فى سور القاهرة القديمة أبواب تدخلك إلى قلب مصر وكل باب يرتكز على أعمدة تكسبه صلابة المادة وتسمح بالنفاذ إلى روح الأمة وعقلها السابح فى صحيح الدين. ولرجال الدين نصيب كبير من تاريخ مصر المحروسة بعناية الخالق العظيم الذين اختصهم بالعقل والحكمة والرحمة. ويرصد تاريخنا الممتد عبر القرون أئمة وقساوسة وحكماء كان لهم الفضل فى حراسة أبواب الوطن. ويتولى نيافة البابا شنودة بطريرك الكرازة المرقسية حراسة أحد أبواب الوطن الآن بروح شفافه أكسبته حب المسلمين والمسيحيين. فهو راهب متصوف أرسى مبادئ دينية جعلت من المسيحية منهجاً للحياة شامل ومن كلماته التى يعظ بها أتباعه «اشكر الله على كل حسناته إليك منذ ولدت» كم مرة طلبت من الله فاستجاب لصلاتك وكم من ضائقه أنقذك منها وكم من مرض شفاك منه وكم من باب رزق فتحه أمامك أتستطيع أن تحصى إحسانات الله إليك لا أظن ذلك ممكناً» كما ألف أكثر من 100 كتاب وترجم حوالى 40 كتابا لعدة لغات وحصل على جوائزعالمية من منظمات دولية عديدة منها 3 جوائز فى التسامح الدينى وحقوق الإنسان. وللبابا دور لاينسى فى إرساء دعائم الوحدة الوطنية فهو القائل «إن أبناء مصر نسيج وطنى واحد» ويقول لأبنائه فى المهجر «إنه يجب على كل مصرى هاجر أن يكون فى هجرته قد أخذ مصر معه واحتفظ بها فى قلبه وفكره ولاينسى وطنه الأم - مصر - الذى علمه وأنشأه وأوصله إلى المكان الذى وصل إليه» وقد رفض قانون التمييز الدينى الذى قدمته لجنة العلاقات الخارجية الأمريكية لاعتماده فى الكونجرس وقال إن أى قبطى لا يقبل أن تفرض عقوبات على مصر وأن هذه الخلافات هى شأن داخلى قد يحدث مثلها داخل الأسرة الواحدة». مميزات شخصية/U/ وقد عرف البابا بدماثة خلقه وفصاحته التى جعلته من أبرز الشخصيات ذات الحضور فى الأوساط الإعلامية. وفى حديث أجرته إحدى القنوات الفضائية بمناسبة الاحتفال بيوم ميلاده أجاب عن عدة أسئلة نذكرمنها مثلاً لماذا لقب ببابا الإسكندرية؟ فأجاب إن الإسكندرية كانت عاصمة البلاد منذ أسسها الإسكندر الأكبر فى القرن الثالث قبل الميلاد أى قبل القاهرة بنحو 13 قرناً حيث تأسست القاهرة فى القرن العاشر الميلادى وبعدها أصبح للبابا رقم 66 مقران أحدهما فى الإسكندرية والآخر فى القاهرة والكنيسة القبطية هى الكنيسة الأم فى أفريقيا وإنه يعتبر أول أسقف للتعليم المسيحى ورابع أسقف يصبح بابا بعد البابا يوحنا التاسع عشر والبابا مكاريوس الثالث والبابا يوساب الثانى. وعن صفاته ونشأته يقول عنه أصدقائه المقربين إنه مثقف ومفكر ويحب الدعابة وذو كاريزما فى الخطابة، حصل على ليسانس الآداب فى التاريخ ثم التحق بالقوات المسلحة كضابط احتياط وعمل مدرساً للغة العربية والانجليزية وفى عام 1954 التحق بالرهبنة فى دير السيدة العذراء بوادى النطرون وأصبح اسمه اللاهوتى (انطونيوس السريانى) وفى عام 1971 أصبح البابا 117 من بابوات إسكندرية بعد إجراء قرعة وأصبح اسمه البابا شنودة الثالث وفى أغسطس العام المنصرم احتفل أتباعه ومحبوه بعيد ميلاده ال 87 ومن صفاته أيضاً أنه صاحب ذاكرة قوية وعقله موسوعة ضخمة من المعارف الدينية وأديب وشاعر يحفظ ما يقرب من 1500 بيت من الشعر القديم والحديث. وعن طفولته كتب قصيدة فى عام 1939 بعنوان (أحقاً كان لى أم أم ولدت بغير أم) ويحكى لنا عن مناسبة هذه القصيدة بأن والدته قد توفيت بحمى النفاس عقب ولادته وتنافس أهل قريته على رعايته وإرضاعه فكانت له أكثر من أم والعديد من الإخوة مسلمين وأقباطا وهذا جعله محباً لكل الناس. ويكمل حديثه عن حياته التى أشرف عليها أخوه الأكبر بعد زواج والده من أخرى وسفره مع أخيه إلى دمنهور ليكمل تعليمه الإبتدائى الذى أمضاه متنقلاً بين مدارس بنها وأسيوط ودمنهوروالقاهرة وقد أكسبته هذه الحياة قدرة على الاعتماد على النفس ومرونة وتفهما فى التعامل مع الآخرين ونظراً لشغفه بالقراءة فقد قرأ لقادة الفكر فى مصر وهو فى سن مبكرة ثم انتقل للحياة فى القاهرة حيث أكمل تعليمه الثانوى متنقلاً بين مدرسة الإيمان بشبرا ومدرسة راغب بالفجالة والتحق بجامعة فؤاد الأول وتمتع بمجانية التعليم لتفوقه وفى عام 1939 تخرج فى كلية الآداب قسم التاريخ، ثم التحق بالقسم المسائى للكلية الإكليريكية وإحترف العمل الصحفى وأصبح رئيس تحرير مجلة مدارس الأحد، وفى عام 1954 ترك كل شىء وتوجه إلى دير السيدة العذراء «السريان» بوادى النطرون وتمت طقوس رهبنته وأصبح اسمه الدينى (الراهب انطونيوس). الطريق إلى الله/U/ ويقول عن حياة الرهبنة إنها حياة مليئه بالحرية والنقاء وأصبح قسيساً وأمضى 10 سنوات فى الدير دون أن يغادره وعين سكرتيراً للبابا كيرلس الذى اختاره ليكون أسقفاً للتعليم وأطلق عليه اسم الأنبا شنودة. وفى عام 1966 أصبح عضواً فى نقابة الصحفيين وبعد رحيل البابا كيرلس السادس عام 1971تم إجراء قرعة ووقع الاختيار على الأنبا شنودة الثالث للجلوس على كرسى البابوية وصدر قرار جمهورى رقم 78 باعتماد تعيينه بابا الإسكندرية وبطريركاً للكرازة المرقسية. وشنودة هو اسم قبطى يعنى عطية الله. ومنذ تولى البابا شنودة كرسى البابوية حرص على إقامة علاقات صداقة مع علماء الدين الإسلامى فى مصر والعالم. وقد نجح فى جعل الخطاب الدينى رسالة حب تنتقل من قلب إلى قلب ونادى بأن يكون الإرشاد الدينى معبراً عن تعاليم الدين وليس فكراً شخصياً وأن يكون صادقاً ومن أشهر مواقفه أنه رفض ذهاب أى قبطى للتقديس إلا بعد أن تحل القضية الفلسطينية ويدخل الجميع مسلمين ومسيحيين إلى القدس كوحدة وطنية. وقد أرسل الحزب الوطنى رسالة تحية للبابا وأطلق عليه لقب رجل المواقف الصعبة الحريص على السلام الاجتماعى والوحدة الوطنية.