عانى الكثير من المصريين من التهميش الذى فرضه النظام السابق على عدد من المناطق بحجة أنها مناطق استراتيجية وتحتاج إلى إجراءات أمنية مشددة، ومن بين هذه المناطق «نويبع» المعروفة ب (بوابة مصر الشرقية) والتى تتميز بالطبيعة الخلابة والجو الجميل ورغم ذلك لا يعرف عنها المصريون إلا القليل.. «أكتوبر» زارت المنطقة برفقة أول قافلة خيرية تعرف طريقها إلى هذا المكان والتقت بالأهالى والمسئولين وكبار مشايخ البدو ونقلت كل همومهم وقضاياهم.. إلى تفاصيل الزيارة. 600 كيلو متر هى طول الطريق من القاهرة إلى نويبع واستمرت الرحلة نحو 8 ساعات بسبب المنحنيات والارتفاعات الخطيرة بالطريق بداية من منطقة رأس النقب وحتى شرم الشيخ بطول الطريق الدولى الموازى لخليج العقبة. وأول ما لفت انتباهنا هو خلو الشواطىء من السياح وسهولة الاجراءات الأمنية بالأكمنة الموجودة هناك كما أن نويبع مدينة هادئة. شوارعها الداخلية واسعة جدا ومعظم السيارات التى تسير بها هى نصف نقل يطلقون عليها «تويوتا مارادوناً». وهذا النوع من السيارات يقتنيه معظم الناس هنا نظراً لقدرتها الفائقة على السير فى الرمال كما يقولون، ويوجد بالمدينة عمارات سكنية عديدة قامت ببنائها الحكومة لتسكين البدو لكنهم تركوها وقاموا بتأجيرها وعادوا إلى منازلهم البسيطة. ولا يتعدى عدد سكان مركز ومدينة نويبع 18 ألف نسمة منهم 12ألف بدوى و6 آلاف آخرين من الوافدين، ويقيم هؤلاء السكان بمدينة نويبع وطابا والوديان والقرى الموجودة على ساحل خليج العقبة. وقضينا ليلتنا الأولى بمعسكر الشباب الدولى والذى تم نقل ملكيته من وزارة الشباب إلى وزارة الاستثمار فأصبحت إجراءات الإقامة به صعبة جدا وتشترط أن تكون فى جماعات ولا يوجد بالمعسكر أى خدمات وبنيته الأساسية شبه منهارة ولايوجد سوى 4 موظفين رغم اتساع مساحة المعسكر وكان عدد أفراد القافلة من المتطوعين يزيد على 100 متطوع من الرجال والسيدات ومن مختلف الأعمار بدءا من 12عاما وحتى65 عاما، وكلهم جاءوا ليقدموا مساعدات عينية وغذائية لأهالى نويبع والقرى والوديان التابعة لها فضلا عن تركيب أسطح خشبية للمنازل وتعد هذه القافلة هى الأولى من نوعها. وساورنا القلق بعد أن سمعنا من مشرفى القافلة عن مستوى معاملة أهالى البدو لأى غريب ولكننا علمنا أن ذلك يرجع إلى عدة أسباب أهمها القلق من السياح الإسرائيليين الذين كانوا ينتشرون بالمنطقة بصورة كبيرة جدا قبل تفجيرات دهب وطابا وشرم الشيخ ثم قل عددهم بعد ثورة 25 يناير، بالاضافة إلى شك البدو فى تعاملات الحكومة والمنشآت بعد أن تعرضوا لظلم وتجاهل النظام السابق. فى اليوم التالى قمنا بتقسيم العمل إلى مجموعات الأولى تذهب لتوزيع المساعدات والأخرى لتركيب الأسقف الخشبية للمنازل بدلا من البوص وأخرى لدهان وفرش المساجد كل هذه الحالات تم تسجيلها عبر استكشاف للحالات المستحقة وشملت توزيع المساعدات 8 قرى ومعظمها متباعدة جدا مثل وادى وتير ووادى صغير وهذه الأودية تقع بمناطق جبلية مرتفعة يصعب على السيارات العادية الوصول إليها، بالإضافة إلى قرى المزنية وطرابين والمالحة وغيرها وهى قرى تقع بالقرب من ساحل خليج العقبة ويمكن بسهولة رؤية الجبال السعودية، ولاحظت أيضا أن معيشة السكان بسيطة جدًا لا يسرفون فى الطعام أو الشراب ويكفيهم القليل جدا ويتساوى فى ذلك الغنى والفقير ولا يحب أغلبهم العمل ولا يسعون إليه حتى الشباب ينام بعضهم على كنبات خشبية أمام البيوت بعد الظهر هرباً من حرارة الجو الشديد داخل البيوت. التقينا بالشيخ عنيز عنيزات سالم كبير قبيلة الطرابين وبدأ حديثه بالشكوى من الروتين