أسعار الذهب اليوم الأحد 5 مايو 2024.. وهذه قيمة عيار 21    أسعار اللحوم اليوم الأحد 5 مايو 2024 في أسواق الأقصر    «مياه الفيوم»: استمرار خدمات شحن العدادات مسبقة الدفع طوال فترة الإجازات    تهديدات بوجود قنابل في معابد يهودية بنيويورك، ما القصة؟    زيلينسكي: قمة السلام ستعقد ويتعين أن تكون ناجحة مهما كانت محاولات تعطيلها    وزيرة الداخلية الألمانية تبحث تشديد إجراءات الحماية بعد هجمات على ساسة    الزمالك يواجه سموحة فى البروفة الأخيرة لنهائى الكونفدرالية الأفريقية    انتظام حركة السير بشوارع القاهرة والجيزة (فيديو)    بسبب تسرب غاز.. حريق منزل بسوهاج وإصابة 8 أشخاص    منع الانتظار أمام الكنائس.. تعرف على الحالة المرورية يوم عيد القيامة المجيد    تفاصيل الحالة المرورية في شوارع القاهرة والجيزة والإسكندرية (فيديو)    أنغام تحيي حفلا في دبي اليوم    حكيم مفاجأة حفل غنائي بشبين الكوم اليوم.. تفاصيل    أثناء حضوره القداس بالكاتدرائية المرقسية.. يمامة يهنئ البابا تواضروس بعيد القيامة المجيد    إع.دام 172 كيلو لحوم غير صالحة للاستهلاك في الوادي الجديد    إنقاذ العالقين فوق أسطح المباني في البرازيل بسبب الفيضانات|فيديو    اسعار الدولار اليوم الأحد 5 مايو 2024    ورشة عمل حول كتابة القصص المصورة تجمع الأطفال في مهرجان الشارقة القرائي للطفل    نيرة الأحمر: كنت أثق في قدرات وإمكانيات لاعبات الزمالك للتتويج ببطولة إفريقيا    عاجل.. حقيقة خلاف ثنائي الأهلي مع كولر بعد مواجهة الجونة    حدائق القناطر الخيرية تستعد لاستقبال المواطنين للاحتفال بشم النسيم وعيد القيامة    عاجل.. شوارع تل أبيب تشتعل.. وكارثة مناخية تقتل المئات| حدث ليلا    الأنبا يواقيم يترأس صلوات قداس عيد القيامة المجيد بكنيسة العذراء مريم بإسنا    كريم فهمي: مكنتش متخيل أن أمي ممكن تتزوج مرة تانية    أخبار الفن.. كريم فهمي يتحدث لأول مرة عن حياته الخاصة وحفل محمد رمضان في لبنان    مخاوف في أمريكا.. ظهور أعراض وباء مميت على مزارع بولاية تكساس    قصواء الخلالي: العرجاني رجل يخدم بلده.. وقرار العفو عنه صدر في عهد مبارك    مصر للبيع.. بلومبرج تحقق في تقريرها عن الاقتصاد المصري    حملة ترامب واللجنة الوطنية للحزب الجمهوري تجمعان تبرعات تزيد عن 76 مليون دولار في أبريل    نجم الأهلي السابق يوجه طلبًا إلى كولر قبل مواجهة الترجي    مصر على موعد مع ظاهرة فلكية نادرة خلال ساعات.. تعرف عليها    بعد معركة قضائية، والد جيجي وبيلا حديد يعلن إفلاسه    تشييع جثمان شاب سقط من أعلي سقالة أثناء عمله (صور)    العمايرة: لا توجد حالات مماثلة لحالة الشيبي والشحات.. والقضية هطول    توقعات الفلك وحظك اليوم لكافة الأبراج الفلكية.. الأحد 5 مايو    حديد عز ينخفض الآن.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم الأحد 5 مايو 2024    حسام عاشور: رفضت عرض الزمالك خوفا من جمهور الأهلي    ضياء رشوان: بعد فشل إسرائيل في تحقيق أهدافها لا يتبقى أمام نتنياهو إلا العودة بالأسرى    محمود البنا حكما لمباراة الزمالك وسموحة في الدوري    الزراعة تعلن تجديد اعتماد المعمل المرجعي للرقابة على الإنتاج الداجني    الآلاف من الأقباط يؤدون قداس عيد الميلاد بالدقهلية    مصرع شاب غرقا أثناء الاستحمام بترعة في الغربية    رئيس قضايا الدولة من الكاتدرائية: مصر تظل رمزا للنسيج الواحد بمسلميها ومسيحييها    دار الإفتاء تنهي عن كثرة الحلف أثناء البيع والشراء    حكم زيارة أهل البقيع بعد أداء مناسك الحج.. دار الإفتاء ترد    البابا تواضروس يصلي قداس عيد القيامة في الكاتدرائية بالعباسية    صناعة الدواء: النواقص بالسوق المحلي 7% فقط    أبو العينين وحسام موافي| فيديو الحقيقة الكاملة.. علاقة محبة وامتنان وتقدير.. وكيل النواب يسهب في مدح طبيب "جبر الخواطر".. والعالم يرد الحسنى بالحسنى    هل يجوز السفر إلى الحج دون محرم.. الإفتاء تجيب    عبارات تهنئة بمناسبة عيد شم النسيم 2024    محافظ القليوبية يشهد قداس عيد القيامة المجيد بكنيسة السيدة العذراء ببنها    سعاد صالح: لم أندم على فتوى خرجت مني.. وانتقادات السوشيال ميديا لا تهمني    بعد الوحدة.. كم هاتريك أحرزه رونالدو في الدوري السعودي حتى الآن؟    