«القرية التى يتنافس أهلها على حفظ القرآن» هكذا وصفتها احدى الصحف البريطانية عندما قدمت تحقيقاً صحفياً عنها، فتقريباً لايخلو بيت فى القرية من حافظى القرآن. يوجد بها 5 أشخاص من علمائها رأوا فى المنام تحويل اسم هذه القرية إلى عرب القرآن إذ أصبحت الاشهر على مستوى الجمهورية فى تحفيظ القرآن. عدد سكان هذه القرية 40 ألف نسمة وبها 45 داراً للتحفيظ ويتخرج فيها سنوياً مايقرب من ألف طالب ختموا تلاوة القرآن بالتجويد الصحيح، وهى قرية يأتى إليها الوفود من كل مكان فى العالم ألا وهى قرية «عرب الرمل» التابعة لمركز قويسنا محافظة المنوفية. التقت أكتوبر مع علماء هذه القرية لكى تتعرف منهم على طريقة التعليم ومن أين جاء هذا الاهتمام وما هى الميزة التى يتميز بها أبناء هذه القرية عن غيرهم. قال الشيخ/ عصام يوسف مدرس اللغة العربية والذى قضى أكثر من ثلاثين عاماً من عمره فى تحفيظ القرآن الكريم فى القرية وغيرها: إنهم يتبعون طريقة جديدة تعد الأسهل على الاطلاق فى تحفيظ القرآن وهى الطريقة «النورانية الربانية» التى تساعد على حفظ القرآن واتمام احكام التجويد وإن هذه الطريقة يصلح استخدامها مع الأطفال حتى الاقل من 5 سنوات وكذلك مع الأميين والكبار وغير الناطقين بالعربية والاهم هو تعلم الكثير من الأطفال المصابين بضمور فى المخ وقد وصلت هذه الطريقة إلى السعودية. وأضاف عصام يوسف أنه علم هذه الطريقة لمدرسى الحرم النبوى ودور القرآن فى مكةالمكرمة، بالاضافة إلى بعض الدول العربية الاخرى مثل الامارات وسوريا وليبيا والمغرب وقام بالتدريس فى أمريكا لمدة ثلاثة أشهر وتعلم على يديه خلال هذه الفترة ابناء دول مختلفة كألمانيا وفرنسا واليابان والصين وغيرها. وأشار إلى أنه رغم الدور الذى يقوم به المحفظون فإن رواتبهم ضعيفة تكفى حاجتهم الأساسية بالكاد.. وأوضح ان دور التحفيظ فى القرية تضم 350 محفظا ومحفظة يعملون بالجهود الذاتية حتى أن الهدايا والمكافآت التى يقدمونها للمتميزين فى المسابقات ماهى إلى تبرعات من أهالى القرية الفقراء. وأكد أن محفظ القرآن فى حاجة لأن يشعر بمكانته فى المجتمع وأن يجد حقه فى الرعاية الصحية. أما الشيخ/ عبد المؤمن زكى أحمد يوسف وهو يعمل مشرفاً بالجمعية الزراعية للقرية وأحد المحفظين الاساسيين فصرح بأن طريقة نور البيان والتى تسمى بالفتح الربانى أو الطريقة الربانية تهتم بالطفل من سن ثلاث سنوات إلى 6 سنوات حيث يأتى الطفل على فترتين من 8 صباحاً حتى الواحدة والنصف ظهراً والثانية بعد صلاة العصر حتى المغرب نعمل طوال العام ندرّس من خلال هذه الطريقة للطفل الحروف الهجائية بعشرين حالة وندخل معها أحكام التجويد وخلال هذه الفترة يكون عند الطفل مقدرة على القراءة من أى مكان وأى موضع فى المصحف ويظهر الحكم التجويدى فى الآية والشاهد له. وأضاف عبد المؤمن أنه عند دخول الطفل المدرسة يكون قد حفظ ما لايقل عن 4 أجزاء بأحكامها وهذا هو الطالب المتوسط. ولدينا برنامج أن الطفل يختم القرآن قبل دخوله المرحلة الاعدادية فالطفل فى فترة الحضانة. يختم القرآن تلاوة بالأحكام الصحيحة أربع مرات وعند دخوله المرحلة الابتدائية يأتى الطالب إلى دار التحفيظ فيحفظ من «الحاضر» وهو مالم يتم حفظه بعد ويأخذ «ماضى» وهو ما أتم حفظه حتى لاينساه وعندنا 45 دار تحفيظ مفتوحة على مدار اليوم من بعد صلاة الفجر إلى بعد صلاة العشاء فالولد يختار الوقت المناسب له إذا كان قبل أو بعد دراسته. وقال عبد المؤمن إن عدد الاطفال فى مكاتب التحفيظ الذين لم يلتحقوا بالتعليم الاساسى بعد 2300 طالب وطالبة و860 ولداً و420 بنتاً خلال المرحلتين الابتدائية والاعدادية ويقوم على التحفيظ مجموعة من شيوخ أهالى القرية ومن حيث الامكانات فهى ضعيفة من حيث الايرادات والمصروفات وطلبنا أكثر من مرة أن يتم نقل هذا الموضوع للمعاهد الازهرية وبدأنا بالفعل فى أن نعطى دورات تدريبية للمدرسين والمدرسات بالمعاهد لكى يطبقوا هذه الطريقة على الأولاد