أسعار اللحوم والدواجن اليوم 2 مايو    الولايات المتحدة تفرض عقوبات إضافية على روسيا    بيان عاجل من حركة حماس بعد اغتيال أحد قادة "كتيبة طولكرم" بالضفة الغربية    بسبب كهربا.. مهيب عبد الهادي يهاجم كولر: ما أكيد حاجة تضايق    مواقيت الصلاة اليوم الخميس 2 مايو في محافظات مصر    ترابط بين اللغتين البلوشية والعربية.. ندوة حول «جسر الخطاب الحضاري والحوار الفكري»    حكم دفع الزكاة لشراء أدوية للمرضى الفقراء    رسالة دعم مفاجئة إلى عبدالمنعم بعد هبوط مستواه مع الأهلي    فلسطين.. قوات الاحتلال الإسرائيلي تقتحم مدينة الخليل    كوكولا مصر ترفع أسعار شويبس في الأسواق، قائمة بالأسعار الجديدة وموعد التطبيق    مظهر شاهين: تقبيل حسام موافي يد "أبوالعنين" لا يتعارض مع الشرع    اشتري بسرعة .. مفاجأة في أسعار الحديد    الأنبا باخوم يترأس صلاة ليلة خميس العهد من البصخة المقدسه بالعبور    حيثيات الحكم بالسجن المشدد 5 سنوات على فرد أمن شرع فى قتل مديره: اعتقد أنه سبب فى فصله من العمل    مفاجأة | عقوبة قاسية لتجار الذهب في السوق    ينتقل بين العلماء ..إطلاق روبوت OrionStar Mini بالذكاء الأصطناعي بإمكانيات خارقة    يوسف الحسيني : الرئيس السيسي وضع سيناء على خريطة التنمية    برج الميزان .. حظك اليوم الخميس 2 مايو 2024 : تجاهل السلبيات    أخبار التوك شو|"القبائل العربية" يختار السيسي رئيسًا فخريًا للاتحاد.. مصطفى بكري للرئيس السيسي: دمت لنا قائدا جسورا مدافعا عن الوطن والأمة    ما هي الحالات القانونية التي ينطبق عليها "جرائم حرب"؟.. أيمن سلامة يوضح    أول تعليق من الصحة على كارثة "أسترازينيكا"    «عفيفي» يشارك في احتفالية تكريم الأعمال الدرامية الداعمة للتوعية بأضرار المخدرات    عاجل.. أول رد فعل من أفشة بعد عقوبات الأهلي    «بلاش استعراض».. نجم الأهلي السابق ينصح إمام عاشور    بعد أيام قليلة.. موعد إجازة شم النسيم لعام 2024 وأصل الاحتفال به    بعد وفاتها.. تعرف على أبرز المحطات الفنية ل الفنانة الجزائرية حسنة البشارية    بعد شائعات انفصالهما.. أول ظهور ل«أحمد السقا ومها الصغير» في عرض «السرب»    مشاهدة وتحميل مسلسل البيت بيتي الجزء 2 الحلقة 3 و4 جودة HD عرب سيد|شاهد تي في    لمدة 5 أيام.. عروستي على مسرح القاهرة للعرائس من جديد    لبنان.. الطيران الإسرائيلي يشن غارتين بالصواريخ على أطراف بلدة شبعا    متحدث الحكومة: بدأنا نشهد إقبالا أكبر على السوق المصري بعد استقرار سعر الصرف    عيار 21 يسجل الآن أقل سعر.. أسعار الذهب اليوم الخميس بالصاغة بعد قرار الفيدرالي    حي الدقي ينظم قافلة طبية لأهالي مساكن روضة السودان وصرف العلاج بالمجان    بيان مهم بشأن الطقس اليوم الخميس وتحذير من ظاهرة جوية : «توخوا الحذر»    خطوات دفع الفواتير عبر تطبيق «إنستاباي» عبر ماكينات ال ATM وحدود السحب    مفاجأة للموظفين.. عدد أيام إجازة شم النسيم في مصر بعد قرار ترحيل موعد عيد العمال    بقرار جمهوري.. تعيين أسامة حجازي عميدا لمعهد الكبد القومي بالمنوفية    حمالات تموينية للرقابة على الأسواق وضبط المخالفين بالإسكندرية    التصريح بدفن جثة صياد غرق بمياه البحر في الإسكندرية    النيابة تستعجل تحريات واقعة إشعال شخص النيران بنفسه بسبب الميراث في الإسكندرية    بقرار