخذت المقالات وكلمته، فلما قال ربنا يسهل فى الاعتمادات، قلت له أنا معلوماتى إن الفلوس عندك وعند الوالد، فضحك وقال لى ربنا يسهل. * انطباعك الشخصى عنه؟ ** لا صعب إنك تعطى انطباعًا من هذه المسافة، لكن ما أعرفه أنه كلما كنا نقول شيئا، كان يكتبه، يعنى أنا مثلا عندما تحدثت عن مكافحة الفقر والفساد والاستبداد كان على المنصة صفوت الشريف وكمال الشاذلى ومصطفى الفقى وجمال مبارك، الوحيد اللى اهتم أن يكتب كلامى كان جمال، هذا أعطانى إحساسًا بأنه مهتم بما أقوله. * إذا كانت هذه وجهة نظرك فى الاستمرار وعدم الصدام معهم، فما الذى جعلك تكتب استقالة يوم 9 فبراير الماضى ؟ ** هنا جاء الصدام، لأنه إلا القتل، أنا كنت مستعد أحايلهم فى قضايا الفساد، النهب، الاستبداد إلا قتل الشعب، أنا عندى تركيبة نفسية خاصة، فأنا بورسعيدى، فى طفولتى وأنا عندى 12 سنة حدث العدوان الثلاثى سنة 1956، وقتل بجانبى أصدقاء طفولتى ونحن نتظاهر ضد القوات البريطانية، لهذا فأنا عندى حالة ضد القتل، وهى التى جعلتنى أقبل مبادرة السلام، وهى فكرة السلامة البدنية المصرية وكانت أحد عناصر موقفى الدائم، فأنا أحلم للمصرى بالسلامة البدنية، بجانب السلامة الاجتماعية، أى حقوقه الاجتماعية فى العدالة والخدمات والأجر العادل، وفرص العمل كل هذا يوصله إلى السلامة البدنية والاجتماعية للمصرى، وما يمكن أن يجعلنى أنفجر أن أرى مصريًا يتعرض للقتل. * وما ردك على الكلام القائل إن الاستقالة جاءت متأخرة؟ ** لم تكن متأخرة، لأن فى تلك الفترة كان مستحيلا أن نقول إن النظام يترنح، وأنا كتبت الاستقالة يوم 7، ونشرت يوم 8، وأصدقائى قالوا لى مش كنا متفقين طول الوقت ألا نضع أنفسنا تحت ضرسهم، وناس كثيرة كانت لديها فكرة أن النظام مازال سيكمل، وبشكل عام هذه المرحلة ستظل لغزا، حتى يتم حله بشكل حقيقى، عندما يفصح الجيش عما حدث هو ومن معه أسرار هذه الأيام.
* ماذا كان فى ذهنك عندما كتبت هذه الاستقالة؟ ** كما كتبت فى الخطاب، كان فى ذهنى هو إننى لن أسمح لك أن تمس الدم المصرى، وأنا لم أكتب فقط إنى استقلت، أنا قلت أشعر بالخزى والعار أن مدافعنا ترتد إلى صدور شعبنا، بينما كنت أشعر بالفخر فى 1973، لأن مدافعنا كانت موجهة لصدور العدو، وأنا كتبت هذا الكلام وأنا أخلع كل الحسابات الخاصة بأمنى الشخصى، أنا هنا أعلن ثورة، انا لن أقبلك وأنت تقتل شعبك، يعنى الكلمات واضحة جدا، أنا لا استقيل وخلاص، الاستقالة بحيثيات، حيث انك تقتل الشعب فأنا لا أستطيع الاستمرار معكم. * وهل استفدت من انضمامك للحزب؟ ** أنا كنت أدفع 200 جنيه اشتراكًا سنويًا، ولم آخذ أى شىء، ولو كنت أريد كنت أخذت مادمت أعرف السكة، وأنا لم أكن أسلكها، السكة هى التزيين ،والتحدث فى البرامج التليفزيونية، لنقول ما أعظم.. ما أجمل، أما ما كنت أقوله كنت أعرف نهايته.
