يبدو أن الدكتور سمير رضوان وزير المالية الجديد فى موقف لا يحسد عليه لكونه تسلم مقاليد الأمور فى أمور اسثنائية تفرض ضغوطاً كبيرة على الخزانة العامة للدولة، حيث التراجع المخيف فى الإيرادات السيادية لتأجيل تحصيل الضرائب والجمارك وتراجع التحويلات الأجنبية وتلاشى إيرادات القطاع السياحى، وذلك فى مقابل زيادات غير مسبوقة فى الانفاق فى محاولة من قبل الحكومة لتغيير الأوضاع الاقتصادية للمواطن فى أقل وقت ممكن، وهذا بدوره يمثل تحديا كبيرا لكل القائمين على إدارة الاقتصاد فى تلك الظروف، فالخسائر تتزايد مع تواصل تظاهرات الشباب، ليس هذا فقط بل كلما أعلنت الدولة عن إجراء لتحسين الدخول وتخفيف الأعباء عن كاهل المواطن وجدت نفسها مطالبة بالمزيد. الخسائر فادحة، فوفقا لتقرير صادر مؤخرا عن بنك «كريدى اجريكول»، تكلف الأزمة الناجمة عن تظاهرات الشباب فى ميدان التحرير الاقتصاد المصرى نحو 310 ملايين دولار يوميا، وأن هذا بدوره دفع فى اتجاه تخفيض توقعات نسبة النمو فى مصر للعام 2011 من 5.3 % الى 3.7%، خاصة أن مصر كانت تعانى أصلا قبل انطلاق الانتفاضة من مشاكل اجتماعية واقتصادية كبيرة مثل ارتفاع نسب البطالة والتضخم والفقر. مؤشرات مبدئية وتذهب المؤشرات إلى أن غلق المصارف لأبوابها طيلة عشرة أيام ترتب عليه تراجع الصادرات بنحو 6% خلال يناير، وأن هروب الأموال الساخنة من البورصة نتج عنه خسائر فادحة تقدر بنحو 70 مليار جنيه، وأن خروج 1.1 مليون سائح من مصر خلال أيام ترتب عليه تهاوى هذا القطاع الذى يمثل ناتجه 11% من الناتج الإجمالى المحلى، والتخوف هنا يكمن فى أن حجوزات السائحين فى الموسم الصيفى تم إلغاء الجزء الأكبر منها مما يدلل على أن الموسم لن يحقق النجاح المتوقع فى حال عودة الاستقرار إلى الشارع المصرى. فيما قدرت جهات أخرى حجم الخسائر الاقتصادية، التى تكبدتها مصر خلال فترة الاحتجاجات والاضطرابات السياسية إلى الآن بما يترواح ما بين 55 و 100 مليار جنيه، مشيرة إلى أن تلك الخسائر تتضاعف خاصة مع توقف العديد من القطاعات الحيوية ومنها السياحة والخدمات والمالية، وأن التحدى الأكبر حالياً هو استعادة الثقة بالاقتصاد المصرى من جديد خاصة مع احتمالية خروج بعض الاستثمارات الأجنبية من السوق. أما منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية فذهبت إلى أن خسائر الاقتصاد بلغت نحو 90 مليون دولار فى قطاع الإنترنت خلال الأيام الخمسة، التى تم فيها قطع خدمات الإنترنت، لأن هذه الخدمات تمثل 4% من إجمالى الناتج المحلي، كما أفادت تقارير أخرى أن حصيلة خسائر قطاعات النقل تبلغ 15 مليون جنيه يومياً وذلك جراء الأحداث الجارية، وأن الخسائر اليومية لمترو الأنفاق تبلغ مليون جنيه، أما خسائر السكك الحديدية بلغت أربعة ملايين جنيه يوميا، وتتكبد الموانئ عشرة ملايين جنيه خسارة يومية. هكذا، تأتى فاتورة الخسائر الاقتصادية فادحة وتتعاظم المخاطر مع استمرار الأزمة، بل ربما يدفع الضغط المتواصل من قبل الشارع والرغبة الحكومية فى تقديم المزيد من الإغراءات صانع القرار الاقتصادى إلى اتخاذ عدد من القرارات مما يترتب عليها خلل اقتصادى هيكلى يعصف بقيمة الجنية ويتهاوى بمعدلات التضخم، فتكون زيادات الدخول ما هى إلا زيادة وهمية تتآكل أمام تدنى قيمة الجنية مع زيادات الأسعار، لكن الثقة فى قدرة الاقتصاد على العودة إلى الاستقرار مرة أخري، وليواصل الاقتصاد رحلة الصعود فى جو من الهدوء والأمن والاستقرار. كل ما سبق من مخاطر وتخوفات وخسائر دفعت وزير المالية د. سمير رضوان للقول بأنه ما قبل تولى