والمركزية وقال: نحتاج إلى الذهاب إلى مدينة طور سيناء محافظة جنوبسيناء لإنهاء الأوراق الرسمية مثل ترخيص بناء أكشاك أو أية خدمات تجارية بسيطة وأمام كل هذه الاجراءات الصعبة والمركزية يضطر الشباب إلى الانخراط فى طريق الانحراف الأسهل بزراعة المخدرات والاتجار فيها. مضايقات أمنية/U/ وعن نظام مبارك قال عنيز: عانينا من هذا النظام القمعى الذى كان يلفق لنا القضايا والمحاضر بدون وجه حق وأنا قد حبست تعسفيًا بسجن وادى النطرون مع أننى لم أرتكب أية جريمة. وكان الأمن يعيث فى المنطقة فسادا وكان أصغر أمين شرطة يتحكم فى أهالى المنطقة ويأمرهم بأمور ليس لها علاقة باختصاصاته كأن يأمرهم بتوصيل سيارة الضابط إلى مكان إقامته مجانا بل كانوا يستعينون بسياراتنا خلال حملاتهم الأمنية طوال النهار والليل بدون مقابل ويقولون لنا ربنا يسهل، ومع ذلك شكلنا لجانا شعبية لحماية كمائن التفتيش وأقسام الشرطة بعد جمعة الغضب وقيام ثورة 25 يناير وحميناهم ولم يصب أى منهم بسوء. وأضاف: لا نملك هنا أى بيوت أو أراض، كلها بحق الانتفاع منذ عام 2006م، وهذا لا يشعرنا بالأمان، نريد أن تملكنا الحكومة البيوت مع اتخاذ كافة الاشتراطات حيث إن هذا من شأنه أن يجعلنا نشعر بأننا مواطنون من الدرجة الأولى، ونريد الاهتمام أكثر بقضية التعليم لأنه عندما يصل أى طالب إلى الصف الثالث الابتدائى يتم إخراجه من المدرسة ليعمل مع أبيه، لكن البنات تستمر أكثر من ذلك فى المدارس حتى المرحلة الثانوية ويوجد الآن 4 مدرسات فقط من البدو وبالنسبة للمستشفيات لا يوجد بها أخصائيون فمعظم الأطباء تحت التمرين، وهذا يضطرنا للذهاب لمستشفى شرم الشيخ فى الحالات الحرجة. ويوجد تعسف كبير أيضًا من قبل المسئولين العاملين بالسياحة، حيث لم يصدروا تراخيص منذ تفجيرات طابا ودهب ونويبع لرحلات السفارى التى يحبها السياح الأجانب كثيرًا حيث تستمر لمدة تزيد على 10 أيام يترك السائح كل متعلقاته الشخصية ليستمتع بالطبيعة والتأمل فى الجبال والوديان وهذا يسمى «علاج الطبيعة». أما الزراعة هنا بنويبع فهى منعدمة لعدم إقامه سدود للحفاظ على مياه السيول والأمطار ووادى وتير حيث تسببت هذه السيول كل عام فى تجريف عدد كبير من النخيل. الانتماء لمصر/U/ التقينا أيضًا بالشيخ سلمان محمد كبير مشايخ قبائل نويبع، وقال: إن موارد الدخل بالنسبة للأهالى والقبائل هنا معظمها من الأعمال اليدوية كالخرز والعمائم السيناوية وركوب الجمال وبعض رحلات السفارى، أما شهور يونيو ويوليو وأغسطس وسبتمبر فهى موسم صيد الأسماك بخليج العقبة ويتجه الأهالى حاليا إلى صيد الأسماك لتعويض الخسارة التى لحقت بهم فى السياحة. وبلهجة حزينة قال الشيخ سلمان: «هنا مش لاقيين حق التموين»، لأنه يوجد أكثر من 70 % من السكان تحت خط الفقر. ويضيف الشيخ سلمان: أود أن أؤكد أننا مصريو الدم والهوية وأن كل من يدعى أن ولاءنا وانتماءنا لغير المصريين كاذب وجاهل بأمورنا لأن هذا وطن أجدادنا. ومن جانبه قال العميد العربى رئيس مجلس مدينة نويبع: إن حدود المدينة تبدأ من طابا حتى مدينة دهب بطول 100 كيلو متر تقريبًا وعدد سكان المدينة 18 ألف نسمة من 12 ألف بدوى و 6 آلاف آخرين من الوافدين العاملين فى المهن اليدوية والحرف والسياحة والميناء وهى أول مدينة مصرية تشرق عليها الشمس وهى من المدن القليلة التى تمتلك جميع المنافذ الخارجية برية وبحرية وجوية ويوجد بها أيضًا محميات طبيعية، وأماكن تاريخية مثل قلعة صلاح الدين بطابا، وبسبب معايشتى للبدو منذ فترة طويلة فإنى أقترح على المسئولين إقامة ما يسمى بالمدارس الداخلية تقوم بتعليم وتسكين