ومازالت اليابان تعيش تداعيات أعنف زلزال يضرب الكرة الأرضية منذ أكثر من 140 عاما حيث بلغت قوته 9 درجات على مقياس ريختر قبالة سواحل شمال شرقى اليابان ووصلت هزاته الى مبانى العاصمة طوكيو حيث هرع السكان الى الشوارع تاركين منازلهم بعد أن صدر إنذار بحدوث تسونامى رهيب وصل ارتفاع موجاته الى عشرة أمتار جارفا أمامه كل شىء محطما المبانى والجسور والأراضى الزراعية والأشجار وكاسحا الأخضر واليابس. وتم رصد أمواج المد التى وصلت الى سواحل هاواى الأمريكية وقد ذكرت السلطات اليابانية يوم الجمعة قبل الماضى الموافق 11 مارس أن زلزالا قد تسبب فى انفجار عدد من المفاعلات النووية واندلاع حرائق فى العديد من المصانع وانقطاع للتيار الكهربائى وكان الأخطر فى ذلك كله آثار انفجار المحطة النووية رقم واحد فى منطقة فوكوشيما، مما أثار الذعر بين المواطنين على اثر تأكيد تسربات للإشعاعات النووية بسبب انفجار المفاعل وقد أصيب بالإشعاع بعد الانفجار مباشرة 160 شخصا. ومنذ وقوع الزلزال الأكبر وتوابع الهزات الأرضية مستمرة بدرجات متفاوتة ما بين 6 : 8 درجات بمقياس ريختر وهى توابع شديدة الخطورة وعنيفة القوة، كما أكد ذلك علماء الزلازل وقد أثارت هذه التوابع موجات مد عاتية «تسونامى» ولكن بدرجة اقل من التسونامى الأول. فى البداية وحول هذه الكارثة المروعة التى أثارت الرعب فى العالم يقول الدكتور على تعيلب أستاذ الزلازل بالمعهد القومى للبحوث الفلكية والجيوفيزيقية إن هذا الزلزال هو الأكبر فى المنطقة التى تسمى بحزام النار والتى تضم جزر اليابان وإندونيسيا والفليبين ممتدة إلى بعض الجزر فى المحيط الهادى حتى قرب السواحل الأمريكية وسبب هذه التسمية بحزام النار هو كثرة الزلازل القوية والبراكين العملاقة. وقد يمتد نشاط هذا الحزام ليصل الى الساحل الغربى بأمريكا الجنوبية ممتدا الى الشمال الى ساحل أمريكا الشمالية وحتى ألاسكا ليتصل بعد ذلك شرقا بجزر اليابان فجزر الفليبين واندونيسيا وهو ما يعرف بدائرة النار. أما عن تأثير هذا الزلزال على منطقة حوض البحر المتوسط واللوح الافريقى ومنطقة شرق المتوسط قال: لن يكون له أى تأثير ملموس رغم أن بعض محطات الرصد الزلزالى قد رصدت هذا الزلزال وقت حدوثه، مؤكداً أن الطاقة المنبعثة من الزلازل تكون خاصة بكل منطقة على حده تبعا للطاقة المتجمعة فيها والتى تعتمد على طبيعة المنطقة ذاتها وتكويناتها الجيولوجية أما التوابع التى تحدث بعد أى زلزال قوى فهى تتفاوت فى قوتها أيضا ولكن نادرا ما تصل إلى قوة الزلزال الأول أو الرئيسى ومن المفروض ألا تؤدى هذه التوابع إلى تسونامى أو ما يطلق عليه أمواج المد العاتية أو الطوفان البحرى، مشيراً إلى أن التسمية الصحيحة ل «تسونامى» باللغة العربية هى الطوفان البحرى لأن كلمة مد ترجع فى الاساس الى تأثير الأجرام السماوية خاصة القمر والشمس على الارض فى غلافها المائى. وحول استخدام التقنيات الحديثة فى التنبؤ بالزلازل يقول تعيلب: إن هذا الأمر لايزال بعيد المنال وأن كل التقنيات الحديثة والمستخدمة من قبل الدول الأكثر تقدما فى هذا المجال مثل اليابان لا تزال عاجزة عن التنبؤ بموعد وقوع الزلزال وان كانت بعض الدراسات قد حددت أماكن بعينها تكون ناشطة