لم يكن إعلان الدالاى لاما – الزعيم الروحى لإقليم التبت - التقاعد سياسيا هو الأول من نوعه، إذ تطرق مرارا لإمكانية تنحيه عن مسئولياته، ولكنها المرة الأولى التى يتخذ فيها موقفا بشأن هذا القرار، حيث تقدم بطلب رسمى بخصوص تقاعده من منصبه كرئيس شرفى لحكومة التبت فى المنفى فى الجلسة الافتتاحية للبرلمان حيث مقر حكومة المنفى فى الهند، وقال فى الرسالة التى قدمها للبرلمان، ونشرت على موقعه الالكترونى «إذا تعين علينا البقاء فى المنفى لعدة عقود إضافية، سيأتى الوقت لا محالة عندما أكون غير قادر على القيادة» وتابع «لذا من المهم أن ننشىء نظام حكم قويا، بينما لا أزال قادرا وأتمتع بالصحة من أجل أن تكون إدارة التبت فى المنفى قادرة على الاعتماد على نفسها أكثر من اعتمادها على الدالاى لاما»، ولكن مع ذلك شدد على أنه لن يتخلى عن دوره كزعيم روحى لأهالى التبت قائلا « إن رغبتى فى نقل السلطة لا تعنى أننى عازم على التخلى عن مسئولياتى». هذا ما أكده أيضا محللون متخصصون فى شئون التبت لصحيفة «نيويورك تايمز» قائلين إن قرار الدالاى لاما لا يعنى تغير وضعه كزعيم للتبت، وكونه الشخصية الوحيدة القادرة على حشد وتعبئة التبتيين سواء داخل أو خارج الصين، ولكنه أراد أن يعطى شرعية ومصداقية أكبر لحكومة التبت فى المنفى، ومع تخلى الدالاى لاما عن سلطته السياسية، سيكون رئيس الوزراء مسئولا فى قرارات هامة متعلقة بالمفاوضات مع الصين، والموازنة النهائية، وتعيين مسئولين بارزين وحل البرلمان. وكالعادة جاء رد الفعل الصينى على قرار الدالاى لاما عنيفا، فقالت الناطقة باسم الخارجية الصينية إن «الدالاى لاما غالبا ما تحدث فى السنوات الماضية عن تخليه عن دوره السياسى.. نعتقد أنها خدعة تهدف إلى تضليل المجموعة الدولية»، ويأتى رد الفعل الصينى امتدادا لموقف بكين من الدالاى لاما التى ترى أنه يريد فصل التبت عن الصين، بينما يدعو الدالاى لاما إلى «حكم ذاتى ثقافى» للتبت. يذكر أن الدالاى لاما الرابع عشر يمثل القيادة الدينية العليا للبوذيين التبت، ويبلغ حاليا الخامسة والسبعين من العمر، وكان فى سن الخامسة عشر عندما عين رئيسا لدولة التبت عام 1950، وبعد وصول القوات الشيوعية الصينية إلى البلاد وإخضاعها لسلطتها، وفشل الانتفاضة الشعبية ضد الحكم الشيوعى الصينى، هرب إلى الهند ليستقبله رئيس الوزراء الهندى جواهر لال نهرو، وضمن له الإقامة فى دارمسالا فى شمال الهند، حيث أسس هناك إدارة مركزية لحكومة التبت فى المنفى، وأنشأ البرلمان التبتى فى المنفى عام 1960، ثم أصدر دستور التبت عام 1963. فاز الدالاى لاما بجائزة نوبل للسلام عام 1989، ويجسد الدالاى لاما الذى يحظى بشعبية واسعة لدى ابناء التبت وباحترام كبير فى الغرب، كفاح التيبتيين ضد الحكم الصينى للتبت وكفاح اهل التبت دفاعا عن الديانة البوذية.