فى أقصى جنبات محطة الزهراء للخيول (العربية الأصيلة، تتردد عبارة بسم الله .. والغاوى يفتح المزاد) .. والتى تعد كلمة السر التى يترك السايس بعدها عنان لجام المهر الجميل لينطلق داخل مضمار المزاد لتحدق عيون الجالسين بالمدرجات الخارجية على المهر الذى انطلق بسرعة وقوة يتمتع بحرية الحركة، فى تناسق ورشاقة مبهرة حتى يصل إلى سور أحد الأجناب فيقوم بتهدئة سرعته، والدوران فى مناورة بديعة تعيده مرة أخرى لا تساع المضمار من جديد ليعيد نفس الكرّة عند السور الآخر البعيد.. ويستمر على هذا الحال لفترة حتى يهدأ نافرا الهواء من «مناخيره» وهو يلتقط بعض الخضرة من الأرض اسم الحصان «بسيم» وأمه «سمرانه» و?أبوه «بردى» وأصله دهمان مواليد 18/1/2010. ويواصل د. حاتم كمال مدير المحطة ومعاونوه على منصه المزاد عرضه لإغراء الحاضرين ودفع الغاوى منهم بفتح المزاد. ويؤكد فى مداعبة جادة أنه لن يسمح بأقل من السعر المناسب، ولا أقل من ألف جنيه فى مزايدات المزاد، فى محاولة مبكرة.. ولكن المشاهدة أثبتت أن المناورات لا?تنتهى، عشرة «يقصد عشرة آلاف جنيه» قالها تاجر خيول من الهرم.. وكل الموجودين فى المزاد تنطلق بالمفرد، ويتحمس منافس على الجانب الآخر زاعقاً «وهاشترى لب» ثم أعلن عشرة. وكما فهمت بعد ذلك هو بداية السعر الملائم لهذا المهر كما يقدرها جميع العارفين منهم بأسعار الخيول الأصيلة لكنها مناورات المزادات والتى لو تركت دون تدخل ما أمكن بيع الخيول المعروضة، وعددها خمسة وثلاثون مهراً منها خمس إناث. وعدد المشاركين قليل من الحاضرين الذين عرفت أن معظمهم هواة وعشاق خيول، حضروا للمتابعة والمعايشة لكنى لاحظت أنهم جميعاً حصلوا على قائمة بأسماء الخيول المزمع بيعها بالمزاد العلنى.. من الخيول.. وحرصوا على تسجيل أسعار كل حصان واسم صاحبه أمام خانة الملاحظات، وذلك تحسبا لشرائه بعد ذلك، أو تلقيح أفراسهم منه فى المستقبل ولتصبح أرشيفاً شخصياً لكل منهم، يجمعونه من كل المزادات التى يحضرونها. وتضم المدرجات خليطاً من المشاركين رجالاً ونساء واطفالاً، هواة وتجاراً معروفين وغيرهم الكثير لم يسمح المزاد بالتعرف عليهم فجميعهم فى حالة تركيز شديد مع الخيل وأسعارها. وبين فترة وأخرى يتكرر فى الميكروفون مع كل مهر جديد وسعر جديد لفظة «الغاوى» سألت عن المعنى وراء ذلك؟! فقيل لى إن الخيل هى عشق الأثرياء، والهواة، ولا يصبر عليها إلا من يعشق ويتحمل تكاليفها. عند لجنة الحسابات المجتمعة خلف منصة المزاد وفى الحديقة المجاورة للمضمار سمعت همساً عن عدم توفير المبلغ المقرر لدى أحد المشترين، فيحسم الأمر أحد أصدقائه ومنافسه: أيضاً الفلوس عندى. فهمت أن معظم التجار معروفون ومعروف عنهم اهتمامهم بالخيل. الحصان عدو الثورة كانت ثورة يوليو بمبادئها الاشتراكية ترى فى الخيول صورة من صور الغنى الفاحش وشيوع المراهنات، فكادت أن تعرض هذا الكنز للهلاك لولا تدخل المهندس (سيد مرعى) وزير الزراعة