* وقعت بعض الأحداث فى أعقاب تنحى مبارك، البعض فسرها بأن إسرائيل لها يد فيها، هل ترى أنه يمكن أن تكون إسرائيل ضالعة فى أحداث العنف فى مصر؟
** يجب أن تعرفى فى البداية أن المخابرات تعمل بأساليب غير مباشرة فى العالم، واللى يستطيع أن يحكم على شغل المخابرات الإسرائيلية هو متخصص فى المخابرات، لكن فى حدود ثقافتنا العامة أستطيع القول بأن الإمساك بجاسوس إسرائيلى فى ميدان التحرير.. دخل بيوت المصريين أثناء الثورة، تحرك مع مجموعات لمهاجمة قسم الأزبكية، ده بيقول إنه واجهة صغيرة مثلا، هو كان منتظرًا ألا يمسك، لأنه شايل جواز سفر أمريكى، لولا إنه فى أجهزة اشتغلت بدقة، قياسا على هذا يمكن تصور أن أناسًا يمكن دخولهم بجوازات سفر عربية، فإذا رأيت ما حدث فى اغتيال المبحوح، المخابرات الإسرائيلية اشتغلت بشخوص إسرائيلية، ولكنهم يحملون جوازات سفر بريطانية وألمانية وفرنسية، لولا التصوير فى الفندق ما كانوا عرفوهم، لذا عندما نتحدث عن تدخل إسرائيل، سيكون تدخلا بطرق مخابراتية غير مباشرة، وبالتالى فلا أستبعد أنهم يعملون على تخريب مصر، وإذا كان النظام السابق بالنسبة لهم كنزا استراتيجيا مهمًا جدًا، وكان يريحهم فى أمور كثيرة مثل الغاز ومحاصرة حماس وكان نتنياهو طوال الوقت أثناء الثورة على اتصال بالأمريكان والأوروبيين، وكانت نصائحه طوال الوقت الإبقاء على النظام المصرى ضمانة لأمن إسرائيل والحفاظ على مصالح الغرب، وكان رافضًا فكرة تغيير السلطة.. فى ضوء مفهومه أن النظام السابق أفضل من النظام الثورى نستطيع أن نكتشف أنهم يعملون، وعدنا سوابق تاريخية ففى سنة 1954 حدثت فضيحة لافون، والتى تتلخص فى أن السلطات الإسرائيلية رأت أن الثورة المصرية بدأت تتقارب مع الأمريكان، وبدأوا يتقاربون مع البريطانيين، فقاموا بعمل خلية من اليهود المصريين، وعمل تفجيرات فى المنشآت البريطانية والأمريكية فى القاهرة حتى يوقعوا الفتنة، بالفهم الثقافى للعقلية الإسرائيلية أستطيع أن أؤكد أنه لا يمكن أن تكون أصابع إسرائيل بعيدة عن العبث بمصر، وإلا فإنهم يخونون أنفسهم.
* الاستراتيجية الإسرائيلية تقوم على خطة متكاملة لمجتمع إسرائيلى جديد يقابله ترد شديد فى الأوضاع المصرية على كافة الجبهات،كيف نعالج هذه الفجوة؟
** أنا أستخدم إسرائيل كعنصر استفزاز للهمة والعزيمة المصرية، لأنى أعرف طوال الوقت أن المصريين يكرهونها، فهناك تحديات يجب أن نتنبه لها، يعنى عندما يكون فى إسرائيل متوسط دخل الفرد فيها فى العام 23 ألف دولار، وتريد أن تضاعفه خلال 20 سنة إلى 50 ألف دولار، ونحن متوسط دخل الفرد 5 أو 6 آلاف جنيه أى حوالى ألف دولار فى السنة، فهذا تحذير أن نتنبه، وهذا نموذج لكيفية احترام المواطن عن طريق الاقتصاد، والاستراتيجية الإسرائيلية حين تتحدث عن العدالة الاجتماعية، وأنا عندى هنا فلاسفة متصورون أن الرأسمالية معناها تمكين الأغنياء أن يزدادوا غنا، والضغط على الفقراء لكى يزدادوا فقرا، وبالتالى إضعاف كل الطبقة الوسطى. وهنا من يعتقد أن هذه هى الرأسمالية، وهذا ليس صحيحا، هذا مرض خبيث من الرأسمالية، موجود فى نمط مفكرين مصريين مرضى مفتونين بالجزء السيئ فى الرأسمالية، فأنا عندما أنقل الاستراتيجية الإسرائيلية 2028 التى تتحدث عن العدالة الاجتماعية، والتى تقول إننا نريد بناء مجتمع يقوم على اقتصاد السوق الحر،ولكن مع رفض «النيوليبرالية» لإقامة اقتصاد عادل ومتوازن، وله عاطفة إنسانية، أنا عندما أنقل هذا أقول للمتوحشين الذين يكيلون الثروات لأنفسهم، ويقولون هذه هى الرأسمالية، أنا أقول كيف يفكر الإسرائيليون فى شعبهم، بيفكروا فى حنان، عندما يقول اقتصاد عادل له عاطفة إنسانية يترجم إلى مفردات أنك لابد أن تحصل على تعليم جيد.