الوزارة فى هذا الوقت المتأزم، إلا لأن الدولة فى وضع يجب على الكل المساهمة فيه بشكل إيجابى للعبور إلى الاستقرار، لأن ميزة وزارة المالية أنها وزارة ليست سياسية بالدرجة الأولى بالرغم من تأثيرها الكبير، فإنها منفصلة عن الأجواء السياسية، لافتا إلى أن الرئيس مبارك شدد فى اجتماعه الأخير على عدم الإهمال فى احتياجات المواطنين الأساسية كالغذاء والدواء. قرارات جادة وأكد الوزير أنه سارع بمجرد تولى الوزارة بإصدار عدد من القرارات لتخفيف وطأة آثار تظاهرات الشباب، حيث انتهت وزارة المالية من إنشاء صندوق لتعويض المضارين فعليا من أحداث الشغب والاضطرابات الأخيرة، وتم تخصيص 5 مليارات جنيه له، مشيرا إلى أن هذه التعويضات تأتى فى إطار حرص الحكومة على ضمان الاستقرار الاقتصادى للمواطنين وتخفيف الأعباء عنهم، وأن مأموريات الضرائب العامة ومكاتب التأمينات بدأت فى تلقى طلبات الحصول على هذه تعويضات على النماذج المعدة لذلك. وأوضح أنه تم البدء فى تفعيل نظام تأمين البطالة بحيث يتم صرف تعويض بطالة للمؤمن عليهم ممن فقدوا عملهم بسبب الأحداث الأخيرة، وأنه بالنسبة للحالات التى تنطبق عليها القوانين المنظمة لصرف التعويضات من صناديق التأمين الحكومية، وأنه سيتم التنسيق معها؛ لتتولى هذه الصناديق تعويض المضارين فى هذه الحالات، مؤكدا حرص وزارة المالية على سرعة صرف التعويضات لكل من تضرر بسبب الأحداث، علما بأن هذه الصناديق تضم صندوق التأمين الحكومى لضمانات أرباب العُهد والتامين التعاونى على مراكب الصيد الآلية والعاملين عليها والتأمين الحكومى لضمان الأخطار. وقال د. رضوان: إن وزارة المالية انتهت من اعداد مشروعى قانونين، أولهما خاص بإعفاء المسجلين بضرائب المبيعات من أداء فوائد وغرامات تأخير أداء ضريبة المبيعات عن شهرى يناير وفبراير من العام الحالى، وثانيهما خاص بإعفاء المنشآت والمؤمن عليهم من فوائد وغرامات تأخير سداد الاشتراكات التأمينية، علما بأن الإعفاء من سداد فوائد تأخير اشتراكات التأمينات سيتم على شريحتين الأول الإعفاء بنسبة 100% من قيمة المبالغ الإضافية إذا تم سداد اصل المبالغ المستحقة بالكامل قبل 30 يونيه، والشريحة الثانية الإعفاء بنسبة 50% إذا تم سداد اصل المبالغ المستحقة بالكامل قبل نهاية العام. وأضاف أن الوزارة وفرت كل المبالغ المطلوبة للتأمين من قبل هيئة السلع التموينية لتعزيز المخزون المحلى من كافة السلع التموينية، وذلك فى إطار إجراءات الحكومة لضمان توافر كافة السلع الأساسية فى الأسواق، لافتا إلى أن المنافذ الجمركية مستمرة فى الإفراج فورا عن الرسائل الغذائية دون سداد الرسوم الجمركية والضرائب المستحقة، وذلك مقابل تعهد كتابى من المستوردين بالسداد فور عودة البنوك للعمل. منظومة الدعم وأوضح د. رضوان أن وزارة المالية ومختلف أجهزة الحكومة تركز خلال المرحلة الراهنة على استعادة الاستقرار للاقتصاد المصري، وأن تأثير الأحداث الراهنة شديد على الاقتصاد خاصة البورصة، نظرا لحساسية أعمالها وتأثرها بعدم الاستقرار، مشيرا إلى أن الوزارة كانت حريصة كل الحرص على تأمين صرف المعاشات لكل أصحاب المعاشات، لذلك سعت بكل جد لتوفير السيولة فى البنوك ومكاتب البريد، وأن الوزارة اتفقت مع بنوك مصر والأهلى والقاهرة والإسكندرية وناصر الاجتماعى على تأجيل سداد قسط شهر يناير الماضى لكل مشتركى مشروع التاكسى. وفيما يتعلق بمنظومة الدعم، لفت وزير المالية إلى أن الدولة حريصة على عدم المساس بمنظومة الدعم، فهى ركن أساسى ومهم فى السياسة المالية للدولة، وأن الخزانة العامة سوف تتحمل