شرعت حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة فى تونس فى تنفيذ أجندتها للانتقال بتونس إلى مرحلة جديدة محملة بمسئوليات سياسية واقتصادية واجتماعية كبيرة، وخصوصا فى ظل توقعات ومطالبات متزايدة من المواطنين التونسيين بتحسين ظروفهم المعيشية وإصلاح الحياة السياسية وتأهيل الاقتصاد ومحاربة الفساد ومحاكمة رموزه. وتضمّ الحكومة التونسية المؤقتة 24 وزيرا، من بينهم ثلاثة من قادة المعارضة المعترف بها، وممثلون عن المجتمع المدنى، وثمانية وزراء من حزب التجمع الدستورى الديمقراطى. وقد جاء سحب الاتحاد العام التونسى للشغل لوزرائه الثلاثة من الحكومة المؤقتة، وهم حسين الديماسى (وزير التشغيل)، وعبد الجليل البدوى (وزير لدى الوزير الأول)، وأنور بن قدور (كاتب الدولة لدى وزير النقل والتجهيز)، واستقالة ممثل حزب التكتل الديمقراطى من أجل العمل والحريات مصطفى بن جعفر الذى عين وزيرا للصحة، ليضيف أزمة جديدة أمام الحكومة المؤقتة، الى جانب تهديد حركة التجديد المعارضة بالانسحاب من الحكومة ما لم يتخل الوزراء الأعضاء فى حزب التجمع الدستورى الديمقراطى - حزب الرئيس السابق زين العابدين بن على - عن عضوية الحزب.أما وزيرة الثقافة المخرجة مفيدة التلاتلى التى سبق أن أعلنت انسحابها من الحكومة فقد تراجعت وأقسمت اليمن. استعادة الثقة فى الحكومة فى أعقاب ذلك،وفى خطوة نحو استعادة الثقة فى الحكومة، قدم الرئيس التونسى المؤقت فؤاد المبزع والوزير الأول محمد الغنوشى استقالتيهما من حزب التجمع الدستورى الديمقراطى، كما قرر الحزب طرد الرئيس السابق زين العابدين بن على وستة من أقرب معاونيه من صفوفه مبررا هذا الإجراء بأنه جاء «تبعاً للتحريات التى تمت على مستوى الحزب إثر الأحداث الأخيرة التى مرت بها البلاد». وشمل قرار الطرد من الحزب كلاً من عبد العزيز بن ضياء وزير الدولة السابق، والمستشار لدى رئاسة الجمهورية، وأحمد عياض الودرنى (مستشار الرئاسة)، وعبدالوهاب عبدالله (مستشار الرئاسة)، ورفيق بالحاج قاسم وزير الداخلية السابق، وبلحسن الطرابلسي، ومحمد صخر الماطرى عضوى اللجنة المركزية للتجمع، وصهرى الرئيس السابق. وفى المقابل، تمسك الحزب الديمقراطى التقدمى - الذى تمّ تعيين مؤسسه نجيب الشابى وزيرا للتنمية الجهوية - بالبقاء فى الحكومة المؤقتة، وقالت الأمينة العامة للحزب مية الجريبى: «نحن نتمسك بهذا الخيار للخروج من هذه المرحلة الانتقالية»، وأضافت أن هذه الحكومة بادرت باتخاذ قرارات إصلاحية، كفصل الأحزاب عن الدولة، وتحرير الإعلام، وتشكيل لجان للإصلاح السياسى والتحقيق فى الفساد، وغيرها من الإصلاحات. وختمت تصريحها قائلة:«أظن أن هذا هو الحل للخروج من هذه المرحلة». وتأتى الانتخابات الرئاسية فى صدارة الاستحقاقات التى ستواجه الحكومة التونسية المؤقته، ولهذا قررت الحكومة تأجيل إجراءها لعدة شهور لحين الانتهاء من بعض الإصلاحات الضرورية حيث أكد رئيس الوزراء محمد الغنوشى أن الانتخابات الرئاسية «ستجرى خلال ستة أشهر على أقصى تقدير» واعتبر أن «ستة أشهر فترة معقولة حتى تدخل الإصلاحات فى مستوى المنظومة القانونية وتتمكن الأحزاب من تنظيم صفوفها وتستعد للانتخابات حتى لا تكون صورية». وأضاف أنه «حسب الدستور التونسى تجرى الانتخابات فى غضون 45 إلى 60 يوماً على أقصى تقدير، لكن هذه الفترة باعتبار المجهود الذى يتعين بذله فى مستوى تعديل القوانين.. فترة لا تكفى». بينما شدد وزير الخارجية التونسى كمال مرجان على أن الحكومة الجديدة هى حكومة وحدة وطنية انتقالية هدفها واضح ومدتها محددة. هدفها التحضير لانتخابات رئاسية قد تشرف عليها أطراف دولية. ورغم تصريحاته بأن حكومته لن تسمح لرئيس حركة النهضة الإسلامية راشد الغنوشى بالعودة إلى تونس من دون صدور قانون عفو عام. فقد قال رئيس الوزراء محمد الغنوشى أن المجال مفتوح لحركة النهضة الاسلامية المحظورة للمشاركة فى الحياة السياسية القادمة للحكومة التونسية، بعد أن تم القضاء على أغلب رموزها ومنعها من ممارسة أى نشاط سياسى دينى فى الفترة الماضية. مضيفا أن الإجراء الخاص بتعديل قانون تنظيم ومشاركة الأحزاب، هو ما سيتيح لكل حزب سياسى تقديم ترشحه للانتخابات شرط التزامه بمصلحة تونس وشعبها، واحترام الحريات. ولاحقاً أعلنت حركة النهضة أن رئيسها غير مرشح للرئاسة بينما