شم النسيم 2024 يوم الإثنين.. الإفتاء توضح هل الصيام فيه حرام؟    عوض تاج الدين: تأجير المستشفيات الحكومية يدرس بعناية والأولوية لخدمة المواطن    لطلاب الثانوية العامة 2024.. خطوات للوصول لأعلى مستويات التركيز أثناء المذاكرة    رسالة دكتوراة تناقش تشريعات المواريث والوصية في التلمود.. صور    محافظ بني سويف يشهد مراسم قداس عيد القيامة المجيد بمطرانية ببا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



(جد ولعب وحب)
نشر في أكتوبر يوم 27 - 11 - 2011

من لم يقترب من أنيس منصور.. لا يعرف هذا الأسطورة الإنسانية.. وأخشى أن أقول إن من لم يقترب من أنيس الجليس فاته الكثير.. فهو كوكتيل أو خلطة نادرة الوجود.. هو عصير الكتب والمجلدات والفكر والفلسفة والمعرفة.. هو لحم ودم على الورق، ودماء متدفقة وقلب ينبض وعقل متعمق مع كل كلمة مسطرة.. وكلمات منسابة فى سهولة ورشاقة.. وكم من المعلومات والمعارف، وإنسانية رفيعة فى تعامله.. وهى شيمة الكبار فى كل شىء فى التواضع الملفوف بكبرياء غير ظاهر.
وعندما يتكلم أنيس ينطق بما هو مفيد، حكّاى صاحب طريقة أو شيخ طريقة، وأستاذ كرسى وأكبر، فهو يفكر بسرعة البرق، ولا تلاحظ هذا العمق فى الكلام إلا بعد أن ينتهى.. فتشعر أنك خرجت بفائض من المعارف، وحتى فى نكاته وقفشاته فهى براشيم تلخص الفكر العالى، وهو شخصية مرحة لا تعرف الكآبة.. يعطى الثقة الكاملة، ولكن إذا لم تكن عند حُسن ظنه وتفقده الثقة بسبب الكذب أو الخيانة أو عدم قدرتك على نيل الثقة، فإنك ربما تفقده أو ربما لا تكون من الذين يعتمد عليهم.. وأنيس يقول إن قلق المفكر ظاهرة صحية، وإن الصحفى الذى لا يقلق لا يقدم ما يهم الناس، والذى يعتقد أنه ليس فى الإمكان أبدع مما كان.. فهو لا أبدع ولن يبدع، والصحفى لا يتم صقله إلا بالسفر ففى السفر ليس فقط سبع فوائد.. لأن الاختلاط بشعوب مختلفة، وأماكن مختلفة، وتقاليد وأعراف وتاريخ وجغرافيا مختلفة.. فإن السفر فى حد ذاته كأنك قرأت مائة كتاب بالعين والأذن.. واكتشاف لحضارات وثقافات مختلفة.. مما يوسع مداركه، ويجعله أكثر خبرة ونضجا، وتحليلا للأحداث المحلية والإقليمية والعالمية.. فهو الذى يشجع من يعمل معه على القراءة والسفر، ولهذا ترى تلاميذه كُتابا وصحفيين ذوات مذاق خاص.. لأنه يحمى شخصية الكاتب وقلمه.. ولا يتدخل بقلمه إلا لوضع عنوان يخطف البصر أو مقدمة تشوقك لقراءة التحقيق أو الموضوع.. ولكنه لا يتدخل فى الفكر نفسه.. فالفكر لصاحبه، وهو يحترم الفكر، ويعتقد أنه لا إبداع إلا بانطلاق الفكر دون قيود.. ولا يكلف بتحقيق أو موضوع فإذا استشعر أن المحرر غير مقتنع، فيتكلم مع غيره.. حتى يرى المتحمس.. فيعرض عليه الموضوع، ويتركه ينطلق كما يشاء، ويحلق بكل ما يدور بخلده.. ولهذا وبهذا نجحت أكتوبر.
وأنيس بخلطته هذه أبدعت منه صحفيا ذات إحساس خاص يعرف ماذا يشغل الناس، ويدفع لمناقشة كل شىء دون محظورات أو محذورات.. كما أنه أول من أبدع أبواب الأخبار فى المجلات.. فهو أكبر صنايعى مجلة.. وخبر المجلة له طابع خاص.. فقد طلب منى فى آخر ساعة أن أغطى بابا أسبوعيا اسمه تعالى معى للأندية، وطلب أن يحوى على أكثر من 50 خبراً.. أكبر خبر 5 أسطر، وأكبر قصة خبرية 10 سطور.. وهو ليس باب أخبار رياضة.. ولكن الأندية تضم بين جنباتها نجوم الرياضة والفن والثقافة والأدب والسياسة.. ومع أنى كنت على قوة الأخبار اليومية إلا أنه اختارنى لهذا الباب.. وحقق نجاحا كبيرا.