أية زيادة تطرأ فى أسعار السلع التموينية أو الأساسية عالميا، كاشفا أنه تم زيادة مخصصات التضامن الاجتماعى للعام الحالى بقيمة 100 مليون جنيه، لمواجهة زيادة عدد الأسر المستفيدة بمعاش الضمان الاجتماعى بنحو 150 ألف أسرة، وأنه تم إعداد تقرير حول حزمة الإجراءات، التى اتخذتها وزارة المالية لإعادة الاستقرار الاقتصادى فى مواجهة الأحداث. وأكد أنه لضمان توافر السلع فى الأسواق فإنه يتم التنسيق مع كافة الجهات المعنية لتأمين عمليات نقل وشحن البضائع من الموانى إلى مناطق ومنافذ التوزيع فى الأسواق المحلية المختلفة، وأن القضاء على البطالة يحتل أولويات الوزارة والحكومة بأكملها، داعيا الشباب المتظاهرين بأن يعلموا أن مصر أصيبت بآفة فى الفترة الأخيرة، ولم تتناسب قطاعات العمل مع العاملين والحل يكمن فى إعادة معدل النمو، وأنه على الرغم من الانتقادات الموجهة للإدارة السابقة، فإنها حققت أرضية جيدة تتمثل فى معدل نمو 4.7% فى ظل الأزمة العالمية. ووعد د. سمير رضوان أنه لن يكرر أخطاء السياسات السابقة لوزارة المالية ويمسح آثار السابقين، لأن فى ذلك تحطيما وتضييعاً للمجهود الذى قاموا به، فالوزارة السابقة حمت البلاد من أزمة الغذاء والأزمة الاقتصادية العالمية، وأن الوزارة سوف تعيد النظر فى قانون الضريبة العقارية، لافتا إلى أن اللجنة التشريعية بمجلس الوزراء وافقت على زيادة مرتبات العاملين بالجهاز الإدارى للدولة بنسبة 15%، مع زيادة المعاشات العسكرية والمدنية بنفس النسبة بدءا من أول ابريل المقبل وبدون حد أقصى، وأنه يستفيد منها لأول مرة من يحصلون على معاش السادات والمعاش الشامل والخاص بالعمالة غير المنتظمة. الحفاظ على المدخرات ومن جانبها، أكدت د. هالة السعيد المدير التنفيذى للمعهد المصرفى المصرى أن البلاد تكبدت خسائر اقتصادية فادحة خلال الأيام الأخيرة، إلا أن الاقتصاد المصرى لديه أساسيات قوية ويأتى على رأسها احتياطيات النقد الأجنبى التى تصل إلى 36 مليار دولار، مما توفر بدورها ضمانة للحكومة تمكنها من الوفاء بالتزاماتها المالية، لافتة إلى أن هذا بالفعل ما مكن الحكومة للقيام بالوفاء بمستحقات أذون الخزانة التى تبلغ 16 مليار جنيه مؤخراً. وقالت د. السعيد إن مصر قادرة على الاستمرار بقوة بفضل أبنائها وجديتهم فى العمل متوقعة تزايد انتاجية الفرد خلال الفترة المقبلة، فضلا عن قدرة المواطنين فى الحفاظ على مدخراتهم، وهو ما يدعم أداء الاقتصاد بشكل كبير فى الوقت الراهن، فإنه فى أسوء الأحوال إذا توقف الاقتصاد بشكل كامل، فالبلد قادر على استكمال المسيرة بما لديه من احتياطى لمدة 9 أشهر كاملة دون الحاجة إلى أى إيرادات للسياحة وقناة السويس وتوقف تحويلات المصريين بالخارج. وأضاف أنه ليس هناك مشاكل فى سحب النقد من البنوك، لاسيما أن البنك المركزى لديه ما يكفى ويزيد من الاحتياطيات، وهو ما دفعه لإقرار الاستجابة لطلبات السحب النقدى حتى 50 ألف جنيه يومياً، و10 آلاف دولار أو ما يعادلها من العملات الأجنبية يومياً، مع عدم وجود أى قيود على التحويلات بالجنيه، أو العملات الأجنبية من حساباتهم بأى حسابات ودون حد أقصى. وأشارت السعيد إلى أن استمرار أعمال العنف وعدم توافر الأمان سوف يكون له أثر مدمر على عائدات السياحة، لافتة إلى أنه من المستبعد أن تتأثر تحويلات المصريين العاملين فى الخارج بهذه الأحداث، خاصة أن هذه الأزمة لا تشكل مخاطر على النظام المالى فى الخارج، وخاصة فى ظل عودة اقتصايات منطقة الخليج الى النمو. وخلصت إلى أن المخرج من الأزمة الحالية فى الأجل القصير هو ما بادرت به