جمهوري.. تعيين الدكتورة نجلاء الأشرف عميدا لكلية التربية النوعية    الوطنية للتدريب في ضيافة القومي للطفولة والأمومة    الأعلى خلال 23 عامًا.. خبير يوضح تأثير قرار «الفيدرالي» على أسعار الذهب الفترة المقبلة    دوري أبطال أوروبا - هدف واحد يكفي قبل الإياب.. دورتموند ينتصر على باريس    محمد عادل حكما لمباراة الزمالك والبنك الأهلي    موعد مباريات اليوم الخميس 2 مايو 2024| انفوجراف    ميدو: جوميز مرحب ببقاء هذا اللاعب مع الزمالك في الموسم المقبل    صابر الرباعي يعلن اختيار "سيدي منصور" أفضل أغنية في القرن ال21 (صور)    «خليها في الثلاجة».. حملة جديدة لمقاطعة الدواجن بالقاهرة حتى تنخفض الأسعار    صندوق معاشات موظفي نيويورك يعارض انتخاب رئيس أرامكو مديرا ببلاك روك    قوات «الناتو» تشارك في أضخم تدريب عسكري للحلف منذ الحرب الباردة    عمرو خليل: تنامي العداء للولايات المتحدة بسبب دعم الاحتلال الإسرائيلي    أكاديمية الأزهر وكلية الدعوة بالقاهرة تخرجان دفعة جديدة من دورة "إعداد الداعية المعاصر"    لا داع للخوف..وزارة الصحة: ما يقرب من 14 مليون مصري تلقوا لقاح كورونا    ماذا كان يأكل الإنسان قبل الزراعة؟.. أسرار النظام الغذائي منذ 11500 سنة    خالد الجندى يشرح آراء العلماء حول موقف البسملة فى القرآن الكريم    القافلة السَّابعة لبيت الزكاة والصدقات تعبر ميناء رفح البري    وزير الأوقاف: تحية إعزاز وتقدير لعمال مصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حلمى النمنم مدافعاً عن العميد فى (طه حسين والصهيونية)
نشر في أكتوبر يوم 21 - 11 - 2010

فى شهر أكتوبر من كل عام، تحل الذكرى السنوية لعميد الأدب العربى الدكتور طه حسين، ومع ذكراه السابعة والثلاثين تتجدد الحوارات الفكرية حوله ولا تنتهى القراءات التى تعرض لفكر العميد وتأثيراته الممتدة فى الثقافة العربية.. ومنذ رحيله، والمكتبة العربية تشهد وفرة لافتة وغزارة شديدة فى الإصدارات والكتب التى تتناول شخص طه حسين أو الجوانب المتعددة لأدبه وفكره أو مشروعه الثقافى ككل.. بدءاً من كتاب سامى الكيالى الشهير «مع طه حسين» الذى صدر بعد وفاته بشهر واحد فى نوفمبر 1973م عن دار المعارف، ثم كتاب الدكتورة سهير القلماوى «ذكرى طه حسين» الذى صدر فى العام التالى لوفاة طه حسين.. مرورا بكتابات ودراسات متعددة ومتفاوتة، كمًا وكيفًا، لصحفيين ومفكرين ونقاد وباحثين أكاديميين، وليس انتهاء بكتاب الصحفى والباحث التاريخى حلمى النمنم فى كتابه الصادر حديثًا عن دار الهلال بعنوان «طه حسين والصهيونية» فى سلسلة كتاب الهلال..
والكتاب محاولة جادة لتقديم قراءة جديدة لفكر طه حسين وبسط مواقفه وآرائه تجاه الصهيونية، خصوصًا وأن طه حسين قد طالته اتهامات باطلة حول هذه المسألة. ويفند حلمى النمنم تلك الاتهامات ويسوق الأدلة والبراهين على نزاهة موقف طه حسين وبراءة ذمته الفكرية والعربية والقومية تجاه ما تردد حوله إزاء هذه القضية.
يقدم الكتاب قراءة جديدة لموقف طه حسين من الحركة الصهيونية والقضية الفلسطينية فى مرحلة باكرة من مراحل مأساتها الممتدة، وهى المرحلة التى سبقت إعلان قيام الكيان الصهيونى والدولة اليهودية على أرض فلسطين (1945-1948)، من واقع كتابات ونصوص لطه حسين لم يتم إلقاء الضوء الكافى عليها من الكشف والدرس والتحليل.