استفزاز المصريين
ويضيف د. البحراوى: هذه هى طريقتى فى استفزاز المصريين سواء الشعب أو الحكومة، أنا عندما أستفز المصرى كشخص أثير فيه نعرة الكبرياء القومية والكرامة الإنسانية والتطلع إلى أن يأخذ حقه، فعندما أقول له إن المواطن الإسرائيلى سيصبح متوسط دخله فى العام 50 ألف دولار عام 2028، وأقول له إنت كم دخلك ؟ كما أنى أستفز الحكومة أنها تتعلم كيف تكون رشيدة كحكومات أخرى مع مواطنيها وشعبها، ولهذا فأنا لا أعرف إذا كان النظام سقط أم لا؟ نحن فى مرحلة انتقالية، فى وثيقة السلمى الأخيرة أنا منحاز لموقف جودة عبد الخالق الذى قال إنها وثيقة تخلو من العدالة الاجتماعية فى مصر بعد الثورة، فكأن الثورة لم تقم وأنا معه، وهذا يعنى إما أن على السلمى غافل وإما أن المجموعة التى معه من الرأسمالية المتوحشة، وهنا أذكر لفظ «نيوليبرالية» ويعرف باختصار أنه نمط الرأسمالية الذى يمكّن الأغنياء من أن يزدادوا غنى بترتيبات واجراءات وسياسات، والفقراء يزدادون فقرا، لأنه يقضى على دور الدولة والحكومة، والحكومة التى لا توفر خدمات، لا توفر تعليمًا محترمًا، وصحة محترمة، وإسكانًا ميسرًا للناس، ووسائل نقل لا تعذبهم، الحكومة التى لا تقوم بهذا حكومة فاشلة، وحاليا هناك مفهوم الدولة الفاشلة التى لا تقوم بوظائفها، وهذا مصطلح معروف، وهو أحد التصنيفات المعروفة بدل دولة نامية أو متقدمة، الآن أصبح السؤال هل نحن دولة فاشلة أم ناجحة؟ ناجحة أى تعرف واجباتها وتعرف كيف تكبر كعكة الاقتصاد الوطنى، كيف تعمل بنية تحتية و تعليمًا ناجحًا.. وفى نهاية الأمر توزع الكعكة على الناس بالأجور العادلة، ويجب ألا يأخذ مواطن 1000 جنيه مثلا وآخر يأخذ مليونًا و300 ألف جنيه، من العبقرى الفذ الذى يستحق هذا، إلا أن يكون ذيلاً للسلطة أو أحد أذناب السلطة، كل هذا يدل على فشل الحكومة.. تجوع الغالبية وتشبع واحدًا.. لهذا فأنا أستخدم الدراسات الإسرائيلية، لأننا شئنا أم أبينا إسرائيل دولة متقدمة، على اتصال عميق ومباشر بالتقدم الأمريكى والأوروبى، إذا لم نقبل التحدى وندخل معها فى سباق عناصر التقدم، فى عام 2028 ستكون المأساة، حيث المواطن الإسرائيلى يحصل على 50 ألف دولار فى السنة، والمواطن المصرى مازال يزحف نحو 1000 دولار فى السنة، أى أقل من 100 دولار فى الشهر.. لابد من استفزاز الهمة المصرية.
* كيف تتوقع أن تكون مصر سنة 2028؟
** هناك عناصر مبشرة، التصميم المصرى الشعبى على الديمقراطية، وعلى رفض الخروج من ديكتاتور إلى ديكتاتور آخر، هذه نقطة تحول رئيسية فى حياة مصر، لأنه إذا استسلم للديكتاتور مرة أخرى، فسيعبث بنا كما عبث بنا من قبل، لأنه يكون مطمئنًا إلى أنه يحكم وهو يملك هو ومن معه، ولديه المال والعزوة والأمن، فلماذا يستجب للشعب وطموحاته؟.
