فى الوقت الذى كان قادة دول مجلس التعاون الخليجى يتباحثون خلال قمتهم الحادية والثلاثين فى أبو ظبى حول ملف إيران النووى باعتباره أحد أبرز القضايا ، كانت إيران قد استأنفت بالفعل المحادثات النووية مع الدول الست الكبرى، بريطانيا والولاياتالمتحدة وروسيا والصين وفرنسا وألمانيا فى أول محادثات حول ملف إيران النووى منذ توقفها فى أكتوبر 2009. وعقب نشر موقع «ويكيليكس» لوثائق دبلوماسية سرية كشفت عن مخاوف قادة دول الخليج بشأن برنامج إيران النووي،لم يعد ممكنا إخفاء هذه المخاوف التى تؤرق بالفعل دول المنطقة، وتهيمن على طبيعة العلاقات بين إيران ودول الخليج، وهو ما دفع الأمين العام لمجلس التعاون الخليجى عبد الرحمن العطية إلى التأكيد على ضرورة تعزيز التعاون الأمنى بين دول مجلس التعاون، لإحباط أى مخططات تستهدف الأمن والاستقرار فى الدول الخليجية. وقبيل انعقاد القمة الخليجية، أرسلت إيران بإشارات بالغة الأهمية بالنسبة للدول العربية ولملف طهران النووى، حيث أعلن الرئيس الإيرانى محمود أحمدى نجاد أن بلاده مستعدة للتفاوض مع الدول الكبرى، ولكن ليس على «حقوقها» فى المجال النووى.ونقل موقع التلفزيون الرسمى الإيرانى عن نجاد قوله «نحن مستعدون للتفاوض ولكن على (الدول الكبرى) ان تعترف بأن حقوق الأمة الإيرانية ليست قابلة للتفاوض.وعلى هذه الدول أيضا أن توقف عدائيتها». وعلى الصعيد العربى جاءت تصريحات وزير الخارجية الإيرانى منوشهر متقى التى أدلى بها فى العاصمة البحرينية المنامة خلال الأسبوع الماضى لتحمل الكثير من الدلالات المهمة وخصوصا بعد تسريبات «ويكيليكس»، حيث قال متقى إن إيران لن تستخدم قوتها ضد الدول العربية المجاورة لها، ولا ننوى أن نفعل ذلك. وأضاف أن «قوتكم فى المنطقة هى قوتنا وقوتنا هى قوتكم». واعتبر محللون ان تصريحات متقى محاولة لتهدئة المخاوف التى عبرت عنها وزيرة الخارجية الأمريكية هيلارى كلينتون والدول العربية المجاورة لإيران، حيث قالت هيلارى فى المنامة قبل متقى بيوم واحد، إن الدول المجاورة لإيران تقاسم الولاياتالمتحدة القلق من البرنامج النووى الإيرانى، كما تشعر شعوب شمال شرق آسيا من القلق من النشاطات النووية الكورية الشمالية. ورغم نفى متقى مجدداً سعى إيران إلى امتلاك أسلحة نووية، إلا أن بلاده لم تستطع فى الوقت نفسه إقناع العالم حتى الآن بسلمية برنامجها النووى بسبب مواقفها المتشددة، وعشية مفاوضات جنيف الأخيرة كان رئيس هيئة الطاقة النووية الإيرانية على أكبر صالحى يصرح بأن بلاده ستصل خلال خمس سنوات إلى الاكتفاء الذاتى فى تأمين احتياجاتها من اليورانيوم، مؤكدا أن طهران ستواصل مسيرتها النووية ولن تتخلى عن حقوقها. خلاصة الأمر أن إيران عليها بذل المزيد من الجهد نحو تحقيق التقارب الفعلى المبنى على تبادل المصالح والمنافع مع العرب من جهة، وابداء المزيد من المرونة فى مواقفها مع القوى الدولية اذا كانت فعلا لا تهدف الى أغراض عسكرية من وراء برنامجها النووي، وخصوصا انها مازالت تحت العقوبات الاقتصادية، وربما تتعرض للمزيد من هذه العقوبات فى حالة فشل المحادثات الجديدة مع الغرب، وهو ما سيزيد الأمور تعقيدا بلاشك لأنه كلما تدهورت علاقة إيران مع الغرب كلما زادت مخاوف العرب من إمكانية تهديد إيران للأمن والسلم فى المنطقة.