عاد التوتر إلى شبة الجزيرة الكورية مرة اخرى بعد القصف المتبادل بين الكوريتين والكشف المتعمد لكوريا الشمالية عن انشطتها النووية الجديدة فى مجال تخصيب اليورانيوم والذى جاء وياللعجب للعدو الامريكى اللدود وهو ما أشعل الاوضاع فى شبه الجزيرة الكورية التى اصبحت على صفيح ساخن.. والواقع ان بيونج يانج ارادت سواء بهذا القصف الأضخم منذ الهدنة بين الكوريتين عام 1953 أو الكشف عن منشأتها الجديدة للعدو الامريكى ضرب أكثر من عصفور بطلقة واحدة سواء كان ذلك على الصعيد الداخلى او الخارجى فداخليا تمر كوريا بمرحلة انتقال للسلطة من الزعيم «كيم جونج ايل» إلى ابنه «كيم يونج أون» والنظام يريد اظهار مدى قوته وتقديم الزعيم الجديد للشعب والاهم للجيش على انه الرجل القوى الذى يقف امام الجارة الجنوبية وحليفتها امريكا..وخارجياً فقد ارادت بيونج يانج من الكشف عن انشطتها الجديدة توجيه رسالة إلى امريكا من ان العقوبات المفروضة عليها لن تفيد خاصة ظل عقوبات واشنطن وعلى الرغم من الوضع الاقتصادى المتدهور جداً لبيونج يانج فانها استطاعت انشاء مثل هذه المنشأة الحديثة التى لم تكن موجودة قبل عام مضى وأن تزودها بهذا العدد الضخم من اجهزة الطرد المركزى على الرغم من الحصار الامريكى وعيون مخابراتها وسفنها الحربية التى تجوب السواحل المحيطة بها إلى الحد الذى جعل عالم نووى امريكى يذهل من مدى تطور مفاعل بيونج يانج مؤكداً ان غرفة التحكم فى المفاعل لا تقل حداثة وكفاءة عن مثيلتها فى المفاعلات الامريكية.. وبالطبع إذا كانت العقوبات الدولية غير مجدية فما الحل؟ الحل الذى ارادت بيونج يانج ان يكون واضحاً امام عدوتها اللدود يتمثل فى استئناف المفاوضات السداسية وهو ما طالبت به الدولة الشيوعية الشهر الماضى ورفضته واشنطن وسول مطالبين بيونج يانج باتخاذ خطوات فعلية للتخلص من برنامجها النووى وبالطبع بعد التطورات الأخيرة فإن واشنطن هى التى ستسعى لاستئناف المفاوضات السداسية وليس بيونج يانج.. ومع ذلك فإن امريكا من جهتها وبعد الخروج من صدمة المفاجأة التى صاحبت اكتشاف منشأة بيونج يانج فانها حاولت استغلال التطورات الأخيرة لتحقيق أفضل المكاسب بل انها هى التى سربت للصحافة الامريكية والعالمية خبر الانشطة النووية الجديدة لبيونج يانج ليس فقط لحفظ ماء الوجه والذى ظهر من الايحاء بأن صور الاقمار الصناعية الامريكية كشفت المنشأة الجديدة قبل زيارة هيكر التى فقط فسرت هذه الصور، ولكن ايضأ وهو الأهم فإن الاعلان عن التوسع فى برنامج بيونج يانج النووى يبرر الحاجة إلى مشروع الدرع الصاروخية والذى تصر عليه واشنطن ويقلق موسكو ويدعم هذا ان الكشف عن خطط بيونج يانج جاء بعد اسبوع كامل من الزيارة ليتزامن مع اجتماع الناتو وروسيا لبحث مستقبل الدرع الصاروخية والذى تتذرع امريكا بانه موجه اساساً لدول محور الشر وفى مقدمتها كوريا الشمالية وايران..ومن ناحية أخرى فإن امريكا ارادت بالكشف عن الامر الضغط على بكين حتى تسمح بفرض مزيد من العقوبات على بيونج يانج خاصة ان التسريبات الامريكية لوسائل الاعلام تزامنت مع جولة «ستيفان بورسورث» المبعوث الامريكى لملف كوريا الشمالية فى المنطقة والتى شملت سول وطوكيو وأخيراً بكين وهى وإن كانت المحطة الأخيرة الا انها كانت الهدف الاهم فالجميع يعلم مقدار النفوذ التى يمكن ان تمارسه بكين على بيونج يانج باعتبار ان التنين الصينى هو الحليف الوحيد للشطر الشمالى فى العالم..عموماً بيونج يانج لم تنجح فقط فى تطوير برنامجها النووى ولكنها وضعت شبه الجزيرة الكورية على حافة الهاوية تماماً كما كان يفعل وزير الخارجية الامريكى الاسبق «هنرى كيسنجر» فى مواجهة اى أزمة فإما حل الملف النووى الكورى الشمالى سلمياً وإما التصعيد الذى سيجعل شتاء شرق اسيا ساخناً جداً!..