الأسبق ورئيس مجلس الشعب الأسبق، والآن أصبح للخيل المصرى أساساً فى تحسين السلالة واستخدامه فى السياحة وحتى فى الخليج العربى نفسه. وكان ل «مرعى» الدور الأكبر فى إنقاذ الخيول العربية الأصيلة، حيث قام بضم خيول عائلة محمد على باشا بعد ثورة 23 يوليو، والتى اعتبرت أن امتلاك الخيول رفاهية تتعارض مع مبادئ الاشتراكية. فقام سيد مرعى بجمع أنقى السلالات لانتاج افضل الخيل العربى.. مما جعل مصر تتميز وقتها بوجود انقى أجناس الخيل العربى على مستوى العالم حتى باتت مقولة أجود الخيل: «العربى وأجود الخيل العربى المصرى» وهى مقولة منتشرة فى مجتمعات محبى الخيول. المحافظة على السلالة يقول د. محمد هاشم رئيس الهيئة الزراعية المصرية: أن محطة الزهراء تتبع للهيئة الزراعية وتعد هذه المحطة الركيزة الأساسية لانتاج خيول عربية أصيلة، فقد تختلف مزادات الخيول العربية عن أى مزادات أخرى تطرح فيها منتجات أو سلع فالحضور فيها للجميع.. هواة وتجار ومثقفون والمتعة تجمع بينهم، حيث يبدأ هذا الكرنفال بأن يعرض أمين المزاد الحصان ومهاراته أمام الجميع ويسرد تايخه وأصله ويقص على مسامع الحاضرين نسب الأب والأم والجد وتاريخ ميلاده، وفصيلته ونوعه ولا مانع من التعرف بأسماء أعمامه وأخواله وأين أماكنهم وأسعارهم التى بيعت بها ويتم تحديد مبلغ لبداية المزاد متفق عليها مسبقاً من قبل لجنة مثمنة، لكن الطريف أن التجار يتعاملون مع الأسعار بحذر، بينما يتسبب تهور الهواة فى القفز بالأسعار لمعدلات خيالية تصل إلى أكثر من المزاد، وكان هذا فىالسنوات السابقة أما اليوم فلم يعد ذلك موجوداً بسبب الظروف الاقتصادية التى تمر بها البلاد عقب ثورة 25 يناير. وعن أزمةالحظر التى فرضها الاتحاد الأوروبى علىاستيراد الحصان العربى المصرى منذ عام، يقول د. محمد هاشم: فعلا منذ قرار الحظر الذى فرض علينا من قبل الاتحاد الأوروبى، لأسباب ليست جوهرية اتخذت الهيئة عدة إجراءات لإعادة الثقة فى الحصان المصرى، حيث قمنا بعمل مسح شامل للخيول العربية وحتى البلدية وذلك على مستوى الجمهورية كإجراء حاسم بهدف انهاء الحظر الذى فرض علينا والذى يقضى بعدم استيراد أى فصائل من الخيول التى تربى فى مصر. وأشار إلى أن الاتحاد الأوروبى وعد بإنهاء الحظر فور الالتزام باشتراطاته لاستيراد الخيول المصرية خاصة وأن الحظر صدر لأسباب إجرائية وليس لظهور أمراض بالفصيلة الخيلية المصرية. موضحاً أن الحظر حمل فىطياته أسباباً لعل أهمها قصور فى عمليات التسجيل والترقيم للخيول حيث يتم ذلك فى مصر للخيول العربية الأصيلة فقط، وبعض الملاحظات عن التسجيل فى اتحادات الفروسية والذى يقوم أيضاً بعمليات التسجيل وترقيم خيول السباق. وقال: إن محتوى قرارات الحظر يأتى ضمن حزمة توصيات عاجلة، كانت قد أقرتها اللجنة الفنية العليا التى شكلتها الوزارة لدراسة القرار الأوروبى المفاجئ، ووضع ضوابط مستقبلية لتلبية اشتراطات الاتحاد الاوروبى بشأن تصدير الخيول و إيجاد آلية محكمة لإصدار الشهادات الصحية المركزية من الهيئة بإجراء مسح وبائى مستمر وكذلك تتبع الموقف الوبائى منعاً لانتقال الأمراض العابرة للحدود. ومن أجل الخروج من هذه الأزمة قال د.