بدا واضحا من استعجال المجلس الأعلى للقوات المسلحة برئاسة المشير حسين طنطاوى للجنة المكلفة بالتعديلات الدستورية للانتهاء من إجرائها خلال عشرة أيام تبدأ من يوم الأربعاء الماضى.. بدا واضحا حرص الجيش على الانتهاء من تدابير نقل السلطة إلى سلطة مدنية منتخبة.. رئاسية وتشريعية قبل انتهاء الستة أشهر.. مدة الفترة الانتقالية حسبما جاء فى الإعلان الدستورى الذى أصدره المجلس بعد أقل من 48 ساعة من توليه مهمة إدارة شئون البلاد عقب سقوط النظام وتنحى الرئيس السابق حسنى مبارك. إن صدور هذا الإعلان الدستورى وبهذه السرعة وما تضمنه من قرارات بتعطيل العمل بأحكام الدستور وحل مجلسى الشعب والشورى وتشكيل لجنة جديدة غير التى سبق تشكيلها قبل سقوط النظام لإجراء تعديلات على بعض مواد الدستور.. إنما يعنى ويؤكد استمرار انحياز الجيش للثورة واستجابته لمطالب الشعب وخياراته الديمقراطية، باعتبار أن البرلمان المنحل بمجلسيه مطعون فى شرعيته لما شاب انتخاباته من تزوير فاضح من جانب النظام السابق وقيادات حزبه الحاكم الذى استحوذ على 98% من المقاعد فى الانتخابات التشريعية الأخيرة وقبل شهر واحد من اندلاع ثورة 25يناير، وكذلك باعتبار أن الدستور الحالى خاصة فيما يتعلق بترشيح وانتخاب الرئيس ومدد الرئاسة وكذلك الإشراف القضائى على الانتخابات يشوبه الكثير من العوار الدستورى والسياسى والديمقراطى. الأمر الآخر.. إنه مع كل الاحترام والتقدير للجنة التى سبق تشكيلها برئاسة شيخ القضاة لاجراء التعديلات قبل سقوط النظام، إلا أن قرار المجلس العسكرى بتشكيل لجنة أخرى برئاسة المستشار طارق البشرى.. بدا أمرا له دلالته السياسية وليست القضائية والقانونية، والتى تعنى أن اللجنة الجديدة منبتة الصلة بالنظام السابق وبزمانه وحكمه، ومن ثم فإن تشكيلها وتكليفها يأتى كنتيجة لنجاح الثورة واستجابة لمطالبها بتعديل الدستور بما يضمن إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية بحيدة ونزاهة كاملتين. *** أما التعديلات الدستورية المزمع إجراؤها، ودون أى افتئات على عمل اللجنة الموقرة، ودون أى تجاوز لقدر رئيسها وأعضائها ولمقامهم الرفيع أو تعدٍ على اختصاصهم أو تدخل فى شئونهم، فإن ثمة مقترحات بشأن تلك التعديلات.. أراها تعبيرا عن مطلب وطنى عام وعن إرادة جموع المصريين وعلى النحو الذى توافقت عليه النخبة السياسية والثقافية. وبداية فإن المادة «76» أولى المواد الدستورية التى سيجرى تعديلها.. تحظى باجماع وطنى على ضرورة تعديلها جذريا لرفع كافة القيود والضوابط والشروط التعجيزية للترشح لمنصب رئيس الجمهورية، وهى الشروط التى جرى تفصيلها تفصيلا لصالح مرشح الحزب الوطنى الحاكم، وحيث وصفها فقهاء الدستور بأنها خطيئة دستورية غير مسبوقة فى تاريخ الدساتير فى العالم. ولذا فأغلب الظن أن تعديل هذه المادة أو بالأحرى إلغاءها وإعادة صياغتها صياغة جديدة سوف يستغرق الجهد الأكبر والوقت الأطول فى عمل اللجنة. وفى نفس الوقت فإن ثمة فقرة مهمة وضرورية مقترحة على اللجنة لإضافتها للمادة وصياغتها دستوريا وذلك بالنص على عدم جواز الترشح لمنصب رئيس الجمهورية لكل من زوجة الرئيس وأبنائه وأشقائه وأصهاره وأقاربه حتى الدرجة الرابعة عقب انتهاء رئاسته، مع جواز ترشح أى منهم بعد مرور دورتين رئاسيتين تاليتين لانتهاء رئاسته. *** ومثلها مثل سابقتها فإن المادة «77» تحظى أيضا بذات الاجماع الوطنى والسياسى على ضرورة تعديلها تحقيقا للديمقراطية والتداول السلمى للسلطة وبحيث يتضمن التعديل الجديد ثلاثة ضوابط: أولها: تحديد مدة الرئاسة بخمس سنوات فقط بدلا من ست سنوات فى النص الحالى للمادة. ثانيا: تحديد مدد الرئاسة بمدتين اثنتين فقط. أما الضابط الثالث فهو: النص على عدم جواز تعديل هذه المادة قبل ثلاثين سنة على الأقل من تاريخ إقرارها، إذ أن النص على ذلك من شأنه توفير ضمانة دستورية تحول دون إقدام أى رئيس قادم بعد استبابه فى السلطة على اللجوء لتعديلها وفتح مدد الرئاسة مرة أخرى. ورغم أن المادة «75» غير