ويدافع النمنم دفاعاً عقلانياً مجيداً عن العميد وعن مجمل مشروعه الفكرى والثقافي؛ مؤكدًا أنه ناله من الحيف والظلم والتشويه ما ظل يتردد طوال حياته، وحتى بعد مماته، خصوصًا من قبل الأزهريين المحافظين الذين هاجموه بضراوة ووحشية بسبب أخذه بالمناهج الحديثة فى دراسة الأدب والتاريخ وفى أمور شديدة الصلة بالهوية الدينية والقومية.. ونال طه حسين ما ناله فى حياته وبعد مماته على السواء من كثيرين تصدوا له ولآرائه وأفكاره التى رأى البعض فيها خروجاً على الدين ومروقاً من الملة، ودعوة إلى التغريب والانسلاخ من العروبة والإسلام.. إلى آخر تلك التهم التى تكفى تهمة واحدة منها لبغض طه حسين والنفور منه ومن كتاباته بالجملة!
ويشدد النمنم تشديدًا جازمًا على أنه كان لزامًا على من تولوا شن هذه الحملات المغرضة وقيادة هذا الهجوم الضارى على العميد أن يستوثقوا أولا من آراء وأفكار الرجل من واقع كتاباته ونصوصه المتنوعة التى كان ينشرها فى مقالاته ودراساته بالدوريات المختلفة آنذاك..
ومع ازدياد حملات هذا الهجوم حدةً وعنفاً وشراسة خلال حقبة الأربعينيات، وبالأخص خلال النصف الثانى منه، تحددت التهم التى طالت الرجل بخصوص موقفه من الحركة العربية عامة، والقضية الفلسطينية خاصة، فى ما يلي:
- أنه لم يذكر فلسطين بكلمة واحدة وتجاهل تماماً الإدلاء برأى أو الإشارة إلى الصراع الدائر بفلسطين خلال الفترة التى سبقت النكبة بنحو ثلاث سنوات.
- قبوله الإشراف ورئاسة تحرير مجلة «الكاتب المصري» التى كانت تصدر عن دار (الكاتب المصري) التى كانت تمتلكها وتمولها أسرة هرارى اليهودية المصرية
- إلقاؤه لمحاضرة بالإسكندرية عن (الأدب العربى واليهود)، واتهم بسبب هذه المحاضرة بتعاطفه مع اليهود
- علاقته بالطالب والباحث اليهودى إسرائيل ولفنسون الذى أعد رسالته لنيل درجة الدكتوراه بإشراف الدكتور طه حسين، بعنوان «تاريخ اليهود فى بلاد العرب فى الجاهلية وصدر الإسلام» فى عام 1927م، وكتب له مقدمةَ هذا الكتاب،
وعلى مدار الفصول العشرة المكونة للباب الثانى من الكتاب وهو بعنوان «الصهيونية وفلسطين عند طه حسين»، فنَّدَ حلمى النمنم هذه الاتهامات، معتمدًا على نصوص طه حسين ومقالاته التى كان ينشرها فى الصحف والدوريات الثقافية والأدبية المختلفة، كما رجع إلى افتتاحياته المهمة لمجلة «الكاتب المصري» التى كان يرأس تحريرها..
واتكأ النمنم فى كشف حقيقة موقف طه حسين من فلسطين وحقيقة الادعاء بتعاطفه مع الصهيونية على مقال قديم لطه حسين نشره فى مجلة «الشرق» بتاريخ 28 أكتوبر من عام 1933م، بعنوان «فلسطين»، جاء فيه: «لو لم يكن بيننا وبين إخواننا من أهل فلسطين إلا هذا الإخاء العام، لكان من الحق علينا ألا نقف من هذه الأحداث التى ألمت بهم أمس موقف الذين ينظرون ولا يشعرون ويشهدون ولا يتأثرون.. كم تحب أن يشعر إخواننا من أهل فلسطين أننا شركاؤهم فيما يحسون من ألم وحزن». وأحداث الأمس التى يعنيها طه حسين فى مقاله، هى المظاهرات التى قام بها الفلسطينيون احتجاجاً على تزايد عدد المهاجرين من اليهود إلى بلادهم بل وإقامة 5 آلاف سائح يهودى فى فلسطين بشكل غير شرعي، وهى المظاهرات التى قابلتها قوات الاحتلال البريطانى آنذاك بعنف شديد فاستشهد فيها 12 فلسطينياً، واعتقل العشرات منهم.. وهذا المقتطف نموذج لنصوص بالغة الدلالة، لطه حسين، توضح موقفه الذى كان ينطلق من التفرقة الحاسمة بين «اليهودية» و «الصهيونية»، لأن اليهود قبل قيام دولة إسرائيل كانوا يعيشون فى كثير من الأقطار العربية لهم نفس الحقوق‏،‏ وعليهم نفس الواجبات،‏ وفى رأى طه حسين، أن أوروبا قد جنت عليهم حينما أحالت مشروعهم إلى مشروع سياسى استهدف قتل الفلسطينيين وتشريدهم من بلادهم وزرع وطن خاص باليهود فى أرض فلسطين العربية‏، التى كانت قبل قيام الدولة اليهودية نموذجاً للتسامح بين كل الديانات والأعراق‏، مؤكدًا أن اليهود كانوا يعيشون فى كثير من الأقطار العربية، قبل مأساة فلسطين، كجماعات لها كامل حقوقها السياسية والاجتماعية والدينية‏..