وهذا السطور جزء من كل.. ولا يستطيع كاتب من كان أن يغوص فى بحر أنيس منصور ويصل لشاطئه.. فأنيس أكبر من بحر وأوسع من محيط.. فهو حياة كاملة جد.. ولعب.. وضحك وأشياء أخرى.
اقتحام الفيلسوف/U/
فى أوائل الستينات كنت قد عقدت العزم على اقتحام هذا الفيلسوف المثقف مع سبق الإصرار والترصد.. وكنت أيامها محررا مبتدئا فى جريدة الجمهورية.. وكانت مجموعة كبيرة من الصحفيين والمثقفين يخرجون بعد الظهر إلى شارع طلعت حرب للغداء.. وكانت وجهتنا إلى محل بجوار السينما المشهورة لنأكل أحسن طبق مكرونة فى الفرن، وكانت القطعة تملأ العين بقروش زهيدة، وفى الليل يتجمع الفنانون والصحفيون والمثقفون فى مطعم مشهور اسمه عزوز العسكى.. بنفس الشارع ومكانه الآن عمارة المقاولون العرب.. وفى الطريق نرى محل البن البرازيلى، ونرى عمالقة الكتابة والفكر يقفون يحتسون الاكسبرسو أو الكابتشينو وهى القهوة باللبن، ويتسامرون فى كل شىء.. وكان على رأسهم الزوجى الشهير أنيس منصور وكمال الملاخ.. وقررت ووضعت خطة للاحتكاك والاقتحام فتركت زملائى ودخلت إلى البن البرازيلى حيث يقف أنيس، وطلبت اكسبرسو وهى قهوة سريعة من المكنة.. ثم نظرت لأنيس وقلت له: أنت أنيس منصور.. فوجدته ينظر لى مندهشا ويقول: أنت مين؟ وخاصة أننى حررت سؤالى من لقب الأستاذ أو خلافه.. قلت: ماهر فهمى محرر بالجمهورية، فإذا به يقول لى: أنت لمض لكن عجبتنى.. فأصبحت بعد أن آكل مكرونة الفرن أحبس بالاكسبرسو، لأتحدث معه، واشترك فى حديث المثقفين.. وأشهد طرائفهم.
وفى يوم تعب كمال الملاخ، وكان أحد أعضاء الشلة يملك شقة فى العمارة المجاورة للقهوة.. والمحل ليس به كراس، ولكن الكل وقوفا.. فعرض صاحب الشقة على كمال الملاخ الصعود للنوم.. وصعد كمال الملاخ.. فإذا بأنيس من باب المداعبات التى كان يشيعها اتفق مع صاحب الشقة أن يغافل كمال النائم، ويأتى بكل ملابسه ويتركه بملابس النوم التى استدانها من صديقه.. واستيقظ كمال بعد قسط من الراحة.. فلم يجد ملابسه.. فنظر من البلكونة فى الدور الثالث.. وأخذ ينادى على أنيس لينقذ الموقف.. وأنيس من باب الدعابة طلب من الشلة أن يختفوا داخل المحل.. وألا يظهروا فى الخارج.. والملابس تحت التحفظ مع أنيس.. ويئس كمال.. وأصبح يخرج كل ساعة وينادى، والناس تتزاحم يعتقدون أن الذى ينادى به خلل عقلى، والشلة داخل المحل تضحك.. وكانوا مطمئنين أن الشقة فيها ثلاجة، وفيها أكل وشرب.. وتركوه هكذا.. وعادوا إليه بعد 6 ساعات.. وأفرجوا عنه وسط ما لذ وطاب من الشتائم والسباب.. ثم فجأة انفجر كمال الملاخ فى الضحك.. وقال لأنيس: داين تدان.. فهما تعودا من بعضهما على هذه المقالب.. ولكن الغلبة دائما كانت لأبو الأنس كما كان الجميع يفضل أن يناديه.