ولكن نحن نطلب من وزارة الأوقاف أو هيئة الأوقاف أو الأزهر أن يتبنوا هذا المشروع. هناك تبرعات تأتى والأولاد يدفعون أشياء رمزية ولكن مع الكم الكبير من المدرسين والمدرسات فإننا نحتاج إلى مالايقل عن 30 ألف جنيه شهرياً وهى غير متوافرة ومع ذلك فالناس سعيدة ومنبهرة بالنتيجة التى توصلنا إليها. وأضاف أنهم يأتى إليهم مغتربون من دول أخرى فكان عندهم وفود من كازخستان وروسيا والمانيا وفرنسا ففى هذه الوفود اما تأتى الأسرة كاملة وإما يأتى الأطفال فقط وهناك شقق متوافرة بالقرية لهذا الأمر وكل مايحتاجونه أن يكون بالمجان وهناك دورة كانت فى السودان منذ شهرين وجاء الينا وفد سودانى وقمنا بإعطاء 22 دوره على مستوى الجمهورية فى مختلف انحائها من السلوم وحتى أسوان وقد تم الانتهاء منها فنحن نذهب إلى المكان الذى نريد أن تقوم الدورة به ويتم تجميع عدد من المدرسين والمدرسات ونعطيهم الدور ولانتقاضى أى أجر من أى نوع. نعقد الدوره ثم نقوم بعمل امتحان وبعون الله يكونون بعد ذلك قادرين على تعليم الأطفال. وهناك دورة مكثفة مدتها 6 أيام يكون فيها 20 محفظاً تكون بالقرية لايتحملون أى شئ من المصاريف. وقال إنها سميت بعرب القرآن لأن بعض المخلصين رأوا رؤيا بأن اسم هذه القرية تحول من عرب الرمل إلى عرب القرآن وآخر رأى أن هناك لوحات تحوط بالقرية مكتوب عليها «بلدة طيبة ورب غفور» ولم يحبوا أن تذكر أسماؤهم فالمجهود الذى يبذل فى هذه القرية كبير وخلال شهر رمضان يكون العمل من أول ليلة إلى آخر ليلة حيث التهجد والعمل طوال الليل فالبلد يهتم بهذا الأمر جداً فلم تجد شارعاً فى القرية إلا وبه مكان لتحفيظ القرآن. وأشار إلى أنه كانت هناك دورة مكثفة للاطفال مدتها حوالى 70 يوماً يأتى الولد من السابعة صباحاً حتى صلاة العشاء طوال هذه الفترة يحفظ ويقوم بتسميع ما حفظه فمنهم من ختم القرآن ومنهم من حفظ نصفه أو 20 جزءاً. وتكون فى هذه الفترة إقامة كاملة للولد بالمسجد ومع كل شيخ حوالى من 10 إلى 12 طفلاً يحفظهم. وعرب الرمل منذ زمن بعيد وهى تهتم بالعلم فقد تعلم فيها كل من الشيخ محمد حسان، والشيخ محمد حسين يعقوب، وعبد الله جبر، والطفل مسلم سعيد. ويتخرج كل عام فى هذه القرية مايقرب من ألف طفل حافظاً لكتاب الله بتجويده وأحكامه. أما المحاسب محمد غانم كامل أحد المحفظين فى القرية قال إن المنهج الذى نتبعه فى طريقة الحفظ ليس بجديد وإنما هو تابع للطريقة البغدادية أو النورانية أو المكية ولكن الجديد أنه نزل للاطفال الصغار وبالتهجى وكيفية أن الولد يستهجى الحروف وآيات الله وبالتالى تكون عنده القدرة أن يصل لحكم التجويد فى الآية. ونحن فى الصدارة فى تحفيظ القرآن ولانتوقف عن هذا الحد فقط فالاهتمام يكون بالعلوم الكونية أيضا مثل الانجليزى والحساب والعربى وغيرها من آداب وأحاديث وقصص نبوية لكيلا يختلف الطفل عن زملائه الذين لم يأتوا إلى دور التحفيظ وذلك بسبب اهتمام أولياء الأمور بالانجليزى والحساب لكى يصبح ابنه طبيباً أو مهندساً ولكن بفضل الله عند التحاق اولادنا بالمدرسة يكون أميز من أى طالب آخر. وأضاف أن كل العاملين مع الشيخ عصام يوسف لهم أعمال غير التحفيظ ولايأخذون أجراً على ذلك العمل فمنهم الطبيب والمهندس والمحاسب وأن مايميز دور القرآن عن غيرها أن الطفل يأتى كل يوم لا يتغيب حتى فى أيام الأعياد فيكون هناك احتفال خاص بالأطفال. فإنهم يأتون أيام الأعياد بعد صلاة العيد مباشرة يقابلهم المدرسون والمدرسات ب «العيدية» والالعاب هذا بالنسبة للاعياد الاسلامية أما الأعياد غير الإسلامية مثل «شم النسيم» لاتكون هناك إجازات. الولد يأتى وكلنا متواجدون ولكن نحاول أن نجعله يوما دراسياً خفيفاً بحيث إن الولد لا يحس بالحرمان ونعلم الطفل كيف يقّبل يد والديه كل صباح وكيف يعلمهم الأذكار والتسابيح وبهذا فإن الولد يأخذ بايدى ابويه إلى الجنة. فعرب القرآن تهتم بأنها ترسخ فى الولد التربية الاسلامية كما ربى النبى أولاد المسلمين.