وبناء على التفرقة السابقة بين «اليهودية» و«الصهيونية»، فى فكر وعقل طه حسين، يمكن ببساطة شديدة تفسير إشرافه على أطروحة دكتوراه الباحث اليهودى بالجامعة المصرية، إسرائيل ولفنسون، عن موضوع شائك كهذا إلى الجامعة المصرية فى عشرينيات القرن الماضى (1926م)‏، وكذلك كتابته لمقدمة الكتاب، وللعلم فإن هذه الرسالة كانت بعناية وإرشاد العالم الأزهرى الكبير الشيخ عبد الوهاب النجار‏،‏ وموافقة لجنة «التأليف والترجمة والنشر» فى مصر على طبع الرسالة، باعتبارها عملا علمياً فريداً يستحق القراءة‏. كل ما سبقت الإشارة إليه فى حالة إسرائيل ولفنسون يعد نموذجاً رائعاً لما كانت عليه الجامعة المصرية الوليدة التى لم تكن تستهدف إلا البحث العلمى المجرد فقط‏، وفى مجتمع كان يساوى بين الجميع بصرف النظر عن الدين أو العرق‏.‏
وكان هذا الإشراف على رسالة الباحث اليهودى دليلا واضحاً على التفرقة بين اليهودية والصهيونية التى كانت قارة فى أذهان المثقفين والمفكرين فى مصر فى النصف الأول من القرن العشرين، ناهيك عن وضوحها فى أذهان العامة وسلوكهم المتسامح مع المصريين اليهود..
ويؤكد النمنم فى الفصل الخاص الذى خصصه لمناقشة التهم التى طالت طه حسين بسبب إشرافه على دار الكاتب المصرى ورئاسته لتحرير مجلة الكاتب المصرى أن تلك المجلة كانت مجلة ثقافية تنويرية من طراز رفيع.. ولم تتضمن من بين موادها، من عددها الأول إلى عددها الأخير، ما يتضمن إشارة ولو من بعيد لما يمكن أن يثير شكا أو غموضا حول موقفها أو موقف محرريها من قضية فلسطين بالسلب، بل على العكس فقد اشتملت على مجموعة من المقالات والتحليلات السياسية التى كانت ترصد وتحلل بدقة ما كان يجرى على أرض فلسطين من وقائع وأحداث وكانت فى مجملها العام تناهض النشاط الصهيونى فى فلسطين، وتحذر من مغبة النتائج المتوقعة فى حال تنفيذ هذه المؤامرة الرهيبة.
يسعى الكتاب، عبر فصوله، إلى إثبات أن طه حسين لم يكن الرجل الذى يغفل أو يتغافل عن الأحداث الكبرى والقضايا القومية التى كانت تتشكل وتحدث على مرأى ومسمع منه، وأنه يقينًا كان يرى أن فلسطين هى بوابة مصر نحو الشرق العربي، وكان على وعى وإدراك كامل لما يحدث على أرضها فى ذلك الحين من ازدياد معدلات الهجرة اليهودية إليها وبروز المشروع الصهيونى الاستعماري، ومن هنا جاءت مقالاته المبكرة فى التنبيه إلى خطورة ما يجرى فى فلسطين وخطورته على فلسطين ومصر والعرب والمسلمين جميعًا بل على الإنسانية كلها.. ومن هنا أيضا جاء موقفه حين تأسست جامعة الدول العربية فى عام 1944م من اعتباره أن مقياس نجاح هذه الجامعة مرهون بمقدرتها على استعادة فلسطين والمحافظة على عروبتها وعلى حقوق شعبها.
لكن يظل أهم ما فى كتاب حلمى النمنم أنه قدم محاولة محمودة وطيبة لإنصاف الرجل بعد 37 سنة من وفاته، وتقديم قراءة رصينة جديدة لبعض آراء ومواقف طه حسين تجاه قضية محددة -ناله منها ما ناله واتهم بسببها بما يكفى للاغتيال!- تقوم على الفهم المتأنى والتحليل المنطقى لنصوص طه حسين وحدها، ووضعها فى سياقها الزمني، والخروج منها بصورة تقترب كثيرًا جدًا من حقيقة آراء الرجل ومواقفه إزاء ما رمى به من انقطاع الصلة بجذوره الدينية والوطنية..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.