فى صحبة الأستاذ/U/
وعندما وجدت عدم اعتراض من الشك أن يتقبلونى معهم برغم حداثة سنى.. أحببت أنيس.. وكان هو لا يستطيع أن يذهب لأى مكان بمفرده.. فهو خجول جدا.. فيقول لى تعالى معى إلى مكتبة وسط البلد فهو كان يطلب منهم كتبا صدرت حديثا فى أوروبا فيستوردونها له.. وكان يغلب عليه أن يقلب فى العناوين بالمكتبة، فتعلمت منه هذه الخصال الحميدة.. فإنه كان يحب المشى.. فكان يتجول إلى عدة مكتبات، وعرفت أن أنيس زاده وزواده هو التهام الكتب.. وهو نباتى وليس أكولا فأكله ضعيف.. ففى بعض الأحيان كان يدعونى للغداء بمطعم فى عمارة الايمبوليا، واكتشفت وجبة عبارة عن فتة ملوخية.. وهنا قال لى: لو انت فى عهد الحاكم بأمر الله لوقّع عليك اقسى العقوبة.. لأنه اعتبرها الأكلة الملوكية وممنوعة عن الشعب، ولهذا أطلق عليها المصريون الملوكية، والتى تحولت فيما بعد إلى الملوخية والله أعلم.. فضحكت وقلت: الملوكية على العين والراس.. واحترام الحاكم بأمر الله ولكنه أصبح فى ذمة الله.. وما آكله اليوم هى الملوخية.. وهذا يفرق لأن الشعب الذى حولها إلى الملوخية أعطانا كل الحق فى أكلها بشراهة والانتقام من أطباقها.. قال: بالهنا والشفا.. وقد اكتشفت أننى لست وحدى الذى تمتعت بهذه العدالة الاجتماعية، ولكن سبقنى إليها الأستاذ حامد دنيا أحد الرواد المؤسسين لمجلة أكتوبر.. وكان أيضا ملازما لأبو الأنس، ومن أصدقائه أيضا عثمان العبد مدير عام الإعلانات بأخبار اليوم، وهو عضو أساسى فى شلة الأنس وله أيضا مع الكاتب الكبير كامل الشناوى أيام فكانا يجمعهما هواية واحدة، وهى المقالب المحبوبة لمداعبة الأصدقاء ومن هذه الأيام أن كامل الشناوى كان مدوخا لأنيس السبع دوخات فهو كان يعتقد أن عزرائيل لا يأتى إلا بالليل فكل ليلة يجبر أنيس على أخذه على طريق مصر إسكندرية ويأتى معه ليتركه أمام منزله فى جاردن سيتى مع أول خيوط الصباح وهنا داعبه عزرائيل وهبط عليه ظهرا.. فحرم أنيس من هذه المداعبة فكتب يقول عاش عمره كله يخشى من أن يأتيه عزرائيل بالليل فخدعه وزاره فى الصباح، كما أن كامل الشناوى له نوادر يكون أنيس كاتب السيناريو فيها والمشارك الفعلى لكامل بك الشناوى.. وكانت السهرة فى نايت آند داى بسميراميس القديم، واشترط كامل بك مادام هو الذى دعا فيقوم بالكلام وأى واحد يقاطعه أو يتكلم يدفع الحساب كله.. وفى زهوة السهرة نسى محيى الدين فكرى الناقد الرياضى لمجلة المصور نفسه وانطلق يحكى أمجاده الصحفية، وأنه الذى كشف رقم السيارة التى كان يستقلها قتلة حسن البنا، ونظر الجميع حولهم فلم يجدوا كامل بك وأنيس، وتركوا محيى لقدره مع الحساب، واشترك الجميع فى دفع الحساب.
وأنيس كان مفتوحا على الجميع، وفى شلة أخرى كانت تنعقد على الكوتشينه والطاولة فى أفخم فندق بمحطة الرمل، وهبط عليهم أنيس ومعه أكياس من الموز والبرتقال لزوم أن يعود بها إلى مكان إقامته، وبرغم هذا الانشغال بالكوتشينة والطاولة إلا أنه كان يتزعم هذه المجموعة الناقد الفنى الكبير جليل البندارى والذى أطلق عليه أنيس جليل الأدب وبندارى عليه، وأصبح شائعا فى الوسط الصحفى، والناقد الرياضى الساخر، والذى قال عنه أنيس إنه أديب يكتب فى الرياضة، ومحيى فكرى الذى دفع ثمن حرمانه لكامل بك من ممارسة هوايته فى الكلام، وهنا اتفق الموجودون على أن يعود أنيس الوحيد الذى لا يلعب الكوتشينة والطاولة، ويلعب الشطرنج فقط بدون هذه الفاكهة.. واستغلوا استغراق أنيس فى لعب دور الشطرنج، وتناوبوا سرقة الموز والبرتقال وأكله فى حمام الغرفة.. وفاز أنيس فى دور الشطرنج وهم ليغادر لم يجد فى الكيس إلا 4 ثمرات برتقال وموزتين.. فلم يسأل، ولكن جليل اندفع وقال: أكلنا بالهنا والشفا، وتركنا لك نايبك لأن الذى يأكل لوحده يزور.
هو وبطاطينه/U/
وطبعا هذه الحيوية وهذه الطاقة، وهذا الانطلاق وفى كل سطر إبداع، وفى كل خطوة أيضا.. احترت كيف يجد وقتا لكل هذا الكم من القراءة والكتابة والحياة الاجتماعية المليئة.. ولم أكن أقول له يا ريس.. وقد علمنى أستاذى جلال الحمامصى ألا أقول لصحفى كبير يا ريس فعندمنا قلت له ياريس.. وجدته ممتعضا، ورد علىّ: إيه ريس هذه.. هو أنا مركبى تقولى يا ريس، وأنا أقول لك يا معلم.. لا تنادينى مرة أخرى بهذا.. قل يا أستاذ وهذا قمة الاحترام.. وهذا لأنه لم أكن أرفع الكلفة مع أنيس بصفته رئيسى.. أقول يا أستاذ فسألته: متى تجد وقتا يا أستاذ.. وهنا رد: اسمع يا ماهر أنا كل عدد ساعاتى 3 ساعات نوم فقط فى اليوم.. وعلى فكرة فى عز الصيف أتغطى بثلاث بطاطين وألفّ نفسى كاملا حتى رأسى ثم استيقظ مبكرا أقرأ ثم اكتب واستمر حتى العاشرة صباحا.. وبعدها انطلق لأمارس الحياة الطبيعية فى العمل والمجتمع.. ورأيت بنفسى فى شهر يوليو بأحد فنادق الإسكندرية، وهو يطلب بطانيتين.. فتأكدت مما قاله لى.