محمد هاشم: إننا بصدد عمل بعض الاتفاقيات الجديدة فى سوق الحصان المصرى العربى الأصيل مع الإمارات بصفتها السوق العالمى للخيول وسوف تصبح الإمارات المنفذ الوحيد فى المرحلة المقبلة لتصدير الخيول لأوروبا.. ولكن بعد 6 أشهر سوف يتم التصدير ونحن بصدد التحضير له. تراجع حصيلة المزاد وعن حصيلة المزاد هذا العام يقول د.حاتم كمال مدير محطة الزهراء: إنه كان من المحتمل هذا العام تأجيل هذا المزاد نظراً للظروف الاقتصادية فى مصر والمنطقة العربية بعد 25 يناير ولكن رئيس الهيئة وافق حتى لا تحدث بلبلة وسط المهتمين بالخيول العربية وتعودهم علىالميعاد السنوى لهذا المزاد، ورغم أن المزاد طوال السنوات الماضية كان يحقق أعلى نسب تحصيل من خلال المضاربة على جودة الخيول العربية ولكن كان الإصرار على إقامة المزاد لتوفير سيولة لشراء مستلزمات الغذاء من الشعير والعلف للخيول الموجوة بالمحطة ولكن المحطة هذا العام حققت إيراد تحصيل المزاد مليونا وستمائة ألف جنيه فقط، وكنا نطمع أن تكون الحصيلة عالية لسد العجز الموجود بالمحطة. وعن نظام الدفع يقول د. حاتم: إن الحضور يحرصون على دخلو المزاد وهم يحملون أموالهم معهم لأن المزاد لا يعترف بنظام الشيك أو الحوالة أو «الفيزا كارد» بل يعترف بنظام «الدفع الفورى» ومن بروتوكول المزاد أن يقوم المشارك فى المزاد بدفع عشرة آلاف جنيه مقدما كتأمين دخول المزاد تخصم فى حالة رسو المزاد عليه ويستردها فى حالة عدم شرائه خيولاً. بورصة الخيول ويقول حسن عبده بريش عضو نادى الفروسية الدولى: أن اقتناء الخيول فى الماضى كان للزينة والتفاخر وتفاؤلاً بالخير وكان يطلق عليهم الهواة.. والآن فإن استقلال التجار والهواة هو السبب الرئيسى فى رفع أسعار الخيول والمضاربة عليها حتى ظهر ما يسمى «بورصة الخيول» نظراً للطلب المتزايد عليها. فى الماضى كان سعر الحصان العربى الأصيل يتراوح ما بين 5 و 7 آلاف جنيه أما اليوم فارتفعت الأسعار إلى أكثر من 700 ألف جنيه فى بعض الأحيان وأحياناً أخرى يصل إلى المليون جنيه أو المليون دولار واليوم أصبح التنافس شديداً بين الهواة والتجار مما أجبر بعض الهواة للدخول فى المعركة والتنافس عليها من أجل المتاجرة أيضاً والدليل على ذلك اقتناء العديد من الهواة لمزارع الخيول. أما محمد صبيح -هاو- وصاحب مزرعة خيول فيقول: إن التجار اشعلوا اسعار الخيول العربية والسبب الرئيسى هو قلة اعداد هذه الخيول وتزايد الهواة عاماً بعد الآخر. وأوضح أنه يحرص على متابعة المزادات لمتابعة الفصائل الخيلية وكذلك متابعة اسعارها ومن هم التجار الجدد. فيما يقول فتحى فايد -هاو: إن اقتناء الخيول متعة ما بعدها متعة حيث اعتنى بها مثل أولادى، لذلك