زلزاليا على فترات زمنية قد تكون متباعدة وقد تكون متقاربة. ويشير تعيلب إلى أن منطقة البحر المتوسط واللوح الافريقى والبحر الأحمر مختلفة فى الطبيعة الجيولوجية عن المنطقة التى تقع فيها الجزر اليابانية كما ان البحر المتوسط يعتبر صغيرا جدا بالنسبة للمحيط الهادى وأعماقه ليست كبيرة مثل أعماق المحيط الهادى ولم يحدث تسونامى فى منطقة البحر المتوسط حتى الآن ولن يحدث طبقا للمعطيات العلمية حيث إن أكبر زلزال تم رصده فى «منطقتنا» لم يتجاوز 8 بمقياس ريختر وقد حدث أكثر من زلزال قوى خلال الخمسين سنة الماضية فى منطقة البحر المتوسط ولم ينتج عنها طوفان بحرى يمكن أن يطلق عليه تسونامى إلا انه قد تم رصد بعض الارتفاعات فى الأمواج بعد حدوث زلازل فى منطقة شرق المتوسط لكنها أمواج لم تكن خطيرة ولم تؤثر على السواحل. زلزال القاهرة ويقول الدكتور أبو العلا أمين رئيس قسم الزلازل بالمعهد القومى للبحوث الفلكية والجيوفيزيقية: إن مقياس الزلازل والمعروف بمقياس ريختر هو تعبير «لوغاريتمى» عن الطاقة المنبعثة من الزلزال وعلى سبيل المثال فإن الطاقة المنبعثة من الزلزال بقوة 2 ريختر أكبر من قوة الزلزال مقياس واحد ريختر بمائة مرة وهذا يعنى أن زلزال اليابان الأخير هو أكبر فى طاقته المنبعثة من زلزال القاهرة الذى حدث عام 1992 بحوالى عشرة آلاف مرة، مشيراً إلى أن المعهد استطاع رصد الزلزال الذى حدث فى اليابان وقت حدوثه وذلك بسبب وجود محطات واسعة المدى لها القدرة على تسجيل أى زلزال يحدث فى أى بقعة فى العالم، حيث إن تسجيل حدوث الزلزال بواسطة محطات الرصد يمكن عن طريقها أيضا حساب قوة الزلزال ولو كان على بعد آلاف الاميال. وأضاف أبو العلا أمين أن أى زلزال يحدث فى البحر أو المحيط يتولد عنه موجات بحرية وقد حدث زلزال فى البحر المتوسط عام 1955 على بعد 700 كيلو متر من السواحل الشمالية المصرية وقد نتج عنها موجات طوفان بحرى بلغ ارتفاعها حوالى ثلاثة أمتار وقد نتج عن ذلك غرق بعض قوارب الصيد الذى تسبب فى غرق 11 صيادا من محافظة البحيرة. لافتاً إلى أن أكبر زلزال متوقع فى منطقة البحر المتوسط لن يصل الى أكثر من 7.5 على مقياس ريختر وهذا بسبب الطبيعة الجيولوجية لتلك المنطقة الهادئة زلزاليا وان الزلازل الكبيرة أو العنيفة تحدث فيها على فترات زمنية متباعدة ورغم أننا لا نستطيع التنبؤ بمتى سيحدث الزلزال فإن هدف علم الزلازل هو محاولة التخفيف من الأخطار الناتجة عن حدوث الزلزال. تسرب إشعاعى من جهته يقول الدكتور محمد عبد الرحمن سلامة رئيس مركز الأمان النووى الأسبق والخبير الدولى فى مجال تأمين المفاعلات إن عدد المفاعلات اليابانية العاملة فى إنتاج الكهرباء 53 مفاعلا نوويا تعمل جميعها بنظام الماء المغلى وتوفر حوالى 43% من إجمالى الطاقة الكهربائية من اجمالى الطاقة المستخدمة فى اليابان كما توجد وحدتان تحت الإنشاء بقدرة تصل الى 2300 ميجاوات كما يجرى التخطيط لبناء 11 وحدة أخرى بطاقة تصل إلى 15000 ميجاوات وتعتبر اليابان هى ثالث اكبر مستخدم للطاقة النووية فى العالم وتوجد خطط لزيادة إنتاج الطاقة بواسطة المفاعلات النووية لتصل الى 50 % من احتياجات اليابان من الكهرباء وذلك بحلول عام 2030. وأضاف سلامة أن