تستضيف إسطنبول غدا وبعد غد جولة جديدة من المحادثات بين مجموعة "5+1" وإيران لبحث القضايا المتعلقة بملف طهران النووي المثير للجدل بعد الجولة التي استضافتها مدينة جنيف السويسرية بين الجانبين يومي السادس والسابع من ديسمبر الماضي. وتتشكل مجموعة "خمس زائد واحد" من الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، وهي الولاياتالمتحدة وبريطانيا وفرنسا وروسيا والصين بالإضافة إلى المانيا. وقد أعربت الولاياتالمتحدة عن رغبتها في رؤية "عملية تفاوضية جادة" خلال جولة إسطنبولالجديدة وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الامريكية فيليب كراولي "نحن وشركاؤنا ملتزمون تجاه الجهود العملية لتبديد مخاوف المجتمع الدولي ازاء برنامج إيران النووي". وأضاف كراولي "ولكننا ملتزمون أيضا تجاه تحميل إيران مسؤولية التزاماتها الدولية". وقد استبقت إيران عقد هذه الجولة من المحادثات بتحركات دبلوماسية لتهيئة المجتمع الدولي لإبداء نوع من المرونة تجاه ملفها النووي ولتحقيق مجموعة من الأهداف والمكاسب، إذ وجهت الدعوة إلى روسيا والصين ومصر ومجموعة عدم الانحياز في مجلس محافظي الوكالة الذرية وكوبا ودول الجامعة العربية في الوكالة، إضافة إلى المجر التي تتولى الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي، وذلك لزيارة محطتها لتخصيب اليورانيوم في ناتنز ومفاعل أراك الذي يعمل بالماء الثقيل وما زال قيد الإنشاء. وترجمة لهذه الدعوة واصلت مجموعة من السفراء المعتمدين لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية زيارة الموقعين في ضوء مقاطعة الصين وروسيا حليفتي طهران، وبغياب سفراء الولاياتالمتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا بالوكالة الذرية، الذين لم توجه الدعوة إليهم. كانت إيران قد وجهت دعوة أيضا لممثلة السياسة الخارجية الأوروبية كاثرين أشتون لزيارة المواقع النووية الإيرانية قبل محادثات إسطنبول نيابة عن المفاوضين الستة، لكن أشتون ومجموعة الدول الست رفضت هذه الدعوة، وقالت إن خبراء الوكالة الدولية هم من ينبغي أن يقوموا بعمليات التفتيش وليس الدبلوماسيين. والجدير بالذكر أنه في مطلع عام 2007، سمحت إيران لستة من مبعوثي مجموعة عدم الانحياز بتفقد كاميرات مراقبة وضعتها الأممالمتحدة، خلال جولة في منشأة نووية قرب مدينة أصفهان. وتسعى إيران إلى تحقيق عدد من الأهداف والمكاسب من خلال تحركاتها الدبلوماسية الأخيرة في مقدمتها كسب التأييد والتعاطف لبرنامجها النووي المثير للجدل قبل المحادثات المرتقبة مع الدول الست الكبرى باسطنبول، في وقت تؤكد أنها أنتجت أكثر من 3200 كيلوجرام من اليورانيوم المنخفض التخصيب "بنسبة 5%"، وأنها باشرت تخصيب يورانيوم بنسبة 20% منذ فبراير الماضي، ما يرجح امتلاكها أكثر من 40 كيلوجراماً منه. كما جاءت تلك التحركات الدبلوماسية الإيرانية للرد على تعليقات وزيرة الخارجية الأمريكية خلال زيارتها لأبو ظبي مؤخرا، حين أكدت أن البرنامج النووي الإيراني تأثر بالعقوبات الدولية التي قالت إنها "ضاعفت صعوبات تحقيق طهران طموحاتها النووية، وعرضتها لمشاكل فنية أخرت جدولها الزمني". فضلا عن الرغبة الإيرانية للرد على مقولة الدول الغربية بأن إيران أصبحت تواجه عزلة من جانب المجتمع الدولي، وهذه الدعوة تعكس علاقات إيران مع هذه الدول، وبالتالي عدم عزلتها. واعتبر خبراء في شؤون إيران، أن الدعوة الإيرانية بتحركاتها الدبلوماسية تعد إحدى الآليات التي تسلكها طهران ابتعادا عن خطاب المواجهة، وأنها توحي في شكل لا لبس فيه بأن وزير الخارجية الإيراني بالوكالة علي أكبر صالحي يحاول ترك بصمته وتحسين العلاقات العامة لإيران. ومن جانبه رأى مارك فيتسباتريك أحد خبراء المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، أن التحركات الدبلوماسية الإيرانية حيلة دعائية تستهدف تعميق الانقسامات بين الدول الأعضاء في الوكالة الذرية، في ما يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني، وأن السفراء لم يتدربوا على أن يكونوا مفتشين. وتريد القوى الكبرى من إيران أن توقف برنامجها لتخصيب اليورانيوم الذي تشتبه في أنه ستار لمساعي صنع سلاح نووي، فيما تقول طهران إن برنامجها للأبحاث النووية مخصص فقط للأغراض السلمية. ويرى خبراء في الشأن الإيراني أن جولة اسطنبول قد تكون محدودة النتائج، وأن التوقعات بإحراز تقدم في هذه المحادثات تبدو ضئيلة بعد فشل الجولة الأولى منها في جنيف الشهر الماضي. وكان الاتفاق الوحيد الذي توصلت اليه جميع الأطراف في المحادثات النووية في جنيف هو عقد المزيد من المحادثات في إسطنبول في يناير 2011، مع التأكيد الإيراني على أنها لا تسمح بمناقشة ما سمته "الحقوق "النووية" الايرانية"، واعتبار قضية التخصيب حق راسخ للايرانيين وغير قابل للتفاوض. يدعم هذه الرؤية المستقبلية إصرار إيران على تحدي المجتمع الدولي من خلال تأكيد وزير الخارجية الإيراني بالوكالة علي أكبر صالحي أن اختبارات ستجري لمفاعل محطة بوشهر النووية في مطلع فبراير، يليها إغلاق قلب المفاعل لنقل الوقود إليه في ترتيب سيستغرق مدة شهر على أن يبدأ إنتاج الطاقة الكهروذرية في بداية مارس المقبل. وإذا كانت طهران تراهن على دعم ومساندة الموقفين الصين والروسي في الملف النووي، فإن المراقبين يرون أن عام 2011 له أهمية كبرى للصين وروسيا من أجل تنمية العلاقات الثنائية فى شتى المجالات، وأنه سيشهد مواصلة قادة البلدين الاتصالات الوثيقة وتعزيز التنسيق لدفع التعاون الصيني الروسي في مختلف المجالات إلى مستوى جديد، بغض النظر عن نتائج جولة اسطنبول. وتأسيسا على ما سبق، يبقى خيار الحوار بين الغرب وإيران مفتوحا ومستمرا، وستكون محادثات اسطنبول مرحلة جديدة ضمن هذا الخيار، في ضوء انتهاج النظام الإيراني لدبلوماسية المماطلة واستنزاف الوقت حتى تتمكن في النهاية من امتلاك كافة الحقوق النووية. يدعمها في ذلك أن المتغيرات الدولية تصب الآن في صالحها، وهو رفض معظم القوى الدولية لفكرة شن حرب عسكرية على إيران، فضلا عن أن دول الجوار الإقليمي باتت على قناعة أن امتلاك طهران لبرنامج نووي مخصص للأغراض السلمية، هو أفضل من توجيه ضربه عسكرية لها.