امتلكت مجموعة خيول عربية أصيلة وقمت بتوفير كل سبل الراحة والاعتناء بها، كما أننى شغوف بحضور الفعاليات الرياضية والمزادات والتطلع إلى كل ما هو جديد من هذا العالم السحرى، حيث إن العرب قديماً أخذوا كل صفات الشجاعة والجمال والقتال من الحصان العربى، حتى اطلق على اشجع فرد فى القبيلة بانه فارس والفارس لابد أن تتوافر لديه صفات المهارة فى ركوب الخيل والعلاقة الجيدة بالخيول، كما أن الحصان العربى مد الإنسان بالشجاعة لأنه المغوار ولقب الإنسان بأسماء الخيل للعراقة، وأكد أن جميع الحروب التى خاضها العرب قديما كان البطل الحقيقى والعامل المشترك فيها الحصان. وعن توقيت دخول التجار والسماسرة فى مجال الخيول يقول أحمد عاصم صاحب مزرعة: إن هناك العديد من رجال الأعمال والأفراد خاصة العرب منهم دخلوا معترك عالم الخيول منذ عدة سنوات فى مصر خلافاً لما كان من قبل فقد كانت تتم عمليات الشراء والبيع هنا فى مصر ثم تنتقل للخارج، وبالتحديد أمريكا وانجلترا حيث إن هاتين الدولتين تعدان من أكبر مراكز تدريب وتوليد الخيول العربية الأصيلة وكذلك تقام بها كبرى المسابقات والمزادات الدولية أما اليوم فالأمر تغير حيث أصبح العديد من الهواة يحتفظون بخيولهم فى مصر حيث أصبح المناخ اكثر ملاءمة وفى المقابل تم جلب العديد من المتخصصين فى الخيول من المدربين من أمريكا وانجلترا. وأوضح أحمد عاصم أن المشكلة الحقيقية وراء ارتفاع أسعار الخيول فى مصر، ربما هو قلة اعداد المربين القدامى الذين لا يتعاملون مع الخيول بلغة «البيزنس» حيث أصبح التعامل مع الحصان العربى الأصيل الآن باعتباره سلعة معروضة للشراء. سياحة الخيول ومن بين المتفرجين فى مزادات الخيول تقابلنا مع ممدوح على محسب مصرى مغترب بإيطاليا والذى قال: إن عشقه لحضور فعاليات الخيول تعلمه من الشعب الايطالى الذى يكن كل التقديرللخيل العربى الأصيل بل انهم يحرصون على اقتنائه ويدفعون كل غالٍ لامتلاكه فتبادر إلى ذهنى كيف نكون نحن اصحاب هذه السلالة العريقة من الخيول ونحن بعيدون كل البعد عنها.. ومن أجل ذلك حرصت على متابعة هذا المزاد والذى يعد نواة صغيرة فى ظل المزادات الدولية التى تقام بأوروبا وحجم الأموال التى تغدق عل الخيول العربية. فنحن نملك ثروة عظيمة يجب الاهتمام بها لذلك أنصح بأن تدرج فى برامج السياحة المصرية سياحة الخيول والتى سوف تدر عائداً كبيراً على مصر. وانتقد محسب عملية البيزنس التى تجرى فى عالم الخيول فى مصر وقال إنه لم يعد أحد يهتم بالمواصفات السلالية المضبوطة والحقيقية للحصان العربى فكل ما يهم من وجهة نظر التجار والهواة أن يكون وجه الحصان جميلاً بغض النظر عن باقى الصفات الأخرى ورغم أن شكل الحصان مطلوب، لكن الحفاظ على نقاء السلالة وصفاته الوراثية الكاملة أمر مهم جداً. وفى النهاية فإن الخيل وركوبها جاءت على لسان سيدنا عمر خليفة المسلمين حيث قال «علموا اولادكم السباحة والرماية وركوب الخيل».