طلاب القرى والوديان بدون مقابل يتعلم فيها مناهج متميزة يعرف من خلالها بلده وتقوم هذه المدارس بعمل زيارات لهؤلاء الطلاب بالدلتا والقاهرة ليتعرفوا على بلدهم أكثر لأن أغلب السكان هنا لا يعبرون خط قناة السويس فهم معزولون عن مصر والاهالى هنا ليس لديهم مانع فى ذلك وإذا نجحت هذه الفكرة فسنجد لدينا بعد 15 عاما من الآن جيلا متعلما يستطيع نقل التعليم إلى آخرين وسيجعل باقى الأهالى غيورين على تعليم أبنائهم. فأطفال البدو لديهم ذكاء فطرى غير معهود وقد استطاعت فتاة من قرية الطرابين اسمها فضية سويلم الحصول على الشهادة الثانوية الألمانية بدهب وهى أول بدوية تحصل على مثل هذه الشهادة لكنها لن تستطيع استكمال دراستها لأن أسرتها لن توافق على سفرها للدراسة بجامعات القاهرة أو إلى أى محافظة أخرى غير جنوبسيناء. مشروع قومى/U/ وأضاف رئيس المدينة: طلبت من الحكومة تنفيذ مشروع قومى هو إنشاء سد بمنطقة سيل وادى وتير أخطر سيل على مستوى مصر ويغرق الطريق الدولى بطول 100 كم، ففى كل عام يتم إهدار 3 ملايين متر مربع من مياه السيول بالبحر يمكن تخزينها بعد إنشاء السد لتتم الاستفادة منها فى أعمال الزراعة والشرب وسنقوم بتوفير ملايين الجنيهات التى ننفقها على تحلية مياه البحر حيث تبلغ تكلفه تحلية متر المياه 6.25 جنيه ويباع للسكان ب 25 قرشا وهذا يعنى أن الدولة تتكلف يوميًا 60 ألف جنيه لتحليه 10 آلاف متر مكعب يوميًا، أما إذا تم إنشاء السد فسنقوم بتنقية المياه فقط وبذلك ستكون التكلفة أقل بكثير وصالحة للشرب وسنقوم أيضًا بزراعة أراض كثيرة من هذه المياه.. وتكلفه إنشاء السد حوالى 150 مليون جنيه بينما يتم تصليح الطريق الدولى ب 3 ملايين جنيه سنويًا بسبب السيول. ويضيف رئيس المدينة أن مستشفى نويبع المركزى على الرغم من أنه مجهز بشكل جيد وتم تجديده بتكلفه 4 ملايين جنيه منذ 4 سنوات فإن به عجزا شديدا فى الأخصائيين فى بعض التخصصات وقمنا بنشر إعلان نطلب فيه أطباء لكن لم يتقدم أحد لذلك نناشد وزارة الصحة تعيين أخصائيين بالمستشفى ليواكب التطور الذى لحق به فى الأجهزة والمعدات، وأضاف العربى يوجد بنويبع 4 سنترالات و 3 مكاتب بريد وقمنا ببناء 700 وحدة سكنية خلال السنوات الخمس الماضية وسنبنى 1000 وحدة أخرى جديدة فى إطار المشروع القومى الجديد للاسكان كما أن معظم الوديان التابعة لنويبع بها كهرباء، ويوجد أيضًا صرف صحى بمدينة نويبع وطابا والقرى المجاورة تم إنشاؤها عام 2002م وتكفى حتى عام 2050 وأشار رئيس المدينة إلى أن الصورة الذهنية لدى أهل القاهرة والوادى عن عدم انتماء البدو لمصر بسبب تعاملهم مع الإسرائيليين والأجانب غير صحيح فأنا كنت ضابطا بالقوات المسلحة وأتفهم ذلك جيدًا والبدو هنا يكره إسرائيل لأنهم أذاقوهم ألوانا من الذل أثناء الاحتلال. سياحة داخلية/U/ اللافت للنظر هنا ندرة السياح الأجانب بشواطىء نويبع وطابا لكنها لا تخلو من بعض المصيفين المصريين. وقد التقينا بأكثر من صاحب فندق وقرية وبازار أكدوا جميعًا على ضرورة تشجيع وتوجيه الإعلام المصرى لزيارة المنطقة والاستمتاع بالمناظر الخلابة بها وقال أحد أصحاب البازارات من محافظة كفر الشيخ إن حركة السياحة ضعيفة جدًا لا تتعدى 20% وعندما زرنا قلعة صلاح الدين بجزيرة فرعون بطابا وجدنا عددًا لا بأس به من المصريين يزورون هذه القلعة التى لا يعرفها الا القليل فمنطقة طابا قبل ثورة 25 يناير كانت مقصورة على الإسرائيليين فقط بخلاف المضايقات الأمنية لدرجة أن الناس كانت تشعر أن هذه المدن مفتوحة للإسرائيليين فقط لكن الآن الجميع يشعر أنها مصرية مائة فى المائة.