وعلى فكرة هذا الكلام عرفنى أنه كان يصاب بالرعب من كلمة برد أو أنفلونزا.. فكنا فى الأخبار ثم فى أكتوبر.. إذا أردنا أن يغادر مكتبه.. نقول له فلان فى الدور الأرضى مصاب بالأنفلونزا.. فإذا به يهرول خارج مكتبه.. ولا يعود إلا إذا قلنا له المكان أمان ومن باب المداعبة إذا أردت أن ترى علامات الرعب مثّل أنك بتعطس.. هنا يسد منخاره، ويغسل يده بالكلونيا ويضع منديلا على أذنه.. وكما أن كامل الشناوى خاف من ليل عزرائيل أتاه بالصباح.. وكذا أنيس كان يخاف البرد فجاءه ملك الموت مرتديا ثوب النزلة الشعبية.. ويقولون فى الأمثال: الذى يخاف من العفريت يطلع له.
علمنى العوم/U/
وفى يوم وأنا معه فى المكتب فوجئت بأنيس يقول لى:على فكرة أنا شاكك فى إنك كنت بطل سباحة.. فأنا كلما ذهبت إلى المعمورة فى الإسكندرية انظر إلى البحر، وأخشى حتى من الاقتراب منه لأننى لا أعرف أن أعوم.. فقلت له بسيطة نعلمك فى أقل من أسبوع.. فقال بطل «بكش» أسبوع واحد فقط.. قلت: نعم.. قال: خليك مع الكداب لباب الدار.. قلت له: وجب أن تكمل ثقافتك المتعددة بمحو أميتك فى السباحة.. قال: أميتى فى السباحة.. قلت: نعم: فهكذا نحن نعتبرها.. قال: يدى على كتفك ورينى.. قلت: خلاص أعد العدة، واجهز حماما.. ثم أخبرك بالمواعيد.. وفعلا استعملت مركزى كسكرتير لاتحاد السباحة الطويلة، واتفقت مع مدير حمام التربية والتعليم على تخصيص موعد، وخاصة أن موسى صبرى وهو أستاذ اعترف بفضله.. فقد أخذنى من رياضة الأخبار دون أن يعرفنى، ولكنه تابع شابا يسهر على الرياضة حتى الطبعة الثالثة فى الخامسة صباحا.. وانفردت بقرارات اتحاد الكرة فى مشكلة كبيرة، وأخذ منها المانشيت فوق الأحمر.. ثم أخذ يتابع كل ما أكتب ليعرف كيف أصيغ الخبر وكيف أتناول التحقيق.. وبصفته رئيسا للتحرير رقانى كمساعد لرئيس التحرير، ونقلنى إلى صالة التحرير لأساعد رئيس التحرير السهران فى تجهيز الجريدة للطبع.. وفجأة فاجأنى بقوله: إنك وعدت أنيس بتعلم السباحة.. قلت: نعم.. قال: نفس ظروف أنيس فى المعمورة هى ظروفى.. فقلت: غالى والطلب رخيص.. ثم تبعه أحمد زين وكان مديرا للتحرير، وكان موسى عندما رقانى مساعد رئيس تحرير عيننى عضوا بمجلس التحرير.. طلب أحمد زين منى نفس الطلب.. ثم انضم إليهم عادل حسين الشيوعى سابقا الإسلامى المتطرف لاحقا.
واتفقت مع عبد الباقى حسنين أحسن مدرب سباحة فى هذا الوقت ليقوم معى بهذه المهمة الصعبة، وفعلا كان أسرعهم فى التعلم أحمد زين وسبح طول الحمام 50 مترا فى أقل من أسبوع، وكذا موسى صبرى الذى سبح عرض الحمام مرتين 40 مترا.. فأردنا أن نشجعه على السباحة فى الجزء العميق من الحمام، ولكن أصابه الرعب عندما نزل خوفا من الغرق، وتخشب.. وأصبحت كثافته أكبر من كثافة الماء.. فبدأ يغرق فقفزت، وأنقذته وقمت بكل الإسعافات المطلوبة.. وكنت آتى معه فى سيارته 128 نصر وهو يقودها، وأعود معه إلى الجريدة.. وفى الطريق قال لى: اصرحنى القول هل ما حدث لى مؤامرة.. وفهمت أنه يقصد أن أنيس اتفق معى على هذا المقلب، فهو وأنيس بينهما تنافس صحفى قوى.. واقنعته أن ما يفكر فيه غير صحيح، وأما أنيس فحكايته مع الماء حكاية ورواية.. فهو يخاف من الماء لدرجة الرعب، وهذا جعلنى أشك فى أنه يخاف أيضا من الدش.. ففى أول يوم عندما ذهبنا إلى الحمام، فى الحمام سلالم جانبية، فطلبت منه النزول من المنطقة غير العميقة، وحاولت إقناعه بالنزول أكثر من نصف ساعة.. وعندما وضع قدمه على أول سلمة والماء عند مشط قدمه.. قال: أنا غرقت.. أنا غرقت فلم أتركه لهواجسه ودفعته بقوة.. فإذا به داخل الحمام، وبعد تهبيش وجد نفسه واقفا على قدمه، والماء يصل إلى صدره فقط.. فاطمأن.. وبدأنا معه مرحلة التعليم ومن الطفو إلى باقى الحركات أجاد.. ولكن عندما بدأنا نعلمه التنفس، وقلت له بالتدريب كل هذه الحركات تصبح ميكانيكية.. ولكنه لم يقتنع وخشى.. وحاولنا معه بعد أن سبح دون تنفس مترا إلا أنه رفض.. واتهمنا بأننا لم نعلمه.. ثم بدأ يكتب هذا.. وكنت قد أقنعت الجميع بكتابة هذه التجربة وخصص لها أنيس 4 صفحات فى آخر ساعة مع الصور.. وكتب كلهم التجربة، وكتب أنيس منصور أننى وعبد الباقى فشلنا فى تعليمه، ثم كتب أكثر من موقف يسخر مننا بأننا أعطيناه خشبة، وكأنها عظمة فى فم كلب.. وكان الله يحب المحسنين.. فقلت لعبد الباقى هات معك طشت بلاستيك، ونملأه ماء.. ونقنعه بأننا سنكمل تعليمه فى المكتب.. فلما دخلنا ضحك وقال: أنتما اللذان تغرقان فى شبر «مية».