عاد المعارض التونسى منصف المرزوقى من منفاه فى باريس. محاربة الفساد والرشوة وفى الوقت الذى أعربت فيه مصادر متعددة عن تفاؤلها بمستقبل تونس وخصوصا على الصعيد الاقتصادى خلال الحقبة الجديدة، أكد رئيس الوزراء التونسى أن حكومته الانتقالية ستعمل على محاربة الفساد ورصده بالدرجة الأولى، مشيرا إلى أن لجانا شكلت من شخصيات معروفة بالنزاهة والهدوء والرزانة، لاستقصاء التجاوزات، ورصد قضايا الفساد والرشوة التى حدثت فى العهد السابق. وشدد الغنوشى على أن حكومته ستحرص على تطبيق القانون والعمل وفق الدستور، مبينا أن دور الحكومة سيكون مركزا على تطبيق التعهدات التى تقدم بها فى خطابه بعد تشكيل الحكومة وإن السجناء السياسيين تم إطلاقهم بالفعل كما تعهد من قبل، وأبان أن الفترة الانتقالية (6 أشهر) ليست بالطويلة، وستظهر لجميع الأطراف أن الحكومة الجديدة تعمل من أجل مصلحة البلاد. وعلى المستوى الاقتصادى والاجتماعى تعد ظاهرة البطالة بين خريجى التعليم العالى فى تونس من أبرز التحديات التى تواجه الحكومة التونسية المؤقتة حيث يتعين عليها إيجاد فرص عمل لهذه الفئة التى تمثل خمس إجمالى العاطلين عن العمل البالغ عددهم نحو خمسمائة ألف, وفقا لأرقام رسمية.وهو الأمر الذى دفع وزير التشغيل حسين الديماسى الى الاستقالة حيث قال بعد استقالته:«لقد كلفونى دون سابق إعلام بوزارة التشغيل. وأنا مطالب بحلّ أزمة البطالة. فهل يعقل أن يكلفونى بحلّ مشكل فى بضعة أشهر قبل الانتخابات، والحال أنى أمضيت سنوات لفهم الظاهرة». وتشير الأرقام الرسمية إلى أن عدد خريجى التعليم العالى فى تونس يبلغ نحو ثمانين ألفا سنويا، بعد أن كان لا يتجاوز أربعين الفا خلال السنوات الخمس الماضية، ويضطر أغلب الحاصلين على شهادات جامعية للانتظار فترات بين عامين وستة أعوام للحصول على وظيفة بالقطاع الحكومى أو الخاص فى بلدهم. وقال مسئولون تونسيون إنهم يسعون لجذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية لتونس لخلق المزيد من فرص العمل. لكن خبراء قالوا إنه يتعين على تونس تحسين مناخ الاستثمار والقيام بالمزيد من الإصلاحات. تفاؤل بمستقبل الاقتصاد من جهة أخرى، أعرب اتحاد أصحاب الأعمال فى فرنسا عن تفاؤله بمستقبل الاقتصاد الذى ينتظر تونس خلال الحقبة المقبلة، مشيرا إلى أن تونس تمثل فرصا ضخمة للشركات الفرنسية فور تخلصها من المحسوبية والفساد.وتعد فرنسا أكبر شريك تجارى لتونس، ولديها نحو 1250 شركة تعمل هناك، واستثمرت الشركات الفرنسية نحو 139 مليون يورو (185.5 مليون دولار) فى تونس فى 2009. وصرح الاقتصادى التونسى منصف شيخ روحه بأن تقديرات البنك الدولى أشارت إلى إمكانية رفع معدل نمو اقتصاد تونس - التى يبلغ تعداد سكانها عشرة ملايين نسمة - بواقع نقطتين أو ثلاث نقاط مئوية عن مستواه الحالى البالغ 4% على أساس سنوي، ليوازى معدل النمو الهندى البالغ 7% إذا ما تم القضاء على المحسوبية والفساد. وعن مستقبل الاقتصاد التونسي، أكد شيخ روحه أن بلاده تذخر بطبقة كبيرة من رجال الأعمال الشبان التواقين إلى تحقيق الثروة وخلق فرص العمل، بمجرد تخليص اقتصاد البلاد من القيود التى فرضها النظام السابق، لافتا إلى توفر كفاءات قادرة على إدارة البلاد. من جانبه دعا الخبير الاقتصادى التونسى فتحى الجربى الحكومة المؤقتة إلى إقامة مشاريع ذات قيمة مضافة عالية لتسريع النمو الاقتصادى واستيعاب الطلبات على العمل مبينا أنه يجب على تونس تحسين مناخ الاستثمار لجلب شركات أجنبية كبرى توفر عددا كبيرا من فرص العمل، واعتبر أن الشركات الموجودة فى تونس لا تساهم بشكل فعال فى تقليص البطالة وخصوصا لدى حملة الشهادات العليا. وتعد السياحة أكبر مصادر العملة الأجنبية لتونس التى تمتلك قطاعا سياحيا نشطا، ويصل عدد زوار البلاد إلى نحو سبعة ملايين شخص سنويا، وفقا لمنظمة السياحة العالمية. وبعد زوال حقبة الرئيس السابق بن علي،أصبحت الكرة الآن فى ملعب الشعب التونسى بمختلف اتجاهاته السياسية ، إذ لن يحل المشكلات اقصاء فريق أو استبعاد آخر من الساحة،وإنما فتح صفحة جديدة من العمل الوطنى على كل الأصعدة بحيث تشارك فيها الأحزاب من كل التيارات السياسية العلمانية واليسارية والإسلامية للخروج بتونس من عنق الزجاجة الحالى والانطلاق بها نحو آفاق جديدة من التقدم والنمو والرخاء.