اليابان بدأت نظام الطاقة الذرية وتأسيس البرنامج النووى قبل 40 عاما عندما كان النشاط الزلزالى منخفضا نسبيا بالمقارنة بالوضع الحالى وقد أثر ذلك سلبا على تصميمات المفاعلات قديما حيث لم تتخذ معايير قوية فى اختيار معامل زلزالا كبيرا بشكل كاف وذلك حسبما جاء على لسان علماء الزلازل اليابانيين أنفسهم وكما جاء من مسئول فى الصناعة النووية ان الانفجار الذى وقع فى المحطة النووية الأولى لإنتاج الطاقة الكهربائية فى اليابان كان سببه اشتعال غاز الهيدروجين وقد نتج عن هذا الانفجار تسرب إشعاعى من المفاعل الاول فى محطة فوكوشيما شمال طوكيو وهو المفاعل الذى يبلغ عمره 40 عاما. كما حدث انصهار جزئى فى مفاعل نووى آخر فى محطة فوكوشيما والتى تقع على بعد 250 كيلو مترا من طوكيو. ويشير سلامة إلى أن حدوث انصهار جزئى قد يؤدى الى انهيار خطير جدا فى انظمة محطة الطاقة بينما سيؤدى الانصهار الكامل الى إطلاق اليورانيوم والمواد الاخرى فى البيئة مما يشكل مخاطر صحية كبيرة وطبقا لتصريحات المسئولين بوكالة الامن النووى والصناعى فى اليابان فإن أكثر من مفاعل آخر فى طريقها إلى الانصهار بسبب أعطال فى التبريد، حيث إن معظم المفاعلات فى اليابان يتم تبريدها باستخدام مياه البحر مما سيشكل كارثة بيئية، فقد وقعت أضرار فعلية فى ثلاثة مفاعلات نووية فى محطة فوكوشيما داياتشى بسبب فقد وظائف التبريد الضرورية للحفاظ على عمل قضبان الوقود بالشكل الصحيح. وأضاف: رغم إغلاق المفاعلات الأربعة فإن الخطر لايزال قائما، حيث إن انصهار قلب المفاعل وانفجاره أمر وارد إن لم يتم غلق المفاعل بالصورة الصحيحة والتى تجعل أقطاب الوقود فى حالة هدوء، ولذلك فقد قامت السلطات اليابانية بإجلاء 200 الف شخص فى محيط دائرة قطرها 20 كيلو مترا حول المحطات التى عطلت بسبب الزلزال، كما تم إخلاء المنطقة حول محطة فوكوشيما الثانية من دائرة حول المحطة قطرها 10 كيلومترات ورغم أن البعض من علماء الهيئة الدولية للطاقة الذرية قد أفادوا أو توقعوا أن الحادث النووى فى اليابان لن يكون له آثار بيئية خارج المنطقة مقارنة بحادث تشرنوبل النووى والذى كان له آثار بيئية امتدت إلى دول كثيرة فى أوروبا. خطورة الإشعاع وأوضح سلامة أنه لا أحد يمكن أن يتكهن أو يتوقع مدى الدمار الذى لحق بالمفاعلات اليابانية وكم الإشعاعات الخطيرة المنبعثة والتى قدرت باكثر من مائة ضعف المستويات الإشعاعية المسموح بها وبعد ان حظرت السلطات اليابانية الطيران فوق منطقة المفاعلات فهذا يعنى تسرب غازات حاملة لاشعاعات خطيرة ارتفعت الى طبقات الجو العليا وعندما يحظر الطيران فوق تلك المناطق فهذا يعنى ان التسرب الغازى الاشعاعى قد وصل الى أكثر من 30 الف قدم ارتفاعا فوق سطح الأرض مما قد يشكل خطورة بيئية على مناطق أخرى خارج منطقة الجزر اليابانية، خاصة اذا دفعت الرياح سحبا محملة بالاشعاع فى اتجاه الساحل الغربى للقارة الأمريكية الشمالية فمن المحتمل ان يؤثر ذلك على البيئة اذا سقطت أمطار محملة على سواحل كاليفورنيا بالولايات المتحدةالأمريكية على سبيل المثال . ويؤكد سلامة انه لا تزال حالة من الضبابية تحيط بالمستويات الإشعاعية المتسربة من المفاعلات اليابانية التى دمرها الزلزال.