موسى وأنيس/U/
ولما تم تعيين موسى صبرى رئيسا لمجلس إدارة أخبار اليوم، وكان أنيس رئيسا لتحرير آخر ساعة.. فانتاب أنيس مشاعر الغضب أن يكون موسى رئيسا عليه.. وكان موسى تلميذا لمصطفى أمين، وأنيس تلميذا لعلى أمين ونشأ بينهما الكثير من التنافس.. وخاصة فى تولى رئاسة تحرير الجيل الجديد ثم اختيار على أمين لأنيس بعد ذلك رئيسا لتحرير هى.. ولهذا السبب وللتنافس بينهما لم يكن أنيس يستطيع العمل تحت رئاسة موسى.. والرئيس ولأنه عمل بالصحافة فترة كان يعرف هذه الحقيقة.. وكان فى نيته بعد انتصار أكتوبر، أن ينشئ مجلة يخلد بها هذا النصر، وفى نفس الوقت تنافس مجلة الحوادث اللبنانية التى كانت قد تفوقت على كل المجلات العربية، وكانت الأكثر توزيعا، وهى فرصة لفض الاشتباك ألا ينسى الموسوى.. فكلف أنيس برئاسة تحرير هذه المجلة، ورئاسة مؤسسة دار المعارف، وطلب منه إلى جانب أكتوبر أن يؤسس مؤسسة أكتوبر للصحافة والنشر المستقلة عن دار المعارف. فإذا كان عبد الناصر قد كان صاحب مشروع دار التحرير وجريدة الجمهورية.. فإن أنور السادات مؤسسة تنتج جريدة يومية وعدة إصدارات أخرى فى الرياضة والمرأة والفن.. ولهذا من أول دقيقة فصل أنيس ميزانية أكتوبر عن ميزانية دار المعارف كنواة لمؤسسة أكتوبر..
وكانت هذه البداية.. ولهذا أنشأ أنيس فى أكتوبر وفى صفحاتها الأولى باب اتجاه الريح ليكون نواة لجريدة يومية بهذا الاسم، وتصبح أكتوبر العدد الأسبوعى يتوقف يوم صدورها فى يوم صدور المجلة.. مثلما حدث عندما بدأت الأخبار بالجريدة الأسبوعية أخبار اليوم.. ثم قامت الأخبار بعدها وتتوقف يوم صدور أخبار اليوم.. ولكن موت السادات لم يمهله فى إقامة هذه المؤسسة، فالمشروع كله كان بدعم قومى من الرئيس السادات.. بل إن السادات كان غاضبا من عدم تنفيذ هذا الحلم، وقرر فى يوم أن يقيم مؤسسة مايو باسم الحزب الوطنى، ويضم أكتوبر إليها.. ولهذا كان سعى أنيس بأن يجتمع الرئيس السادات بمحررى أكتوبر فى ميت أبو الكوم، واستطاع بلباقة أن يحمى أكتوبر من الانضمام لمؤسسة مايو ولتبعيتها للحزب الوطنى.. وإلا لحقت بجريدة مايو بعد ثورة يناير وتصبح فى خبر كان تحمل وزر هذا الحزب الذى انحرفت قياداته فنهبوا وسرقوا وجرفوا مصر من كل مقوماتها.