مدرجة ضمن المواد الدستورية المزمع تعديلها، فإن ارتباطها الوثيق بالمادتين «76، 77» باعتبار أنها تتعلق بمنصب رئيس الجمهورية وحيث تنص على اشتراط أن يكون مصريا ومن أبوين مصريين وألا تقل سنه عن 40 سنة ميلادية، فإن الاقتراح هو تعديل هذه المادة بإضافة ثلاثة شروط أخرى، بحيث تنص على «ومن جدين مصريين»، وكذلك على «ألا تزيد سنه على 60 سنة»، ثم «وألا يكون حاملا لجنسية أخرى غير الجنسية المصرية». إن هذه الإضافات إلى تلك المادة تضمن أمرين مهمين: الأول: أن يكون رئيس الجمهورية مصريا أصيلا.. أبا وأما وجدين. والثانى: ضمان اللياقة الكاملة الصحية والذهنية والنفسية للرئيس المنتخب بحيث لايبقى فى منصبه بعد سن السبعين. ولارتباط المادة «80» أيضا بمنصب الرئيس فإن ثمة ضرورة لإضافة فقرة إلى نص المادة التى تتحدث عن مرتب الرئيس بحيث تتضمن النص على «إلزام رئيس الجمهورية بالإعلان عن ثروته وثروة أفراد أسرته قبل بدء ولايته الرئاسية وفى نهايتها». *** ولمزيد من الضمانات الديمقراطية فإن ثمة اقتراحات بشأن المادتين «82، 83» بحيث يتم إدماج هاتين المادتين المتعلقتين بخلو منصب الرئيس أو عجزه المؤقت أو غيابه أو استقالته فى مادة واحدة، ولتكن المادة «83» على أن يتم تخصيص المادة «82» لنص دستورى آخر يتضمن النص على أنه يحظر على رئيس الجمهورية تعيين زوجته أو أى من أبنائه وأشقائه وأصهاره وأقاربه حتى الدرجة الرابعة فى أى وظيفة أو منصب سياسى؛ رسمى أو حزبى، كما يحظر عليه إسناد أية مهام رسمية من أى نوع لأى منهم. كما يتم النص فى فقرة ثانية من هذه المادة على أنه يحظر على زوجة رئيس الجمهورية ممارسة أى نشاط ذى طابع سياسى أو رئاسة أى جمعية أو منتدى من منظمات المجتمع المدنى أيا كان نشاطها أو هدفها، على أن يقتصر دورها على الحضور البروتوكولى مع الرئيس فى المناسبات الوطنية العامة وفى استقبال الضيوف الأجانب وزوجاتهم وفقا لمقتضيات «البروتوكول». *** ومع أن المادة «139» غير مدرجة على سبيل الحصر ضمن المواد التى تباشر اللجنة تعديلها، فإن ارتباطها أيضا بمنصب الرئيس حيث تنص على أن «لرئيس الجمهورية أن يعين نائبا له أو أكثر يحدد اختصاصاتهم ويعفيهم من مناصبهم».. يستلزم النظر فى الاقتراح بتعديلها فى اتجاه ديمقراطى آخر بحيث يمكن النص على أن يختار كل من يتقدم للترشيح لمنصب رئيس الجمهورية نائبا له بحيث يتم الاقتراع على الرئيس ونائبه فى بطاقة انتخابية واحدة.. وهو نص دستورى يوفر ضمان وجود بديل ديمقراطى للرئيس فى حالات العجز والغياب كما يمكنه إكمال مدة الرئيس حتى نهايتها فى حالة خلو المنصب. *** وتبقى المادة «88» الخاصة بانتخابات مجلس الشعب والتى كانت تنص على: «.. على أن يتم الاقتراع تحت إشراف أعضاء من هيئة قضائية» وهو الاشراف بمعناه المطلق الذى ألغاه تعديل المادة عام 2007، ومن ثم فقد بات ضروريا مع التعديلات الجديدة العودة إلى صيغة الإشراف القضائى الكامل ولكن بنص أكثر تحديدا يتضمن إجراء انتخابات مجلس الشعب مع إضافة مجلس الشورى تحت ذلك الإشراف الكامل بحيث يكون هناك قاض لكل صندوق انتخابى على أن يحدد القانون المدة اللازمة لإجراء الانتخابات على مراحل زمنية متتالية. أما تعديل المادتين «93» المتعلقة بالفصل فى صحة عضوية مجلس الشعب، «189» الخاصة باجراءات تعديل الدستور، فإنه متروك للجنة الدستورية الموقرة والتى من المؤكد أنها ستزيل عنها أى عوار دستورى. *** ومع أنه لا خلاف على انتهاء صلاحية الدستور الحالى وضرورة إعداد دستور جديد، فإن هذا المطلب يتعين تأجيله إلى مرحلة قادمة بعد انتقال السلطة إلى رئيس منتخب وبرلمان جديد، وفى نفس الوقت فإنى أحسب أنه لو أخذت اللجنة الدستورية فى اعتبارها المقترحات سالفة الذكر فإن التعديلات ستأتى تعبيرا حقيقيا عن رغبات جموع المصريين واستجابة لمطالب الثورة الشعبية، بقدر ما توفر السياج الدستورى لضمان تجنب أخطاء المرحلة السابقة وسد ثغرات كثيرة فى نظامنا السياسى، وعلى النحو الذى يهيئ البلاد للديمقراطية الحقيقية.