وزارة المالية من إنشاء صندوق لدعم المتضررين ووضع سياسات اجتماعية تكفل توزيع النمو بشكل عادل، لأن هذا بدوره سوف يوفر الحماية الاجتماعية للفئات الضعيفة من تأثيرات الأزمة العنيفة، لذلك تدعو وزارة المالية للاستمرار فى تطبيق هذه السياسات لأنها الضامن لحماية الاقتصاد من هذه التداعيات السلبية. فيما قال د. جودة عبد الخالق أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة رئيس اللجنة الاقتصادية بحزب التجمع أنه مما لاشك فيه أن الاقتصاد منى بخسائر فداحة نتيجة للأحداث التى يشهدها الشارع، وخاصة ما يتعلق منها بغياب الأمن الذى ترتب على خروج البلطجية للشوارع ونهبها للمحلات التجارية والبنوك يؤثر بالتاكيد على الاقتصاد فى مصر، لأنه ببساطة إذا فوجئ صاحب محل تجارى بسرقة محتويات مشروعه، فهذا سوف يعطله كثيرا عن ممارسة نشاطة التجارى، وبالتالى تتوقف معاملاته مع الانشطة الاخرى المصاحبة، والتى تساعده فى ممارسة نشاطه، مما يؤثر على النشاطات الاخرى بالسلب. وأضاف أن هذا الغياب غير المفهوم للأمن بشكل مفاجئ الذى ترتب عليه فرض حالة حظر التجول ترتب عليه اقتناص ساعات من العمل واجبار اصحاب الانشطة التجارية على غلق محلاتهم ساعات الحظر، مما يعنى تحقيق خسائر فادحة لأصحاب الأنشطة التجارية بشكل مباشر وغير مباشر، مؤكدا أن فداحة الخسائر نتجت فى الأساس عن سوء إدارة حكومية للأزمة حيث تعاملت مع الأزمة من منظور أمنى وليس سياسى لذلك كانت هذه الخسائر الفادحة. ونصح د. جودة عبد الخالق الحكومة بضرورة السعى الجاد لمحاصرة هذه الخسائر لتقليل آثارها على مسيرة الاقتصاد وليكن ذلك بإعادة النظر فى منظومة الإيرادات والمصروفات فى مصر، بحيث يتم تقليص النفقات غير الضرورية وما أكثرها وحسن استغلال ما هو متوافر من إيرادات والبدء فورا فى تطبيق الضرائب التصاعدية لتحقيق زيادة فى حجم الإيرادات لأنه من غير المقبول أبدا أن أعامل الممول الذى يحقق مكاسب 10 آلاف جنيه مثل ممول آخر يحقق 10 ملايين جنيه مكاسب. عودة السياحة أما الدكتورة عالية المهدى عميد كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، فترى أن الخسائر التى تعرض لها الاقتصاد المصرى فادحة ولابد من تجاوز مرحلة الحديث عن الخسائر لأن ما تحقق من مكاسب على المستويين السياسى والاجتماعى أكبر بكثير من هذه الخسائر إذا ما تم استثمار هذه الروح الجديدة فى بناء نهضة مصرية جديدة. ونصحت كل المتعاملين فى البورصة بضرورة التروى والابتعاد عن الاتجاه العام البيعى فى التعاملات التى تقودها الأموال الساخنة التى تدخل البورصة سريعا وتهرول منها سريعا أيضا، مشيرة إلى أن الشراء هذه الايام فى ظل تهاوى المؤشر سوف يترتب عليه مكاسب كبيرة علاوة على أنه ينم عن وطنية صاحبه. لأن الشراء فى هذه الآونة يمثل سعياً للحفاظ على مقدرات هذا الشعب، وبالتالى فإن الأولى أن يحافظ حملة الأسهم والسندات على ما بأيديهم من أن يدفعوه فى اتجاه الشراء، علما بأن البورصة سوف تقف بالمرصاد لحماية التعاملات فى البورصة خلال الأيام القليلة. وذكرت د. المهدى أن المطمئن فى هذا الأمر أن قطاع السياحة الذى يعد الأكثر تأثرا بالأحداث الحالية هو من القطاعات التى تمتلك القدرة على العودة سريعا إلى الطريق الصحيح، وربما اتضح ذلك إبان الأحداث الإرهابية التى شهدتها الأقصر نهاية 1997 وما تلاها من أحداث أخرى متفرقة أصابت السائحين بالذعر الشديد وخلال أيام خلت الفنادق وكل المنشآت السياحية من السائحين لكن خلال ثلاثة شهور بدأ القطاع يتعافى ثانية وحقق العام 1998 نتائج لم تكن متوقعة.