أكتوبر وحكايتى معه/U/
وبعد كل هذا الإبحار.. كيف لا ترتبط بهذه الشخصية الفريدة.. وبعد أن كلف بأكتوبر.. بدأ يجهز للإصدار فالبعض هو الذى اختاره، والبعض اختار أنيس.. وكنت قد انصفت من موسى صبرى.. وبدأت آخذ طريقى لأن أكون من قيادات الأخبار مساعدا لرئيس التحرير وعضو بمجلس التحرير.. بعد أن راقبنى فى سهرى على الرياضة حتى الصباح، وإحداث التغييرات اللازمة وبعد مراقبة صياغاتى للأخبار والتحقيقات، وبعد أن عملت فى إعداد الجريدة للطبع تأكد من خلفيتى الثقافية والسياسية.. فكان قد عقد العزم على ترقيتى وتحميلى مسئوليات أكبر، وأنا جالس أؤدى عملى فى صالة التحرير جاءنى الزميل أحمد مصطفى وقال: أنيس عاوزك، وكان الأستاذ من قبل، وكنت اتملى من جلال دويدار شغلا من روما، وكان من ضمن الجالسين معه أنيس، وقال: قريبا نكون مع بعض.. ومرت أيام وجاءنى أحمد مصطفى مرة أخرى وكرر ما قاله.. ولم أكن قد قطعت برأى، وخاصة أننى فى وضع ممتاز والمستقبل أصبح مفتوحا أمامى، وفجأة وأنا فى السهرة فوجئت بمكالمة وصوت أنيس على التليفون يقول: يا عكروت تعالى.. وهنا فكرت فى ثلاثة اتجاهات.. الاتجاه الأول أن هذه المجلة تخلد ذكرى وهى انتصار أكتوبر.. ثانيا هو أنور السادات بصفة شخصية، فقد عرفته فى النادى الأهلى، وكنت شديد الإعجاب به لأدواره السياسية قبل الثورة، وأيضاً بعد أن اقتربت منه فى النادى، وكان والدى صديقا له، ثم مديرا لمكتبه فى المؤتمر الإسلامى، وجريدة الجمهورية، ثم أخذه معه لمجلس الأمة الذى هو مجلس الشعب الآن.. وكنت معجبا جدا كشاب بالتزامه حتى فى الرياضة وهو فى ملعب التنس، ثم أنزل أنا ووالدى والمدرب عبد الباقى حسنين لنسبح معه ونشجعه على سباحة 500 متر سباحة على الصدر، وكنت وأنا شاب صغير من أكثر المتحمسين لانتخابه رئيسا للنادى الأهلى.. وكونت مجموعة من الشباب، واستطعت أن أجمع 700 عضو بالتوقيع على ترشيحه، ولكنه كان كعادته خارق الذكاء وقال: عبود باشا رئيس النادى لم يبق له إلا رئاسة الأهلى، وأنا لا أفضل أن نسلخ الإنسان بعد ذبحه، ثم ابتسم وقال: أنا عضو مجلس ثورة أؤدى دورى وكفى هذا.. وطبعا هو كان يعرف أن المشير عبد الحكيم عامر عينه على رئاسة اتحاد الكرة.. فإذا رأس النادى الأهلى ممكن دفاعا عن النادى الذى يملك مواطنته واختاره رئيسا أن يدخل فى خلافات مع زميله فى الثورة المشير عبد الحكيم عامر، فكان السبب الثانى لماذا لا أساعد السادات بعد نصر أكتوبر وهو قدوتى ومثلى الأعلى.. وثالثا: برغم تبنى موسى صبرى لى، وهو امتدادى أيضاً، إلا أننى صديق قريب جدا من أنيس منصور وفكره، وكيف كان يشجعنى على القراءة وأيضاً قربنى منه شىء آخر.. فاخترت فى لحظة أن أذهب لأنيس.. وبدون أن أغضب صاحب الفضل علىّ موسى صبرى.. فسألت أحمد زين مدير التحرير: ماذا أفعل؟ فدخل معى إلى موسى، وقال لى: قل له من أجل أسرتى أريد أن أحسن دخلى.. فلما قلت ما قاله.. وجدت موسى اشتد غضبا، وأخرج من درج مكتبه قرار وقال: اليوم كنت سأعلن قرار تعيينك نائب رئيس التحرير.. ومجرد تفكيرك هذا يجعلنى أصرف نظر عنك، ولكن بعد أن تضع أقدامك خارج أخبار اليوم فلن تدخلها مرة أخرى.. فلم يصبح أمامى إلا تنفيذ ما صممت عليه بالذهاب لأنيس منصور.
أكتوبر.. واقع/U/
وسلمت نفسى لأنيس.. ورحب بى جداً، ثم قال: اتركنى أعدل لك المسار، وتعود مسئولا عن الرياضة.. فقلت: فى الأخبار كانت لى مهمة تجهيز الجريدة للطبع، وهذا لمدة سنتين.. فقال: أنت تعرف أننى أكن لك احتراما، وأعمل على مستقبل أفضل.. وقلت: كما ترى.. ولكن وجدت حامد دنيا وهو من الرواد المؤسسين يقول لى: نأتى بالكابتن محمد لطيف وتكون أنت محررا عنده.. فرفضت هذا الكلام ونقلته لأنيس فضحك أنيس وقال: أنت تعرف حامد زملكاوى، وهو يريد رياضة زملكاوية.. وبعد أيام أعطانى أنيس مقالا كتبه محمد لطيف ليس فيه جملة مفيدة، ولم أفهم منه شيئا وذهبت لأنيس فقال لى: طبعا لم تفهم منه شيئا.. فلطيف يجيد الكلام، وهذا شىء والكتابة شىء آخر وأعطيته لحامد، وقلت له لو فهمت منها حاجة ابقى قولى.. وأفهمه جيدا