الديكتاتور ليس فقط مجرد مشكلة سياسية، ولكنه مشكلة وظيفية فى حياة الأمم، لأن الأمة تصبح معطلة لأنه رافض يفتح شرايينها، ورافض أن ورودها تتفتح، يعنى تمكين الشباب من مستوى رفيع من مهنته، تمكينهم من مستوى رفيع من الحياة المحترمة بالمعايير الدولية، لأن الأسعار فى مصر دولية، لكن المرتبات محلية، فالمواطن هنا يظلم مرتين، مرة عندما تعطينى مرتبا غير عادل، ومرة عندما تجعلينى اشترى بالأسعار الدولية.
* هل لديك أمل فى القادم؟
** تصميم الشعب يعطينى الأمل، أنا طول الوقت أنادى بنداءات توفيقية أملا فى أن المجلس يستجب للنداءات، وأنه يمكن مصر من العبور من المرحلة الانتقالية إلى نظام الحكم الديمقراطى، وأنا أنادى – كعسكرى سابق- الزملاء الأعزاء فى المجلس العسكرى أن يطمئنوا إلى أن الشعب المصرى يكن للجيش كل احترام وتقدير، وموقع القوات المسلحة ممثلة فى المجلس الأعلى يمكن أن يرتب فى الدستور بشكل يضمن لهذه المؤسسة المهمة جدا أن تكون على درجة عالية من الاستقلال دون أن يعنى هذا المساس بروح الديمقراطية وعلاقتها بالحاكم المنتخب، يعنى يمكن أن تكفل لها الاستقلال الكامل فى إدارة أمورها باعتبارها مسألة فنية، ولكن هذا لا ينتقص من أننا سننتخب رئيسا من حقه أن يرأس القوات المسلحة كما هو فى أمريكا وفرنسا وفى كل مكان فى العالم.
لو حدث هذا التوافق بين قادة المجلس والمؤسسة العسكرية ككل، وبين القوى المدنية سيفتح الباب واسعا أمام مصر، وده اللى إسرائيل تخاف منه أن تتحولى لدولة ديمقراطية، لأن هذا معناه أنه لن يحكمك إلا من هو أهل لأن يحكمك، وأن من يحكمك سيكون خادما لك، وليس سيدا عليك، وأنه سيكون مفتوح الأذن لأفكارك وآرائك، تبقى حواسه منفتحة على شعبه، فتتسع روح المشاركة الشعبية.
لو حدث هذا التوافق وبنى الجسر بين المجلس العسكرى والقوى السياسية المطالبة بالديمقراطية، فستكون مصر فى 2028 فى قمة التطور، لأن الشعب المصرى عنده قوة مذهلة على التطور والإجادة، البداية من التعليم وتأهيل القوى الحاضرة، والمفتاح السياسى فى بناء نظام حكم ديمقراطى رشيد، وأتذكر عندما كتب طه حسين مقالاً بعنوان «إقطاع» نشره مرتين عامى 1935 و1946 بنفس العنوان قال فيه: «إننى أرى أن المصريين لا يفهمون الديمقراطية على وجهها الصحيح، فهم لا يتداولون الحكم فيما بينهم، إنما يتداولون الفساد والاستبداد والظلم، بمعنى أنه عندما يفوز حزب فى الانتخابات يتخلص من رجال الحزب السابق فى كافة القطاعات، ويبدأ رجاله فى النهب لغاية ما تخلص مدته، ويأتى الحزب الآخر يتداول الإفساد والظلم»، وحذر من هذا الإقطاع الذى يعتبر الدولة ملكا للحزب، وأنا أحذر من هذا.
إذن فلدينا مفتاحان، التوافق بين المجلس والقوى السياسية على إقامة نظام حكم ديمقراطى رشيد يضمن للقوات المسلحة استقلالها دون أن تنال هى من سلطات الرئيس المنتخب، والثانى نضع قواعد الحكم الديمقراطى الرشيد التى لا تسمح بما كان يحدث أيام طه حسين، لو حدث هذا فستنطلق مصر فى كل البرامج الأخرى وتنمى المجتمع والاقتصاد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.