**وجفت الأقلام.. وأدمعت الأوراق.. وضاعت الفكرة.. وبقيت الذكرى.. لقد صعد أنيس منصور محلقا بإبداعاته ليلقى رب العالمين واهب الإنسان، والجميع فى مثل هذه الحالات يقول: الحمد لله على نعمة النسيان.. لكن هذا الرائع بعيد عن النسيان.. فقد ترك أكثر من 200 ابن وابنة يحملون اسمه.. ولم يحدد النسل فى خلق المقالات والأفكار والفلسفة والحوار والبحث عن الحقيقة..ومن حقيقة إلى حقيقة هناك حقيقة غريقة يبحث عنها أنيس.. المعدن النفيس. **وأنيس اسم على مسمى.. فهو أنيس لكل من يقرأه ولمن يستمع إليه.. فعندما يتكلم تتمتع الآذان بهذا الفيض وهذا الأسلوب وهذه القدرة على تبسيط المعلومات.. فهو أكبر قارئ فى العالم العربى، وهو برغم أنه قضى فى صالون العقاد أياماً.. فإنه لم يكن ناشف الأسلوب صاحب القاموس الصعب.. فهو اخترع أسلوبا لا يستطيع كائن من كان أن يقلده.. يتميز برشاقة وسهولة يعطيك أعوص المعلومات والأفكار فى أبسط جمل.. فجمله ترقص على الأوراق.. وهو دائما يترك الرأى لقارئه، ولا يفرض عليه الرأى.. فهو صاحب أكبر ديمقراطية فى الكتابة.. وهو كاتب الشباب حتى آخر طلقة فى قلمه.. فقد عاش بروح الشباب وقلب الشباب وعقل الشباب، ولم ينفصل عنهم فى يوم من الأيام.. وكذلك كان لكل القراء فى جميع الأعمار.. فيجدون فى كتاباته تجديدا لشبابهم وتجديدا لمعارفهم فى أيسر كلمات وجمل. فإذا قرأت عنده أول سطر سيطرت عليك باقى سطوره فى عمود أو مقال أو كتاب.. فهو يكتب مثلما يتكلم وكلماته تأخذ بالألباب. **وأحمد الله أننى كنت من تلاميذه ومحبيه تعرفت عليه فى الستينات فى البن البرازيلى بشارع طلعت حرب أمام سينما مترو.. وكنت بادئا عملى الصحفى بجريدة الجمهورية وطالبا بالجامعة.. فوجدت فيه شموخ الكاتب والمفكر الواثق بنفسه وتواضع العلماء. فهو بقراءاته عالم فى كثير من العلوم والمعارف.. فقد قرأ بعمق فى كل شىء وأى شىء. **ويبقى أنيس محلقا بما ترك من كتابات ومعارف.. فهو أيضا من ظرفاء أو آخر ظرفاء العصور التى عاشها فكان سريع البديهة.. صاحب قفشات وحتى قفشاته لها مدلول ولها معنى.. فقد قمت أنا ومدرب السباحة عبد الباقى بتعليمه السباحة ولكنه لا يريد أن ينظم نفسه، وسخر منا أننا لم نستطع أن نعلمه.. وكتب أكثر من موقف من مواقفه.. فاتفقت مع عبد الباقى أن نذهب إليه بطشت مملوء بالماء فقال لنا: انتما من تغرقان فى شبر مية! وفى يوم قلت له: لقد عين الأستاذ الزميل إبراهيم سعدة رئيس تحرير أخبار اليوم وإبراهيم نافع رئيسا للأهرام وموسى صبرى رئيسا للأخبار. فابتسم وقال: صحف إبراهيم وموسى.. وكان رفيقا للكاتب الكبير كامل الشناوى، وكان أنيس يملك سيارة صغيرة.. كامل يأخذه كل ليلة فىطريق مصر إسكندرية ولا يعودان إلا مع أول ضوء.. لأن كامل الشناوى كان يعتقد أن عزرائيل يأتى بالليل.. وبعد رحيل كامل كتب أنيس: كان يخشى من أن يأتيه عزرائيل بالليل فخدعه وجاءه بالظهر! ولضيق المساحة لا أستطيع سرد هذه الطرائف فهى تحتاج إلى كتب.. ويظل أنيس يحلق فى قلوب قرائه وعقولهم فقد ترك بصمات لا يمحوها الزمن. ضربة قاضية/U/ ويبقى أنيس نورا لأجيال وأجيال.. وحتى آخر الزمان والمكان.