أننى اخترتك لتكون على رأس الرياضة وهو عمل ذلك لتنفرد وتذهب إلى حيث لا رجعة.. ويخلو الجو له ليختار.. ولا أحد يختار ويحدد السياسات هنا إلا أنا.. ومن اليوم وجب أن تضع فى اعتبارك أن تسأل نفسك من الرئيس.. أجيب عنك: لا رئيس هنا إلا أنيس منصور.. فأنا الذى اخترتك.. وهذا يفرق ومع ذلك وحتى لا أغضب أحدا منى قلت: اجعلها مجلة محايدة لا أهلوية ولا زملكاوية وكان أول موضوع (أكتوبر تعلن الحرب على التعصب فى كرة القدم) وقابلنى أنيس بعد صدور العدد الأول غاضبا، وقال: لا لون لك ولا رائحة.. أنت أهلاوى وكنت سباحا ولاعب كرة ماء بالأهلى.. وأنا أريدها مهنيا ومن أجل السوق أن تكون أحمر قانى.. فقلت له: أنا لا أريد أؤذى مشاعر دنيا.. فأجابنى: أريدك مع كل عدد ترفع الضغط عنده.. ونفذت مهنيا وحرفيا سياسة رئيس التحرير.. ولا أريد أن أدخل فى تفاصيل أخرى إلا للأهمية أقول كنت أكتب عمودا مسجوعا وموجوعا بعنوان «مسامير وأوقع شاكوش».. فدخل علىّ فى يوم وقال: هل تستطيع أن تكتب الرياضة كلها بهذا الشكل.. فهذا هو ما تتداوله الجماهير فى المدرجات.. فنفذت، وبدأت الشكاوى فقال: عملت رد فعل جيد.. وفى يوم قلت له: أنت ساعات تقول لى أنا زعلان لك وليس زعلان منك، وهذا معناه أنك تريد تغيير الطريقة.. فضحك قائلا: إنك برغم السجع لا تنزل لمستوى المتفرج، ولكن تعلو به بأسلوبك مع أنك تخاطبه باللغة التى يحبها وهو يشاهد المباراة، وما بعدها.. وأنا أقول لك ما قلته عندما يكون عندى ضيف، وأريد تهدئته.. فأقول لك هذا حتى يبان أننى غير راض.. وأن هذا كله يرجع لك وأنك وحدك المسئول.. ثم فاجأنى بأن صديقا له رئيس ناد شكانى له.. فقال له: اشكو ماهر فهمى لنفسه فصمم أننى أفرض عليك التخلى عن أسلوبك الساخر فكان ردى عليه وبكل حزم: أرجوك لا تعرف لى المسرة التليفون مرة أخرى.. وفى الرياضة عندى كاتب ساخر مميز هو الذى تخاطبه.. إذا أردت الحفاظ على صداقتنا.. المهم أن تكسب غالبية السوق وهو جمهور الأهلى.. فالمجلة غير الجريدة.. فإذا كانت الجريدة همها الأول تغطية الأحداث.. إلا أن المجلة وجب أن يكون لها رأى، والرأى عقيدة الكاتب، وأنا لم أدفعك إلا إلى عقيدتك الرياضية.. وأنا لا أريد أن يقال فلان قال فى أكتوبر، ولكن أريد أن يقول القارئ أكتوبر قالت.
أكتوبر.. جد وحب/U/
ودخلنا فى العمل وتجهيز الأعداد التجريبية الصفر.. وقال أنيس: نريدها مجلة شهرية تصدر أسبوعيا، فتكون جميع التحقيقات مدروسة ومكتوبة بتأن، وكذا مقالات كبار الكّتاب.. وفعلا صدرت أكتوبر وكان القراء يقولون إننا فعلا لا نستطيع قراءتها فى أسبوع، وأننا نحتفظ بها من أول عدد.. ولأننا كنا فى معركة حقيقية أصبحت أكتوبر أوسع المجلات العربية انتشارا، وبرغم منعها من دخول بعض البلاد بسبب تجميد عضوية مصر فى الجامعة العربية.. إلا أنها كانت مطلوبة بقوة داخل هذه البلاد.. كما أنها راجت فى العالم كله، وحققت الهدف بأن تكون المجلة العربية الأولى وهذا يرجع لروح الأسرة التى نشرها بيننا.. فكان يجمعنا على عشاء أو غداء فى مطعم كبير أو فى بيته بالجيزة أو شبرامنت.. وكان أنيس لا يجلس فى غرفته بقدر ما يجلس مع سكرتارية التحرير وهيئة التحرير.. فيجلس على مكتب صالة التحرير ويلتفت حوله الشباب ويفكر بصوت عال فى كثير من الموضوعات.. والشاطر الذى يلتقط فكرة، ويحولها إلى تحقيق أو دراسة.. ولا مانع من مداعبة هنا أو قفشة هناك، ولا مانع من أن يلعب دور شطرنج مع فرد من السكرتارية.. وفى يوم الإصدار يسأل: من الموجودون وعددهم، ويتصل بأبو شقرة ونأكل كعيلة واحدة.. ولهذا كنا نحب العمل ونبات فى الدار.. ومن طرائف دار المعارف انها كانت تغلق أبوابها الساعة الثانية ظهرا.. وقام أمن المؤسسة بالشكوى أن هيئة تحرير أكتوبر لا تغادر المكاتب وبعضهم يبقى للرابعة صباحا.. فرد أنيس عادى، وقال لهم: أنتم كنتم دار نشر كتب، ويجب أن تتعودوا على أن تتحولوا من مجرد مطبعة إلى دار نشر هذا جزء من كوكتيل أنيس، ولو تركنا للقلم العنان لكتبت المجلدات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.